You are reading tafsir of 3 ayahs: 72:25 to 72:27.
﴿قُلْ إنْ أدْرِي أقَرِيبٌ ما تُوعَدُونَ أمْ يَجْعَلُ لَهُ رَبِّيَ أمَدًا﴾ ﴿عالِمُ الغَيْبِ فَلا يُظْهِرُ عَلى غَيْبِهِ أحَدًا﴾ ﴿إلّا مَنِ ارْتَضى مِن رَسُولٍ فَإنَّهُ يَسْلُكُ مِن بَيْنِ يَدَيْهِ ومِن خَلْفِهِ رَصَدًا﴾ ﴿لِيَعْلَمَ أنْ قَدْ أبْلَغُوا رِسالاتِ رَبِّهِمْ﴾ [الجن: ٢٨] كانَ المُشْرِكُونَ يُكْثِرُونَ أنْ يَسْألُوا رَسُولَ اللَّهِ ﷺ مَتى هَذا الوَعْدُ، وعَنِ السّاعَةِ أيّانَ مُرْساها، وتَكَرَّرَتْ نِسْبَةُ ذَلِكَ إلَيْهِمْ في القُرْآنِ، فَلَمّا قالَ اللَّهُ تَعالى ﴿حَتّى إذا رَأوْا ما يُوعَدُونَ فَسَيَعْلَمُونَ مَن أضْعَفُ ناصِرًا﴾ [الجن: ٢٤] الآيَةَ، عَلِمَ أنَّهم سَيُعِيدُونَ ما اعْتادُوا قَوْلَهُ مِنَ السُّؤالِ عَنْ وقْتِ حُلُولِ الوَعِيدِ فَأمَرَ اللَّهُ رَسُولَهُ ﷺ أنْ يُعِيدَ عَلَيْهِمْ ما سَبَقَ مِن جَوابِهِ.
صفحة ٢٤٧
فَجُمْلَةُ ﴿قُلْ إنْ أدْرِي أقَرِيبٌ ما تُوعَدُونَ﴾ مُسْتَأْنَفَةٌ اسْتِئْنافًا بَيانِيًّا؛ لِأنَّ القَوْلَ المَأْمُورَ بِأنْ يَقُولَهُ جَوابٌ لِسُؤالِهِمُ المُقَدَّرِ.والأمَدُ: الغايَةُ وأصْلُهُ في الأمْكِنَةِ. ومِنهُ قَوْلُ ابْنِ عُمَرٍ في حَدِيثِ الصَّحِيحَيْنِ: «أنَّ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ سابَقَ بَيْنَ الخَيْلِ الَّتِي لَمْ تُضَمَّرْ وجَعَلَ أمَدَها ثَنِيَّةَ الوَداعِ» أيْ: غايَةَ المُسابَقَةِ. ويُسْتَعارُ الأمَدُ لِمُدَّةٍ مِنَ الزَّمانِ مُعَيَّنَةٍ قالَ تَعالى ﴿فَطالَ عَلَيْهِمُ الأمَدُ﴾ [الحديد: ١٦] وهو كَذَلِكَ هُنا. ومُقابَلَتُهُ بِـ (قَرِيبٍ) يُفِيدُ أنَّ المَعْنى أمْ يَجْعَلُ لَهُ أمَدًا بَعِيدًا.
وجُمْلَةُ ﴿عالِمُ الغَيْبِ فَلا يُظْهِرُ عَلى غَيْبِهِ أحَدًا﴾ في مَوْضِعِ العِلَّةِ لِجُمْلَةِ ﴿إنْ أدْرِي أقَرِيبٌ ما تُوعَدُونَ﴾ الآيَةَ.
وعالِمُ الغَيْبِ: خَبَرُ مُبْتَدَأٍ مَحْذُوفٍ، أيْ: هو عالِمُ الغَيْبِ، والضَّمِيرُ المَحْذُوفُ عائِدٌ إلى قَوْلِهِ رَبِّي. وهَذا الحَذْفُ مِن قَبِيلِ حَذْفِ المُسْنَدِ إلَيْهِ حَذْفًا اتُّبِعَ فِيهِ الِاسْتِعْمالُ إذا كانَ الكَلامُ قَدِ اشْتَمَلَ عَلى ذِكْرِ المُسْنَدِ إلَيْهِ وصِفاتِهِ كَما نَبَّهَ عَلَيْهِ السَّكّاكِيُّ في المِفْتاحِ.
