Tafsir Ibn Kathir

Multiple Ayahs

Tags

Download Links

Tafsir Ibn Kathir tafsir for Surah Al-Muddaththir — Ayah 35

وَمَا جَعَلۡنَآ أَصۡحَٰبَ ٱلنَّارِ إِلَّا مَلَٰٓئِكَةٗۖ وَمَا جَعَلۡنَا عِدَّتَهُمۡ إِلَّا فِتۡنَةٗ لِّلَّذِينَ كَفَرُواْ لِيَسۡتَيۡقِنَ ٱلَّذِينَ أُوتُواْ ٱلۡكِتَٰبَ وَيَزۡدَادَ ٱلَّذِينَ ءَامَنُوٓاْ إِيمَٰنٗا وَلَا يَرۡتَابَ ٱلَّذِينَ أُوتُواْ ٱلۡكِتَٰبَ وَٱلۡمُؤۡمِنُونَ وَلِيَقُولَ ٱلَّذِينَ فِي قُلُوبِهِم مَّرَضٞ وَٱلۡكَٰفِرُونَ مَاذَآ أَرَادَ ٱللَّهُ بِهَٰذَا مَثَلٗاۚ كَذَٰلِكَ يُضِلُّ ٱللَّهُ مَن يَشَآءُ وَيَهۡدِي مَن يَشَآءُۚ وَمَا يَعۡلَمُ جُنُودَ رَبِّكَ إِلَّا هُوَۚ وَمَا هِيَ إِلَّا ذِكۡرَىٰ لِلۡبَشَرِ ٣١ كـَلَّا وَٱلۡقَمَرِ ٣٢ وَٱلَّيۡلِ إِذۡ أَدۡبَرَ ٣٣ وَٱلصُّبۡحِ إِذَآ أَسۡفَرَ ٣٤ إِنَّهَا لَإِحۡدَى ٱلۡكُبَرِ ٣٥ نَذِيرٗا لِّلۡبَشَرِ ٣٦ لِمَن شَآءَ مِنكُمۡ أَن يَتَقَدَّمَ أَوۡ يَتَأَخَّرَ ٣٧

يَقُولُ تَعَالَى: ﴿وَمَا جَعَلْنَا أَصْحَابَ النَّارِ﴾ أَيْ: خُزَّانها، ﴿إِلا مَلائِكَةً﴾ أَيْ: [زَبَانِيَةً] [[زيادة من م.]] غِلَاظًا شِدَادًا. وَذَلِكَ رَدٌّ عَلَى مُشْرِكِي قُرَيْشٍ حِينَ ذَكَرَ عَدَدَ الْخَزَنَةِ، فَقَالَ أَبُو جَهْلٍ: يَا مَعْشَرَ قُرَيْشٍ، أَمَا يَسْتَطِيعُ كُلُّ عَشْرَةٍ مِنْكُمْ لِوَاحِدٍ مِنْهُمْ فَتَغْلِبُونَهُمْ [[في أ: "فتغلبوهم".]] ؟ فَقَالَ اللَّهُ: ﴿وَمَا جَعَلْنَا أَصْحَابَ النَّارِ إِلا مَلائِكَةً﴾ أَيْ: شَدِيدِي الخَلْق لَا يُقَاوَمُونَ وَلَا يُغَالَبُونَ. وَقَدْ قِيلَ: إِنَّ أَبَا الْأَشُدَّيْنِ -وَاسْمُهُ: كَلَدَة بْنُ أُسَيْدِ بْنِ خَلَفٍ-قَالَ: يَا مَعْشَرَ قُرَيْشٍ، اكْفُونِي مِنْهُمُ اثْنَيْنِ وَأَنَا أَكْفِيكُمْ مِنْهُمْ سَبْعَةَ عَشَرَ، إِعْجَابًا مِنْهُ بِنَفْسِهِ، وَكَانَ قَدْ بَلَغَ مِنَ الْقُوَّةِ فِيمَا يَزْعُمُونَ أَنَّهُ كَانَ يَقِفُ عَلَى جِلْدِ الْبَقَرَةِ وَيُجَاذِبُهُ عَشْرَةٌ لِيَنْتَزِعُوهُ مِنْ تَحْتِ قَدَمَيْهِ، فَيَتَمَزَّقُ الْجِلْدُ وَلَا يَتَزَحْزَحُ عَنْهُ. قَالَ السُّهَيْلِيُّ: وَهُوَ الَّذِي دَعَا رَسُولُ اللَّهِ ﷺ إلى مُصَارَعَتِهِ وَقَالَ: إِنْ صَرَعْتَنِي آمَنْتُ بِكَ، فَصَرَعَهُ النَّبِيُّ ﷺ مِرَارًا، فَلَمْ يُؤْمِنْ. قَالَ: وَقَدْ نَسَب ابنُ إِسْحَاقَ خَبَرَ الْمُصَارَعَةِ إِلَى رُكَانَةَ بْنِ عَبْدِ يَزِيدَ بْنِ هَاشِمِ بْنِ الْمُطَّلِبِ [[الروض الأنف للسهيلي (١/٢٠٠) .]] .

