Tafseer Al Qurtubi

Multiple Ayahs

Tags

Download Links

Tafseer Al Qurtubi tafsir for Surah Al-Muddaththir — Ayah 32

كـَلَّا وَٱلۡقَمَرِ ٣٢ وَٱلَّيۡلِ إِذۡ أَدۡبَرَ ٣٣ وَٱلصُّبۡحِ إِذَآ أَسۡفَرَ ٣٤ إِنَّهَا لَإِحۡدَى ٱلۡكُبَرِ ٣٥ نَذِيرٗا لِّلۡبَشَرِ ٣٦ لِمَن شَآءَ مِنكُمۡ أَن يَتَقَدَّمَ أَوۡ يَتَأَخَّرَ ٣٧ كُلُّ نَفۡسِۭ بِمَا كَسَبَتۡ رَهِينَةٌ ٣٨ إِلَّآ أَصۡحَٰبَ ٱلۡيَمِينِ ٣٩ فِي جَنَّٰتٖ يَتَسَآءَلُونَ ٤٠ عَنِ ٱلۡمُجۡرِمِينَ ٤١ مَا سَلَكَكُمۡ فِي سَقَرَ ٤٢ قَالُواْ لَمۡ نَكُ مِنَ ٱلۡمُصَلِّينَ ٤٣ وَلَمۡ نَكُ نُطۡعِمُ ٱلۡمِسۡكِينَ ٤٤ وَكُنَّا نَخُوضُ مَعَ ٱلۡخَآئِضِينَ ٤٥ وَكُنَّا نُكَذِّبُ بِيَوۡمِ ٱلدِّينِ ٤٦ حَتَّىٰٓ أَتَىٰنَا ٱلۡيَقِينُ ٤٧ فَمَا تَنفَعُهُمۡ شَفَٰعَةُ ٱلشَّٰفِعِينَ ٤٨

قَوْلُهُ تَعَالَى: ﴿كَلَّا وَالْقَمَرِ﴾ قَالَ الْفَرَّاءُ: كَلَّا صِلَةٌ لِلْقَسَمِ، التَّقْدِيرُ أَيْ وَالْقَمَرِ. وَقِيلَ: الْمَعْنَى حَقًّا وَالْقَمَرِ، فَلَا يُوقَفُ عَلَى هَذَيْنَ التَّقْدِيرَيْنِ عَلَى كَلَّا وَأَجَازَ الطَّبَرِيُّ الْوَقْفَ عَلَيْهَا، وَجَعَلَهَا رَدًّا لِلَّذِينَ زَعَمُوا أَنَّهُمْ يُقَاوِمُونَ خَزَنَةَ جَهَنَّمَ، أَيْ لَيْسَ الْأَمْرُ كَمَا يَقُولُ مَنْ زَعَمَ أَنَّهُ يُقَاوِمُ خَزَنَةَ النَّارِ. ثُمَّ أَقْسَمَ عَلَى ذلك عز وجل بِالْقَمَرِ وَبِمَا بَعْدَهُ، فَقَالَ: وَاللَّيْلِ إِذْ أَدْبَرَ أَيْ وَلَّى وَكَذَلِكَ "دَبَرَ". وَقَرَأَ نَافِعٌ وَحَمْزَةُ وَحَفْصٌ إِذْ أَدْبَرَ الْبَاقُونَ (إِذَا) بِأَلِفٍ وَ "دَبَرَ" بِغَيْرِ أَلِفٍ وَهُمَا لُغَتَانِ بِمَعْنًى، يُقَالُ: دَبَرَ وَأَدْبَرَ، وَكَذَلِكَ قَبِلَ اللَّيْلُ وَأَقْبَلَ. وَقَدْ قَالُوا: أَمْسِ الدَّابِرُ وَالْمُدْبِرُ، قَالَ صَخْرُ بْنُ عَمْرِو بْنِ الشَّرِيدِ السُّلَمِيُّ:

