Tafsir Ibn Kathir

Multiple Ayahs

Tags

Download Links

Tafsir Ibn Kathir tafsir for Surah Al-Muddaththir — Ayah 11

ذَرۡنِي وَمَنۡ خَلَقۡتُ وَحِيدٗا ١١ وَجَعَلۡتُ لَهُۥ مَالٗا مَّمۡدُودٗا ١٢ وَبَنِينَ شُهُودٗا ١٣ وَمَهَّدتُّ لَهُۥ تَمۡهِيدٗا ١٤ ثُمَّ يَطۡمَعُ أَنۡ أَزِيدَ ١٥ كـَلَّآۖ إِنَّهُۥ كَانَ لِأٓيَٰتِنَا عَنِيدٗا ١٦ سَأُرۡهِقُهُۥ صَعُودًا ١٧ إِنَّهُۥ فَكَّرَ وَقَدَّرَ ١٨ فَقُتِلَ كَيۡفَ قَدَّرَ ١٩ ثُمَّ قُتِلَ كَيۡفَ قَدَّرَ ٢٠ ثُمَّ نَظَرَ ٢١ ثُمَّ عَبَسَ وَبَسَرَ ٢٢ ثُمَّ أَدۡبَرَ وَٱسۡتَكۡبَرَ ٢٣ فَقَالَ إِنۡ هَٰذَآ إِلَّا سِحۡرٞ يُؤۡثَرُ ٢٤ إِنۡ هَٰذَآ إِلَّا قَوۡلُ ٱلۡبَشَرِ ٢٥ سَأُصۡلِيهِ سَقَرَ ٢٦ وَمَآ أَدۡرَىٰكَ مَا سَقَرُ ٢٧ لَا تُبۡقِي وَلَا تَذَرُ ٢٨ لَوَّاحَةٞ لِّلۡبَشَرِ ٢٩ عَلَيۡهَا تِسۡعَةَ عَشَرَ ٣٠

يَقُولُ تَعَالَى مُتَوَعِّدًا لِهَذَا الْخَبِيثِ الَّذِي أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِ بِنِعَمِ الدُّنْيَا، فَكَفَرَ بِأَنْعُمِ اللَّهِ، وَبَدَّلَهَا كُفْرًا، وَقَابَلَهَا بِالْجُحُودِ بِآيَاتِ اللَّهِ وَالِافْتِرَاءِ عَلَيْهَا، وَجَعَلَهَا مِنْ قَوْلِ الْبَشَرِ. وَقَدْ عَدَّدَ اللَّهُ عَلَيْهِ نعَمه حَيْثُ قَالَ: ﴿ذَرْنِي وَمَنْ خَلَقْتُ وَحِيدًا﴾ أَيْ: خَرَجَ مِنْ بَطْنِ أُمِّهِ وَحْدَهُ لَا مَالَ لَهُ وَلَا وَلَدَ، ثُمَّ رَزَقَهُ اللَّهُ،

﴿مَالا مَمْدُودًا﴾ أَيْ: وَاسِعًا كَثِيرًا قِيلَ: أَلْفُ دِينَارٍ. وَقِيلَ: مِائَةُ أَلْفِ دِينَارٍ. وَقِيلَ: أَرْضًا يَسْتَغِلُّهَا. وَقِيلَ غَيْرَ ذَلِكَ.

