Tafsir Al-Alusi

Multiple Ayahs

Tags

Download Links

Tafsir Al-Alusi tafsir for Surah Al-Muzzammil — Ayah 5

﴿إنّا سَنُلْقِي عَلَيْكَ﴾ أيْ سَنُوحِي إلَيْكَ وإيثارُ الإلْقاءِ عَلَيْهِ لِقَوْلِهِ تَعالى ﴿قَوْلا ثَقِيلا﴾ وهو القُرْآنُ العَظِيمُ فَإنَّهُ لِما فِيهِ مِنَ التَّكالِيفِ الشّاقَّةِ ثَقِيلٌ عَلى المُكَلَّفِينَ سِيَّما عَلى الرَّسُولِ ﷺ فَإنَّهُ عَلَيْهِ الصَّلاةُ والسَّلامُ مَأْمُورٌ بِتَحَمُّلِها وتَحْمِيلِها لِلْأُمَّةِ وهَذِهِ الجُمْلَةُ المُؤَكَّدَةُ مُعْتَرِضَةٌ بَيْنَ الأمْرِ بِالقِيامِ وتَعْلِيلِهِ الآتِي لِتَسْهِيلِ ما كَلَّفَهُ عَلَيْهِ الصَّلاةُ والسَّلامُ مِنَ القِيامِ كَأنَّهُ قِيلَ إنَّهُ سَيَرِدُ عَلَيْكَ في الوَحْيِ المُنَزَّلِ تَكالِيفُ شاقَّةٌ هَذا بِالنِّسْبَةِ إلَيْها سَهْلٌ فَلا تُبالِ بِهَذِهِ المَشَقَّةِ وتَمَرَّنَ بِها لِما بَعْدَها وأدْخَلَ بَعْضُهم في الِاعْتِراضِ جُمْلَةَ ﴿ورَتِّلِ﴾ إلَخِ.

وتُعُقِّبَ بِأنَّهُ لا وجْهَ لَهُ وقِيلَ مَعْنى كَوْنِهِ ﴿ثَقِيلا﴾ أنَّهُ رَصِينٌ لِإحْكامِ مَبانِيهِ ومَتانَةِ مَعانِيهِ والمُرادُ أنَّهُ راجِحٌ عَلى ما عَداهُ لَفْظًا ومَعْنى لَكِنْ تُجُوِّزَ بِالثَّقِيلِ عَنِ الرّاجِحِ لِأنَّ الرّاجِحَ مِن شَأْنِهِ أنْ يَكُونَ كَذَلِكَ وفي مَعْناهُ ما قِيلَ المُرادُ كَلامٌ لَهُ وزْنٌ ورُجْحانٌ لَيْسَ بِالسَّفْسافِ وقِيلَ مَعْناهُ أنَّهُ ثَقِيلٌ عَلى المُتَأمِّلِ فِيهِ لِافْتِقارِهِ إلى مَزِيدِ تَصْفِيَةٍ لِلسِّرِّ وتَجْرِيدٍ لِلنَّظَرِ، فالثَّقِيلُ مَجازٌ عَنِ الشّاقِّ وقِيلَ ثَقِيلٌ في المِيزانِ والثِّقْلُ إمّا حَقِيقَةٌ أوْ مَجازٌ عَنْ كَثْرَةِ ثَوابِ قارِئِهِ وقالَ أبُو =العَلِيَّةِ والقُرْطُبِيُّ ثِقَلُهُ عَلى الكُفّارِ والمُنافِقِينَ بِإعْجازِهِ ووَعِيدِهِ وقِيلَ ثَقِيلٌ تَلَقِّيهِ يَعْنِي يَثْقُلُ عَلَيْهِ ﷺ والوَحْيُ بِهِ بِواسِطَةِ المَلَكِ فَإنَّهُ كانَ يُوحى إلَيْهِ عَلَيْهِ الصَّلاةُ والسَّلامُ عَلى أنْحاءٍ مِنها أنْ لا يَتَمَثَّلُ لَهُ المَلَكُ ويُخاطِبُهُ بَلْ يُعْرَضُ لَهُ عَلَيْهِ الصَّلاةُ والسَّلامُ كالغَشْيِ لِشِدَّةِ انْجِذابِ رُوحِهِ الشَّرِيفَةِ لِلْمَلَأِ ( الأعْلى بِحَيْثُ يَسْمَعُ ما يُوحِي بِهِ إلَيْهِ ويُشاهِدُهُ ويُحِسُّهُ هو عَلَيْهِ الصَّلاةُ والسَّلامُ دُونَ مَن مَعَهُ وفي هَذِهِ الحالَةِ كانَ يُحِسُّ في بَدَنِهِ ثِقَلًا حَتّى كادَتْ فَخِذُهُ ﷺ أنْ تَرُضَّ فَخِذَ زَيْدِ بْنِ ثابِتٍ وقَدْ كانَتْ عَلَيْها وهو يُوحى إلَيْهِ

