Tafsir Al-Alusi

Multiple Ayahs

Tags

Download Links

Tafsir Al-Alusi tafsir for Surah Al-Insan — Ayah 2

إِنَّا خَلَقۡنَا ٱلۡإِنسَٰنَ مِن نُّطۡفَةٍ أَمۡشَاجٖ نَّبۡتَلِيهِ فَجَعَلۡنَٰهُ سَمِيعَۢا بَصِيرًا ٢

﴿إنّا خَلَقْنا الإنْسانَ مِن نُطْفَةٍ﴾ فَإنَّ الإنْسانَ فِيهِ مَعْرِفَةُ مَعادِهِ فَلا يَفْتَرِقانِ كَيْفَ وفي إقامَةِ الظّاهِرِ مَقامَ المُضْمَرِ فَضْلُ التَّقْرِيرِ والتَّمْكِينِ في النَّفْسِ فَإذا اخْتَلَفا عُمُومًا وخُصُوصًا فاتَتِ المُلايَمَةُ ولا شَكَّ أنَّ الحَمْلَ عَلى آدَمَ عَلَيْهِ السَّلامُ في هَذا ولا وجْهَ لَهُ ولا نَقْضَ بِهِ عَلى إرادَةِ الجِنْسِ بِناءً عَلى أنَّهُ لا عُمُومَ فِيهِ ولا خُصُوصَ.

نَعَمْ دَلَّ قَوْلُهُ سُبْحانَهُ ﴿مِن نُطْفَةٍ﴾ عَلى أنَّ المُرادَ غَيْرُهُ أوْ هو تَغْلِيبٌ وقِيلَ يَجْعَلُ ما لِلْأكْثَرِ لِلْكُلِّ مَجازًا في الإسْنادِ أوِ الطَّرْفِ ورُوِيَتْ إرادَتُهُ عَنْ قَتادَةَ والثَّوْرِيِّ وعِكْرِمَةَ والشَّعْبِيِّ وابْنِ عَبّاسٍ أيْضًا وقالَ في رِوايَةِ أبِي صالِحٍ عَنْهُ مَرَّتْ بِهِ أرْبَعُونَ سَنَةً قَبْلَ أنْ يُنْفَخَ فِيهِ الرُّوحُ وهو مُلْقًى بَيْنَ مَكَّةَ والطّائِفِ.

وفِي رِوايَةِ الضَّحاكِ عَنْهُ أنَّهُ خُلِقَ مِن طِينٍ فَأقامَ أرْبَعِينَ سَنَةً ثُمَّ مِن حَمَأٍ مَسْنُونٍ فَأقامَ أرْبَعِينَ سَنَةً ثُمَّ مِن صَلْصالٍ فَأقامَ أرْبَعِينَ سَنَةً فَتَمَّ خَلْقُهُ بَعْدَ مِائَةٍ وعِشْرِينَ سَنَةً ثُمَّ نُفِخَ فِيهِ الرُّوحُ وحَكى الماوَرْدِيُّ عَنْهُ أنَّ الحِينَ المَذْكُورَ هاهُنا هو الزَّمَنُ الطَّوِيلُ المُمْتَدُّ الَّذِي لا يُعْرَفُ مِقْدارُهُ.

ورُوِيَ نَحْوُهُ عَنْ عِكْرِمَةَ فَقَدْ أخْرَجَ عَبْدُ بْنُ حُمَيْدٍ وابْنُ المُنْذِرِ عَنْهُ أنَّهُ قالَ إنَّ مِنَ الحِينِ حِينًا لا يُدْرَكُ وتَلا الآيَةَ فَقالَ: واللَّهِ ما يَدْرِي كَمْ أتى عَلَيْهِ حَتّى خَلَقَهُ اللَّهُ تَعالى. ورَأيْتُ لِبَعْضِ المُتَصَوِّفَةِ أنَّ هَلْ لِلِاسْتِفْهامِ الإنْكارِيِّ فَهو في مَعْنى النَّفْيِ أيْ ما أتى عَلى الإنْسانِ حِينٌ مِنَ الدَّهْرِ لَمْ يَكُنْ شَيْئًا مَذْكُورًا وظاهِرُهُ القَوْلُ بِقَدَمِ الإنْسانِ في الزَّمانِ عَلى مَعْنى أنَّهُ لَمْ يَكُنْ زَمانٌ إلّا وفِيهِ إنْسانٌ وهو القِدَمُ النَّوْعِيُّ كَما قالَ بِهِ مَن قالَ مِنَ الفَلاسِفَةِ وهو كُفْرٌ بِالإجْماعِ ووُجِّهَ

