You are reading tafsir of 17 ayahs: 72:1 to 72:17.
صفحة ٣٧٦
سُورَةُ الجِنِّكُلُّها مَكِّيَّةٌ بِإجْماعِهِمْ
قَوْلُهُ تَعالى: ﴿وَأنَّهُ تَعالى جَدُّ رَبِّنا﴾ اخْتَلَفَ القُرّاءُ في اثْنَتَيْ عَشْرَةَ هَمْزَةً في هَذِهِ السُّورَةِ، وهِيَ: "وَأنَّهُ تَعالى"، "وَأنَّهُ كانَ يَقُولُ"، "وَأنّا ظَنَنّا"، "وَأنَّهُ كانَ رِجالٌ"، "وَأنَّهم ظَنُّوا"، " وأنّا لَمَسْنا"، "وَأنّا كُنّا"، " وأنّا لا نَدْرِي"، "وَأنّا مِنّا"، " وأنّا ظَنَنّا أنْ لَنْ نُعْجِزَ اللَّهَ"، "وَأنّا لَمّا سَمِعْنا"، "وَأنّا مِنّا"، فَفَتَحَ الهَمْزَةَ في هَذِهِ المَواضِعِ ابْنُ عامِرٍ، وحَمْزَةُ، والكِسائِيُّ، وخَلَفٌ، وحَفْصٌ عَنْ عاصِمٍ، ووافَقَهم أبُو جَعْفَرٍ في ثَلاثَةِ مَواضِعَ "وَأنَّهُ تَعالى"، "وَأنَّهُ كانَ يَقُولُ"، "وَأنَّهُ كانَ رِجالٌ"، وكَسَرَ الباقِياتِ.
وَقَرَأ الباقُونَ بِكَسْرِهِنَّ. وقالَ الزَّجّاجُ: والَّذِي يَخْتارُهُ النَّحْوِيُّونَ في هَذِهِ السُّورَةِ أنَّ ما كانَ مِنَ الوَحْيِ قِيلَ فِيهِ: "أنَّ" بِالفَتْحِ، وما كانَ مِن قَوْلِ الجِنِّ قِيلَ: "إنَّ" بِالكَسْرِ. مَعْطُوفٌ عَلى قَوْلِهِ تَعالى: ﴿إنّا سَمِعْنا قُرْآنًا عَجَبًا﴾ وعَلى هَذا يَكُونُ المَعْنى: وقالُوا: إنَّهُ تَعالى جَدُّ رَبِّنا، وقالُوا: إنَّهُ كانَ يَقُولُ سَفِيهُنا. فَأمّا مَن فَتَحَ، فَذَكَرَ بَعْضُ النَّحْوِيِّينَ: يَعْنِي الفَرّاءَ، أنَّهُ مَعْطُوفٌ عَلى الهاءِ في قَوْلِهِ تَعالى: ﴿فَآمَنّا بِهِ﴾ وبِأنَّهُ تَعالى جَدُّ رَبِّنا. وكَذَلِكَ ما بَعْدَ هَذا. وهَذا رَدِيءٌ في القِياسِ، لا يُعْطَفُ عَلى الهاءِ المُتَمَكِّنَةِ المَخْفُوضَةِ إلّا بِإظْهارِ الخافِضِ. ولَكِنَّ وجْهَهُ
صفحة ٣٧٨
أنْ يَكُونَ مَحْمُولًا عَلى مَعْنى آمَنّا بِهِ، فَيَكُونُ المَعْنى: وصَدَّقْنا أنَّهُ تَعالى جَدُّ رَبِّنا. ولِلْمُفَسِّرِينَ في مَعْنى "تَعالى جَدُّ رَبِّنا" سَبْعَةُ أقْوالٍ.أحَدُها: قُدْرَةُ رَبِّنا، قالَهُ ابْنُ عَبّاسٍ. والثّانِي: غِنى رَبِّنا، قالَهُ الحَسَنُ. والثّالِثُ: جَلالُ رَبِّنا، قالَهُ مُجاهِدٌ، وعِكْرِمَةُ. والرّابِعُ: عَظَمَةُ رَبِّنا، قالَهُ قَتادَةُ. والخامِسُ: أمْرُ رَبِّنا، قالَهُ السُّدِّيُّ. والسّادِسُ: ارْتِفاعُ ذِكْرِهِ وعَظَمَتِهِ، قالَهُ مُقاتِلٌ. والسّابِعُ: مُلْكُ رَبِّنا وثَناؤُهُ وسُلْطانُهُ، قالَهُ أبُو عُبَيْدَةَ "وَأنَّهُ كانَ يَقُولُ سَفِيهُنا" فِيهِ قَوْلانِ.