وَلَقَدْ قَتَلْنَاكُمْ ثُنَاءً وَمَوْحَدًا ... وَتَرَكْتُ مُرَّةَ مِثْلَ أَمْسِ الدَّابِرِ

وَيُرْوَى الْمُدْبِرِ. وَهَذَا قَوْلُ الْفَرَّاءِ وَالْأَخْفَشِ. وَقَالَ بَعْضُ أَهْلِ اللُّغَةِ: دَبَرَ اللَّيْلُ: إِذَا مَضَى، وَأَدْبَرَ: أَخَذَ فِي الْإِدْبَارِ. وَقَالَ مُجَاهِدٌ: سَأَلْتُ ابْنَ عَبَّاسٍ عَنْ قَوْلِهِ تَعَالَى: "وَاللَّيْلِ إِذَا دَبَرَ" فَسَكَتَ حَتَّى إِذَا دَبَرَ قَالَ: يَا مُجَاهِدُ، هَذَا حِينَ دَبَرَ اللَّيْلُ. وَقَرَأَ مُحَمَّدُ بْنُ السميقع وَاللَّيْلِ إِذْ أَدْبَرَ بِأَلِفَيْنِ، وَكَذَلِكَ فِي مُصْحَفِ عَبْدِ اللَّهِ وَأُبَيٍّ بِأَلِفَيْنِ. وَقَالَ قُطْرُبُ مَنْ قَرَأَ "دَبَرَ" فَيَعْنِي أَقْبَلَ، مِنْ قَوْلِ الْعَرَبِ دَبَرَ فُلَانٌ: إِذَا جَاءَ مِنْ خَلْفِي. قَالَ أَبُو عَمْرٍو: وَهِيَ لُغَةُ قُرَيْشٍ. وَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ فِي رِوَايَةٍ عَنْهُ: الصَّوَابُ: أَدْبَرَ، إِنَّمَا يَدْبَرُ ظَهْرُ الْبَعِيرِ. وَاخْتَارَ أَبُو عُبَيْدٍ: إِذَا أَدْبَرَ قَالَ: لِأَنَّهَا أَكْثَرُ مُوَافَقَةً لِلْحُرُوفِ الَّتِي تَلِيهِ، أَلَا تَرَاهُ يَقُولُ: وَالصُّبْحِ إِذا أَسْفَرَ، فَكَيْفَ يَكُونُ أَحَدُهُمَا "إِذْ" وَالْآخَرُ إِذَا وَلَيْسَ فِي الْقُرْآنِ قسم تعقبه "إذ" وإنما يتعقبه إِذا. ومعنى أَسْفَرَ: ضَاءَ. وَقِرَاءَةُ الْعَامَّةِ أَسْفَرَ بِالْأَلِفِ. وَقَرَأَ ابْنُ السَّمَيْقَعِ: "سَفَرَ". وَهُمَا لُغَتَانِ. يُقَالُ: سَفَرَ وَجْهُ فُلَانٍ وَأَسْفَرَ: إِذَا أَضَاءَ. وَفِي الْحَدِيثِ: (أَسْفِرُوا بِالْفَجْرِ، فَإِنَّهُ أَعْظَمُ لِلْأَجْرِ) أَيْ صَلُّوا صَلَاةَ الصُّبْحِ مُسْفِرِينَ، وَيُقَالُ: طَوِّلُوهَا إِلَى الْإِسْفَارِ، وَالْإِسْفَارُ: الْإِنَارَةُ. وَأَسْفَرَ وَجْهُهُ حُسْنًا أَيْ أَشْرَقَ، وَسَفَرَتِ الْمَرْأَةُ كَشَفَتْ عَنْ وَجْهِهَا فَهِيَ سَافِرٌ. وَيَجُوزُ أَنْ يَكُونَ [مِنْ] سَفَرَ الظَّلَامَ أَيْ كَنَسَهُ، كَمَا يُسْفَرُ الْبَيْتُ، أَيْ يُكْنَسُ، وَمِنْهُ السَّفِيرُ: لِمَا سَقَطَ مِنْ وَرَقِ الشَّجَرِ وَتَحَاتَّ، يُقَالُ: إِنَّمَا سُمِّيَ سَفِيرًا لِأَنَّ الرِّيحَ تَسْفِرُهُ أَيْ تَكْنُسُهُ. وَالْمِسْفَرَةُ: الْمِكْنَسَةُ.