صفحة 152

بِأنَّهم عَنَوْا شَيْئِيَّةَ الثُّبُوتِ لِقِدَمِ الإنْسانِ عِنْدَهم بِذَلِكَ الِاعْتِبارِ دُونَ شَيْئِيَّةِ الوُجُودِ ضَرُورَةَ أنَّهُ بِالنِّسْبَةِ إلَيْها حادِثٌ زَمانًا ويُرْشِدُ إلى هَذا قَوْلُ الشَّيْخِ مُحْيِي الدِّينِ في البابِ 358 مِنَ الفُتُوحاتِ المَكِّيَّةِ لَوْ لَمْ يَكُنْ في العالَمِ مَن هو عَلى صُورَةِ الحَقِّ ما حَصَلَ المَقْصُودُ مِنَ العِلْمِ بِالحَقِّ أعْنِي العِلْمَ الحادِثَ في قَوْلِهِ سُبْحانَهُ:

«كُنْتُ كَنْزًا لَمْ أُعْرَفْ فَأحْبَبْتُ أنْ أُعْرَفَ فَخَلَقْتُ الخَلْقَ وتَعَرَّفَتْ إلَيْهِمْ فَعَرَفُونِي» .

فَجَعَلَ نَفْسَهُ كَنْزًا والكَنْزُ لا يَكُونُ إلّا مُكْتَنَزًا في شَيْءٍ فَلَمْ يَكُنْ كَنْزُ الحَقِّ نَفْسِهِ إلّا في صُورَةِ الإنْسانِ الكامِلِ في شَيْئِيَّةِ ثُبُوتِهِ هُناكَ كانَ الحَقُّ مَكْنُوزًا فَلَمّا ألْبَسَ الحَقُّ الإنْسانَ شَيْئِيَّةَ الوُجُودِ ظَهَرَ الكَنْزُ بِظُهُورِهِ فَعَرَفَهُ الإنْسانُ الكامِلُ بِوُجُودِهِ وعَلِمَ أنَّهُ كانَ مَكْنُوزًا فِيهِ في شَيْئِيَّةِ ثُبُوتِهِ وهو لا يَشْعُرُ بِهِ انْتَهى ولا يَخْفى أنَّ الأشْياءَ كُلَّها في شَيْئِيَّةِ الثُّبُوتِ قَدِيمَةٌ لا الإنْسانُ وحْدَهُ، ولَعَلَّهم يَقُولُونَ الإنْسانُ هو كُلُّ شَيْءٍ لِأنَّهُ الإمامُ المُبِينُ وقَدْ قالَ سُبْحانَهُ ﴿وكُلَّ شَيْءٍ أحْصَيْناهُ في إمامٍ مُبِينٍ﴾ [يس: 12] والكَلامُ في هَذا المَقامِ طَوِيلٌ ولا يَسَعُنا أنْ نُطِيلَ بَيْدَ أنّا نَقُولُ كَوْنُ ﴿هَلْ﴾ هُنا لِلْإنْكارِ مُنْكَرٌ وأنَّ دَعْوى صِحَّةِ ذَلِكَ لَإحْدى الكِبَرِ والَّذِي فَهِمَهُ أجِلَّةٌ مِنَ الصَّحابَةِ رَضِيَ اللَّهُ تَعالى عَنْهم مِنَ الآيَةِ الإخْبارُ الإيجابِيُّ.

أخْرَجَ عَبْدُ بْنُ حُمَيْدٍ وغَيْرُهُ عَنْ عُمَرَ بْنِ الخَطّابِ رَضِيَ اللَّهُ تَعالى عَنْهُ أنَّهُ سَمِعَ رَجُلًا يَقْرَأُ هَلْ أتى عَلى الإنْسانِ شَيْءٌ مِنَ الدَّهْرِ لَمْ يَكُنْ شَيْئًا مَذْكُورًا فَقالَ لَيْتَها تَمَّتْ.