قُلْتُ: وَلَا مُنَافَاةَ بَيْنَ مَا ذَكَرَاهُ، وَاللَّهُ أَعْلَمُ.

﴿وَمَا جَعَلْنَا عِدَّتَهُمْ إِلا فِتْنَةً لِلَّذِينَ كَفَرُوا﴾ أَيْ: إِنَّمَا ذَكَرْنَا عِدَّتَهُمْ أَنَّهُمْ تسعةَ عشرَ اخْتِبَارًا منَّا لِلنَّاسِ، ﴿لِيَسْتَيْقِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ﴾ أَيْ: يَعْلَمُونَ أَنَّ هَذَا الرَّسُولَ حَقٌّ؛ فَإِنَّهُ نَطَقَ بِمُطَابَقَةِ مَا بِأَيْدِيهِمْ مِنَ الْكُتُبِ السَّمَاوِيَّةِ الْمُنَزَّلَةِ عَلَى الْأَنْبِيَاءِ قَبْلَهُ.

﴿وَيَزْدَادَ الَّذِينَ آمَنُوا إِيمَانًا﴾ أَيْ: إِلَى إِيمَانِهِمْ. بِمَا يَشْهَدُونَ مِنْ صِدْقِ إِخْبَارِ نَبِيِّهِمْ مُحَمَّدٍ ﷺ، ﴿وَلا يَرْتَابَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ وَالْمُؤْمِنُونَ وَلِيَقُولَ الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ﴾ أَيْ: مِنَ الْمُنَافِقِينَ ﴿وَالْكَافِرُونَ مَاذَا أَرَادَ اللَّهُ بِهَذَا مَثَلا﴾ ؟ أَيْ: يَقُولُونَ: مَا الْحِكْمَةُ فِي ذِكْرِ هَذَا هَاهُنَا؟ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: ﴿كَذَلِكَ يُضِلُّ اللَّهُ مَنْ يَشَاءُ وَيَهْدِي مَنْ يَشَاءُ﴾ أَيْ: مِنْ مِثْلِ هَذَا وَأَشْبَاهِهِ يَتَأَكَّدُ الْإِيمَانُ فِي قُلُوبِ أَقْوَامٍ، وَيَتَزَلْزَلُ عِنْدَ آخَرِينَ، وَلَهُ الْحِكْمَةُ الْبَالِغَةُ، وَالْحُجَّةُ الدَّامِغَةُ.