قَوْلُهُ تَعَالَى: ﴿إِنَّها لَإِحْدَى الْكُبَرِ﴾ جَوَابُ الْقَسَمِ، أَيْ إِنَّ هَذِهِ النَّارَ لَإِحْدَى الْكُبَرِ أَيْ لَإِحْدَى الدَّوَاهِي. وَفِي تَفْسِيرِ مُقَاتِلٍ الْكُبَرِ: اسْمٌ مِنْ أَسْمَاءِ النَّارِ. وَرُوِيَ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ إِنَّها أَيْ إِنَّ تَكْذِيبَهُمْ بِمُحَمَّدٍ ﷺ لَإِحْدَى الْكُبَرِ أَيْ لَكَبِيرَةٌ مِنَ الْكَبَائِرِ. وَقِيلَ: أَيْ إِنَّ قِيَامَ السَّاعَةِ لَإِحْدَى الْكُبَرِ. وَالْكُبَرُ: هِيَ الْعَظَائِمُ مِنَ الْعُقُوبَاتِ، قَالَ الراجز:

يا ابن الْمُعَلَّى نَزَلَتْ إِحْدَى الْكُبَرِ ... دَاهِيَةُ الدَّهْرِ وَصَمَّاءُ الْغِيَرْ

وَوَاحِدَةُ (الْكُبَرِ)، كُبْرَى مِثْلَ الصُّغْرَى وَالصُّغَرِ، وَالْعُظْمَى وَالْعُظَمِ. وَقَرَأَ الْعَامَّةُ (لَإِحْدَى) وَهُوَ اسْمٌ بُنِيَ ابْتِدَاءً لِلتَّأْنِيثِ، وَلَيْسَ مَبْنِيًّا عَلَى الْمُذَكَّرِ، نَحْوَ عُقْبَى وَأُخْرَى، وَأَلِفُهُ أَلِفُ قَطْعٍ، لَا تَذْهَبُ فِي الْوَصْلِ. وَرَوَى جَرِيرُ بْنُ حَازِمٍ عَنِ ابْنِ كَثِيرٍ "إِنَّهَا لَحْدَى الْكُبَرِ" بِحَذْفِ الْهَمْزَةِ.