وعَنِ ابْنِ مَسْعُودٍ رَضِيَ اللَّهُ تَعالى عَنْهُ أنَّهُ سَمِعَ رَجُلًا يَتْلُو ذَلِكَ فَقالَ يا لَيْتَها تَمَّتْ فَعُوقِبَ في قَوْلِهِ هَذا فَأخَذَ عَمُودًا مِنَ الأرْضِ فَقالَ يا لَيْتَنِي كُنْتُ مِثْلَ هَذا ﴿أمْشاجٍ﴾ جَمْعُ مَشَجٍ بِفُتْحَتَيْنِ كَسَبَبٍ وأسْبابٍ، أوْ مَشِجٍ بِفَتْحٍ فَكَسْرٍ كَكَتِفٍ وأكْتافٍ، أوْ مَشِيجٍ كَشَهِيدٍ وأشْهادٍ ونَصِيرٍ وأنْصارٍ أيْ أخْلاطٍ جَمْعُ خَلْطٍ بِمَعْنى مُخْتَلِطٍ مُمْتَزِجٍ، يُقالُ: مَشَجْتَ الشَّيْءَ إذا خَلَطْتَهُ ومَزَجْتَهُ فَهو مَشِيجٌ ومَمْشُوجٌ، وهو صِفَةٌ لِنُطْفَةٍ ووُصِفَ بِالجَمْعِ وهي مُفْرِدَةٌ لِأنَّ المُرادَ بِها مَجْمُوعُ ماءِ الرَّجُلِ والمَرْأةِ والجَمْعُ قَدْ يُقالُ عَلى ما فَوْقَ الواحِدِ أوْ بِاعْتِبارِ الأجْزاءِ المُخْتَلِفَةِ فِيهِما رِقَّةً وغِلَظًا وصُفْرَةً وبَياضًا وطَبِيعَةً وقُوَّةً وضَعْفًا حَتّى اخْتَصَّ بَعْضُها بِبَعْضِ الأعْضاءِ عَلى ما أرادَهُ اللَّهُ تَعالى بِحِكْمَتِهِ فَخَلَقَهُ بِقُدْرَتِهِ.

وفِي بَعْضِ الآثارِ «أنَّ ما كانَ مِن عَصَبٍ وعَظْمٍ وقُوَّةٍ فَمِن ماءِ الرَّجُلِ، وما كانَ مِن لَحْمٍ ودَمٍ فَمِن ماءِ المَرْأةِ»، والحاصِلُ أنَّهُ نَزَلَ المَوْصُوفُ مَنزِلَةَ الجَمْعِ ووُصِفَ بِصِفَةِ أجْزائِهِ وقِيلَ هو مُفْرَدٌ جاءَ عَلى أفْعالٍ كَأعْشارٍ وأكْياشٍ في قَوْلِهِمْ بُرْمَةُ أعْشارٍ أيْ مُتَكَسِّرَةٌ وبُرْدٌ أكْيَشُ أيْ مَغْزُولٌ غَزَلَهُ مَرَّتَيْنِ.

واخْتارَهُ الزَّمَخْشَرِيُّ والمَشْهُورُ عَنْ نَصِّ سِيبَوَيْهِ وجُمْهُورِ النُّحاةِ أنَّ أفْعالًا لا يَكُونُ جَمْعًا وحُكِيَ عَنْهُ أنَّهُ ذَهَبَ إلى ذَلِكَ في العامِ ومَعْنى نُطْفَةٍ مُخْتَلِطَةٌ عِنْدَ الأكْثَرِينَ نُطْفَةٌ اخْتَلَطَ وامْتَزَجَ فِيها الماءانِ، وقِيلَ: اخْتَلَطَ فِيها الدَّمُ والبَلْغَمُ والصَّفْراءُ والسَّوْداءُ وقِيلَ الأمْشاجُ نَفْسُ الأخْلاطِ الَّتِي هي عِبارَةٌ عَنْ هَذِهِ الأرْبَعَةِ فَكَأنَّهُ قِيلَ مِن نُطْفَةٍ هي عِبارَةٌ عَنْ أخْلاطٍ أرْبَعَةٍ.