وأخْرَجَ أحْمَدُ وعَبْدُ بْنُ حُمَيْدٍ وابْنُ جَرِيرٍ وابْنُ نَصْرٍ والحاكِمُ وصَحَّحَهُ عَنْ عائِشَةَ «أنَّ النَّبِيَّ ﷺ كانَ إذا أُوحِيَ إلَيْهِ وهو عَلى ناقَتِهِ وضَعَتْ جُرّانَها فَما تَسْتَطِيعُ أنْ تَتَحَرَّكَ حَتّى يُسَرّى عَنْهُ وتَلَتْ ﴿إنّا سَنُلْقِي عَلَيْكَ قَوْلا ثَقِيلا﴾» .

ورَوى الشَّيْخانِ ومالِكٌ والتِّرْمِذِيُّ والنِّسائِيُّ عَنْها أنَّها قالَتْ ولَقَدْ «رَأيْتُهُ يَنْزِلُ عَلَيْهِ الوَحْيُ في اليَوْمِ الشَّدِيدِ البَرْدِ فَيَفْصِمُ عَنْهُ وإنَّ جَبِينَهُ لِيَتَفَصَّدُ عَرَقًا»

وعَلى هَذا الوَجْهِ يَجُوزُ أنْ يَكُونَ ﴿ثَقِيلا﴾ صِفَةً لِمَصْدَرٍ حُذِفَ فَأُقِيمَ مَقامَهُ وانْتَصَبَ انْتِصابَهُ أيْ إلْقاءً ثَقِيلًا ولَيْسَ صِفَةً قَوْلًا وقِيلَ ذَلِكَ عَنْ بَقائِهِ عَلى وجْهِ الدَّهْرِ لِأنَّ الثَّقِيلَ مِن شَأْنِهِ أنْ يَبْقى في مَكانِهِ.

وقِيلَ ثِقَلُهُ بِاعْتِبارِ ثِقَلِ حُرُوفِهِ حَقِيقَةً في اللَّوْحِ المَحْفُوظِ فَعَنْ بَعْضِهِمْ أنَّ كُلَّ حَرْفٍ مِنَ القُرْآنِ في اللَّوْحِ أعْظَمُ مِن جَبَلِ

صفحة 105

قافٍ، وأنَّ المَلائِكَةَ لَوِ اجْتَمَعَتْ عَلى الحَرْفِ أنْ يُقِلُّوهُ ما أطاقُوهُ حَتّى يَأْتِيَ إسْرافِيلُ عَلَيْهِ السَّلامُ وهو مَلَكُ اللَّوْحِ فَيَرْفَعُهُ ويُقِلُّهُ بِإذْنِ اللَّهِ تَعالى لا بِقُوَّتِهِ ولَكِنَّ اللَّهَ عَزَّ وجَلَّ طَوَّقَهُ ذَلِكَ وهَذا مِمّا يَحْتاجُ إلى نَقْلٍ صَحِيحٍ عَنِ الصّادِقِ عَلَيْهِ الصَّلاةُ والسَّلامُ ولا أظُنُّ وُجُودَهُ. والجُمْلَةُ قِيلَ عَلى مُعْظَمِ هَذِهِ الأوْجُهِ مُسْتَأْنِفَةٌ لِلتَّعْلِيلِ فَإنَّ التَّهَجُّدَ يُعَدُّ النَّفْسَ لِأنْ تُعالِجُ ثِقَلَهُ فَتَأمَّلْ. واسْتُدِلَّ بِالآيَةِ عَلى أنَّهُ لا يَنْبَغِي أنْ يُقالَ سُورَةٌ خَفِيفَةٌ لِما أنَّ اللَّهَ تَعالى سَمّى فِيها القُرْآنَ كُلَّهُ ﴿قَوْلا ثَقِيلا﴾ وهَذا مِن بابِ الِاحْتِياطِ كَما لا يَخْفى.