(نَذِيراً لِلْبَشَرِ) يُرِيدُ النَّارَ، أَيْ أَنَّ هَذِهِ النَّارَ الْمَوْصُوفَةَ نَذِيراً لِلْبَشَرِ فَهُوَ نَصْبٌ عَلَى الْحَالِ مِنَ الْمُضْمَرِ فِي إِنَّها قَالَهُ الزَّجَّاجُ. وَذُكِّرَ، لِأَنَّ مَعْنَاهُ مَعْنَى الْعَذَابِ، أَوْ أَرَادَ ذَاتَ إِنْذَارٍ عَلَى مَعْنَى النَّسَبِ، كَقَوْلِهِمْ: امْرَأَةٌ طَالِقٌ وَطَاهِرٌ. وَقَالَ الْخَلِيلُ: النَّذِيرُ: مَصْدَرٌ كَالنَّكِيرِ، وَلِذَلِكَ يُوصَفُ بِهِ الْمُؤَنَّثُ. وَقَالَ الْحَسَنُ: وَاللَّهِ مَا أُنْذِرَ الْخَلَائِقُ بِشَيْءٍ أَدْهَى مِنْهَا. وَقِيلَ: الْمُرَادُ بِالنَّذِيرِ مُحَمَّدٌ ﷺ، أَيْ قُمْ نَذِيرًا لِلْبَشَرِ، أَيْ مُخَوِّفًا لَهُمْ فَ- نَذِيراً حَالٌ مِنْ قُمْ فِي أول السورة حين قال: قُمْ فَأَنْذِرْ [المدثر: ٢] قَالَ أَبُو عَلِيٍّ الْفَارِسِيُّ وَابْنُ زَيْدٍ، وَرُوِيَ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ وَأَنْكَرَهُ الْفَرَّاءُ. ابْنُ الْأَنْبَارِيِّ: وَقَالَ بَعْضُ الْمُفَسِّرِينَ مَعْنَاهُ يَا أَيُّهَا الْمُدَّثِّرُ قُمْ نَذِيرًا لِلْبَشَرِ. وَهَذَا قَبِيحٌ، لِأَنَّ الْكَلَامَ قَدْ طَالَ فِيمَا بَيْنَهُمَا. وَقِيلَ: هُوَ مِنْ صِفَةِ اللَّهِ تَعَالَى. رَوَى أَبُو مُعَاوِيَةَ الضَّرِيرُ: حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ بْنُ سَمِيعٍ عَنْ أَبِي رَزِينٍ نَذِيراً لِلْبَشَرِ قَالَ: يَقُولُ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ: أَنَا لَكُمْ مِنْهَا نَذِيرٌ فَاتَّقُوهَا. وَ (نَذِيراً) عَلَى هَذَا نُصِبَ عَلَى الْحَالِ، أَيْ وَما جَعَلْنا أَصْحابَ النَّارِ إِلَّا مَلائِكَةً مُنْذِرًا بِذَلِكَ الْبَشَرِ. وَقِيلَ: هُوَ حَالٌ مِنْ هُوَ فِي قَوْلِهِ تَعَالَى: وَما يَعْلَمُ جُنُودَ رَبِّكَ إِلَّا هُوَ. وَقِيلَ: هُوَ فِي مَوْضِعِ الْمَصْدَرِ، كَأَنَّهُ قال: إنذار لِلْبَشَرِ. قَالَ الْفَرَّاءُ: يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ النَّذِيرُ بِمَعْنَى الْإِنْذَارِ، أَيْ أَنْذِرْ إِنْذَارًا فَهُوَ كَقَوْلِهِ تعالى: فَكَيْفَ كانَ نَذِيرِ أَيْ إِنْذَارِي

، فَعَلَى هَذَا يَكُونُ رَاجِعًا إلى أَوَّلِ السُّورَةِ، أَيْ (قُمْ فَأَنْذِرْ) أَيْ إِنْذَارًا. وَقِيلَ: هُوَ مَنْصُوبٌ بِإِضْمَارِ فِعْلٍ. وَقَرَأَ ابْنُ أَبِي عَبْلَةَ "نَذِيرٌ" بِالرَّفْعِ عَلَى إِضْمَارِ هُوَ. وَقِيلَ: أَيْ إِنَّ الْقُرْآنَ نَذِيرٌ لِلْبَشَرِ، لِمَا تَضَمَّنَهُ مِنَ الْوَعْدِ وَالْوَعِيدِ.

