You are reading tafsir of 2 ayahs: 70:40 to 70:41.
(فائدة: المشرق والمغرب بين الجمع والتثنية والإفراد)
ومن هذا المعنى مجيء المشرق والمغرب في القرآن تارة مجموعين، وتارة مثنيين وتارة مفردين لاختصاص كل محل بما يقتضيه من ذلك.
فالأول كقوله: ﴿فَلا أُقْسِمُ بِرَبِّ المَشارِقِ والمَغارِبِ﴾
والثاني كقوله: ﴿رَبُّ المَشْرِقَيْنِ ورَبُّ المَغْرِبَيْنِ فَبِأيِّ آلاءِ رَبِّكُما تُكَذِّبانِ﴾
والثالث كقوله: ﴿رَبُّ المَشْرِقِ والمَغْرِبِ لا إلَهَ إلاّ هو فاتَّخِذْهُ وكِيلًا﴾
فتأمل هذه الحكمة البالغة في تغاير هذه المواضع في الإفراد والجمع والتثنية بحسب موادها يطلعك على عظمة القرآن الكريم وجلالته وأنه تنزيل من حكيم حميد فحيث جمعت كان المراد بها مشارق الشمس ومغاربها في أيام السنة، وهي متعددة وحيث أفردت كان المراد أفقي المشرق والمغرب وحيث ثنيا كان المراد مشرقي صعودها وهبوطها ومغربيهما فإنها تبتدئ صاعدة حتى تنتهي إلى غاية أوجها وارتفاعها فهذا مشرق صعودها وينشأ منه فصلا الخريف والشتاء.
فجعل مشرق صعودها بجملته مشرقا واحدا ومشرق هبوطها بجملته مشرقا واحدا ويقابلها مغرباها فهذا وجه اختلاف هذه في الإفراد والتثنية والجمع.
وأما وجه اختصاص كل موضع بما وقع فيه فلم أر أحدا تعرض له ولا فتح بابه وهو بحمد الله بين من السياق.
ثم قال ابن القيم:
ثم تأمل مجيئهما مجموعين في سورة المعارج في قوله: ﴿فَلا أُقْسِمُ بِرَبِّ المَشارِقِ والمَغارِبِ إنّا لَقادِرُونَ عَلى أنْ نُبَدِّلَ خَيْرًا مِنهم وما نَحْنُ بِمَسْبُوقِينَ﴾
لما كان هذا القسم في سياق سعة ربوبيته وإحاطة قدرته، والمقسم عليه أرباب هؤلاء والإتيان بخير منهم ذكر المشارق والمغارب، لتضمنهما انتقال الشمس التي هي أحد آياته العظيمة الكبيرة ونقله سبحانه لها وتصريفها كل يوم في مشرق ومغرب.
فمن فعل هذا كيف يعجزه أن يبدل هؤلاء وينقل إلى أمكنتهم خيرا منهم.
وأيضا فإن تأثير مشارق الشمس ومغاربها في اختلاف أحوال النبات والحيوان أمر مشهور، وقد جعل الله تعالى ذلك بحكمته سببا لتبدل أجسام النبات وأحوال الحيوانات وانتقالها من حال إلى غيره ويبدل الحر بالبرد والبرد بالحر والصيف بالشتاء والشتاء بالصيف إلى سائر تبدل أحوال الحيوان والنبات والرياح والأمطار والثلوج، وغير ذلك من التبدلات والتغيرات الواقعة في العالم بسبب اختلاف مشارق الشمس ومغاربها كان ذلك تقدير العزيز العليم.
فكيف لا يقدر مع ما يشهدونه من ذلك على أن يبدل خيرا منهم؟!
وأكد هذا المعنى بقوله ﴿وما نحن بمسبوقين﴾ فلا يليق بهذا الموضع سوى لفظة الجمع.
