﴿وما تَشاءُونَ﴾ إلَخِ تَحْقِيقٌ لِلْحَقِّ بِبَيانِ أنَّ مُجَرَّدَ مَشِيئَتِهِمْ غَيْرُ كافِيَةٍ في اتِّخاذِ السَّبِيلِ كَما هو المَفْهُومُ مِن ظاهِرِ الشِّرْطِيَّةِ أيْ وما تَشاؤُونَ اتِّخاذَ السَّبِيلِ ولا تَقْدِرُونَ عَلى تَحْصِيلِهِ في وقْتٍ مِنَ الأوْقاتِ إلّا وقْتَ مَشِيئَتِهِ تَعالى اتِّخاذَهُ وتَحْصِيلَهُ لَكم إذْ لا دَخْلَ لِمَشِيئَةِ العَبْدِ إلّا مِنَ الكَسْبِ وإنَّما التَّأْثِيرُ والخَلْقُ لِمَشِيئَةِ اللَّهِ عَزَّ وجَلَّ وفِيهِ نَوْعُ مُخالَفَةٍ لِلظّاهِرِ كَما لا يَخْفى.
نَعَمْ قِيلَ إنَّ ظاهِرَ الشَّرْطِيَّةِ أنَّ مَشِيئَةَ العَبْدِ مُطْلَقًا مُسْتَلْزَمَةٌ لِلْفِعْلِ فَيَلْزَمُ أنَّهُ مَتى شاءَ فِعْلًا فَعَلَهُ مَعَ أنَّ الواقِعَ خِلافُهُ فَلا بُدَّ مِمّا قالَهُ هَذا البَعْضُ، وجَعَلَ الجُمْلَةَ الثّانِيَةَ تَحْقِيقًا لِلْحَقِّ وأُجِيبُ بِأنَّها لِلتَّحْقِيقِ عَلى وجْهٍ آخَرَ وذَلِكَ أنَّ الأُولى أفْهَمَتِ الِاسْتِلْزامَ والثّانِيَةَ بَيَّنَتْ أنَّ هَذِهِ المَشِيئَةَ المُسْتَلْزَمَةَ لا تَتَحَقَّقُ إلّا وقْتَ مَشِيئَةِ اللَّهِ تَعالى إيّاها
صفحة 168
فَكَأنَّهُ قِيلَ: وما تَشاؤُونَ مَشِيئَةً تَسْتَلْزِمُ الفِعْلَ إلّا وقْتَ أنْ يَشاءَ اللَّهُ تَعالى مَشِيئَتَكم تِلْكَ فَتَأمَّلْ.وأنْتَ تَعْلَمُ أنَّ هَذِهِ المَسْألَةَ مِن مَحارِ الأفْهامِ ومَزالِّ أقْدامِ أقْوامٍ بَعْدَ أقْوامٍ وأقْوى شُبَهِ الجَبْرِيَّةِ أنَّهُ قَدْ تَقَرَّرَ أنَّ الشَّيْءَ ما لَمْ يَجِبْ لَمْ يُوجَدْ فَإنْ وجَبَ صُدُورُ الفِعْلِ فَلا اخْتِيارَ.
وإلّا فَلا صُدُورَ وبِعِبارَةٍ أُخْرى أنَّ جَمِيعَ ما يَتَوَقَّفُ عَلَيْهِ الفِعْلُ إذا تَحَقَّقَ فَإمّا أنْ يَلْزَمَ الفِعْلُ فَيَلْزَمُ الِاضْطِرارُ أوَّلًا فَيَلْزَمُ جَوازُ تَخَلُّفِ المَعْلُولِ عَنْ عِلَّتِهِ التّامَّةِ بَلْ مَعَ الصُّدُورِ التَّرَجُّحُ بِلا مُرَجِّحٍ فَقَدْ قِيلَ إنَّها نَحْوُ شُبْهَةِ ابْنِ كَمُّونَةَ في التَّوْحِيدِ يَصْعُبُ التَّفَصِّي عَنْها ولِلْفَقِيرِ العاجِزِ جَبَرَ اللَّهُ تَعالى فَقْرَهُ ويَسَّرَ أمْرَهُ عَزَمَ عَلى تَأْلِيفِ رِسالَةٍ إنْ شاءَ اللَّهُ تَعالى في ذَلِكَ سالِكًا فِيها بِتَوْفِيقِهِ سُبْحانَهُ أحْسَنَ المَسالِكِ وإنْ كانَ الكُورانِيُّ قُدِّسَ سِرُّهُ لَمْ يَدَعْ فِيها مَقالًا وأوْشَكَ أنْ يَدَعَ كُلَّ مَن جاءَ بَعْدُ فِيها بِشَيْءٍ عَلَيْهِ عِيالًا واللَّهُ تَعالى المُوَفِّقُ.