قَوْلُهُ تَعَالَى: ﴿لِمَنْ شاءَ مِنْكُمْ أَنْ يَتَقَدَّمَ أَوْ يَتَأَخَّرَ﴾ اللَّامُ مُتَعَلِّقَةٌ بِ- نَذِيراً، أَيْ نَذِيرًا لِمَنْ شَاءَ مِنْكُمْ أَنْ يَتَقَدَّمَ إِلَى الْخَيْرِ وَالطَّاعَةِ، أَوْ يتأخر إلى الشر والمعصية، نظيره: وَلَقَدْ عَلِمْنَا الْمُسْتَقْدِمِينَ مِنْكُمْ [الحجر: ٢٤] أي في الخير وَلَقَدْ عَلِمْنَا الْمُسْتَأْخِرِينَ [الحجر: ٢٤] عَنْهُ. قَالَ الْحَسَنُ: هَذَا وَعِيدٌ وَتَهْدِيدٌ وَإِنْ خَرَجَ مَخْرَجَ الْخَبَرِ، كَقَوْلِهِ تَعَالَى: فَمَنْ شاءَ فَلْيُؤْمِنْ وَمَنْ شاءَ فَلْيَكْفُرْ [الكهف: ٢٩]. وَقَالَ بَعْضُ أَهْلِ التَّأْوِيلِ: مَعْنَاهُ لِمَنْ شَاءَ اللَّهُ أَنْ يَتَقَدَّمَ أَوْ يَتَأَخَّرَ، فَالْمَشِيئَةُ مُتَّصِلَةٌ بِاللَّهِ جَلَّ ثَنَاؤُهُ، وَالتَّقْدِيمُ الْإِيمَانُ، وَالتَّأْخِيرُ الْكُفْرُ. وَكَانَ ابْنُ عَبَّاسٍ يَقُولُ: هَذَا تَهْدِيدٌ وَإِعْلَامٌ أَنَّ مَنْ تَقَدَّمَ إِلَى الطَّاعَةِ وَالْإِيمَانِ بِمُحَمَّدٍ ﷺ جُوزِيَ بِثَوَابٍ لَا يَنْقَطِعُ، وَمَنْ تَأَخَّرَ عَنِ الطَّاعَةِ وَكَذَّبَ مُحَمَّدًا ﷺ عُوقِبَ عِقَابًا لَا يَنْقَطِعُ. وَقَالَ السُّدِّيُّ: لِمَنْ شاءَ مِنْكُمْ أَنْ يَتَقَدَّمَ إِلَى النَّارِ الْمُتَقَدِّمِ ذِكْرُهَا، أَوْ يَتَأَخَّرَ عَنْهَا إِلَى الْجَنَّةِ.

قَوْلُهُ تَعَالَى: ﴿كُلُّ نَفْسٍ بِما كَسَبَتْ رَهِينَةٌ﴾ أَيْ مُرْتَهَنَةٌ بِكَسْبِهَا، مَأْخُوذَةٌ بِعَمَلِهَا، إِمَّا خَلَّصَهَا وَإِمَّا أَوْبَقَهَا. وَلَيْسَتْ رَهِينَةٌ تَأْنِيثَ رَهِينٍ فِي قَوْلِهِ تَعَالَى: كُلُّ امْرِئٍ بِما كَسَبَ رَهِينٌ [الطور: ٢١] لِتَأْنِيثِ النَّفْسِ، لِأَنَّهُ لَوْ قُصِدَتِ الصِّفَةُ لَقِيلَ رَهِينٌ، لِأَنَّ فَعِيلًا بِمَعْنَى مَفْعُولٍ يَسْتَوِي فِيهِ الْمُذَكَّرُ وَالْمُؤَنَّثُ. وَإِنَّمَا هُوَ اسْمٌ بِمَعْنَى الرَّهْنِ كَالشَّتِيمَةِ بِمَعْنَى الشَّتْمِ، كَأَنَّهُ قِيلَ: كُلُّ نَفْسٍ بِمَا كَسَبَتْ رَهِينٌ، وَمِنْهُ بَيْتُ الْحَمَاسَةِ:

أَبْعَدَ الَّذِي بِالنَّعْفِ نَعْفِ كُوَيْكَبٍ ... رَهِينَةُ رَمْسٍ ذِي تُرَابٍ وَجَنْدَلِ [[النعف من الأرض: المكان المرتفع في اعتراض. والبيت من قول عبد الرحمن بن زيد العذري وقد قتل أخوه وعرضت عليه الدية فأبى أن يأخذها واخذ بثأره.]]

