Tafsir al-Tahrir wa al-Tanwir

Multiple Ayahs

Tags

Download Links

Tafsir al-Tahrir wa al-Tanwir tafsir for Surah Nuh — Ayah 27

وَقَالَ نُوحٞ رَّبِّ لَا تَذَرۡ عَلَى ٱلۡأَرۡضِ مِنَ ٱلۡكَٰفِرِينَ دَيَّارًا ٢٦ إِنَّكَ إِن تَذَرۡهُمۡ يُضِلُّواْ عِبَادَكَ وَلَا يَلِدُوٓاْ إِلَّا فَاجِرٗا كَفَّارٗا ٢٧

﴿وقالَ نُوحٌ رَبِّ لا تَذَرْ عَلى الأرْضِ مِنَ الكافِرِينَ دَيّارًا﴾ ﴿إنَّكَ إنْ تَذَرْهم يُضِلُّوا عِبادَكَ ولا يَلِدُوا إلّا فاجِرًا كَفّارًا﴾ عَطْفٌ عَلى ﴿قالَ نُوحٌ رَبِّ إنَّهم عَصَوْنِي﴾ [نوح: ٢١] أعْقَبَهُ بِالدُّعاءِ عَلَيْهِمْ بِالإهْلاكِ والِاسْتِئْصالِ بِأنْ لا يُبْقِي مِنهم أحَدًا، أيْ: لا تُبْقِ مِنهم أحَدًا عَلى الأرْضِ.

وأُعِيدَ فِعْلُ (قالَ) لِوُقُوعِ الفَصْلِ بَيْنَ أقْوالِ نُوحٍ بِجُمْلَةِ ﴿مِمّا خَطِيئاتِهِمْ﴾ [نوح: ٢٥] إلَخْ، أوْ بِها وبِجُمْلَةِ ﴿ولا تَزِدِ الظّالِمِينَ إلّا ضَلالًا﴾ [نوح: ٢٤] .

وقُرِنَتْ بِواوِ العَطْفِ لِتَكُونَ مُسْتَقِلَّةً فَلا تَتْبَعُ جُمْلَةَ ﴿إنَّهم عَصَوْنِي﴾ [نوح: ٢١] لِلْإشارَةِ إلى أنَّ دَعْوَةَ نُوحٍ حَصَلَتْ بَعْدَ شِكايَتِهِ بِقَوْلِهِ ﴿إنَّهم عَصَوْنِي﴾ [نوح: ٢١] .

ودَيّارٌ: اسْمٌ مَخْصُوصٌ بِالوُقُوعِ في النَّفْيِ يَعُمُّ كُلَّ إنْسانٍ، وهو اسْمٌ بِوَزْنِ فَيْعالٍ مُشْتَقٌّ مِنِ اسْمِ الدّارِ فَعَيْنُهُ واوٌ؛ لِأنَّ عَيْنَ دارٍ مُقَدَّرَةٌ واوًا، فَأصْلُ دَيّارٍ: دَيْوارٍ، فَلَمّا اجْتَمَعَتِ الواوُ والياءُ واتَّصَلَتا وسَبَقَتْ إحْداهُما بِالسُّكُونِ قُلِبَتِ الواوُ ياءً ثُمَّ أُدْغِمَتْ في الياءِ الزّائِدَةِ كَما فُعِلَ بِسَيِّدٍ ومَيِّتٍ. ومَعْنى دَيّارٍ: مَن يَحُلُّ بِدارِ القَوْمِ كِنايَةً عَنْ إنْسانٍ.

ونَظِيرُ (دَيّارٍ) في العُمُومِ والوُقُوعِ في النَّفْيِ أسْماءٌ كَثِيرَةٌ في كَلامِ العَرَبِ أبْلَغَها ابْنُ السِّكِّيتِ في إصْلاحِ المَنطِقِ إلى خَمْسَةٍ وعِشْرِينَ، وزادَ كُراعُ النَّمْلِ سَبْعَةً فَبَلَغَتِ اثْنَيْنِ وثَلاثِينَ اسْمًا، وزادَ ابْنُ مالِكٍ في التَّسْهِيلِ سِتَّةً فَصارَتْ ثَمانِيَةً وثَلاثِينَ.

ومِن أشْهَرِها: آحَدٌ، ودَيّارٌ، وعَرِّيبٌ وكُلُّها بِمَعْنى الإنْسانِ، ولَفْظُ (بُدَّ) بِضَمِّ المُوَحَّدَةِ وتَشْدِيدِ الدّالِ المُهْمَلَةِ وهو المُفارَقَةُ.

صفحة ٢١٤

وجُمْلَةُ ﴿إنَّكَ إنْ تَذَرْهم يُضِلُّوا عِبادَكَ﴾ تَعْلِيلٌ لِسُؤالِهِ أنْ لا يَتْرُكَ اللَّهُ عَلى الأرْضِ أحَدًا مِنَ الكافِرِينَ يُرِيدُ أنَّهُ خَشِيَ أنْ يُضِلُّوا بَعْضَ المُؤْمِنِينَ وأنْ يَلِدُوا أبْناءً يَنْشَأُونَ عَلى كُفْرِهِمْ.

والأرْضُ: يَجُوزُ أنْ يُرادَ بِها جَمِيعُ الكُرَةِ الدُّنْيَوِيَّةِ، وأنْ يُرادَ أرْضٌ مَعْهُودَةٌ لِلْمُتَكَلِّمِ والمُخاطَبِ كَما في قَوْلِهِ تَعالى ﴿قالَ اجْعَلْنِي عَلى خَزائِنِ الأرْضِ﴾ [يوسف: ٥٥] يَعْنِي أرْضَ مِصْرَ في سُورَةِ يُوسُفَ.