وَجَعَلَ لَهُ ﴿وَبَنِينَ شُهُودًا﴾ قَالَ مُجَاهِدٌ: لَا يَغِيبُونَ، أَيْ: حُضُورًا عِنْدَهُ لَا يُسَافِرُونَ فِي التِّجَارَاتِ، بَلْ مَواليهم وَأُجَرَاؤُهُمْ يَتَوَلَّوْنَ ذَلِكَ عَنْهُمْ وَهُمْ قُعُودٌ عِنْدَ أَبِيهِمْ، يَتَمَتَّعُ بِهِمْ ويتَمَلَّى بِهِمْ. وَكَانُوا -فِيمَا ذَكَرَهُ السُّدِّيُّ، وَأَبُو مَالِكٍ، وَعَاصِمُ بْنُ عُمَرَ بْنِ قَتَادَةَ-ثَلَاثَةَ عَشَرَ. وَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ، وَمُجَاهِدٌ: كَانُوا عَشْرَةً. وَهَذَا أَبْلَغُ فِي النِّعْمَةِ [وَهُوَ إِقَامَتُهُمْ عِنْدَهُ] . [[زيادة من م، أ.]]

﴿وَمَهَّدْتُ لَهُ تَمْهِيدًا﴾ أَيْ: مَكَّنْتُهُ مِنْ صُنُوفِ الْمَالِ وَالْأَثَاثِ وَغَيْرِ ذَلِكَ،

﴿ثُمَّ يَطْمَعُ أَنْ أَزِيدَ كَلا إِنَّهُ كَانَ لآيَاتِنَا عَنِيدًا﴾ أَيْ: مُعَانِدًا، وَهُوَ الْكُفْرُ عَلَى نِعَمِهِ بَعْدَ الْعِلْمِ.

قَالَ اللَّهُ: ﴿سَأُرْهِقُهُ صَعُودًا﴾ قَالَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ:

حَدَّثَنَا حَسَنٌ، حَدَّثَنَا ابْنُ لَهِيعة، عَنْ دَرَّاج، عَنْ أَبِي الْهَيْثَمِ، عَنْ أَبِي سعيد، عن رسول الله ﷺ قَالَ: "وَيْلٌ: وَادٍ فِي جَهَنَّمَ، يَهْوِي فِيهِ الْكَافِرُ أَرْبَعِينَ خَرِيفًا قَبْلَ أَنْ يَبْلُغَ قَعْرَهُ، والصَّعُود: جَبَلٌ مِنْ نَارٍ يَصْعَدُ فِيهِ سَبْعِينَ خَرِيفًا، ثُمَّ يَهْوِي بِهِ كَذَلِكَ فِيهِ أَبَدًا".

وَقَدْ رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ عَنْ عَبْدِ بْنِ حُمَيد، عَنْ الْحَسَنِ بْنِ مُوسَى الْأَشْيَبِ، بِهِ [[المسند (٣/٧٥) ، وسنن الترمذي برقم (٣١٦٤) .]] ثُمَّ قَالَ: غَرِيبٌ، لَا نَعْرِفُهُ إِلَّا مِنْ حَدِيثِ ابْنِ لَهِيعة عَنْ دَرَّاجٍ. كَذَا قَالَ. وَقَدْ رَوَاهُ ابْنُ جَرِيرٍ، عَنْ يُونُسَ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ وَهْبٍ، عَنْ عَمْرِو بْنِ الْحَارِثِ، عَنْ دَرَّاج [[تفسير الطبري (٢٩/٩٧) .]] وَفِيهِ غَرَابَةٌ وَنَكَارَةٌ.

وَقَالَ ابْنُ أَبِي حَاتِمٍ: حَدَّثَنَا أَبُو زُرْعَة وَعَلِيُّ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ -الْمَعْرُوفِ بِعَلَّانَ الْمِصْرِيِّ [[في م: "البصري".]] -قَالَ: حَدَّثَنَا مِنْجاب، أَخْبَرَنَا شَرِيكٌ، عَنْ عَمَّارٍ الدُّهَنِيّ، عَنْ عَطِيَّةَ الْعَوْفِيِّ، عَنْ أَبِي سَعِيدٍ، عَنِ النَّبِيِّ ﷺ: ﴿سَأُرْهِقُهُ صَعُودًا﴾ قَالَ: "هُوَ جَبَلٌ فِي النَّارِ مِنْ نَارٍ يُكَلَّفُ أَنْ يَصْعَدَهُ، فَإِذَا وَضَعَ يَدَهُ ذَابَتْ، وَإِذَا رَفَعَهَا عَادَتْ، فَإِذَا وَضَعَ رِجْلَهُ ذَابَتْ، وَإِذَا رَفَعَهَا عَادَتْ".