والغَيْبُ: مَصْدَرُ غابَ، إذا اسْتَتَرَ وخَفِيَ عَنِ الأنْظارِ، وتَعْرِيفُهُ تَعْرِيفُ الجِنْسِ.
وإضافَةُ صِفَةِ عالِمٍ إلى الغَيْبِ تُفِيدُ العِلْمَ بِكُلِّ الحَقائِقِ المُغَيَّبَةِ سَواءٌ كانَتْ ماهِيّاتٍ أوْ أفْرادًا فَيَشْمَلُ المَعْنى المَصْدَرِيَّ لِلْغَيْبِ مِثْلَ عِلْمِ اللَّهِ بِذاتِهِ وصِفاتِهِ، ويَشْمَلُ الأُمُورَ الغائِبَةَ بِذاتِها مِثْلَ المَلائِكَةِ والجِنِّ. ويَشْمَلُ الذَّواتِ المُغَيَّبَةِ عَنْ عِلْمِ النّاسِ مِثْلَ الوَقائِعِ المُسْتَقْبَلَةِ الَّتِي يُخْبَرُ عَنْها أوِ الَّتِي لا يُخْبَرُ عَنْها، فَإيثارُ المَصْدَرِ هُنا؛ لِأنَّهُ اشْتَمَلَ لِإحاطَةِ عِلْمِ اللَّهِ بِجَمِيعِ ذَلِكَ.
وتَقَدَّمَ ذَلِكَ عِنْدَ قَوْلِهِ تَعالى ﴿الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِالغَيْبِ﴾ [البقرة: ٣] في سُورَةِ البَقَرَةِ.
وتَعْرِيفُ المُسْنَدِ مَعَ تَعْرِيفِ المُسْنَدِ إلَيْهِ المُقَدَّرِ يُفِيدُ القَصْرَ، أيْ: هو عالِمُ الغَيْبِ لا أنا.
وفُرِّعَ عَلى مَعْنى تَخْصِيصِ اللَّهِ تَعالى بِعِلْمِ الغَيْبِ جُمْلَةُ ﴿فَلا يُظْهِرُ عَلى غَيْبِهِ أحَدًا﴾، فالفاءُ لِتَفْرِيعِ حُكْمٍ عَلى حُكْمٍ، والحُكْمُ المُفَرَّعِ إتْمامٌ لِلتَّعْلِيلِ وتَفْصِيلٌ لِأحْوالِ عَدَمِ الِاطِّلاعِ عَلى غَيْبِهِ.
ومَعْنى ﴿لا يُظْهِرُ عَلى غَيْبِهِ أحَدًا﴾: لا يُطْلِعُ ولا يُنْبِئُ بِهِ، وهو أقْوى مِن
صفحة ٢٤٨
(يَطَّلِعُ)؛ لِأنَّ (يُظْهِرُ) جاءَ مِنَ الظُّهُورِ وهو المُشاهَدَةُ، ولِتَضْمِينِهِ مَعْنى: يُطْلِعُ، عُدِّيَ بِحَرْفِ (عَلى) .ووُقُوعُ الفِعْلِ في حَيِّزِ النَّفْيِ يُفِيدُ العُمُومَ، وكَذَلِكَ وُقُوعُ مَفْعُولِهِ وهو نَكِرَةٌ في حَيِّزِهِ يُفِيدُ العُمُومَ.
وحَرْفُ (عَلى) مُسْتَعْمَلٌ في التَّمَكُّنِ مِنَ الِاطِّلاعِ عَلى الغَيْبِ وهو كَقَوْلِهِ تَعالى ﴿وأظْهَرَهُ اللَّهُ عَلَيْهِ﴾ [التحريم: ٣] فَهو اسْتِعْلاءٌ مَجازِيٌّ.