* * *

وَقَوْلُهُ: ﴿وَمَا يَعْلَمُ جُنُودَ رَبِّكَ إِلا هُوَ﴾ أَيْ: مَا يَعْلَمُ عَدَدَهُمْ وَكَثْرَتَهُمْ إِلَّا هُوَ تَعَالَى، لِئَلَّا يَتَوَهَّمَ مُتَوَهِّمٌ أَنَّهُمْ تِسْعَةَ عَشَرَ فَقَطْ، كَمَا قَدْ قَالَهُ طَائِفَةٌ مِنْ أَهْلِ الضَّلَالَةِ وَالْجَهَالَةِ وَمِنَ الْفَلَاسِفَةِ الْيُونَانِيِّينَ. وَمَنْ تَابَعَهُمْ [[في م: "ومن شايعهم".]] مِنَ الْمِلَّتَيْنِ الَّذِينَ سَمِعُوا هَذِهِ الْآيَةَ، فَأَرَادُوا تَنْزِيلَهَا عَلَى الْعُقُولِ الْعَشَرَةِ وَالنُّفُوسِ التِّسْعَةِ، الَّتِي اخْتَرَعُوا دَعْوَاهَا وَعَجَزُوا عَنْ إِقَامَةِ الدَّلَالَةِ عَلَى مُقْتَضَاهَا، فَأُفْهِمُوا [[في أ: "فما فهموا".]] صَدْرَ هَذِهِ الْآيَةِ وَقَدْ كَفَرُوا بِآخِرِهَا، وَهُوَ قَوْلُهُ: ﴿وَمَا يَعْلَمُ جُنُودَ رَبِّكَ إِلا هُوَ﴾

وَقَدْ ثَبَتَ فِي حَدِيثِ الْإِسْرَاءِ الْمَرْوِيِّ فِي الصَّحِيحَيْنِ وَغَيْرِهِمَا. عَنْ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ أَنَّهُ قَالَ فِي صِفَةِ الْبَيْتِ الْمَعْمُورِ الَّذِي فِي السَّمَاءِ السَّابِعَةِ: "فَإِذَا هُوَ يَدْخُلُهُ فِي كُلَّ يَوْمٍ سَبْعُونَ أَلْفَ مَلَكٍ، لَا يَعُودُونَ إِلَيْهِ آخِرَ مَا عَلَيْهِمْ" [[هذا جزء من حديث أنس الطويل في الإسراء، وهو في صحيح البخاري برقم (٧٥١٧) ، وصحيح مسلم برقم (١٦٢) . وهذا القدر قد وقع لمسلم من هذا الوجه، وانظر أحاديث الإسراء عند تفسير أول سورة الإسراء.]] .

وَقَالَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ: حَدَّثَنَا أَسْوَدُ، حَدَّثَنَا إِسْرَائِيلُ، عَنْ إِبْرَاهِيمَ بْنِ مُهَاجِرٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ، عَنِ مُورِقٍ، عَنْ أَبِي ذَرٍّ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ: "إِنِّي أَرَى مَا لَا تَرَوْنَ، وَأَسْمَعُ مَا لَا تَسْمَعُونَ، أَطَّتِ السَّمَاءُ وحُقَّ لَهَا أَنْ تَئط، مَا فيها موضع أَصَابِعَ إِلَّا عَلَيْهِ مَلَكٌ سَاجِدٌ، لَوْ عَلِمْتُمْ مَا أَعْلَمُ لَضَحِكْتُمْ قَلِيلًا وَلَبَكَيْتُمْ كَثِيرًا، وَلَا تَلَذّذتم بِالنِّسَاءِ عَلَى [[في أ: "في".]] الفُرُشات، وَلَخَرَجْتُمْ إِلَى الصُّعُدَاتِ تَجْأَرُونَ إِلَى اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ". فَقَالَ أَبُو ذَرٍّ: وَاللَّهِ لوددتُ أَنِّي شَجَرَةٌ تُعضد.

وَرَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ وَابْنُ مَاجَهْ، مِنْ حَدِيثِ إِسْرَائِيلَ [[المسند (٥/١٧٣) ، وسنن الترمذي برقم (٢٣١٢) ، وسنن ابن ماجة برقم (٤١٩٠) .]] وَقَالَ التِّرْمِذِيُّ: حَسَنٌ غَرِيبٌ، وَيُرْوَى عَنْ أَبِي ذَرٍّ مَوْقُوفًا.

