ولَمّا كانَ اللَّيْلُ اسْمًا لِما بَيْنَ غُرُوبِ الشَّمْسِ وطُلُوعِ الفَجْرِ، وكانَ قِيامُهُ في غايَةِ المَشَقَّةِ، حَمَلَ سُبْحانَهُ مِن ثِقَلِ ذَلِكَ، فَقالَ مُبَيِّنًا لِمُرادِهِ بِما حَطَّ عَلَيْهِ الكَلامُ بَعْدَ الِاسْتِثْناءِ، ومُبَدِّلًا مِن جُمْلَةِ المُسْتَثْنى والمُسْتَثْنى (p-٧)مِنهُ: ﴿نِصْفَهُ﴾ أيِ اللَّيْلَ، فَعَلِمَ أنَّ المُرادَ بِالقَلِيلِ المُسْتَثْنى النِّصْفُ، وسَمّاهُ قَلِيلًا بِالنِّسْبَةِ إلى جَمِيعِ اللَّيْلِ، وبِالنِّسْبَةِ إلى النِّصْفِ الَّذِي وقَعَ إحْياؤُهُ، لِأنَّ ما يَلِي بِالعَمَلِ أكْثَرُ مِمّا لا عَمَلَ فِيهِ، ويَجُوزُ أنْ يَكُونَ ”نِصْفَهُ“ بَدَلًا مِنَ اللَّيْلِ، فَيَكُونُ كَأنَّهُ قِيلَ: قُمْ نِصْفَ اللَّيْلِ إلّا قَلِيلًا وهو السُّدْسُ أوِ انْقُصْ مِنهُ إلى الرُّبْعِ، وجاءَتِ العِبارَةُ هَكَذا لِتُفِيدَ أنَّ مَن قامَ ثُلْثَ اللَّيْلِ بَلْ رُبْعَهُ فَما فَوْقَهُ كانَ مُحْيِيًا لِلَيْلِ كُلِّهِ.
ولَمّا كانَتِ الهِمَمُ مُخْتَلِفَةً بِالنِّسْبَةِ إلى الأشْخاصِ وبِالنِّسْبَةِ إلى الأوْقاتِ قالَ: ﴿أوِ انْقُصْ مِنهُ﴾ أيْ هَذا النِّصْفَ الَّذِي أُمِرْتَ بِقِيامِهِ، أوْ مِنَ النِّصْفِ المُسْتَثْنى مِنهُ القَلِيلُ عَلى الوَجْهِ الثّانِي وهو الثُّلْثُ ﴿قَلِيلا﴾ فَلا تُقِمْهُ حَتّى لَوْ أحْيَيْتَ ثُلْثَ اللَّيْلِ [عَلى الوَجْهِ - ] الأوَّلِ أوْ رُبْعَهُ عَلى الوَجْهِ الثّانِي كُنْتُ مُحْيِيًا لَهُ [كُلَّهُ -] في فَضْلِ اللَّهِ بِالتَّضْعِيفِ