واسْتُثْنِيَ مِن هَذا النَّفْيِ مَنِ ارْتَضاهُ لِيُطْلِعَهُ عَلى بَعْضِ الغَيْبِ، أيْ: عَلى غَيْبٍ أرادَ إظْهارَهُ مِنَ الوَحْيِ فَإنَّهُ مِن غَيْبِ اللَّهِ، وكَذَلِكَ ما أرادَ اللَّهُ أنْ يُؤَيِّدَ بِهِ رَسُولَهُ ﷺ مِن إخْبارٍ بِما سَيَحْدُثُ، أوْ إطْلاعٍ عَلى ضَمائِرِ بَعْضِ النّاسِ.
فَقَوْلُهُ ارْتَضى: مُسْتَثْنًى مِن عُمُومِ (أحَدًا) . والتَّقْدِيرُ: إلّا أحَدًا ارْتَضاهُ، أيْ: اخْتارَهُ لِلِاطِّلاعِ عَلى شَيْءٍ مِنَ الغَيْبِ لِحِكْمَةٍ أرادَها اللَّهُ تَعالى.
والإتْيانُ بِالمَوْصُولِ والصِّلَةِ في قَوْلِهِ ﴿إلّا مَنِ ارْتَضى مِن رَسُولٍ﴾ لِقَصْدِ ما تُؤْذِنُ بِهِ الصِّلَةُ مِنَ الإيماءِ إلى تَعْلِيلِ الخَبَرِ، أيْ: يُطْلِعُ اللَّهُ بَعْضَ رُسُلِهِ لِأجْلِ ما أرادَهُ اللَّهُ مِنَ الرِّسالَةِ إلى النّاسِ، فَيُعْلَمُ مِن هَذا الإيمانِ أنَّ الغَيْبَ الَّذِي يُطْلِعُ اللَّهُ عَلَيْهِ الرُّسُلَ هو مِن نَوْعِ ما لَهُ تَعَلُّقٌ بِالرِّسالَةِ، وهو غَيْبٌ ما أرادَ اللَّهُ إبْلاغَهُ إلى الخَلْقِ أنْ يَعْتَقِدُوهُ أوْ يَفْعَلُوهُ، وما لَهُ تَعَلُّقٌ بِذَلِكَ مِنَ الوَعْدِ والوَعِيدِ مِن أُمُورِ الآخِرَةِ، أوْ أُمُورِ الدُّنْيا، وما يُؤَيِّدُ بِهِ الرُّسُلَ عَنِ الإخْبارِ بِأُمُورٍ مُغَيَّبَةٍ كَقَوْلِهِ تَعالى ﴿غُلِبَتِ الرُّومُ في أدْنى الأرْضِ وهم مِن بَعْدِ غَلَبِهِمْ سَيَغْلِبُونَ في بِضْعِ سِنِينَ﴾ [الروم: ٢] .
والمُرادُ بِهَذا الإطْلاعُ المُحَقَّقُ المُفِيدُ عِلْمًا كَعِلْمِ المُشاهَدَةِ. فَلا تَشْمَلُ الآيَةُ ما قَدْ يَحْصُلُ لِبَعْضِ الصّالِحِينَ مِن شَرْحِ صَدْرٍ بِالرُّؤْيا الصّادِقَةِ، فَفي الحَدِيثِ («الرُّؤْيا الصّالِحَةُ مِنَ الرَّجُلِ الصّالِحِ جُزْءٌ مِن سِتَّةٍ وأرْبَعِينَ جُزْءًا مِنَ النُّبُوءَةِ، أوْ بِالإلْهامِ» ) قالَ النَّبِيءُ ﷺ «قَدْ كانَ يَكُونُ في الأُمَمِ قَبْلَكم مُحَدَّثُونَ فَإنْ يَكُنْ في أُمَّتِي مِنهم أحَدٌ فَإنَّ عُمَرَ بْنَ الخَطّابِ مِنهم» رَواهُ مُسْلِمٌ. قالَ مُسْلِمٌ: قالَ ابْنُ وهْبٍ: تَفْسِيرُ (مُحَدَّثُونَ): مُلْهَمُونَ.
وقَدْ قالَ مالِكٌ في الرُّؤْيا الحَسَنَةِ: إنَّها تَسُرُّ ولا تَغُرُّ، يُرِيدُ لِأنَّها قَدْ يَقَعُ الخَطَأُ في تَأْوِيلِها.