ومن ذلك قوله عز وجل ﴿فَلا أُقْسِمُ بِرَبِّ المَشارِقِ والمَغارِبِ إنّا لَقادِرُونَ عَلى أنْ نُبَدِّلَ خَيْرًا مِنهم وما نَحْنُ بِمَسْبُوقِينَ﴾
أقسم سبحانه برب المشارق والمغارب وهي إما مشارق النجوم ومغاربها أو مشارق الشمس ومغاربها وأن كل موضع من الجهة مشرق ومغرب فكذلك جمع في موضع وأفرد في موضع وثنى في موضع آخر فقال ﴿رَبُّ المَشْرِقَيْنِ ورَبُّ المَغْرِبَيْنِ﴾ فقيل هما مشرقا الصيف والشتاء وجاء في كل موضع ما يناسبه فجاء في سورة الرحمن ﴿رَبُّ المَشْرِقَيْنِ ورَبُّ المَغْرِبَيْنِ﴾ لأنها سورة ذكرت فيها المزدوجات فذكر فيها الخلق والتعليم والشمس والقمر والنجوم والشجر والسماء والأرض والحب والثمر والجن والإنس ومادة أبي البشر وأبي الجن والبحرين، والجنة والنار وقسم الجنة إلى جنتين عاليتين وجنتين دونهما وأخبر أن في كل جنة عينين فناسب كل المناسبة أن يذكر المشرقين والمغربين.
وأما سورة ﴿سَألَ سائِلٌ﴾ فإنه أقسم سبحانه على عموم قدرته وكمالها وصحة تعلقها بإعادتهم بعد العدم فذكر المشارق والمغارب بلفظ الجمع إذ هو أدل على المقسم عليه سواء أريد مشارق النجوم ومغاربها أو مشارق الشمس ومغاربها أو كل جزء من جهتي المشرق والمغرب فكل ذلك آية ودلالة على قدرته تعالى على أن يبدل أمثال هؤلاء المكذبين وينشئهم فيما لا يعلمون فيأتي بهم في نشأة أخرى كما يأتي بالشمس كل يوم من مطلع ويذهب بها في مغرب.
وأما في سورة المزمل فذكر المشرق والمغرب بلفظ الإفراد لما كان المقصود ذكر ربوبيته ووحدانيته وكما أنه تفرد بربوبية المشرق والمغرب وحده فكذلك يحب أن يتفرد بالربوبية والتوكل عليه وحده فليس للمشرق والمغرب رب سواه فكذلك ينبغي أن لا يتخذ إله ولا وكيل سواه وكذلك قال موسى لفرعون حين سأله ﴿وَما رَبُّ العالَمِينَ﴾ فقال ﴿قالَ رَبُّ المَشْرِقِ والمَغْرِبِ وما بَيْنَهُما إنْ كُنْتُمْ تَعْقِلُونَ﴾ وفي ربوبيته سبحانه للمشارق والمغارب تنبيه على ربوبيته السماوات وما حوته من الشمس
والقمر والنجوم وربوبيته ما بين الجهتين وربوبيته الليل والنهار وما تضمناه
ثم قال ﴿إنّا لَقادِرُونَ عَلى أنْ نُبَدِّلَ خَيْرًا مِنهم وما نَحْنُ بِمَسْبُوقِينَ﴾
أي لقادرون على أن نذهب بهم ونأتي بأطوع لنا منهم وخيرًا منهم كما قال تعالى ﴿إنْ يَشَأْ يُذْهِبْكم أيُّها النّاسُ ويَأْتِ بِآخَرِينَ وكانَ اللَّهُ عَلى ذَلِكَ قَدِيرًا﴾ وقوله ﴿وَما نَحْنُ بِمَسْبُوقِينَ﴾ أي لا يفوتني ذلك إذا أردته ولا يمتنع مني وعبر عن هذا المعنى بقوله ﴿وَما نَحْنُ بِمَسْبُوقِينَ﴾ لأن المغلوب يسبقه الغالب إلى ما يريده فيفوت عليه، ولهذا عدي بـ (على) دون (إلى) كما في قوله ﴿وَما نَحْنُ بِمَسْبُوقِينَ عَلى أنْ نُبَدِّلَ أمْثالَكُمْ﴾
فإنه لما ضمنه معنى مغلوبين ومقهورين عداه بـ (على) بخلاف سبقه إليه، فإنه فرق بين سبقته إليه وسبقته عليه، فالأول بمعنى غلبته وقهرته عليه، والثاني بمعنى وصلت إليه قبله.