وَرَوَاهُ الْبَزَّارُ وَابْنُ جَرِيرٍ، مِنْ حَدِيثِ شَرِيكٍ، بِهِ [[تفسير الطبري (٢٩/٩٧) ، ورواه الطبراني في المعجم الأوسط برقم (٣٤٠٩) "مجمع البحرين" من طريق منجاب بن الحارث به مرفوعًا. وقال الطبراني: "لم يرفع هذا الحديث عن عمار الدهني إلا شريك، ورواه سفيان بن عيينة عن عمار الدهني فوافقه".]] .

وَقَالَ قَتَادَةُ، عَنِ [[في م: "وقال".]] ابْنِ عَبَّاسٍ: صَعُودٌ: صَخْرَةٌ [فِي جَهَنَّمَ] [[زيادة من م.]] عَظِيمَةٌ يُسْحَبُ عَلَيْهَا الْكَافِرُ عَلَى وَجْهِهِ.

وَقَالَ السُّدِّيُّ: صَعُودًا: صَخْرَةً مَلْسَاءَ فِي جَهَنَّمَ، يُكَلَّفُ أَنْ يَصْعَدَهَا.

وَقَالَ مُجَاهِدٌ: ﴿سَأُرْهِقُهُ صَعُودًا﴾ أَيْ: مَشَقَّةً مِنَ الْعَذَابِ. وَقَالَ قَتَادَةُ: عَذَابًا لَا رَاحَةَ فِيهِ. وَاخْتَارَهُ ابْنُ جَرِيرٍ.

* * *

وَقَوْلُهُ: ﴿إِنَّهُ فَكَّرَ وَقَدَّرَ﴾ أَيْ: إِنَّمَا أَرْهَقْنَاهُ صُعُودًا، أَيْ: قَرَّبْنَاهُ مِنَ الْعَذَابِ الشَّاقِّ؛ لِبُعْدِهِ عَنِ الْإِيمَانِ، لِأَنَّهُ فَكَّرَ وَقَدَّرَ، أَيْ: تَرَوَّى مَاذَا يَقُولُ فِي الْقُرْآنِ حِينَ سُئل عَنِ الْقُرْآنِ، فَفَكَّرَ مَاذَا يَخْتَلِقُ مِنَ الْمَقَالِ، ﴿وَقَدَّرَ﴾ أَيْ: تَرَوَّى، ﴿فَقُتِلَ كَيْفَ قَدَّرَ ثُمَّ قُتِلَ كَيْفَ قَدَّرَ﴾ دُعَاءٌ عَلَيْهِ،

﴿ثُمَّ نَظَرَ﴾ أَيْ: أَعَادَ النَّظْرَةَ [[في م: "النظر".]] وَالتَّرَوِّيَ. ﴿ثُمَّ عَبَسَ﴾ أَيْ: قَبَضَ بَيْنَ عَيْنَيْهِ وَقَطَّبَ، ﴿وَبَسَرَ﴾ أَيْ: كَلَحَ وَكَرِهَ، وَمِنْهُ قَوْلُ تَوْبَةَ بْنِ الحُمَير الشَّاعِرِ:

وَقَد رَابَني مِنْهَا صُدُودٌ رَأيتُه ... وَإعرَاضُها عَن حاجَتي وبُسُورُها ...

