Al-Muharrar Al-Wajiz Ibn Atiyyah

Multiple Ayahs

Tags

Download Links

Al-Muharrar Al-Wajiz Ibn Atiyyah tafsir for Surah Al-Muzzammil — Ayah 19

إِنَّ هَٰذِهِۦ تَذۡكِرَةٞۖ فَمَن شَآءَ ٱتَّخَذَ إِلَىٰ رَبِّهِۦ سَبِيلًا ١٩ ۞ إِنَّ رَبَّكَ يَعۡلَمُ أَنَّكَ تَقُومُ أَدۡنَىٰ مِن ثُلُثَيِ ٱلَّيۡلِ وَنِصۡفَهُۥ وَثُلُثَهُۥ وَطَآئِفَةٞ مِّنَ ٱلَّذِينَ مَعَكَۚ وَٱللَّهُ يُقَدِّرُ ٱلَّيۡلَ وَٱلنَّهَارَۚ عَلِمَ أَن لَّن تُحۡصُوهُ فَتَابَ عَلَيۡكُمۡۖ فَٱقۡرَءُواْ مَا تَيَسَّرَ مِنَ ٱلۡقُرۡءَانِۚ عَلِمَ أَن سَيَكُونُ مِنكُم مَّرۡضَىٰ وَءَاخَرُونَ يَضۡرِبُونَ فِي ٱلۡأَرۡضِ يَبۡتَغُونَ مِن فَضۡلِ ٱللَّهِ وَءَاخَرُونَ يُقَٰتِلُونَ فِي سَبِيلِ ٱللَّهِۖ فَٱقۡرَءُواْ مَا تَيَسَّرَ مِنۡهُۚ وَأَقِيمُواْ ٱلصَّلَوٰةَ وَءَاتُواْ ٱلزَّكَوٰةَ وَأَقۡرِضُواْ ٱللَّهَ قَرۡضًا حَسَنٗاۚ وَمَا تُقَدِّمُواْ لِأَنفُسِكُم مِّنۡ خَيۡرٖ تَجِدُوهُ عِندَ ٱللَّهِ هُوَ خَيۡرٗا وَأَعۡظَمَ أَجۡرٗاۚ وَٱسۡتَغۡفِرُواْ ٱللَّهَۖ إِنَّ ٱللَّهَ غَفُورٞ رَّحِيمُۢ ٢٠

قوله عزّ وجلّ:

﴿إنَّ هَذِهِ تَذْكِرَةٌ فَمَن شاءَ اتَّخَذَ إلى رَبِّهِ سَبِيلا﴾ ﴿إنَّ رَبَّكَ يَعْلَمُ أنَّكَ تَقُومُ أدْنى مِن ثُلُثَيِ اللَيْلِ ونِصْفَهُ وثُلُثَهُ وطائِفَةٌ مِن الَّذِينَ مَعَكَ واللهُ يُقَدِّرُ اللَيْلِ والنَهارَ عَلِمَ أنْ لَنْ تُحْصُوهُ فَتابَ عَلَيْكم فاقْرَءُوا ما تَيَسَّرَ مِن القُرْآنِ عَلِمَ أنْ سَيَكُونُ مِنكم مَرْضى وآخَرُونَ يَضْرِبُونَ في الأرْضِ يَبْتَغُونَ مِن فَضْلِ اللهِ وآخَرُونَ يُقاتِلُونَ في سَبِيلِ اللهِ فاقْرَءُوا ما تَيَسَّرَ مِنهُ وأقِيمُوا الصَلاةَ وآتُوا الزَكاةَ وأقْرِضُوا اللهِ قَرْضًا حَسَنًا وما تُقَدِّمُوا لأنْفُسِكم مِن خَيْرٍ تَجِدُوهُ عِنْدَ اللهِ هو خَيْرًا وأعْظَمَ أجْرًا واسْتَغْفِرُوا اللهِ إنَّ اللهِ غَفُورٌ رَحِيمٌ﴾

الإشارَةُ بِـ "هَذِهِ" يُحْتَمَلُ أنْ تَكُونَ لِما ذَكَرَ مِنَ الأنْكالِ والجَحِيمِ والأخْذِ الوَبِيلِ (p-٤٤٧)وَنَحْوِهِ، ويُحْتَمَلُ أنْ تَكُونَ إلى السُورَةِ بِأجْمَعِها، ويُحْتَمَلُ أنْ تَكُونَ إلى القُرْآنِ بِمَعْنى أنَّ الأقْوالَ المَنصُوبَةَ فِيهِ تَذْكِرَةٌ، والتَذْكِرَةُ مَصْدَرٌ كالذِكْرِ، وقَوْلُهُ تَعالى: "فَمَن شاءَ" الآيَةُ لَيْسَ مَعْناهُ إباحَةُ الأمْرِ وضِدُّهُ، بَلْ يَتَضَمَّنُ مَعْنى الوَعِيدِ والوَعْدِ، و"السَبِيلُ" هُنا سَبِيلُ الخَيْرِ والطاعَةِ.