كَأَنَّهُ قَالَ رَهْنُ رَمْسٍ. وَالْمَعْنَى: كُلُّ نَفْسٍ رَهْنٌ بِكَسْبِهَا عِنْدَ اللَّهِ غَيْرُ مَفْكُوكٍ (إِلَّا أَصْحابَ الْيَمِينِ) فَإِنَّهُمْ لَا يُرْتَهَنُونَ بِذُنُوبِهِمْ. وَاخْتُلِفَ فِي تَعْيِينِهِمْ، فَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: الملائكة.

عَلِيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ: أَوْلَادُ الْمُسْلِمِينَ لَمْ يَكْتَسِبُوا فَيُرْتَهَنُوا بِكَسْبِهِمْ. الضَّحَّاكُ: الَّذِينَ سَبَقَتْ لَهُمْ مِنَ اللَّهِ الْحُسْنَى، وَنَحْوُهُ عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ، قَالَ: كُلُّ نَفْسٍ بِعَمَلِهَا مُحَاسَبَةٌ إِلَّا أَصْحابَ الْيَمِينِ وَهُمْ أَهْلُ الْجَنَّةِ، فَإِنَّهُمْ لَا يُحَاسَبُونَ. وَكَذَا قَالَ مُقَاتِلٌ أَيْضًا: هُمْ أَصْحَابُ الْجَنَّةِ الَّذِينَ كَانُوا عَنْ يَمِينِ آدَمَ يَوْمَ الْمِيثَاقِ حِينَ قَالَ اللَّهُ لَهُمْ: هَؤُلَاءِ فِي الْجَنَّةِ وَلَا أُبَالِي. وَقَالَ الْحَسَنُ وَابْنُ كَيْسَانَ: هُمُ الْمُسْلِمُونَ الْمُخْلِصُونَ لَيْسُوا بِمُرْتَهَنِينَ، لِأَنَّهُمْ أَدَّوْا مَا كَانَ عَلَيْهِمْ. وَعَنْ أَبِي ظَبْيَانِ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: هُمُ الْمُسْلِمُونَ. وَقِيلَ: إِلَّا أَصْحَابَ الْحَقِّ وَأَهْلَ الْإِيمَانِ. وَقِيلَ: هُمُ الَّذِينَ يُعْطَوْنَ كُتُبَهُمْ بِأَيْمَانِهِمْ. وَقَالَ أَبُو جَعْفَرٍ الْبَاقِرُ: نَحْنُ وَشِيعَتُنَا أَصْحَابُ الْيَمِينِ، وَكُلُّ مَنْ أَبْغَضَنَا أَهْلَ الْبَيْتِ فَهُمُ الْمُرْتَهَنُونَ. وَقَالَ الْحَكَمُ: هُمُ الَّذِينَ اخْتَارَهُمُ اللَّهُ لِخِدْمَتِهِ، فَلَمْ يَدْخُلُوا فِي الرَّهْنِ، لِأَنَّهُمْ خُدَّامُ اللَّهِ وَصَفْوَتُهُ وَكَسْبُهُمْ لَمْ يَضُرُّهُمْ. وَقَالَ الْقَاسِمُ: كُلُّ نَفْسٍ مَأْخُوذَةٌ بِكَسْبِهَا مِنْ خَيْرٍ أَوْ شَرٍّ، إِلَّا مَنِ اعْتَمَدَ عَلَى الْفَضْلِ وَالرَّحْمَةِ، دُونَ الْكَسْبِ وَالْخِدْمَةِ، فَكُلُّ مَنِ اعْتَمَدَ عَلَى الْكَسْبِ فَهُوَ مَرْهُونٌ، وَكُلُّ مَنِ اعْتَمَدَ عَلَى الْفَضْلِ فَهُوَ غَيْرُ مَأْخُوذٍ بِهِ. فِي جَنَّاتٍ أَيْ فِي بَسَاتِينَ يَتَساءَلُونَ أَيْ يَسْأَلُونَ (عَنِ الْمُجْرِمِينَ) أَيِ الْمُشْرِكِينَ مَا سَلَكَكُمْ أَيْ أَدْخَلَكُمْ فِي سَقَرَ كَمَا تَقُولُ: سَلَكْتُ الْخَيْطَ فِي كَذَا أَيْ أَدْخَلْتُهُ فِيهِ. قَالَ الْكَلْبِيُّ: فَيَسْأَلُ الرَّجُلُ مِنْ أَهْلِ الْجَنَّةِ الرَّجُلَ مِنْ أَهْلِ النَّارِ بِاسْمِهِ، فَيَقُولُ لَهُ: يَا فُلَانُ. وَفِي قِرَاءَةِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الزُّبَيْرِ "يَا فُلَانُ مَا سَلَكَكَ فِي سَقَرَ"؟ وَعَنْهُ قَالَ: قَرَأَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ "يَا فُلَانُ مَا سَلَكَكُمْ فِي سَقَرَ" وَهِيَ قِرَاءَةٌ عَلَى التَّفْسِيرِ، لَا أَنَّهَا قُرْآنٌ كَمَا زَعَمَ مَنْ طَعَنَ فِي الْقُرْآنِ، قَالَهُ أَبُو بَكْرِ بْنُ الْأَنْبَارِيِّ. وَقِيلَ: إِنَّ الْمُؤْمِنِينَ يَسْأَلُونَ الْمَلَائِكَةَ عَنْ أَقْرِبَائِهِمْ، فَتَسْأَلُ الْمَلَائِكَةَ الْمُشْرِكِينَ فَيَقُولُونَ لَهُمْ: مَا سَلَكَكُمْ فِي سَقَرَ. قَالَ الْفَرَّاءُ: فِي هَذَا مَا يُقَوِّي أَنَّ أَصْحَابَ الْيَمِينِ الْوِلْدَانُ، لِأَنَّهُمْ لَا يَعْرِفُونَ الذُّنُوبَ. قالُوا يَعْنِي أَهْلَ النَّارِ لَمْ نَكُ مِنَ الْمُصَلِّينَ أَيِ الْمُؤْمِنِينَ الَّذِينَ يُصَلُّونَ.