* * *

وَقَوْلُهُ: ﴿ثُمَّ أَدْبَرَ وَاسْتَكْبَرَ﴾ أَيْ: صُرف عَنِ الْحَقِّ، وَرَجَعَ الْقَهْقَرَى مُسْتَكْبِرًا عَنِ الِانْقِيَادِ لِلْقُرْآنِ،

﴿فَقَالَ إِنْ هَذَا إِلا سِحْرٌ يُؤْثَرُ فَقَالَ إِنْ هَذَا إِلا سِحْرٌ يُؤْثَرُ﴾ أَيْ: هَذَا سِحْرٌ يَنْقُلُهُ مُحَمَّدٌ عَنْ غَيْرِهِ عَمَّنْ قَبْلَهُ وَيَحْكِيهِ عَنْهُمْ؛

وَلِهَذَا قَالَ: ﴿إِنْ هَذَا إِلا قَوْلُ الْبَشَرِ﴾ أَيْ: لَيْسَ بِكَلَامِ اللَّهِ.

وَهَذَا الْمَذْكُورُ فِي هَذَا السِّيَاقِ هُوَ: الْوَلِيدُ بْنُ الْمُغِيرَةِ الْمَخْزُومِيُّ، أَحَدُ رُؤَسَاءِ قُرَيْشٍ -لَعَنَهُ اللَّهُ-وَكَانَ مِنْ خَبَرِهِ فِي هَذَا مَا رَوَاهُ الْعَوْفِيُّ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: دَخَلَ الْوَلِيدُ بْنُ الْمُغِيرَةِ عَلَى أَبِي بَكْرِ بْنِ أَبِي قُحَافَةَ فَسَأَلَهُ [[في م، أ: "يسأله".]] عَنِ الْقُرْآنِ، فَلَمَّا أَخْبَرَهُ خَرَجَ عَلَى قُرَيْشٍ فَقَالَ: يَا عَجَبًا لِمَا يَقُولُ ابْنُ أَبِي كَبْشَةَ. فَوَاللَّهِ مَا هُوَ بِشِعْرٍ وَلَا بِسَحْرٍ وَلَا بهذْي مِنَ الْجُنُونِ، وَإِنَّ قَوْلَهُ لِمَنْ كَلَامِ اللَّهِ. فَلَمَّا سَمِعَ بِذَلِكَ النفرُ مِنْ قُرَيْشٍ ائْتَمَرُوا فَقَالُوا: وَاللَّهِ لَئِنْ صَبَا الْوَلِيدُ لتصْبُوَنَّ قُرَيْشٌ. فَلَمَّا سَمِعَ بِذَلِكَ أَبُو جَهْلِ بْنُ هِشَامٍ قَالَ: أَنَا وَاللَّهِ أَكْفِيكُمْ شَأْنَهُ. فَانْطَلَقَ حَتَّى دَخَلَ عَلَيْهِ بَيْتَهُ فَقَالَ لِلْوَلِيدِ: أَلَمْ تَرَ قَوْمَكَ قَدْ جَمَعُوا لَكَ الصَّدَقَةَ؟ فَقَالَ: ألستُ أَكْثَرَهُمْ مَالًا وَوَلَدًا. فَقَالَ لَهُ أَبُو جَهْلٍ: يَتَحَدَّثُونَ أَنَّكَ إِنَّمَا تَدْخُلُ عَلَى ابْنِ أَبِي قُحَافَةَ لِتُصِيبَ مِنْ طَعَامِهِ. فَقَالَ الْوَلِيدُ: أَقَدْ [[في أ: "أوقد".]] تَحَدَّثَ بِهِ عَشِيرَتِي؟! فَلَا وَاللَّهِ لَا أَقْرَبُ ابْنَ أَبِي قُحَافَةَ، وَلَا عُمَرَ، وَلَا ابْنَ أَبِي كَبْشَةَ، وَمَا قَوْلُهُ إِلَّا سِحْرٌ يُؤْثَرُ. فَأَنْزَلَ اللَّهُ عَلَى رَسُولِهِ ﷺ: ﴿ذَرْنِي وَمَنْ خَلَقْتُ وَحِيدًا﴾ إِلَى قَوْلِهِ: ﴿لَا تُبْقِي وَلا تَذَرُ﴾

وَقَالَ قَتَادَةُ: زَعَمُوا أَنَّهُ قَالَ: وَاللَّهِ لَقَدْ نَظَرْتُ فِيمَا قَالَ الرَّجُلُ فَإِذَا هُوَ لَيْسَ بِشِعْرٍ، وَإِنَّ لَهُ لَحَلَاوَةٌ، وَإِنَّ عَلَيْهِ لَطَلَاوَةٌ، وَإِنَّهُ لَيَعْلُوَ وَمَا يَعْلَى، وَمَا أَشُكُّ أَنَّهُ سِحْرٌ. فَأَنْزَلَ اللَّهُ: ﴿فَقُتِلَ كَيْفَ قَدَّرَ﴾ الْآيَةَ، ﴿ثُمَّ عَبَسَ وَبَسَرَ﴾ قَبَضَ مَا بَيْنَ عَيْنَيْهِ وَكَلَحَ.

وَقَالَ ابْنُ جَرِيرٍ: حَدَّثَنَا ابْنُ عَبْدِ الْأَعْلَى، أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ ثَوْرٍ، عَنْ مَعْمَر، عَنْ عَبَّاد بْنِ مَنْصُورٍ، عَنْ عِكْرِمَةَ: أَنَّ الْوَلِيدَ بْنَ الْمُغِيرَةِ جَاءَ إِلَى النَّبِيِّ ﷺ فقرأ عليه الْقُرْآنَ، فَكَأَنَّهُ رَقَّ لَهُ. فَبَلَغَ ذَلِكَ أَبَا جَهْلِ بْنِ هِشَامٍ، فَأَتَاهُ فَقَالَ: أَيْ عَمُّ، إِنَّ قَوْمَكَ يُرِيدُونَ أَنْ يَجْمَعُوا لَكَ مَالًا. قَالَ: لِمَ؟ قَالَ: يُعْطُونَكَهُ، فَإِنَّكَ أَتَيْتَ مُحَمَّدًا تَتَعَرض لِمَا قِبَلَهُ. قَالَ: قَدْ عَلِمَتْ قُرَيْشٌ أَنِّي أَكْثَرُهَا مَالًا. قَالَ: فَقُلْ فِيهِ قَوْلًا يُعْلِمُ قَوْمَكَ أَنَّكَ [[في م: "أنه".]] مُنْكِرٌ لِمَا قَالَ، وَأَنَّكَ كَارِهٌ لَهُ. قَالَ: فَمَاذَا أَقُولُ فِيهِ؟ فَوَاللَّهِ مَا مِنْكُمْ رَجُلٌ أَعْلَمُ بِالْأَشْعَارِ مِنِّي، وَلَا أَعْلَمُ بِرَجْزِهِ وَلَا بِقَصِيدِهِ وَلَا بِأَشْعَارِ الْجِنِّ، وَاللَّهِ مَا يُشْبِهُ الَّذِي يَقُولُهُ شَيْئًا مِنْ ذَلِكَ. وَاللَّهِ إِنَّ لِقَوْلِهِ الَّذِي يَقُولُ لَحَلَاوَةً، وَإِنَّهُ لَيُحَطِّمُ مَا تَحْتَهُ، وَإِنَّهُ لَيَعْلُو وَمَا يَعْلَى. وَقَالَ: وَاللَّهِ لَا يَرْضَى قَوْمُكَ حَتَّى تَقُولَ فِيهِ. قَالَ: فَدَعْنِي حَتَّى أُفَكِّرَ فِيهِ. فَلَمَّا فَكَّرَ قَالَ: إِنَّ هَذَا سِحْرٌ يَأْثِرُهُ عَنْ غَيْرِهِ. فَنَزَلَتْ: ﴿ذَرْنِي وَمَنْ خَلَقْتُ وَحِيدًا﴾ [قَالَ قَتَادَةُ: خَرَجَ مِنْ بَطْنِ أُمِّهِ وَحِيدًا] [[زيادة من تفسير الطبري]] حَتَّى بَلَغَ: ﴿تِسْعَةَ عَشَرَ﴾ [[تفسير الطبري (٢٩/٩٨) .]]