صفحة ٢٤٩
و﴿مِن رَسُولٍ﴾ بَيانٌ لِإبْهامِ (مَن) المَوْصُولَةِ فَدَلَّ عَلى أنَّ ماصَدَقَ (مَن) جَماعَةٌ مِنَ الرُّسُلِ، أيْ: إلّا الرُّسُلَ الَّذِينَ ارْتَضاهم، أيْ: اصْطَفاهم.وشَمَلَ (رَسُولٍ) كُلَّ مُرْسَلٍ مِنَ اللَّهِ تَعالى فَيَشْمَلُ المَلائِكَةَ المُرْسَلِينَ إلى الرُّسُلِ بِإبْلاغِ وحْيٍ إلَيْهِمْ مِثْلَ جِبْرِيلَ - عَلَيْهِ السَّلامُ - . وشَمَلَ الرُّسُلَ مِنَ البَشَرِ المُرْسَلِينَ إلى النّاسِ بِإبْلاغِ أمْرِ اللَّهِ تَعالى إلَيْهِمْ مِن شَرِيعَةٍ أوْ غَيْرِها مِمّا بِهِ صَلاحُهم.
وهُنا أرْبَعَةُ ضَمائِرِ غَيْبَةٍ:
الأوَّلُ ضَمِيرُ (فَإنَّهُ) وهو عائِدٌ إلى اللَّهِ تَعالى.
والثّانِي الضَّمِيرُ المُسْتَتِرُ في (يَسْلُكُ) وهو لا مَحالَةَ عائِدٌ إلى اللَّهِ تَعالى كَما عادَ إلَيْهِ ضَمِيرُ (فَإنَّهُ) .
والثّالِثُ والرّابِعُ ضَمِيرا ﴿مِن بَيْنِ يَدَيْهِ ومِن خَلْفِهِ﴾، وهُما عائِدانِ إلى (رَسُولٍ) أيْ: فَإنَّ اللَّهَ يَسْلُكُ، أيْ: يُرْسِلُ لِلرَّسُولِ رَصَدًا مِن بَيْنِ يَدَيِ الرَّسُولِ ﷺ ومِن خَلْفِهِ رَصَدًا، أيْ: مَلائِكَةٌ يَحْفَظُونَ الرَّسُولَ ﷺ مِن إلْقاءِ الشَّياطِينِ إلَيْهِ ما يَخْلِطُ عَلَيْهِ ما أطْلَعَهُ اللَّهُ عَلَيْهِ مِن غَيْبِهِ.
والسَّلْكُ حَقِيقَتُهُ: الإدْخالُ كَما في قَوْلِهِ تَعالى ﴿كَذَلِكَ نَسْلُكُهُ في قُلُوبِ المُجْرِمِينَ﴾ [الحجر: ١٢] في سُورَةِ الحِجْرِ.
وأُطْلِقَ السَّلْكُ عَلى الإيصالِ المُباشِرِ تَشْبِيهًا لَهُ بِالدُّخُولِ في الشَّيْءِ بِحَيْثُ لا مَصْرِفَ لَهُ عَنْهُ كَما تَقَدَّمَ آنِفًا في قَوْلِهِ (﴿ومَن يُعْرِضْ عَنْ ذِكْرِ رَبِّهِ نَسْلُكْهُ عَذابًا صَعَدًا﴾ [الجن: ١٧]) أيْ: يُرْسِلُ إلَيْهِ مَلائِكَةً مُتَّجِهِينَ إلَيْهِ لا يَبْتَعِدُونَ عَنْهُ حَتّى يَبْلُغَ إلَيْهِ ما أُوحِيَ إلَيْهِ مِنَ الغَيْبِ، كَأنَّهم شُبِّهَ اتِّصالُهم بِهِ وحِراسَتُهم إيّاهُ بِشَيْءٍ داخِلٍ في أجْزاءِ جِسْمٍ. وهَذا مِن جُمْلَةِ الحِفْظِ الَّذِي حَفِظَ اللَّهُ بِهِ ذِكْرَهُ في قَوْلِهِ ﴿إنّا نَحْنُ نَزَّلْنا الذِّكْرَ وإنّا لَهُ لَحافِظُونَ﴾ [الحجر: ٩] .
