ثم عادت الصورة الكريمة إلى الحديث عن أحوال بعض النفوس البشرية فى حالتى العسر واليسر ، فقال - تعالى - : ( وَإِذَآ أَذَقْنَا الناس رَحْمَةً ) من صحة أو غنى أو أمان ( فَرِحُواْ بِهَا ) أى : فرحوا بها فرح البطر الأشر ، الذى لا يقابل نعم الله - تعالى - بالشكر ، ولا يستعملها فيما خلقت له .فالمراد بالفرح هنا : الجحود والكفران للنعم ، وليس مجرد السرور بالحصول على النعم .( وَإِن تُصِبْهُمْ سَيِّئَةٌ ) شدة أو مصيبة ( بِمَا قَدَّمَتْ أَيْدِيهِمْ ) أى : بسبب شؤم معاصيهم ، وإهمالهم لشكر الله - تعالى - على نعمه ( إِذَا هُمْ يَقْنَطُونَ ) أى : أسرعوا باليأس من رحمة الله ، وقنطوا من فرجه ، واسودت الدنيا فى وجوههم ، شأن الذين لا يعرفون سنن الله - تعالى - فى خلقه ، والذين يعبدون الله على حرف ، فهم عند السراء جاحدون مغرورون . . وعند الضراء قانطون يائسون .وعبر - سبحانه - فى جانب الرحمة بإذا ، وفى جانب المصيبة بأن ، للإِشعار بأن رحمته - تعالى - بعباده متحققة فى كل الأحوال . وأن ما ينزل بالناس من مصائب ، هو بسبب ما اجترحوه من ذنوب .ونسب - سبحانه - الرحمة إلى ذاته فقال : ( وَإِذَآ أَذَقْنَا الناس رَحْمَةً ) دون السيئة فقد قال : ( وَإِن تُصِبْهُمْ سَيِّئَةٌ ) لتعليم العباد الأدب مع خالقهم - عز وجل - وإن كان الكل بيده - سبحانه - وبمشيئته ، وشبيه بهذا قوله - تعالى - : ( وَأَنَّا لاَ ندري أَشَرٌّ أُرِيدَ بِمَن فِي الأرض أَمْ أَرَادَ بِهِمْ رَبُّهُمْ رَشَداً ) والتعبير بإذا الفجائية فى قوله ( إِذَا هُمْ يَقْنَطُونَ ) ، للإِشارة إلى سرعة يأسهم من رحمة الله - تعالى حتى ولو كانت المصيبة هينة بسيرة ، وذلك لضعف يقينهم وإيمانهم . إذ القنوط من رحمة الله ، يتنافى مع الإِيمان الحق .