وَقَالَ الْحَافِظُ أَبُو الْقَاسِمِ الطَّبَرَانِيُّ: حَدَّثَنَا خَيْرُ [[في م: "حدثنا حسين".]] بْنُ عَرَفَةَ الْمِصْرِيُّ، حَدَّثَنَا عُرْوَة بْنُ مَرْوَانَ الرُّقِيُّ، حَدَّثَنَا عُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ عَمْرٍو، عَنْ عَبْدِ الْكَرِيمِ بْنِ مَالِكٍ، عَنْ عَطَاءِ بْنِ أَبِي رَبَاحٍ، عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عليه وسلم: "ما في السموات السَّبْعِ مَوْضِعُ قَدَمٍ وَلَا شِبْرٍ وَلَا كَفٍّ إِلَّا وَفِيهِ مَلَكٌ قَائِمٌ، أَوْ مَلَكٌ سَاجِدٌ، أَوْ مَلَكٌ رَاكِعٌ، فَإِذَا كَانَ يَوْمُ الْقِيَامَةِ قَالُوا جَمِيعًا: سُبْحَانَكَ! مَا عَبَدْنَاكَ حَقَّ عِبَادَتِكَ، إِلَّا أَنَّا لَمْ نُشْرِكْ بِكَ شَيْئًا". [[المعجم الكبير (٢/١٨٤) ، وقال الهيثمي في المجمع (١/٥٢) : "وفيه عروة بن مروان". قلت: قال الدارقطني: ليس بالقوى.]] .

وَقَالَ مُحَمَّدُ بْنُ نَصْرٍ الْمَرْوَزِيُّ فِي "كِتَابِ الصَّلَاةِ": حَدَّثَنَا عَمْرُو بْنُ زُرَارَةَ، أَخْبَرَنَا عَبْدُ الْوَهَّابِ بْنُ عَطَاءٍ، عَنْ سَعِيدٌ، عَنْ قَتَادَةَ، عَنْ صَفْوَانِ بْنِ مُحْرِز، عَنْ حَكِيمِ بْنِ حِزَامٍ قَالَ: بَيْنَمَا رَسُولُ اللَّهِ ﷺ مَعَ أَصْحَابِهِ إِذْ قَالَ لَهُمْ: "هَلْ تَسْمَعُونَ مَا أَسْمَعُ؟ " قَالُوا: مَا نَسْمَعُ مِنْ شَيْءٍ. فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ: "أَسْمَعُ أَطِيطَ السَّمَاءِ وَمَا تُلَامُ أَنْ تَئطّ، مَا فِيهَا مَوْضِعُ شِبْرٍ إِلَّا وَعَلَيْهِ مَلَكٌ رَاكِعٌ أَوْ سَاجِدٌ" [[تعظيم قدر الصلاة للمروزي برقم (٢٤٨) .]] .

وَقَالَ أَيْضًا: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ قَهْزَاذَ [[في م: "مهزاذ".]] حَدَّثَنَا أَبُو مُعَاذٍ الْفَضْلُ بْنُ خَالِدٍ النَّحْوِيُّ، حَدَّثَنَا عُبَيْدُ بْنُ سُلَيْمَانَ الْبَاهِلِيُّ، سَمِعْتُ الضَّحَّاكَ بْنَ مُزَاحِمٍ، يُحَدِّثُ عَنْ مَسْرُوقِ بْنِ الْأَجْدَعِ، عَنْ عَائِشَةَ أَنَّهَا قَالَتْ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ: "مَا فِي السَّمَاءِ الدُّنْيَا مَوْضِعُ قَدَمٍ إِلَّا وَعَلَيْهِ مَلَكٌ سَاجِدٌ أَوْ قَائِمٌ، وَذَلِكَ قَوْلُ الْمَلَائِكَةِ: ﴿وَمَا مِنَّا إِلا لَهُ مَقَامٌ مَعْلُومٌ وَإِنَّا لَنَحْنُ الصَّافُّونَ وَإِنَّا لَنَحْنُ الْمُسَبِّحُونَ﴾ [الصاقات: ١٦٤-١٦٦] . [[تعظيم قدر الصلاة برقم (٢٥٣) .]] .