(وَلَمْ نَكُ نُطْعِمُ الْمِسْكِينَ) أَيْ لَمْ نَكُ نَتَصَدَّقُ.

(وَكُنَّا نَخُوضُ مَعَ الْخائِضِينَ) أَيْ كُنَّا نُخَالِطُ أَهْلَ الْبَاطِلِ فِي بَاطِلِهِمْ. وَقَالَ ابْنُ زَيْدٍ: نَخُوضُ مَعَ الْخَائِضِينَ فِي أَمْرِ مُحَمَّدٍ ﷺ، وَهُوَ قَوْلُهُمْ- لَعَنَهُمُ اللَّهُ- كَاهِنٌ، مَجْنُونٌ، شَاعِرٌ، سَاحِرٌ.

وَقَالَ السُّدِّيُّ: أَيْ وَكُنَّا نُكَذِّبُ مَعَ الْمُكَذِّبِينَ. وَقَالَ قَتَادَةُ: كُلَّمَا غَوَى غَاوٍ غَوَيْنَا مَعَهُ. وَقِيلَ مَعْنَاهُ: وَكُنَّا أَتْبَاعًا وَلَمْ نَكُنْ مَتْبُوعِينَ.

(وَكُنَّا نُكَذِّبُ بِيَوْمِ الدِّينِ) أَيْ لَمْ نَكُ نُصَدِّقُ بِيَوْمِ الْقِيَامَةِ، يَوْمِ الْجَزَاءِ وَالْحُكْمِ.