أحَدُهُما: أنَّهُ إبْلِيسُ، قالَهُ مُجاهِدٌ، وقَتادَةُ.
والثّانِي: أنَّهُ كُفّارُهُمْ، قالَهُ مُقاتِلٌ. و"الشَّطَطُ" الجَوْرَ، والكَذِبُ، وهُوَ: وصْفُهُ بِالشَّرِيكِ، والوَلَدِ. ثُمَّ قالَتِ الجِنُّ: " ﴿وَأنّا ظَنَنّا أنْ لَنْ تَقُولَ الإنْسُ والجِنُّ عَلى اللَّهِ كَذِبًا"﴾ وقَرَأ يَعْقُوبُ: "أنْ لَنْ تَقَوَّلَ" بِفَتْحِ القافِ، وتَشْدِيدِ الواوِ. والمَعْنى: ظَنَنّاهم صادِقِينَ في قَوْلِهِمْ: لِلَّهِ صاحِبَةٌ ووَلَدٌ، وما ظَنَنّاهم يَكْذِبُونَ حَتّى سَمِعْنا القُرْآنَ، يَقُولُ اللَّهُ عَزَّ وجَلَّ: ﴿وَأنَّهُ كانَ رِجالٌ مِنَ الإنْسِ يَعُوذُونَ بِرِجالٍ مِنَ الجِنِّ﴾ وذَلِكَ أنَّ الرَّجُلَ في الجاهِلِيَّةِ كانَ إذا سافَرَ فَأمْسى في قَفْرٍ مِنَ الأرْضِ قالَ: أعُوذُ بِسَيِّدِ هَذا الوادِي مِن شَرِّ سُفَهاءِ قَوْمِهِ، فَيَبِيتُ في جِوارٍ مِنهم حَتّى يُصْبِحَ. ومِنهُ حَدِيثُ كَرَدْمِ بْنِ أبِي السّائِبِ الأنْصارِيِّ، قالَ: «خَرَجْتُ مَعَ أبِي إلى المَدِينَةِ في حاجَةٍ، وذَلِكَ أوَّلَ ما ذُكِرَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ بِمَكَّةَ، فَآوانا المَبِيتُ إلى راعِي غَنَمٍ، فَلَمّا انْتَصَفَ اللَّيْلُ جاءَ ذِئْبٌ، فَأخَذَ حَمَلًا مِنَ الغَنَمِ، فَوَثَبَ الرّاعِي فَنادى: يا عامِرَ الوادِي جارُكَ، فَنادى مُنادٍ لا نَراهُ: صفحة ٣٧٩
وَفِي قَوْلِهِ تَعالى: ﴿فَزادُوهم رَهَقًا﴾ قَوْلانِ.
أحَدُهُما: أنَّ الإنْسَ زادُوا الجِنَّ رَهَقًا لِتَعَوُّذِهِمْ بِهِمْ، قالَهُ مُقاتِلٌ. والمَعْنى: أنَّهم لَمّا اسْتَعاذُوا بِسادَتِهِمْ قالَتِ السّادَةُ: قَدْ سُدْنا الجِنَّ والإنْسَ.
والثّانِي: أنَّ الجِنَّ زادُوا الإنْسَ رَهَقًا، ذَكَرَهُ الزَّجّاجُ. قالَ أبُو عُبَيْدَةَ: زادُوهم سَفَهًا وطُغْيانًا. وقالَ ابْنُ قُتَيْبَةَ: زادُوهم ضَلالًا. وأصْلُ الرَّهَقِ: العَيْبُ. ومِنهُ يُقالُ: فُلانٌ يَرْهَقُ في دِينِهِ.