وَهَذَا مَرْفُوعٌ [[في أ: "وهذا مرفوعا" وهو خطأ.]] غَرِيبٌ جِدًّا ثُمَّ رَوَاهُ [[في م: "ثم رواه".]] عَنْ مَحْمُودِ بْنِ آدَمَ، عَنْ أَبِي مُعَاوِيَةَ، عَنِ الْأَعْمَشِ، عَنْ أَبِي الضُّحى، عَنْ مَسْرُوقٍ، عَنِ ابْنِ مَسْعُودٍ أَنَّهُ قَالَ: إِنَّ مِنَ السَّمَاوَاتِ سَمَاءً مَا فِيهَا مَوْضِعُ شِبْرٍ إِلَّا وَعَلَيْهِ جَبْهَةُ مَلَكٍ أَوْ قَدَمَاهُ قَائِمًا، ثُمَّ قَرَأَ: ﴿وَإِنَّا لَنَحْنُ الصَّافُّونَ وَإِنَّا لَنَحْنُ الْمُسَبِّحُونَ﴾ [[تعظيم قدر الصلاة برقم (٢٥٤) .]] .

ثُمَّ قَالَ: حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ سَيَّارٍ: حَدَّثَنَا أَبُو جَعْفَرٍ مُحَمَّدُ بْنُ خَالِدٍ الدِّمَشْقِيُّ الْمَعْرُوفُ بِابْنِ أُمِّهِ، حَدَّثَنَا الْمُغِيرَةُ بْنُ عُثْمَانَ [[في هـ: "عمر".]] بْنِ عَطِيَّةَ مِنْ بَنِي عَمْرِو بْنِ عَوْفٍ، حَدَّثَنِي سُلَيْمَانُ بْنُ أَيُّوبَ [مِنْ بَنِي] [[زيادة من م.]] سَالِمِ بْنِ عَوْفٍ. حَدَّثَنِي عَطَاءُ بْنُ زَيْدِ بْنِ مَسْعُودٍ مِنْ بَنِي الْحُبُلِيِّ، حَدَّثَنِي سُلَيْمَانُ بْنُ عَمْرِو بْنِ الرَّبِيعِ، مَنْ بَنِي سَالِمٍ، حَدَّثَنِي عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ الْعَلَاءِ، مِنْ بَنِي سَاعِدَةَ، عَنْ أَبِيهِ الْعَلَاءِ بْنِ سَعْدٍ -وَقَدْ شَهِدَ الْفَتْحَ وَمَا بَعْدَهُ-أَنَّ النَّبِيَّ ﷺ قَالَ يَوْمًا لِجُلَسَائِهِ: "هَلْ تَسْمَعُونَ مَا أَسْمَعُ؟ " قَالُوا: وَمَا تَسَمَعُ يَا رَسُولَ اللَّهِ؟ قَالَ: "أطَّتِ السَّمَاءُ وَحُقَّ لَهَا أَنْ تَئط، إِنَّهُ لَيْسَ فِيهَا مَوْضِعُ قَدَم إِلَّا وَعَلَيْهِ مَلَكٌ قَائِمٌ أَوْ رَاكِعٌ أَوْ سَاجِدٌ، وقالَ الْمَلَائِكَةُ: ﴿وَإِنَّا لَنَحْنُ الصَّافُّونَ وَإِنَّا لَنَحْنُ الْمُسَبِّحُونَ﴾ [[تعظيم قدر الصلاة برقم (٢٥٥) .]] وَهَذَا إِسْنَادٌ غَرِيبٌ جِدًّا.