وقد وقع الإخبار عن قدرته عليه سبحانه على تبديلهم بخير منهم، وفي بعضها تبديل أمثالهم وفي بعضها استبداله قومًا غيرهم ثم لا يكونوا أمثالهم فهذه ثلاثة أمور يجب معرفة ما بينها من الجمع والفرق فحيث وقع التبديل بخير منهم فهو إخبار عن قدرته على أن
يذهب بهم ويأتي بأطوع وأتقى له منهم في الدنيا وذلك قوله ﴿وَإنْ تَتَوَلَّوْا يَسْتَبْدِلْ قَوْمًا غَيْرَكم ثُمَّ لا يَكُونُوا أمْثالَكُمْ﴾ يعني بل يكونوا خيرًا منكم قال مجاهد يستبدل بهم من شاء من عباده فيجعلهم خيرًا من هؤلاء فلم يتولوا بحمد الله فلم يستبدل بهم.
وأما ذكره تبديل أمثالهم ففي سورة الواقعة وسورة الإنسان فقال في الواقعة ﴿نَحْنُ قَدَّرْنا بَيْنَكُمُ المَوْتَ وما نَحْنُ بِمَسْبُوقِينَ عَلى أنْ نُبَدِّلَ أمْثالَكم ونُنْشِئَكم في ما لا تَعْلَمُونَ﴾
وقال في سورة الإنسان ﴿نَحْنُ خَلَقْناهم وشَدَدْنا أسْرَهم وإذا شِئْنا بَدَّلْنا أمْثالَهم تَبْدِيلًا﴾
قال كثير من المفسرين المعنى إنا إذا أردنا أن نخلق خلقًا غيركم لم يسبقنا سابق ولم يفتنا ذلك.
وفي قوله ﴿وَإذا شِئْنا بَدَّلْنا أمْثالَهم تَبْدِيلًا﴾ إذا شئنا أهلكناهم وأتينا بأشباههم فجعلناهم بدلًا منهم
قال المهدوي قومًا موافقين لهم في الخلق مخالفين لهم في العمل ولم يذكر الواحدي ولا ابن الجوزي غير هذا القول وعلى هذا فتكون هذه الآيات نظير قوله تعالى ﴿إنْ يَشَأْ يُذْهِبْكم أيُّها النّاسُ ويَأْتِ بِآخَرِين﴾ فيكون استدلالا بقدرته على إذهابهم والإتيان بأمثالهم على إتيانه بهم أنفسهم إذا ماتوا.
ثم استدل سبحانه بالنشأة الأولى فذكرهم بها فقال ﴿وَلَقَدْ عَلِمْتُمُ النَّشْأةَ الأُولى فَلَوْلا تَذَكَّرُونَ﴾ فنبههم بما علموه وعاينوه على صدق ما أخبرتهم به رسله من النشأة الثانية.
والذي عندي في معنى هاتين الآيتين وهما آية الواقعة والإنسان أن المراد بتبديل أمثالهم الخلق الجديد والنشأة الآخرة التي وعدوا بها.
وقد وفق الزمخشري لفهم هذا من سورة الإنسان فقال وبدلنا أمثالهم في شدة الأسر يعني النشأة الأخرى.
ثم قال: وقيل وبدلنا غيرهم ممن يطيع وحقه أن يأتي بـ (إنْ) لا بـ (إذا) كقوله ﴿وَإنْ تَتَوَلَّوْا يَسْتَبْدِلْ قَوْمًا غَيْرَكُمْ﴾.