قَوْلُهُ تَعالى ﴿وَأنَّهم ظَنُّوا﴾ يَقُولُ اللَّهُ عَزَّ وجَلَّ: ظَنَّ الجِنُّ "كَما ظَنَنْتُمْ"
صفحة ٣٨٠
أيُّها الإنْسُ المُشْرِكُونَ أنَّهُ لا بَعْثَ. وقالَتِ الجِنُّ: " ﴿وَأنّا لَمَسْنا السَّماءَ"﴾ أيْ: أتَيْناها ﴿فَوَجَدْناها مُلِئَتْ حَرَسًا شَدِيدًا﴾ وهُمُ المَلائِكَةُ الَّذِينَ يَحْرُسُونَها مِنِ اسْتِراقِ السَّمْعِ ﴿وَشُهُبًا﴾ جَمْعُ شِهابٍ، وهو النَّجْمُ المُضِيءُ: ﴿وَأنّا كُنّا نَقْعُدُ مِنها مَقاعِدَ لِلسَّمْعِ"﴾ أيْ: كُنّا نَسْتَمِعُ، فالآنَ حِينَ حاوَلْنا الِاسْتِماعَ بَعْدَ بَعْثِ مُحَمَّدٍ ﷺ رُمِينا بِالشُّهُبِ. ومَعْنى "رَصَدًا" قَدْ أرْصَدَ لَهُ المَرْمى بِهِ " ﴿وَأنّا لا نَدْرِي أشَرٌّ أُرِيدَ بِمَن في الأرْضِ"﴾ بِإرْسالِ مُحَمَّدٍ إلَيْهِمْ، فَيُكَذِّبُونَهُ، فَيَهْلَكُونَ ﴿أمْ أرادَ بِهِمْ رَبُّهم رَشَدًا﴾ وهو أنْ يُؤْمِنُوا فَيَهْتَدُوا، قالَهُ مُقاتِلٌ. والثّانِي: أنَّهُ قَوْلُ كَفَرَةِ الجِنِّ، والمَعْنى: لا نَدْرِي أشَرٌّ أُرِيدَ بِمَن في الأرْضِ بِحُدُوثِ الرَّجْمِ بِالكَواكِبِ، أمْ صَلاحٌ؟ قالَهُ الفَرّاءُ. ثُمَّ أخْبَرُوا عَنْ حالِهِمْ، فَقالُوا: ﴿وَأنّا مِنّا الصّالِحُونَ﴾ وهُمُ المُؤْمِنُونَ المُخْلِصُونَ ﴿وَمِنّا دُونَ ذَلِكَ﴾ فِيهِ قَوْلانِ.أحَدُهُما: أنَّهُمُ المُشْرِكُونَ.
والثّانِي: أنَّهم أهْلُ الشَّرِّ دُونَ الشِّرْكِ ﴿كُنّا طَرائِقَ قِدَدًا﴾ قالَ الفَرّاءُ: أيْ: فِرَقًا مُخْتَلِفَةً أهْواؤُنا. وقالَ أبُو عُبَيْدَةَ: واحِدُ الطَّرائِقِ: طَرِيقَةٌ، وواحِدُ القِدَدُ: قِدَةٌ، أيْ: ضُرُوبًا وأجْناسًا ومِلَلًا. قالَ الحَسَنُ، والسُّدِّيُّ: الجِنُّ مِثْلُكُمْ، فَمِنهم قَدَرِيَّةٌ، ومُرْجِئَةٌ، ورافِضَةٌ.
قَوْلُهُ تَعالى: ﴿وَأنّا ظَنَنّا﴾ أيْ: أيْقَنّا ﴿أنْ لَنْ نُعْجِزَ اللَّهَ في الأرْضِ﴾ أيْ: لَنْ نَفُوتَهُ إذا أرادَ بِنا أمْرًا ﴿وَلَنْ نُعْجِزَهُ هَرَبًا﴾ أيْ: أنَّهُ يُدْرِكُنا حَيْثُ كُنّا ﴿وَأنّا لَمّا سَمِعْنا الهُدى﴾ وهو القُرْآنُ الَّذِي أتى بِهِ مُحَمَّدٌ ﷺ ﴿آمَنّا بِهِ﴾ أيْ: صَدَّقْنا أنَّهُ مِن عِنْدِ اللَّهِ عَزَّ وجَلَّ ﴿فَمَن يُؤْمِن بِرَبِّهِ فَلا يَخافُ بَخْسًا﴾ أيْ: نَقْصًا مِنَ الثَّوابِ ﴿وَلا رَهَقًا﴾ أيْ: ولا ظُلْمًا ومَكْرُوهًا يَغْشاهُ ﴿وَأنّا مِنّا المُسْلِمُونَ﴾ قالَ مُقاتِلٌ: المُخْلِصُونَ لِلَّهِ ﴿وَمِنّا القاسِطُونَ﴾ وهُمُ المَرَدَةُ. قالَ
صفحة ٣٨١
ابْنُ قُتَيْبَةَ: القاسِطُونَ: الجائِرُونَ. يُقالُ: قَسَطَ: إذا جارَ، وأقْسَطَ: إذا عَدَلَ. قالَ المُفَسِّرُونَ: هُمُ الكافِرُونَ ﴿فَمَن أسْلَمَ فَأُولَئِكَ تَحَرَّوْا رَشَدًا﴾ أيْ: تَوَخَّوْهُ، وأمُّوهُ. ثُمَّ انْقَطَعَ كَلامُ الجِنِّ. قالَ مُقاتِلٌ: ثُمَّ رَجَعَ إلى كُفّارِ مَكَّةَ فَقالَ تَعالى: ﴿وَأنْ لَوِ اسْتَقامُوا عَلى الطَّرِيقَةِ﴾ يَعْنِي: طَرِيقَةَ الهُدى، وهَذا قَوْلُ ابْنِ عَبّاسٍ، وسَعِيدِ بْنِ المُسَيَّبِ، والحَسَنِ، ومُجاهِدٍ، وقَتادَةَ، والسُّدِّيِّ، واخْتارَهُ الزَّجّاجُ. قالَ: لِأنَّ الطَّرِيقَةَ ها هُنا بِالألِفِ واللّامِ مَعْرِفَةٌ، فالأوْجَبُ أنْ تَكُونَ طَرِيقَةَ الهُدى. وذَهَبَ قَوْمٌ إلى أنَّ المُرادَ بِها: طَرِيقَةُ الكُفْرِ، قالَهُ مُحَمَّدُ بْنُ كَعْبٍ، والرَّبِيعُ، والفَرّاءُ، وابْنُ قُتَيْبَةَ، وابْنُ كَيْسانَ. فَعَلى القَوْلِ الأوَّلِ يَكُونُ المَعْنى: لَوْ آمَنُوا لَوَسَّعْنا عَلَيْهِمْ "لِنَفْتِنَهُمْ" أيْ: لِنَخْتَبِرَهم "فِيهِ" فَنَنْظُرَ كَيْفَ شُكْرُهُمْ؟، والماءُ الغَدَقُ: الكَثِيرُ. وإنَّما ذَكَرَ الماءَ مَثَلًا، لِأنَّ الخَيْرَ كُلَّهُ يَكُونُ بِالمَطَرِ، فَأُقِيمَ مَقامَهُ إذْ كانَ سَبَبَهُ. وعَلى الثّانِي: يَكُونُ المَعْنى: لَوِ اسْتَقامُوا عَلى الكُفْرِ فَكانُوا كُفّارًا كُلُّهُمْ، لَأكْثَرْنا لَهُمُ المالَ لِنَفْتِنَهم فِيهِ عُقُوبَةً واسْتِدْراجًا، ثُمَّ نُعَذِّبُهم عَلى ذَلِكَ. وقِيلَ: لَأكْثَرْنا لَهُمُ الماءَ فَأغْرَقْناهُمْ، كَقَوْمِ نُوحٍ ﴿وَمَن يُعْرِضْ عَنْ ذِكْرِ رَبِّهِ﴾ يَعْنِي: القُرْآنَ ﴿يَسْلُكْهُ﴾ قَرَأ ابْنُ كَثِيرٍ، ونافِعٌ، وأبُو عَمْرٍو، وابْنُ عامِرٍ "نَسْلُكْهُ" بِالنُّونِ. وقَرَأ عاصِمٌ، وحَمْزَةُ، والكِسائِيُّ بِالياءِ. ﴿عَذابًا صَعَدًا﴾ قالَ ابْنُ قُتَيْبَةَ: أيْ: عَذابًا شاقًّا. يُقالُ: تَصَعَّدَنِي الأمْرُ: إذا شَقَّ عَلَيَّ. ومِنهُ قَوْلُ عُمَرَ: ما تَصَعَّدَنِي شَيْءٌ ما تَصَعَّدَتْنِي خِطْبَةُ النِّكاحِ.وَنَرى أصْلَ هَذا كُلِّهِ مِنَ الصُّعُودِ، لِأنَّهُ شاقٌّ، فَكُنِّيَ بِهِ عَنِ المَشَقّاتِ. وجاءَ في التَّفْسِيرِ أنَّهُ جَبَلٌ في النّارِ يُكَلَّفُ صُعُودُهُ، وسَنَذْكُرُهُ عِنْدَ قَوْلِهِ تَعالى: ﴿سَأُرْهِقُهُ صفحة ٣٨٢
QUL supports exporting tafsir content in both JSON and SQLite formats.
Tafsir text may include <html>
tags for formatting such as <b>
,
<i>
, etc.
Note:
Tafsir content may span multiple ayahs. QUL exports both the tafsir text and the ayahs it applies to.
Example JSON Format:
{ "2:3": { "text": "tafisr text.", "ayah_keys": ["2:3", "2:4"] }, "2:4": "2:3" }
"ayah_key"
in "surah:ayah"
, e.g. "2:3"
means
3rd ayah of Surah Al-Baqarah.
text
: the tafsir content (can include HTML)ayah_keys
: an array of ayah keys this tafsir applies toayah_key
where the tafsir text can be found.
ayah_key
: the ayah for which this record applies.group_ayah_key
: the ayah key that contains the main tafsir text (used for shared tafsir).
from_ayah
/ to_ayah
: start and end ayah keys for convenience (optional).ayah_keys
: comma-separated list of all ayah keys that this tafsir covers.text
: tafsir text. If blank, use the text
from the group_ayah_key
.