وَقَدْ ذَكَرَ مُحَمَّدُ بْنُ إِسْحَاقَ وَغَيْرُ وَاحِدٍ نَحْوًا مِنْ هَذَا. وَقَدْ زَعَمَ السُّدِّيُّ أَنَّهُمْ لَمَّا اجْتَمَعُوا فِي دَارِ النَّدْوَةِ لِيُجْمِعُوا رَأْيَهُمْ عَلَى قَوْلٍ يَقُولُونَهُ فِيهِ، قَبْلَ أَنْ يَقْدَمَ عَلَيْهِمْ وفودُ الْعَرَبِ لِلْحَجِّ ليصدّوهُم عَنْهُ، فَقَالَ قَائِلُونَ: شَاعِرٌ. وَقَالَ آخَرُونَ: سَاحِرٌ. وَقَالَ آخَرُونَ: كَاهِنٌ. وَقَالَ آخَرُونَ: مَجْنُونٌ. كَمَا قَالَ تَعَالَى: ﴿انْظُرْ كَيْفَ ضَرَبُوا لَكَ الأمْثَالَ فَضَلُّوا فَلا يَسْتَطِيعُونَ سَبِيلا﴾ [الْإِسْرَاءِ: ٤٨] كُلُّ هَذَا وَالْوَلِيدُ يُفَكِّرُ فِيمَا يَقُولُهُ فِيهِ، فَفَكَّرَ وَقَدَّرَ، وَنَظَرَ وَعَبَسَ وَبَسَرَ، فَقَالَ: ﴿إِنْ هَذَا إِلا سِحْرٌ يُؤْثَرُ إِنْ هَذَا إِلا قَوْلُ الْبَشَرِ﴾

قَالَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ: ﴿سَأُصْلِيهِ سَقَرَ﴾ أَيْ: سَأَغْمُرُهُ فِيهَا مِنْ جَمِيعِ جِهَاتِهِ.

ثُمَّ قَالَ ﴿وَمَا أَدْرَاكَ مَا سَقَرُ﴾ ؟ وَهَذَا تَهْوِيلٌ لِأَمْرِهَا وَتَفْخِيمٌ.

ثُمَّ فَسَّرَ ذَلِكَ بِقَوْلِهِ: ﴿لَا تُبْقِي وَلا تَذَرُ﴾ أَيْ: تَأْكُلُ لُحُومَهُمْ وَعُرُوقَهُمْ وعَصَبهم وَجُلُودَهُمْ، ثُمَّ تُبَدَّلُ غَيْرَ ذَلِكَ، وَهُمْ فِي ذَلِكَ لَا يَمُوتُونَ وَلَا يَحْيَوْنَ، قَالَهُ ابْنُ بُرَيْدَةَ وَأَبُو سِنَانٍ وَغَيْرُهُمَا.

* * *

وَقَوْلُهُ: ﴿لَوَّاحَةٌ لِلْبَشَرِ﴾ قَالَ مُجَاهِدٌ: أَيْ لِلْجِلْدِ، وَقَالَ أَبُو رَزين: تَلْفَحُ الْجِلْدَ لَفْحَةً فَتَدَعُهُ أَسْوَدَ مِنَ اللَّيْلِ. وَقَالَ زَيْدُ بْنُ أَسْلَمَ: تَلُوحُ أَجْسَادُهُمْ عَلَيْهَا. وَقَالَ قَتَادَةُ: ﴿لَوَّاحَةٌ لِلْبَشَرِ﴾ أَيْ: حَرَّاقَةٌ لِلْجِلْدِ. وَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: تَحْرِقُ بَشْرَةَ الْإِنْسَانِ.