ثُمَّ قَالَ: حَدَّثَنَا [مُحَمَّدُ بْنُ يَحْيَى، حَدَّثَنَا] [[زيادة من تعظيم قدر الصلاة (٢٥٦) .]] إِسْحَاقُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ إِسْمَاعِيلَ الفَروي، حَدَّثَنَا عَبْدُ الْمَلِكِ بْنُ قُدَامَةَ، عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ ديناره، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ: أَنَّ عُمَرَ جَاءَ وَالصَّلَاةُ قَائِمَةٌ، وَنَفَرٌ ثَلَاثَةٌ جُلُوسٌ، أَحَدُهُمْ أَبُو جَحْشٍ اللَّيْثِيُّ، فَقَالَ: قُومُوا فَصَلُّوا مَعَ رَسُولِ اللَّهِ. فَقَامَ اثْنَانِ وَأَبَى أَبُو جَحْشٍ أَنْ يَقُومَ، وَقَالَ: لَا أَقُومُ حَتَّى يَأْتِيَ رَجُلٌ هُوَ أَقْوَى مِنِّي ذِرَاعَيْنِ، وَأَشَدُّ مِنِّي بَطْشًا فَيَصْرَعُنِي، ثُمَّ يَدس وَجْهِي فِي التُّرَابِ. قَالَ عُمَرُ: فَصَرَعْتُهُ وَدَسَسْتُ وَجْهَهُ فِي التُّرَابِ، فَأَتَى عُثْمَانُ بْنُ عَفَّانَ فَحَجَزَنِي عَنْهُ، فَخَرَجَ عُمَرُ مُغْضَبًا حَتَّى انْتَهَى إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسلم فقال: "مَا رَأيَكَ يَا أَبَا حَفْصٍ؟ ". فَذَكَرَ لَهُ مَا كَانَ مِنْهُ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ: "إن رضى عُمَرَ رحمةٌ، وَاللَّهِ لوددْتُ أَنَّكَ جِئْتَنِي بِرَأْسِ الْخَبِيثِ"، فَقَامَ عُمَرُ يُوجّهُ نَحْوَهُ، فَلَمَّا أَبْعَدَ نَادَاهُ فَقَالَ: "اجْلِسْ حَتَّى أُخْبِرَكَ بِغِنَى الرَّبِّ عَزَّ وَجَلَّ عَنْ صَلَاةِ أَبِي جَحْشٍ، إِنَّ لِلَّهِ فِي السَّمَاءِ الدُّنْيَا مَلَائِكَةً خُشُوعًا [[في م، أ: "خشوع".]] لَا يرفعون رءوسهم حتى تقوم الساعة. فإذا قامت رَفَعُوا رُءُوسَهُمْ ثُمَّ قَالُوا: رَبَّنَا، مَا عَبَدْنَاكَ حَقَّ عِبَادَتِكَ، وَإِنَّ لِلَّهِ فِي السَّمَاءِ الثَّانِيَةِ مَلَائِكَةً سُجُودًا لَا يَرْفَعُونَ رُءُوسَهُمْ حَتَّى تَقُومَ السَّاعَةُ فَإِذَا قَامَتِ السَّاعَةُ رَفَعُوا رُءُوسَهُمْ، وَقَالُوا: سُبْحَانَكَ! مَا عَبَدْنَاكَ حَقَّ عِبَادَتِكَ" فَقَالَ لَهُ عُمَرُ: وَمَا يَقُولُونَ يَا رَسُولَ اللَّهِ؟ فَقَالَ: " أَمَّا أَهْلُ السَّمَاءِ الدُّنْيَا فَيَقُولُونَ: سُبْحَانَ ذِي الْمُلْكِ وَالْمَلَكُوتِ. وَأَمَّا أَهْلُ السَّمَاءِ الثَّانِيَةِ فَيَقُولُونَ: سُبْحَانَ ذِي الْعِزَّةِ وَالْجَبَرُوتِ. وَأَمَّا أَهْلُ السَّمَاءِ الثَّالِثَةِ فَيَقُولُونَ: سُبْحَانَ الْحَيِّ الَّذِي لَا يَمُوتُ. فَقُلْهَا يَا عُمَرُ فِي صَلَاتِكَ". فَقَالَ عُمَرُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، فَكَيْفَ بِالَّذِي كُنْتَ عَلَّمْتَنِي وَأَمَرْتَنِي أَنْ أَقُولَهُ فِي صَلَاتِي؟ فَقَالَ: "قُلْ هَذَا مَرَّةً وَهَذَا مَرَّةً". وَكَانَ الَّذِي أَمَرَهُ بِهِ أَنْ يَقُولَ: "أَعُوذُ بِعَفْوِكَ مِنْ عِقَابِكَ، وَأَعُوذُ بِرِضَاكَ مِنْ سخَطك، وَأَعُوذُ بِكَ مِنْكَ، جَلَّ وَجْهُكَ" [[تعظيم قدر الصلاة برقم (٢٥٦) ، ورواه الحاكم في المستدرك (٣/٨٧) من طريق إسحاق الفروي به، وقال: "حديث صحيح الإسناد على شريط البخاري ولم يخرجاه"، وتعقبه الذهبي. قلت: "منكر غريب، وما هو على شرط البخاري، وفيه عبد الملك بن قدامة الجحمي ضعيف، تفرد به".]] وَهَذَا حَدِيثٌ غَرِيبٌ جِدًّا، بَلْ مُنْكَرٌ نَكَارَةً شَدِيدَةً، وَإِسْحَاقُ الْفَرَوِيُّ رَوَى عَنْهُ الْبُخَارِيُّ، وَذَكَرَهُ ابْنُ حِبَّانَ فِي الثِّقَاتِ، وَضَعَّفَهُ أَبُو دَاوُدَ وَالنَّسَائِيُّ وَالْعُقَيْلِيُّ وَالدَّارُقُطْنِيُّ. وَقَالَ أَبُو حَاتِمٍ الرَّازِيُّ: كَانَ صَدُوقًا إِلَّا أَنَّهُ ذَهَبَ بَصَرُهُ فرُبما لُقِّنَ، وَكُتُبُهُ صَحِيحَةٌ. وَقَالَ مَرَّةً: هُوَ مُضْطَرِبٌ، وَشَيْخُهُ عَبْدُ الْمَلِكِ بْنُ قُدَامَةَ أَبُو قَتَادَةَ الْجُمَحِيُّ: تُكَلِّمَ فِيهِ أَيْضًا. وَالْعَجَبُ مِنَ الْإِمَامِ مُحَمَّدِ بْنِ نَصْرٍ كَيْفَ رَوَاهُ وَلَمْ يَتَكَلَّمْ عَلَيْهِ، وَلَا عَرَّف بِحَالِهِ، وَلَا تَعَرَّضَ لِضَعْفِ بَعْضِ رِجَالِهِ؟! غَيْرَ أَنَّهُ رَوَاهُ مِنْ وَجْهٍ آخَرَ عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ مُرْسَلًا بِنَحْوِهِ. وَمِنْ طَرِيقٍ أُخْرَى عَنِ الْحَسَنِ الْبَصْرِيِّ مُرْسَلًا قَرِيبًا مِنْهُ، ثُمَّ قَالَ مُحَمَّدُ بْنُ نَصْرٍ:

حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ قَهْزَاذَ، أَخْبَرَنَا النَّضْرُ، أَخْبَرَنَا عَبَّادُ بْنُ مَنْصُورٍ قَالَ: سَمِعْتُ عَدِيَّ بْنَ أَرْطَاةَ وَهُوَ يَخْطُبُنَا عَلَى مِنْبَرِ الْمَدَائِنِ قَالَ: سَمِعْتُ رَجُلًا مِنْ أَصْحَابِ النَّبِيِّ ﷺ، عَنْ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ قَالَ: "إِنَّ لِلَّهِ تَعَالَى مَلَائِكَةً تُرعَد فَرَائِصُهُمْ مِنْ خِيفَتِهِ، مَا مِنْهُمْ مَلَكٌ تَقْطُرُ مِنْهُ دَمْعَةٌ مِنْ عَيْنِهِ إِلَّا وَقَعَتْ عَلَى مَلَكٍ يُصَلِّي، وَإِنَّ مِنْهُمْ مَلَائِكَةً سُجُودًا مُنْذُ خَلَقَ اللَّهُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ لَمْ يَرْفَعُوا رُءُوسَهُمْ وَلَا يَرْفَعُونَهَا إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ، وَإِنَّ مِنْهُمْ مَلَائِكَةً رُكُوعًا لَمْ يَرْفَعُوا رُءُوسَهُمْ مُنْذُ خَلَقَ اللَّهُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ وَلَا يَرْفَعُونَهَا إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ، فَإِذَا رَفَعُوا رُءُوسَهُمْ نَظَرُوا إِلَى وَجْهِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ، قَالُوا: سُبْحَانَكَ! مَا عَبَدْنَاكَ حَقَّ عِبَادَتِكَ" [[تعظيم قدر الصلاة برقم (٢٦٠) .]] .