قلت وإتيانه بـ (إذا) التي لا تكون إلا للمحقق الوقوع يدل على تحقق وقوع هذا التبديل وأنه واقع لا محالة وذلك هو النشأة الأخرى التي استدل على إمكانها بقوله ﴿وَلَقَدْ عَلِمْتُمُ النَّشْأةَ الأُولى﴾
واستدل بالمثل على المثل وعلى ما أنكروه بما عاينوه وشاهدوه وكونهم أمثالهم هو إنشاؤهم خلقًا جديدًا بعينه فهم هم بأعيانهم وهم أمثالهم فهم أنفسهم يعادون.
فإذا قلت المعاد هذا هو الأول بعينه صدقت، وإن قلت هو مثله صدقت فهو هو معاد أو هو مثل الأول وقد أوضح هذا سبحانه بقوله ﴿بَلْ هم في لَبْسٍ مِن خَلْقٍ جَدِيدٍ﴾
فهذا الخلق الجديد هو المتضمن لكونهم أمثالهم وقد سماه الله سبحانه وتعالى إعادة والمعاد مثل المبدأ وسماه نشأة أخرى وهي مثل الأولى وسماه خلقًا جديدًا وهو مثل الخلق الأول كما قال ﴿أفَعَيِينا بِالخَلْقِ الأوَّل بَلْ هم في لَبْسٍ مِن خَلْقٍ جَدِيدٍ﴾
وسماه أمثالًا وهم هم فتطابقت ألفاظ القرآن وصدق بعضها بعضًا وبين بعضها بعضًا.
وبهذا تزول إشكالات أوردها من لم يفهم المعاد الذي أخبرت به الرسل عن الله ولا يفهم من هذا القول ما قاله بعض المتأخرين أنهم غيرهم من كل وجه.
فهذا خطأ قطعًا معاذ الله من اعتقاده بل هم أمثالهم وهم أعيانهم فإذا فهمت الحقائق فلا يناقش في العبارة إلا ضيق العطن صغير العقل ضعيف العلم.
فلما أقام عليهم الحجة وقطع المعذرة قال ﴿فَذَرْهم يَخُوضُوا ويَلْعَبُوا حَتّى يُلاقُوا يَوْمَهُمُ الَّذِي يُوعَدُونَ﴾
وهذا تهديد شديد يتضمن ترك هؤلاء الذين قامت عليهم حجتي فلم يقبلوها ولم يخافوا بأسي ولا صدقوا رسالاتي في خوضهم بالباطل ولعبهم فالخوض في الباطل ضد التكلم بالحق واللعب ضد السعي الذي يعود نفعه على ساعيه فالأول ضد العلم النافع والثاني ضد العمل الصالح فلا تكلم بالحق ولا عمل بالصواب وهذا شأن كل من أعرض عما جاء به الرسول لا بد له من هذين الأمرين.
QUL supports exporting tafsir content in both JSON and SQLite formats.
Tafsir text may include <html>
tags for formatting such as <b>
,
<i>
, etc.
Note:
Tafsir content may span multiple ayahs. QUL exports both the tafsir text and the ayahs it applies to.
Example JSON Format:
{ "2:3": { "text": "tafisr text.", "ayah_keys": ["2:3", "2:4"] }, "2:4": "2:3" }
"ayah_key"
in "surah:ayah"
, e.g. "2:3"
means
3rd ayah of Surah Al-Baqarah.
text
: the tafsir content (can include HTML)ayah_keys
: an array of ayah keys this tafsir applies toayah_key
where the tafsir text can be found.
ayah_key
: the ayah for which this record applies.group_ayah_key
: the ayah key that contains the main tafsir text (used for shared tafsir).
from_ayah
/ to_ayah
: start and end ayah keys for convenience (optional).ayah_keys
: comma-separated list of all ayah keys that this tafsir covers.text
: tafsir text. If blank, use the text
from the group_ayah_key
.