وبعد أن وصف نوح نفسه بتلك الصفات الأربع ، وبين لهم وظيفته أكمل بيان أخذ ينكر عليهم استبعادهم أن يخصه الله بالنبوة فقال :( أَوَ عَجِبْتُمْ أَن جَآءَكُمْ ذِكْرٌ مِّن رَّبِّكُمْ على رَجُلٍ مِّنْكُمْ لِيُنذِرَكُمْ وَلِتَتَّقُواْ وَلَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ ) الهمزة فى أول الجملة للاستفهام الإنكارى ، والواو بعدها للعطف على محذوف مقدر بعد الهمزة .والمعنى : أكذبتم وعجبتم من أن جاءكم ذكر أى موعظة من ربكم وخالقكم على لسان رجل من جنسكم ، تعرفون مولده ونشأته .ولقد حكى القرآن عن قوم نوح أنهم عجبوا من أن يختار الله رسولا منهم ، قال - تعالى - :( فَقَالَ الملأ الذين كَفَرُواْ مِن قَوْمِهِ مَا هذا إِلاَّ بَشَرٌ مِّثْلُكُمْ يُرِيدُ أَن يَتَفَضَّلَ عَلَيْكُمْ وَلَوْ شَآءَ الله لأَنزَلَ مَلاَئِكَةً مَّا سَمِعْنَا بهذا في آبَآئِنَا الأولين ) .وقوله : ( لِيُنذِرَكُمْ ) علة للمجىء ، أى : وليحذركم العذاب والعقاب على الكفر والمعاصى .وقوله : ( وَلِتَتَّقُواْ ) علة ثانية مرتبة على العلة التى قبلها ، أى : ولتوجد منكم التقوى ، وهى الخشية من الله بسبب الإنذار .وقوله : ( وَلَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ ) علة ثالثة مترتبة على التى قبلها . أى : ولترحموا بسبب التقوى إن وجدت منكم .قال بعض العلماء : وهذا الترتيب فى غاية الحسن ، لأن المقصود من الإرسال الإنذار ، ومن الإنذار التقوى . ومن التقوى الفوز بالرحمة .وفائدة حرف الترجى ( وَلَعَلَّكُمْ ) التنبيه على عزة المطلب ، وأن التقوى غير موجبة للرحمة ، بل هى منوطة بفضل الله ، وأن المتقى ينبغى ألا يعتمد على تقواه ولا يأمن عذاب الله " .وإلى هنا نكون قد عرفنا أسلوب نوح فى دعوته كما جاء فى هذه السورة الكريمة ، فماذا كان موقف قومه؟