وَهَذَا إِسْنَادٌ لَا بَأْسَ بِهِ.

* * *

وَقَوْلُهُ: ﴿وَمَا هِيَ إِلا ذِكْرَى لِلْبَشَرِ﴾ قَالَ مُجَاهِدٌ وَغَيْرُ وَاحِدٍ: ﴿وَمَا هِيَ﴾ أَيِ: النَّارُ الَّتِي وصفت، ﴿إِلا ذِكْرَى لِلْبَشَرِ﴾

ثُمَّ قَالَ: ﴿كَلا وَالْقَمَرِ وَاللَّيْلِ إِذْ أَدْبَرَ﴾ أَيْ: وَلَّى، ﴿وَالصُّبْحِ إِذَا أَسْفَرَ﴾ أَيْ: أَشْرَقَ، ﴿إِنَّهَا لإحْدَى الْكُبَرِ﴾ أَيِ: الْعَظَائِمِ، يَعْنِي: النَّارَ، قَالَهُ ابْنُ عَبَّاسٍ، وَمُجَاهِدٌ، وَقَتَادَةُ، وَالضَّحَّاكُ، وَغَيْرُ وَاحِدٍ مِنَ السَّلَفِ. ﴿نَذِيرًا لِلْبَشَرِ لِمَنْ شَاءَ مِنْكُمْ أَنْ يَتَقَدَّمَ أَوْ يَتَأَخَّرَ﴾ أَيْ: لِمَنْ شَاءَ أَنْ يَقْبَلَ النِّذَارَةَ وَيَهْتَدِيَ لِلْحَقِّ، أَوْ يَتَأَخَّرَ عَنْهَا وَيُوَلِّيَ وَيَرُدَّهَا.

Tafsir Resource

QUL supports exporting tafsir content in both JSON and SQLite formats. Tafsir text may include <html> tags for formatting such as <b>, <i>, etc.

Example JSON Format:

{
  "2:3": {
    "text": "tafisr text.",
    "ayah_keys": ["2:3", "2:4"]
  },
  "2:4": "2:3"
}
  • Keys in the JSON are "ayah_key" in "surah:ayah", e.g. "2:3" means 3rd ayah of Surah Al-Baqarah.
  • The value of ayah key can either be:
    • an object — this is the main tafsir group. It includes:
      • text: the tafsir content (can include HTML)
      • ayah_keys: an array of ayah keys this tafsir applies to
    • a string — this indicates the tafsir is part of a group. The string points to the ayah_key where the tafsir text can be found.

SQLite exports includes the following columns

  • ayah_key: the ayah for which this record applies.
  • group_ayah_key: the ayah key that contains the main tafsir text (used for shared tafsir).
  • from_ayah / to_ayah: start and end ayah keys for convenience (optional).
  • ayah_keys: comma-separated list of all ayah keys that this tafsir covers.
  • text: tafsir text. If blank, use the text from the group_ayah_key.