قالَ ابْنُ عَبّاسٍ ومُجاهِدٌ: لا تَرْجُونَ لِلَّهِ عَظَمَةً.
وَقالَ سَعِيدُ بْنُ جُبَيْرٍ: ما لَكم لا تُعَظِّمُونَ اللَّهَ حَقَّ عَظَمَتِهِ؟
وَقالَ الكَلْبِيُّ: لا تَخافُونَ لِلَّهِ عَظَمَةً.
قالَ البَغَوِيُّ: والرَّجاءُ بِمَعْنى المَخُوفِ. والوَقارُ العَظَمَةُ. اسْمٌ مِنَ التَّوْقِيرِ. وهو التَّعْظِيمُ.
وَقالَ الحَسَنُ: لا تَعْرِفُونَ لِلَّهِ حَقًّا، ولا تَشْكُرُونَ لَهُ نِعْمَةً.
وَقالَ ابْنُ كَيْسانَ: لا تَرْجُونَ في عِبادَةِ اللَّهِ أنْ يُثِيبَكم عَلى تَوْقِيرِكم إيّاهُ خَيْرًا.
وَرُوحُ العِبادَةِ: هو الإجْلالُ والمَحَبَّةُ. فَإذا تَخَلّى أحَدُهُما عَنِ الآخَرِ فَسَدَتْ.
فَإذا اقْتَرَنَ بِهَذَيْنِ الثَّناءُ عَلى المَحْبُوبِ المُعَظَّمِ. فَذَلِكَ حَقِيقَةُ الحَمْدِ. واللَّهُ سُبْحانَهُ أعْلَمُ.
وقالَ كَثِيرٌ مِنَ المُفَسِّرِينَ:
المَعْنى ما لَكَمَ لا تَخافُونَ لِلَّهِ عَظَمَةً؟
قالُوا: والرَّجاءُ بِمَعْنى الخَوْفِ.
والتَّحْقِيقُ أنَّهُ مُلازِمٌ لَهُ. فَكُلُّ راجٍ خائِفٌ مِن فَواتِ مَرْجُوِّهِ.
والخَوْفُ بِلا رَجاءٍ يَأْسٌ وقُنُوطٌ.
وَقالَ تَعالى: ﴿قُلْ لِلَّذِينَ آمَنُوا يَغْفِرُوا لِلَّذِينَ لا يَرْجُونَ أيّامَ اللَّهِ﴾ [الجاثية: ١٤]
قالُوا في تَفْسِيرِها: لا يَخافُونَ وقائِعَ اللَّهِ بِهِمْ، كَوَقائِعِهِ بِمَن قَبْلَهم مِنَ الأُمَمِ.
فإنك توقّر المَخْلُوق وتجلّه أن يراك في حال لا توقّر الله أن يراك عَلَيْها قالَ تَعالى ﴿ما لكم لا تَرْجُونَ لِلَّهِ وقارًا﴾
أي لا تعاملونه مُعاملَة من توقّرونه والتوقير والعَظَمَة ومِنه قَوْله تَعالى ﴿وَتُوَقِّرُوه﴾
قالَ الحسن ما لكم لا تعرفُون لله حَقًا ولا تشكرونه
وَقالَ مُجاهِد لا تبالون عَظمَة ربكُم وقالَ ابْن زيد لا ترَوْنَ لله طاعَة
وَقالَ ابْن عَبّاس لا تعرفُون حق عَظمته.
وَهَذِه الأقْوال ترجع إلى معنى واحِد وهو أنهم لَو عظّموا الله وعرفُوا حق عَظمته وحّدوه وأطاعوه وشكروه فطاعته سُبْحانَهُ اجْتِناب مَعاصيه والحياء مِنهُ بِحَسب وقاره في القلب.
وَلِهَذا قالَ بعض السّلف ليعظم وقار الله في قلب أحدكُم أن يذكرهُ عند ما يستحي من ذكره فيقرن اسْمه بِهِ، كَما تَقول: قبّح الله الكَلْب والخِنْزِير والنَّتن ونَحْو ذَلِك، فَهَذا من وقار الله.