والمُرادُ بِـ ﴿مِن بَيْنِ يَدَيْهِ ومِن خَلْفِهِ﴾ الكِنايَةُ عَنْ جَمِيعِ الجِهاتِ، ومِن تِلْكَ الكِنايَةِ يَنْتَقِلُ إلى كِنايَةٍ أُخْرى عَنِ السَّلامَةِ مِنَ التَّغْيِيرِ والتَّحْرِيفِ.
صفحة ٢٥٠
والرَّصَدُ: اسْمُ جَمْعٍ كَما تَقَدَّمَ آنِفًا في قَوْلِهِ ﴿يَجِدْ لَهُ شِهابًا رَصَدًا﴾ [الجن: ٩] . وانْتَصَبَ (رَصَدًا) عَلى أنَّهُ مَفْعُولٌ بِهِ لِفِعْلِ (يَسْلُكُ) .ويَتَعَلَّقُ (لِيَعْلَمَ) بِقَوْلِهِ (يَسْلُكُ)، أيْ: يَفْعَلُ اللَّهُ ذَلِكَ لِيُبَلِّغَ الغَيْبَ إلى الرَّسُولِ كَما أرْسَلَ إلَيْهِ لا يُخالِطُهُ شَيْءٌ مِمّا يَلْبِسُ عَلَيْهِ الوَحْيَ فَيَعْلَمُ اللَّهُ أنَّ الرُّسُلَ أبْلَغُوا ما أُوحِيَ إلَيْهِمْ كَما بَعَثَهُ مِن دُونِ تَغْيِيرٍ، فَلَمّا كانَ عِلْمُ اللَّهِ بِتَبْلِيغِ الرَّسُولِ الوَحْيَ مُفَرَّعًا ومُسَبَّبًا عَنْ تَبْلِيغِ الوَحْيِ كَما أنْزَلَ اللَّهُ، جُعِلَ المُسَبَّبَ عِلَّةً وأُقِيمَ مَقامَ السَّبَبِ إيجازًا في الكَلامِ؛ لِأنَّ عِلْمَ اللَّهِ بِذَلِكَ لا يَكُونُ إلّا عَلى وفْقِ ما وقَعَ، وهَذا كَقَوْلِ إياسِ بْنِ قَبِيصَةَ:
وأقْبَلْتُ والخَطِّيُّ يَخْطِرُ بَيْنَنا لِأعْلَمَ مَن جَبانُها مِن شُجاعِها
أيْ: لِيَظْهَرَ مَن هو شُجاعٌ ومَن هو جَبانٌ فَأعْلَمُ ذَلِكَ. وهَذِهِ العِلَّةُ هي المَقْصِدُ الأهَمُّ مِنِ اطِّلاعِ مَنِ ارْتَضى مِن رَسُولٍ عَلى الغَيْبِ، وذِكْرُ هَذِهِ العِلَّةِ لا يَقْتَضِي انْحِصارَ عِلَلِ الِاطِّلاعِ فِيها.وجِيءَ بِضَمِيرِ الإفْرادِ في قَوْلِهِ ﴿مِن بَيْنِ يَدَيْهِ ومِن خَلْفِهِ﴾ مُراعاةً لِلَفْظِ (رَسُولٍ)، ثُمَّ جِيءَ لَهُ بِضَمِيرِ الجَمْعِ في قَوْلِهِ ﴿أنْ قَدْ أبْلَغُوا﴾ [الجن: ٢٨] مُراعاةً لِمَعْنى رَسُولٍ وهو الجِنْسُ، أيْ: الرُّسُلُ عَلى طَرِيقَةِ قَوْلِهِ تَعالى السّابِقِ آنِفًا ﴿فَإنَّ لَهُ نارَ جَهَنَّمَ خالِدِينَ فِيها أبَدًا﴾ [الجن: ٢٣] .
والمُرادُ: لِيَعْلَمَ اللَّهُ أنْ قَدْ أبْلَغُوا رِسالاتِ اللَّهِ وأدَّوُا الأمانَةَ عِلْمًا يَتَرَتَّبُ عَلَيْهِ جَزاؤُهُمُ الجَزِيلُ.
