وكأنما عظم على هؤلاء الطغاة أن يستنكر عليهم هود - عليه السلام - عبادتهم لغير الله ، فردوا عليه ردا قبيحا حكاه القرآن فى قوله :( قَالَ الملأ الذين كَفَرُواْ مِن قَوْمِهِ إِنَّا لَنَرَاكَ فِي سَفَاهَةٍ ) أى : قال الأغنياء الذين كفروا من قوم هود له : إنه لنراك متمكنا فى خفة العقل ، راسخا فيها ، حيث هجرت دين قومك إلى دين آخر . وجعلت السفاهة ظرفاً على طريق المجاز ، فقد أرادوا أنه متمكن فيها ، غير منفك عنها .وأصل السفه : الخفة والرقة والتحرك والاضطراب ، يقال : ثوب سفيه إذا كان ردىء النسج خفيفه ، أو كان باليا رقيقاً : تسفهت الريح الشجر : مالت به . وزمام سفيه : كثير الاضطراب لمنازعة الناقة إياه . وشاع السفه فى خفة العقل وضعف الرأى .ولم يكتفوا بوصفه بالسفه بل أضافوا إلى ذلك قولهم : ( وِإِنَّا لَنَظُنُّكَ مِنَ الكاذبين ) أى : وإنا لنظنك من الكاذبين فى دعوى التبليغ عن الله تعالى .وأكدوا ظنهم الآثم كما أكدوا اتهامهم له بالسفه مبالغة منهم فى الإساءة إليه . ويرجح بعض العلماء أن الظن هنا على حقيقته ، لأنهم لو قالوا وإنا لنعتقد أنك من الكاذبين ، لكانوا كاذبين على أنفسهم فى ذلك ، لأنهم يعلمون منه الصدق وحسن السيرة .ومن بلاغة القرآن وإنصافه فى أحكامه أنه قيد القائلين لهود هذا القول الباطل بأنهم " الملأ الذين كفروا من قومه " ليخرج منهم الملأ - أى الأشراف الذين آمنوا من قومه .