* * *

وَقَوْلُهُ: ﴿عَلَيْهَا تِسْعَةَ عَشَرَ﴾ أَيْ: مِنْ مُقَدِّمِي الزَّبَانِيَةِ، عَظِيمٌ خَلْقُهُمْ، غَلِيظٌ خُلُقُهُمْ.

وَقَدْ قَالَ ابْنُ أَبِي حَاتِمٍ: حَدَّثَنَا أَبُو زُرْعَةَ، حَدَّثَنَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ مُوسَى، حَدَّثَنَا ابْنُ أَبِي زَائِدَةَ، أَخْبَرَنِي حُرَيْثٌ، عَنْ عَامِرٍ، عَنِ الْبَرَاءِ فِي قَوْلِهِ: ﴿عَلَيْهَا تِسْعَةَ عَشَرَ﴾ قَالَ إِنَّ رَهْطًا مِنَ الْيَهُودِ سَأَلُوا رَجُلًا مِنْ أَصْحَابِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسلم عن خَزَنَةِ جَهَنَّمَ. فَقَالَ: اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَعْلَمُ. فَجَاءَ رَجُلٌ فَأَخْبَرَ النَّبِيَّ ﷺ فَنَزَلَ عَلَيْهِ سَاعَتَئِذٍ: ﴿عَلَيْهَا تِسْعَةَ عَشَرَ﴾ فَأَخْبَرَ أَصْحَابَهُ وَقَالَ: "ادْعُهُمْ، أَمَا إِنِّي سَائِلُهُمْ عَنْ تُربَة الْجَنَّةِ إِنْ أَتَوْنِي، أَمَا إِنَّهَا [[في م: "إنها كأنها".]] دَرْمكة بيضاء". فجاؤوه فَسَأَلُوهُ عَنْ خَزَنَةِ جَهَنَّمَ، فَأَهْوَى بِأَصَابِعِ كَفَّيْهِ مَرَّتَيْنِ وَأَمْسَكَ الْإِبْهَامَ فِي الثَّانِيَةِ، ثُمَّ قَالَ: "أَخْبِرُونِي عَنْ تُرْبَةِ الْجَنَّةِ". فَقَالُوا: أَخْبِرْهُمْ يَا ابْنَ سَلَامٍ. فَقَالَ: كَأَنَّهَا خُبزَة بَيْضَاءُ. فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ: "أما إِنَّ الْخُبْزَ إِنَّمَا يَكُونُ مِنَ الدّرمَك". [[ورواه البيهقي في البعث برقم (٥٠٩) من طريق مسروق بن المرزبان، عن ابن أبي زائدة به، وقال: "حديث ابن أبي مطر -أي حريث- ليس بالقوى، وحديث جابر أصح" وهو الآتي بعده.]]

