قَوْلُهُ تَعَالَى: ﴿إِنَّا سَنُلْقِي عَلَيْكَ قَوْلًا ثَقِيلًا﴾ هُوَ مُتَّصِلٌ بِمَا فُرِضَ مِنْ قِيَامِ اللَّيْلِ، أَيْ سَنُلْقِي عَلَيْكَ بِافْتِرَاضِ صَلَاةِ اللَّيْلِ قَوْلًا ثَقِيلًا يَثْقُلُ حَمْلُهُ، لِأَنَّ اللَّيْلَ لِلْمَنَامِ، فَمَنْ أُمِرَ بِقِيَامِ أَكْثَرِهِ لَمْ يَتَهَيَّأْ لَهُ ذَلِكَ إِلَّا بِحَمْلٍ شَدِيدٍ عَلَى النَّفْسِ وَمُجَاهَدَةٍ لِلشَّيْطَانِ، فَهُوَ أَمْرٌ يَثْقُلُ عَلَى الْعَبْدِ. وَقِيلَ: إِنَّا سَنُوحِي إِلَيْكَ الْقُرْآنَ، وَهُوَ قَوْلٌ ثَقِيلٌ يَثْقُلُ الْعَمَلُ بِشَرَائِعِهِ. قَالَ قَتَادَةُ: ثَقِيلٌ وَاللَّهِ فَرَائِضُهُ وَحُدُودُهُ. مُجَاهِدٌ: حَلَالُهُ وَحَرَامُهُ. الْحَسَنُ: الْعَمَلُ بِهِ. أَبُو الْعَالِيَةِ: ثَقِيلًا بِالْوَعْدِ وَالْوَعِيدِ وَالْحَلَالِ وَالْحَرَامِ. مُحَمَّدُ بْنُ كَعْبٍ: ثَقِيلًا عَلَى الْمُنَافِقِينَ. وَقِيلَ: عَلَى الْكُفَّارِ، لِمَا فِيهِ مِنَ الِاحْتِجَاجِ عَلَيْهِمْ، وَالْبَيَانِ لِضَلَالَتِهِمْ وَسَبِّ آلِهَتِهِمْ، وَالْكَشْفِ عَمَّا حَرَّفَهُ أَهْلُ الْكِتَابِ. السُّدِّيُّ: ثَقِيلٌ بِمَعْنَى كَرِيمٍ، مَأْخُوذٌ مِنْ قَوْلِهِمْ: فُلَانٌ ثَقِيلٌ عَلَيَّ، أَيْ يَكْرُمُ عَلَيَّ. الْفَرَّاءُ: ثَقِيلًا رَزِينًا لَيْسَ بِالْخَفِيفِ السَّفْسَافِ لِأَنَّهُ كَلَامُ رَبِّنَا. وَقَالَ الْحُسَيْنُ بْنُ الْفَضْلِ: ثَقِيلًا لَا يَحْمِلُهُ إِلَّا قَلْبٌ مُؤَيَّدٌ بِالتَّوْفِيقِ، وَنَفْسٌ مُزَيَّنَةٌ بِالتَّوْحِيدِ. وَقَالَ ابْنُ زَيْدٍ: هُوَ وَاللَّهُ ثَقِيلٌ مُبَارَكٌ، كَمَا ثَقُلَ فِي الدُّنْيَا يَثْقُلُ فِي الْمِيزَانِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ. وَقِيلَ: ثَقِيلًا أَيْ ثَابِتًا كَثُبُوتِ الثَّقِيلِ فِي مَحَلِّهِ، وَيَكُونُ مَعْنَاهُ أَنَّهُ ثَابِتُ الْإِعْجَازِ، لَا يَزُولُ إِعْجَازُهُ أَبَدًا. وَقِيلَ: هُوَ الْقُرْآنُ نَفْسُهُ، كَمَا جَاءَ فِي الْخَبَرِ: أَنَّ النَّبِيَّ ﷺ كَانَ إِذَا أُوحِيَ إِلَيْهِ وَهُوَ عَلَى نَاقَتِهِ وَضَعَتْ جرانها - يَعْنِي صَدْرَهَا- عَلَى الْأَرْضِ، فَمَا تَسْتَطِيعُ أَنْ تَتَحَرَّكَ حَتَّى يُسَرَّى [[أي الوحى.]] عَنْهُ. وَفِي الْمُوَطَّأِ وَغَيْرِهِ أَنَّهُ عَلَيْهِ السَّلَامُ سُئِلَ: كَيْفَ يَأْتِيكَ الْوَحْيُ؟ فَقَالَ: (أَحْيَانًا يَأْتِينِي مِثْلَ صَلْصَلَةِ الْجَرَسِ، وَهُوَ أَشَدُّهُ عَلَيَّ، فَيُفْصِمُ عَنِّي وَقَدْ وَعَيْتُ مَا قَالَ، وَأَحْيَانًا يَتَمَثَّلُ لِيَ الْمَلَكُ رَجُلًا فَيُكَلِّمُنِي فَأَعِي مَا يَقُولُ (. قَالَتْ عَائِشَةُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا: وَلَقَدْ رَأَيْتُهُ يَنْزِلُ عَلَيْهِ الْوَحْيُ فِي الْيَوْمِ الشَّدِيدِ الْبَرْدِ، فَيُفْصِمُ عَنْهُ وَإِنَّ جَبِينَهُ لَيَتَفَصَّدُ عَرَقًا. قَالَ ابْنُ الْعَرَبِيِّ: وَهَذَا أَوْلَى، لِأَنَّهُ الْحَقِيقَةُ، وَقَدْ جَاءَ وَما جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ [الحج: ٧٨]. وَقَالَ عَلَيْهِ السَّلَامُ: "بُعِثْتُ بِالْحَنِيفِيَّةِ السَّمْحَةِ". وَقِيلَ: الْقَوْلُ فِي هَذِهِ السُّورَةِ: هُوَ قَوْلُ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ، إِذْ فِي الْخَبَرِ: خَفِيفَةٌ عَلَى اللِّسَانِ ثَقِيلَةٌ فِي الْمِيزَانِ، ذَكَرَهُ الْقُشَيْرِيُّ.