ويَحْتَمِلُ أنْ يَكُونَ البَشَرُ يَوْمَئِذٍ مُنْحَصِرِينَ في قَوْمِ نُوحٍ، ويَجُوزُ خِلافُهُ، وعَلى هَذِهِ الِاحْتِمالاتِ يَنْشَأُ احْتِمالُ أنْ يَكُونَ الطُّوفانُ قَدْ غَمَرَ جَمِيعَ الكُرَةِ الأرْضِيَّةِ، واحْتِمالُ أنْ يَكُونَ طُوفانًا قاصِرًا عَلى ناحِيَةٍ كَبِيرَةٍ مِن عُمُومِ الأرْضِ، واللَّهُ أعْلَمُ. وقَدْ تَقَدَّمَ ذَلِكَ عِنْدَ تَفْسِيرِ قَوْلِهِ تَعالى ﴿فَأنْجَيْناهُ والَّذِينَ مَعَهُ في الفُلْكِ﴾ [الأعراف: ٦٤] في سُورَةِ الأعْرافِ.

وخَبَرُ (إنَّكَ) مَجْمُوعُ الشَّرْطِ مَعَ جَوابِهِ الواقِعِ بَعْدَ (إنَّ)؛ لِأنَّهُ إذا اجْتَمَعَ مُبْتَدَأٌ وشَرْطٌ رَجَحَ الشَّرْطُ عَلى المُبْتَدَأِ فَأُعْطِيَ الشَّرْطُ الجَوابَ ولَمْ يُعْطَ المُبْتَدَأُ خَبَرًا لِدَلالَةِ جُمْلَةِ الشَّرْطِ وجَوابِهِ عَلَيْهِ.

وعَلِمَ نُوحٌ أنَّهم لا يَلِدُونَ إلّا فاجِرًا كَفّارًا بِأنَّ أوْلادَهم يَنْشَأُونَ فِيهِمْ فَيُلَقِّنُونَهم دِينَهم ويَصُدُّونَ نُوحًا عَنْ أنْ يُرْشِدَهم فَحَصَلَ لَهُ عِلْمٌ بِهَذِهِ القَضِيَّةِ بِدَلِيلِ التَّجْرِبَةِ.

والمَعْنى: ولا يَلِدُوا إلّا مَن يَصِيرُ فاجِرًا كَفّارًا عِنْدَ بُلُوغِهِ سِنَّ العَقْلِ.

والفاجِرُ: المُتَّصِفُ بِالفُجُورِ، وهو العَمَلُ الشَّدِيدُ الفَسادِ.

والكُفّارُ: مُبالَغَةٌ في المَوْصُوفِ بِالكُفْرِ، أيْ: إلّا مَن يَجْمَعُ بَيْنَ سُوءِ الفِعْلِ وسُوءِ الِاعْتِقادِ، قالَ تَعالى ﴿أُولَئِكَ هُمُ الكَفَرَةُ الفَجَرَةُ﴾ [عبس: ٤٢] .

وفِي كَلامِ نُوحٍ دَلالَةٌ عَلى أنَّ المُصْلِحِينَ يَهْتَمُّونَ بِإصْلاحِ جِيلِهِمُ الحاضِرِ ولا يُهْمِلُونَ تَأْسِيسَ أُسُسِ إصْلاحِ الأجْيالِ الآتِيَةِ إذِ الأجْيالُ كُلُّها سَواءٌ في نَظَرِهِمُ الإصْلاحِيِّ. وقَدِ انْتَزَعَ عُمَرُ بْنُ الخَطّابِ مِن قَوْلِهِ تَعالى ﴿والَّذِينَ جاءُوا مِن بَعْدِهِمْ﴾ [الحشر: ١٠] دَلِيلًا عَلى إبْقاءِ أرْضِ سَوادِ العِراقِ غَيْرَ مَقْسُومَةٍ بَيْنَ الجَيْشِ الَّذِي فَتَحَ العِراقَ وجَعَلَها خَراجًا لِأهْلِها قَصْدًا لِدَوامِ الرِّزْقِ مِنها لِمَن سَيَجِيءُ مِنَ المُسْلِمِينَ.

Tafsir Resource

QUL supports exporting tafsir content in both JSON and SQLite formats. Tafsir text may include <html> tags for formatting such as <b>, <i>, etc.

Example JSON Format:

{
  "2:3": {
    "text": "tafisr text.",
    "ayah_keys": ["2:3", "2:4"]
  },
  "2:4": "2:3"
}
  • Keys in the JSON are "ayah_key" in "surah:ayah", e.g. "2:3" means 3rd ayah of Surah Al-Baqarah.
  • The value of ayah key can either be:
    • an object — this is the main tafsir group. It includes:
      • text: the tafsir content (can include HTML)
      • ayah_keys: an array of ayah keys this tafsir applies to
    • a string — this indicates the tafsir is part of a group. The string points to the ayah_key where the tafsir text can be found.

SQLite exports includes the following columns

  • ayah_key: the ayah for which this record applies.
  • group_ayah_key: the ayah key that contains the main tafsir text (used for shared tafsir).
  • from_ayah / to_ayah: start and end ayah keys for convenience (optional).
  • ayah_keys: comma-separated list of all ayah keys that this tafsir covers.
  • text: tafsir text. If blank, use the text from the group_ayah_key.