وفُهِمَ مِن قَوْلِهِ ﴿أنْ قَدْ أبْلَغُوا رِسالاتِ رَبِّهِمْ﴾ [الجن: ٢٨] أنَّ الغَيْبَ المُتَحَدَّثَ عَنْهُ في هَذِهِ الآيَةَ هو الغَيْبُ المُتَعَلِّقُ بِالشَّرِيعَةِ وأُصُولِها مِنَ البَعْثِ والجَزاءِ،؛ لِأنَّ الكَلامَ المُسْتَثْنى مِنهُ هو نَفْيُ عِلْمِ الرَّسُولِ ﷺ بِقُرْبِ ما يُوعَدُونَ بِهِ أوْ بَعْدَهُ، وذَلِكَ مِن عَلائِقِ الجَزاءِ والبَعْثِ.
ويَلْحَقُ بِهِ ما يُوحى بِهِ إلى الأنْبِياءِ الَّذِينَ لَيْسُوا رُسُلًا؛ لِأنَّ ما يُوحى إلَيْهِمْ لا يَخْلُو مِن أنْ يَكُونَ تَأْيِيدًا لِشَرْعٍ سابِقٍ كَأنْبِياءِ بَنِي إسْرائِيلَ والحَوارِيِّينَ أوْ أنْ يَكُونَ لِإصْلاحِ أنْفُسِهِمْ وأهْلِيهِمْ مِثْلَ آدَمَ وأيُّوبَ.
واعْلَمْ أنَّ الِاسْتِثْناءَ مِنَ النَّفْيِ لَيْسَ بِمُقْتَضٍ أنْ يُثْبَتَ لِلْمُسْتَثْنى جَمِيعُ نَقائِضِ
صفحة ٢٥١
أحْوالِ الحُكْمِ الَّذِي لِلْمُسْتَثْنى مِنهُ، بَلْ قُصارى ما يَقْتَضِيهِ أنَّهُ كالنَّقْضِ في المُناظَرَةِ يَحْصُلُ بِإثْباتٍ جُزْئِيٍّ مِن جُزْئِيّاتِ ما نَفاهُ الكَلامُ المَنقُوصُ، فَلَيْسَ قَوْلُهُ تَعالى ﴿إلّا مَنِ ارْتَضى مِن رَسُولٍ﴾ بِمُقْتَضٍ أنَّ الرَّسُولَ يَطَّلِعُ عَلى جَمِيعِ غَيْبِ اللَّهِ، وقَدْ بُيِّنَ النَّوْعُ المُطَّلَعُ عَلَيْهِ بِقَوْلِهِ ﴿لِيَعْلَمَ أنْ قَدْ أبْلَغُوا رِسالاتِ رَبِّهِمْ﴾ [الجن: ٢٨] .وقَرَأ رُوَيْسٌ، عَنْ يَعْقُوبَ (لِيُعْلَمَ) بِضَمِّ الياءِ وفَتْحِ اللّامِ مَبْنِيًّا لِلْمَفْعُولِ عَلى أنَّ ﴿أنْ قَدْ أبْلَغُوا﴾ [الجن: ٢٨] نائِبٌ عَنِ الفاعِلِ، والفاعِلُ المَحْذُوفُ حُذِفَ لِلْعِلْمِ بِهِ، أيْ: لِيَعْلَمَ اللَّهُ أنْ قَدْ أبْلَغُوا.
QUL supports exporting tafsir content in both JSON and SQLite formats.
Tafsir text may include <html>
tags for formatting such as <b>
,
<i>
, etc.
Note:
Tafsir content may span multiple ayahs. QUL exports both the tafsir text and the ayahs it applies to.
Example JSON Format:
{ "2:3": { "text": "tafisr text.", "ayah_keys": ["2:3", "2:4"] }, "2:4": "2:3" }
"ayah_key"
in "surah:ayah"
, e.g. "2:3"
means
3rd ayah of Surah Al-Baqarah.
text
: the tafsir content (can include HTML)ayah_keys
: an array of ayah keys this tafsir applies toayah_key
where the tafsir text can be found.
ayah_key
: the ayah for which this record applies.group_ayah_key
: the ayah key that contains the main tafsir text (used for shared tafsir).
from_ayah
/ to_ayah
: start and end ayah keys for convenience (optional).ayah_keys
: comma-separated list of all ayah keys that this tafsir covers.text
: tafsir text. If blank, use the text
from the group_ayah_key
.