قَوْلُهُ تَعَالَى: ﴿حَتَّى أَتانَا الْيَقِينُ﴾ أَيْ جَاءَنَا وَنَزَلَ بِنَا الْمَوْتُ، وَمِنْهُ قَوْلُهُ تَعَالَى: وَاعْبُدْ رَبَّكَ حَتَّى يَأْتِيَكَ الْيَقِينُ»

[الحجر: ٩٩].

قَوْلُهُ تَعَالَى: ﴿فَما تَنْفَعُهُمْ شَفاعَةُ الشَّافِعِينَ﴾ هَذَا دَلِيلٌ عَلَى صِحَّةِ الشَّفَاعَةِ لِلْمُذْنِبِينَ، وَذَلِكَ أَنَّ قَوْمًا مِنْ أَهْلِ التَّوْحِيدِ عُذِّبُوا بِذُنُوبِهِمْ، ثُمَّ شُفِّعَ فِيهِمْ، فَرَحِمَهُمُ اللَّهُ بِتَوْحِيدِهِمْ وَالشَّفَاعَةِ، فَأُخْرِجُوا مِنَ النَّارِ، وَلَيْسَ لِلْكُفَّارِ شَفِيعٌ يَشْفَعُ فِيهِمْ. وَقَالَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مَسْعُودٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ: يَشْفَعُ نَبِيُّكُمْ ﷺ رَابِعَ أَرْبَعَةٍ: جِبْرِيلُ، ثُمَّ إِبْرَاهِيمُ، ثُمَّ مُوسَى أَوْ عِيسَى [[في ح، ل: (وعيسى).]]، ثُمَّ نَبِيُّكُمْ ﷺ، ثُمَّ الْمَلَائِكَةُ، ثُمَّ النَّبِيُّونَ، ثُمَّ الصِّدِّيقُونَ، ثُمَّ الشُّهَدَاءُ، وَيَبْقَى قَوْمٌ فِي جَهَنَّمَ، فَيُقَالُ لَهُمْ: مَا سَلَكَكُمْ فِي سَقَرَ قالُوا لَمْ نَكُ مِنَ الْمُصَلِّينَ. وَلَمْ نَكُ نُطْعِمُ الْمِسْكِينَ إِلَى قَوْلِهِ: فَما تَنْفَعُهُمْ شَفاعَةُ الشَّافِعِينَ قَالَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مَسْعُودٍ: فَهَؤُلَاءِ هُمُ الَّذِينَ يَبْقَوْنَ فِي جَهَنَّمَ، وَقَدْ ذَكَرْنَا إِسْنَادَهُ فِي كتاب (التذكرة).

Tafsir Resource

QUL supports exporting tafsir content in both JSON and SQLite formats. Tafsir text may include <html> tags for formatting such as <b>, <i>, etc.

Example JSON Format:

{
  "2:3": {
    "text": "tafisr text.",
    "ayah_keys": ["2:3", "2:4"]
  },
  "2:4": "2:3"
}
  • Keys in the JSON are "ayah_key" in "surah:ayah", e.g. "2:3" means 3rd ayah of Surah Al-Baqarah.
  • The value of ayah key can either be:
    • an object — this is the main tafsir group. It includes:
      • text: the tafsir content (can include HTML)
      • ayah_keys: an array of ayah keys this tafsir applies to
    • a string — this indicates the tafsir is part of a group. The string points to the ayah_key where the tafsir text can be found.

SQLite exports includes the following columns

  • ayah_key: the ayah for which this record applies.
  • group_ayah_key: the ayah key that contains the main tafsir text (used for shared tafsir).
  • from_ayah / to_ayah: start and end ayah keys for convenience (optional).
  • ayah_keys: comma-separated list of all ayah keys that this tafsir covers.
  • text: tafsir text. If blank, use the text from the group_ayah_key.