وقَرَأ العَرَبِيّانِ وابْنُ كَثِيرٍ «وما يَشاؤُونَ» بِياءِ الغَيْبَةِ وقَرَأ ابْنُ مَسْعُودٍ «إلّا ما يَشاءُ اللهُ» وما فِيهِ مَصْدَرِيَّةٌ كَأنْ في قِراءَةِ الجَماعَةِ وقَدْ أشَرْنا إلى أنَّ المَصْدَرَ في مَحَلِّ نَصْبٍ عَلى الظَّرْفِيَّةِ بِتَقْدِيرِ المُضافِ السّادِّ هو مَسَدَّهُ وهو ما اخْتارَهُ غَيْرُ واحِدٍ وتَعَقَّبَهُ أبُو حَيّانٍ بِأنَّهم نَصُّوا عَلى أنَّهُ لا يَقُومُ مَقامَ الظَّرْفِ إلّا المَصْدَرُ المُصَرَّحُ فَلا يَجُوزُ أجِيئُكَ أنْ يَصِيحَ الدِّيكُ أوْ ما يَصِيحُ الدِّيكُ وإنَّما يَجُوزُ أجِيئُكَ صِياحَ الدِّيكِ وكَأنَّهُ لِهَذا قِيلَ إنَّ ﴿أنْ يَشاءَ﴾ بِتَقْدِيرِ حَرْفِ الجَرِّ والِاسْتِثْناءِ مِن أعْلَمِ الأسْبابِ أيْ ﴿وما تَشاءُونَ﴾ بِسَبَبٍ مِنَ الأسْبابِ إلّا بِأنْ يَشاءَ اللَّهُ تَعالى.
﴿إنَّ اللَّهَ كانَ عَلِيمًا﴾ مُبالِغًا في العِلْمِ فَيَعْلَمُ مَشِيئاتِ العِبادِ المُتَعَلِّقَةِ بِالأفْعالِ الَّتِي سَألُوها بِألْسِنَةِ اسْتِعْداداتِهِمْ ﴿حَكِيمًا﴾ مُبالِغًا في الحِكْمَةِ فَيَفِيضُ عَلى كُلِّ ما هو الأوْفَقُ بِاسْتِعْدادِهِ وما هو عَلَيْهِ في نَفْسِ الأمْرِ مِنَ المَشِيئَةِ أوْ أنَّهُ تَعالى مُبالِغٌ في العِلْمِ والحِكْمَةِ فَيَعْلَمُ ما يَسْتَأْهِلُهُ كُلُّ أحَدٍ مِنَ الطّاعَةِ وخِلافِها فَلا يَشاءُ لَهم إلّا ما يَسْتَدْعِيهِ عِلْمُهُ سُبْحانَهُ وتَقْتَضِيهِ حِكْمَتُهُ عَزَّ وجَلَّ وقِيلَ ﴿عَلِيمًا﴾ أيْ يَعْلَمُ ما يَتَعَلَّقُ بِهِ مَشِيئَةُ العِبادِ مِنَ الأعْمالِ ﴿حَكِيمًا﴾ لا يَشاءُ إلّا عَلى وفْقِ حِكْمَتِهِ وهو أنْ يَشاءَ العَبْدُ فَيَشاءَ الرَّبُّ سُبْحانَهُ وتَعالى لا العَكْسُ لِيَتَأتّى التَّكْلِيفُ مِن غَيْرِ انْفِرادٍ لِأحَدِ المَشِيئَتَيْنِ عَنِ الأُخْرى وفِيهِ بَحْثُ.
QUL supports exporting tafsir content in both JSON and SQLite formats.
Tafsir text may include <html>
tags for formatting such as <b>
,
<i>
, etc.
Note:
Tafsir content may span multiple ayahs. QUL exports both the tafsir text and the ayahs it applies to.
Example JSON Format:
{ "2:3": { "text": "tafisr text.", "ayah_keys": ["2:3", "2:4"] }, "2:4": "2:3" }
"ayah_key"
in "surah:ayah"
, e.g. "2:3"
means
3rd ayah of Surah Al-Baqarah.
text
: the tafsir content (can include HTML)ayah_keys
: an array of ayah keys this tafsir applies toayah_key
where the tafsir text can be found.
ayah_key
: the ayah for which this record applies.group_ayah_key
: the ayah key that contains the main tafsir text (used for shared tafsir).
from_ayah
/ to_ayah
: start and end ayah keys for convenience (optional).ayah_keys
: comma-separated list of all ayah keys that this tafsir covers.text
: tafsir text. If blank, use the text
from the group_ayah_key
.