وأخْرَجَ ابْنُ المُنْذِرِ عَنْ مُجاهِدٍ أنَّهُ قالَ: أمْشاجٌ أيْ ألْوانٌ أيْ ذاتُ ألْوانٍ فَإنَّ ماءَ الرَّجُلِ أبْيَضُ وماءَ المَرْأةِ أصْفَرُ فَإذا اخْتَلَطا ومَكَثا في قَعْرِ الرَّحِمِ اخْضَرّا كَما يَخْضَرُّ الماءُ بِالمُكْثِ، ورُوِيَ عَنِ الكَلْبِيِّ وأُخْرِجَ عَنْ زَيْدِ بْنِ أسْلَمَ أنَّهُ قالَ: الأمْشاجُ العُرُوقُ الَّتِي في النُّطْفَةِ، ورُوِيَ ذَلِكَ عَنِ ابْنِ مَسْعُودٍ أيْ ذاتِ عُرُوقٍ، ورُوِيَ عَنْ عِكْرِمَةَ وكَذا ابْنِ عَبّاسٍ أنَّهُ قالَ «أمْشاجٍ» أطْوارٍ أيْ ذاتِ أطْوارٍ فَإنَّ النُّطْفَةَ تَصِيرُ عَلَقَةً ثُمَّ مُضْغَةً وهَكَذا إلى تَمامِ الخِلْقَةِ ونَفْخِ الرُّوحِ وقَوْلُهُ تَعالى ﴿نَبْتَلِيهِ﴾ حالٌ مِن فاعِلِ خَلَقْنا والمُرادُ مُرِيدِينَ ابْتِلاءَهُ واخْتِبارَهُ بِالتَّكْلِيفِ فِيما بَعْدُ عَلى أنَّ الحالَ مُقَدَّرَةٌ أوْ ناقِلِينَ لَهُ مِن حالٍ إلى حالٍ ومَن طَوْرَ إلى طَوْرٍ عَلى طَرِيقَةِ الِاسْتِعارَةِ لِأنَّ المَنقُولَ يَظْهَرُ في كُلِّ ظُهُورٍ ظُهُورًا آخَرَ كَظُهُورِ نَتِيجَةِ الِابْتِلاءِ والِامْتِحانِ بَعْدَهُ.

ورُوِيَ نَحْوُهُ عَنِ ابْنِ عَبّاسٍ وعَلى الوَجْهَيْنِ يَنْحَلُّ ما قِيلَ إنَّ الِابْتِلاءَ بِالتَّكْلِيفِ وهو يَكُونُ بَعْدَ جَعْلِهِ ﴿سَمِيعًا بَصِيرًا﴾ لا قَبْلُ فَكَيْفَ يَتَرَتَّبُ عَلَيْهِ قَوْلُهُ سُبْحانَهُ ﴿فَجَعَلْناهُ سَمِيعًا بَصِيرًا﴾ وقِيلَ الكَلامُ عَلى التَّقْدِيمِ والتَّأْخِيرِ والجُمْلَةُ اسْتِئْنافٌ تَعْلِيلِيٌّ أيْ فَجَعَلْناهُ سَمِيعًا بَصِيرًا

صفحة 153

لِنَبْتَلِيَهُ وحُكِيَ ذَلِكَ عَنِ الفَرّاءِ وعَسُفَ لِأنَّ التَّقْدِيمَ لا يَقَعُ في حالِ مَوْقِعِهِ لا لَفْظًا لِأجْلِ الفاءِ ولا مَعْنًى لِأنَّهُ لا يَتَّجِهُ السُّؤالُ قَبْلَ الجَعْلِ والأوْجَهُ الأوَّلُ، وهَذا الجَعْلُ كالمُسَبِّبِ عَنِ الِابْتِلاءِ لِأنَّ المَقْصُودَ مِن جَعْلِهِ كَذَلِكَ أنْ يَنْظُرَ الآياتِ الآفاقِيَّةَ والأنْفُسِيَّةَ ويَسْمَعَ الأدِلَّةَ السَّمْعِيَّةَ فَلِذَلِكَ عَطَفَ عَلى الخَلْقِ المُقَيَّدِ بِهِ بِالفاءِ ورَتَّبَ عَلَيْهِ قَوْلَهُ تَعالى.

Tafsir Resource

QUL supports exporting tafsir content in both JSON and SQLite formats. Tafsir text may include <html> tags for formatting such as <b>, <i>, etc.

Example JSON Format:

{
  "2:3": {
    "text": "tafisr text.",
    "ayah_keys": ["2:3", "2:4"]
  },
  "2:4": "2:3"
}
  • Keys in the JSON are "ayah_key" in "surah:ayah", e.g. "2:3" means 3rd ayah of Surah Al-Baqarah.
  • The value of ayah key can either be:
    • an object — this is the main tafsir group. It includes:
      • text: the tafsir content (can include HTML)
      • ayah_keys: an array of ayah keys this tafsir applies to
    • a string — this indicates the tafsir is part of a group. The string points to the ayah_key where the tafsir text can be found.

SQLite exports includes the following columns

  • ayah_key: the ayah for which this record applies.
  • group_ayah_key: the ayah key that contains the main tafsir text (used for shared tafsir).
  • from_ayah / to_ayah: start and end ayah keys for convenience (optional).
  • ayah_keys: comma-separated list of all ayah keys that this tafsir covers.
  • text: tafsir text. If blank, use the text from the group_ayah_key.