وَمن وقاره أن لا تعدل بِهِ شَيْئا من خلقه لا في اللَّفْظ بِحَيْثُ تَقول والله وحياتك ما لِي إلّا الله وأنت، وما شاءَ الله وشئت، ولا في الحبّ والتعظيم والإجلال ولا في الطّاعَة فتطيع المَخْلُوق في أمره ونَهْيه كَما تطيع الله، بل أعظم كَما عَلَيْهِ أكثر الظلمَة والفجرة ولا في الخَوْف والرجاء، ويجعله أهْون الناظرين إلَيْهِ، ولا يستهين بِحقِّهِ ويَقُول هو مَبْنِيّ على المُسامحَة.
وَلا يَجعله على الفضلة ويقدّم حق المَخْلُوق عَلَيْهِ، ولا يكون الله ورَسُوله في حد وناحية، والنّاس في ناحيَة وحد، فَيكون في الحَد والشق الَّذِي فِيهِ النّاس دون الحَد والشق الَّذِي فِيهِ الله ورَسُوله.
وَلا يُعْطي الخلوق في مخاطبته قلبه ولبه، ويُعْطِي الله في خدمته بدنه ولسانه دون قلبه وروحه.
وَلا يَجْعَل مُراد نَفسه مقدما على مُراد ربه.
فَهَذا كُله من عدم وقار الله في القلب ومن كانَ كَذَلِك فَإن الله لا يلقِي لَهُ في قُلُوب النّاس وقارا ولا هَيْبَة بل يسْقط وقاره وهيبته في قُلُوبهم وإن وقّروه مَخافَة شرّه فَذاك وقار بغض لا وقار حب وتعظيم.
وَمن وقار الله أن يستحي من اطِّلاعه على سره وضميره فَيرى فِيهِ ما يكره.
وَمن وقاره أن يستحي مِنهُ في الخلْوَة أعظم مِمّا يستحي من أكابِر النّاس
والمَقْصُود أن من لا يوقّر الله وكَلامه وما آتاهُ من العلم والحكمَة كَيفَ يطْلب من النّاس توقيره وتعظيمه القُرْآن والعلم وكَلام الرَّسُول صلات من الحق وتنبيهات وروادع وزواجر وارِدَة إلَيْك والشيب زاجر ورادع وموقظ قائِم بك فَلا ما ورد إلَيْك وعظك ولا ما قامَ بك نصحك ومَعَ هَذا تطلب التوقير والتعظيم من غَيْرك فَأنت كمصاب لم تؤثّر فِيهِ مُصِيبَة وعظا وانزجارا وهو يطْلب من غَيره أن يتّعظ وينزجر بِالنّظرِ إلى مصابه فالضرب لم يُؤثر فِيهِ زجرا، وهو يُرِيد الانزجار مِمَّن نظر إلى ضربه من سمع بالمثلات والعقوبات والآيات في حق غَيره ولَيْسَ الله كمن رَآها عيانًا في غَيره فَكيف بِمن وجدها في نَفسه ﴿سَنُرِيهِمْ آياتِنا في الآفاقِ وفي أنْفُسِهِمْ﴾ فآياته في الآفاق مسموعة مَعْلُومَة، وآياته في النَّفس مَشْهُودَة مرئيّة فعياذا بِالله من الخذلان قالَ تَعالى ﴿إن الَّذِينَ حَقَّتْ عَلَيْهِمْ كلمة رَبِّكَ لا يُؤْمِنُونَ ولَوْ جاءَتْهم كُلُّ آيَةٍ حَتّى يَرَوُا العَذابَ الألِيمَ﴾ وقالَ ﴿وَلَو أننا أنزلنا إلَيْهِمُ المَلائِكَةَ وكَلَّمَهُمُ المَوْتى وحَشَرْنا عَلَيْهِمْ كُلَّ شَيْءٍ قُبُلًا ما كانُوا لِيُؤْمِنُوا إلّا أنْ يَشاءَ اللَّهُ﴾