هَكَذَا وَقَعَ عِنْدَ ابْنِ أَبِي حَاتِمٍ عَنِ الْبَرَاءِ، وَالْمَشْهُورُ عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ، كَمَا قَالَ الْحَافِظُ أَبُو بَكْرٍ الْبَزَّارُ: حَدَّثَنَا مِنْدَهْ، حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ عَبدَة، أَخْبَرَنَا سُفْيَانُ وَيَحْيَى بْنُ حَكِيمٍ، حَدَّثَنَا سُفْيَانُ، عَنْ مُجَالِدٍ، عَنِ الشَّعْبِيِّ، عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ قَالَ: جَاءَ رَجُلٌ إِلَى النَّبِيِّ ﷺ فَقَالَ: يَا مُحَمَّدُ، غلبَ أَصْحَابُكَ الْيَوْمَ. فَقَالَ: "بِأَيِّ شَيْءٍ؟ " قَالَ: سَأَلَتْهُمْ يَهُود هَلْ أَعْلَمَكُمْ نَبِيُّكُمْ عِدَّةَ خَزَنَةِ أَهْلِ النَّارِ؟ قَالُوا: لَا نَعْلَمُ حَتَّى نَسْأَلَ نَبِيَّنَا ﷺ. قَالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ: "أَفَغُلِبَ قَوْمٌ سُئلوا عَمَّا لَا يَدْرُونَ فَقَالُوا: لَا نَدْرِي [[في م: "قالوا لا نعلم".]] حَتَّى نَسْأَلَ نَبِيَّنَا؟ عليَّ بِأَعْدَاءِ اللَّهِ، لَكِنْ سَأَلُوا [[في م، أ: "لكنهم قد سألوا".]] نَبِيَّهُمْ أَنْ يُرِيَهُمُ اللَّهَ جَهْرَةً". فَأَرْسَلَ إِلَيْهِمْ فَدَعَاهُمْ. قَالُوا: يَا أَبَا الْقَاسِمِ، كَمْ عَدَدُ خَزَنَةِ أَهْلِ النَّارِ؟ قَالَ: "هَكَذَا"، وَطَبَّقَ كَفَّيْهِ، ثُمَّ طَبَّقَ كَفَّيْهِ، مَرَّتَيْنِ، وَعَقَدَ وَاحِدَةً، وَقَالَ لِأَصْحَابِهِ: "إِنْ سُئِلْتُمْ عَنْ تُرْبَةِ الْجَنَّةِ فَهِيَ الدَّرمك". فَلَمَّا سَأَلُوهُ فَأَخْبَرَهُمْ بِعِدَّةِ خَزَنَةِ أَهْلِ النَّارِ، قَالَ لَهُمْ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ: "مَا تُرْبَةُ الْجَنَّةِ؟ " فَنَظَرَ بَعْضُهُمْ إِلَى بَعْضٍ، فَقَالُوا: خُبْزَةٌ يَا أَبَا الْقَاسِمِ. فَقَالَ: "الْخُبْزُ مِنَ الدَّرمك".

وَهَكَذَا رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ عِنْدَ هَذِهِ الْآيَةِ عَنِ ابْنِ أَبِي عُمَرَ، عَنْ سُفْيَانَ، به [[سنن الترمذي برقم (٣٣٢٧) .]] وقال هو والبزار: لَا نَعْرِفُهُ [[في م: "لا يعرف".]] إِلَّا مِنْ حَدِيثِ مُجَالِدٍ. وَقَدْ رَوَاهُ الْإِمَامُ أَحْمَدُ، عَنْ عَلِيِّ بْنِ الْمَدِينِيِّ، عَنْ سُفْيَانَ، فَقَصَّ الدَّرْمَكَ فَقَطْ. [[المسند (٣/٣٦١) .]]

Tafsir Resource

QUL supports exporting tafsir content in both JSON and SQLite formats. Tafsir text may include <html> tags for formatting such as <b>, <i>, etc.

Example JSON Format:

{
  "2:3": {
    "text": "tafisr text.",
    "ayah_keys": ["2:3", "2:4"]
  },
  "2:4": "2:3"
}
  • Keys in the JSON are "ayah_key" in "surah:ayah", e.g. "2:3" means 3rd ayah of Surah Al-Baqarah.
  • The value of ayah key can either be:
    • an object — this is the main tafsir group. It includes:
      • text: the tafsir content (can include HTML)
      • ayah_keys: an array of ayah keys this tafsir applies to
    • a string — this indicates the tafsir is part of a group. The string points to the ayah_key where the tafsir text can be found.

SQLite exports includes the following columns

  • ayah_key: the ayah for which this record applies.
  • group_ayah_key: the ayah key that contains the main tafsir text (used for shared tafsir).
  • from_ayah / to_ayah: start and end ayah keys for convenience (optional).
  • ayah_keys: comma-separated list of all ayah keys that this tafsir covers.
  • text: tafsir text. If blank, use the text from the group_ayah_key.