والعاقل المُؤَيد بالتوفيق يعْتَبر بِدُونِ هَذا ويتم نقائص خلقته بفضائل أخلاقه وأعماله فَكلما امتحى من جثمانه أثر زاد إيمانه وكلما نقص من قوى بدنه زاد في قُوَّة إيمانه ويقينه ورغبته في الله والدّار الآخِرَة وإن لم يكن هَكَذا فالموت خير لَهُ لِأنَّهُ يقف بِهِ على حد معِين من الألَم والفساد بِخِلاف العُيُوب والنقائص مَعَ طول العُمر فَإنَّها زِيادَة في ألمه وهمّه وغمّه وحسرته وإنَّما حسن طول العُمر ونفع ليحصل التذكّر والاستدراك واغتنام الغَرَض والتَّوْبَة النصوح كَما قالَ تَعالى {أولم نعمّركم ما يتذكّر فِيهِ من تذكّر فَمن لم يورثه التَّعْمِير وطول البَقاء إصْلاح معائبه وتدارك فارطه واغتنام بقيّة أنفاسه فَيعْمل على حَياة قلبه وحُصُول النَّعيم المُقِيم وإلّا فَلا خير لَهُ في حَياته.
فَإن العَبْد على جناح سفر إمّا إلى الجنَّة، وإمّا إلى النّار، فَإذا طال عمره وحسن عمله كانَ طول سَفَره زِيادَة لَهُ في حُصُول النَّعيم واللذة، فَإنَّهُ كلما طال السّفر أيها كانَت الصبابة أجلّ وأفضل.
وَإذا طال عمره وساء عمله كانَ طول سَفَره زِيادَة في ألمه وعذابه ونزولا لَهُ إلى أسْفَل.
فالمسافر إمّا صاعد وإمّا نازل.
وَفِي الحَدِيث المَرْفُوع
"خَيركم من طال عمره وحسن عمله، وشرّكم من طال عمره وقبح عمله"
فالطالب الصّادِق في طلبه كَما خرب شَيْء من ذاته جعله عمارَة لِقَلْبِهِ وروحه، وكلما نقص شَيْء من دُنْياهُ جعله زِيادَة في آخرته.
وَكلما منع شَيْئا من لذّات دُنْياهُ جعله زِيادَة في لذّات آخرته.
وَكلما ناله هم أو حزن أو غم جعله في أفراح آخرته
فنقصان بدنه ودنياه ولذته وجاهه ورئاسته إن زاد في حُصُول ذَلِك وتوفيره عَلَيْهِ في معاده كانَ رَحْمَة بِهِ وخيرا لَهُ، وإلّا كانَ حرمانا وعقوبة على ذنُوب ظاهِرَة أو باطنة، أو ترك واجِب ظاهر أو باطِن، فَإن حرمان خير الدُّنْيا والآخِرَة مرتّب على هَذِه الأرْبَعَة. وبِاللَّهِ التَّوْفِيق.
QUL supports exporting tafsir content in both JSON and SQLite formats.
Tafsir text may include <html>
tags for formatting such as <b>
,
<i>
, etc.
Note:
Tafsir content may span multiple ayahs. QUL exports both the tafsir text and the ayahs it applies to.
Example JSON Format:
{ "2:3": { "text": "tafisr text.", "ayah_keys": ["2:3", "2:4"] }, "2:4": "2:3" }
"ayah_key"
in "surah:ayah"
, e.g. "2:3"
means
3rd ayah of Surah Al-Baqarah.
text
: the tafsir content (can include HTML)ayah_keys
: an array of ayah keys this tafsir applies toayah_key
where the tafsir text can be found.
ayah_key
: the ayah for which this record applies.group_ayah_key
: the ayah key that contains the main tafsir text (used for shared tafsir).
from_ayah
/ to_ayah
: start and end ayah keys for convenience (optional).ayah_keys
: comma-separated list of all ayah keys that this tafsir covers.text
: tafsir text. If blank, use the text
from the group_ayah_key
.