وقَوْلُهُ تَعالى: ﴿إنَّ رَبَّكَ يَعْلَمُ﴾ الآيَةُ، نَزَلَتْ تَخْفِيفًا لِما كانَ اسْتَمِرَّ اسْتِعْمالُهُ مِن أمْرِ قِيامِ اللَيْلِ إمّا عَلى الوُجُوبِ أو عَلى النَدْبِ حَسَبَ الخِلافِ الَّذِي ذَكَرْناهُ، ومَعْنى الآيَةِ: أنَّ اللهَ يَعْلَمُ أنَّكَ تَقُومُ أنْتَ وغَيْرُكُ مَن أُمِّتِكَ قِيامًا مُخْتَلِفًا، مَرَّةً يُكْثِرُ ومَرَّةً يَقِلُّ، ومَرَّةً أدْنى مِنَ الثُلُثَيْنِ ومَرَّةً أدْنى مِنَ الثُلُثِ، وذَلِكَ لِعَدَمِ تَحْصِيلِ البَشَرِ لِمَقادِيرِ الزَمانِ مَعَ عُزْرِ النَوْمِ، وتَقْدِيرُ الزَمانِ حَقِيقَةٌ إنَّما هو لِلَّهِ تَعالى، وأمّا البَشَرُ فَلا يُحْصِي ذَلِكَ، فَتابَ اللهُ عَلَيْهِمْ، أيْ: رَجَعَ بِهِمْ مِنَ الثِقَلِ إلى الخِفَّةِ، وأمَرَهم بِقِراءَةِ ما تَيَسَّرَ مِنهُ، ونَحْوُ هَذا يُعْطِي عِبارَةَ الفَرّاءِ ومُنْذِرٍ فَإنَّهُما قالا: "تُحْصُوهُ": تَحْفَظُوهُ، وهَذا التَأْوِيلُ هو عَلى قِراءَةِ مَن قَرَأ: "وَنِصْفِهِ وثُلُثِ" بِالخَفْضِ عَطْفًا عَلى "الثُلُثَيْنِ"، وهي قِراءَةُ أبِي عَمْرٍو، ونافِعٍ، وابْنِ عامِرٍ، وأمّا مَن قَرَأ "وَنِصْفَهُ وثُلُثَهُ" بِالنَصْبِ عَطْفًا عَلى "أدْنى"، وهي قِراءَةُ باقِي السَبْعَةِ، فالمَعْنى عِنْدَهُ آخَرُ، وذَلِكَ أنَّ اللهَ تَعالى قَدْ قَدَّرَ أنَّهم يُقَدِّرُونَ الزَمانَ عَلى نَحْوِ ما أمَرَ بِهِ في قَوْلِهِ سُبْحانَهُ: ﴿نِصْفَهُ أوِ انْقُصْ مِنهُ قَلِيلا﴾ [المزمل: ٣] ﴿أو زِدْ عَلَيْهِ﴾ [المزمل: ٤]، فَلَمْ يَبْقَ إلّا أنْ يَكُونَ قَوْلُهُ تَعالى: ﴿لَنْ تُحْصُوهُ فَتابَ﴾ "بِمَعْنى": لَنْ تُطِيقُوا قِيامَهُ لِكَثْرَتِهِ وشِدَّتِهِ، فَخَفَّفَ اللهُ عنهم فَضْلًا مِنهُ لا لِعِلَّةِ جَهْلِهِمْ بِالتَقْدِيرِ وإحْصاءِ الأوقاتِ، ونَحْوُ هَذا تُعْطِي عِبارَةُ الحَسَنِ وابْنُ جُبَيْرٍ، فَإنَّهُما قالا: "تُحْصُوهُ" تُطِيعُوهُ، وقَرَأ جُمْهُورُ القُرّاءِ والناسُ "وَثُلُثُهُ" بِضَمِّ اللامِ، وقَرَأ ابْنُ كَثِيرٍ في رِوايَةِ شِبْلٍ عنهُ: "وَثُلْثُهُ" بِسُكُونِ اللامِ.

وقَوْلُهُ تَعالى: ﴿فاقْرَءُوا ما تَيَسَّرَ مِنَ القُرْآنِ﴾ إباحَةٌ، هَذا قَوْلُ الجُمْهُورِ، وقالَ ابْنُ جُبَيْرٍ وجَماعَةٌ: هو فَرْضٌ لا بُدَّ مِنهُ ولَوْ خَمْسِينَ آيَةً، وقالَ الحَسَنُ وابْنُ سِيرِينَ: قِيامُ اللَيْلِ فَرْضٌ، ولَوْ قَدْرَ حَلْبِ شاةٍ، إلّا أنَّ الحَسَنَ قالَ: مَن قَرَأ مِائَةَ آيَةٍ لَمْ يُحاجِّهِ القُرْآنُ، واسْتَحْسَنَ هَذا جَماعَةٌ مِنَ العُلَماءِ، قالَ بَعْضُهُمْ: والرَكْعَتانِ بَعْدَ العَتَمَةِ مَعَ الوِتْرِ تَدْخُلانِ في حُكْمِ هَذا الأمْرِ وامْتِثالِهِ، ومَن زادَ زادَهُ اللهُ تَعالى ثَوابًا.

و"إنَّ" في قَوْلِهِ تَعالى: "عَلِمَ أنْ" مُخَفَّفَةً مِنَ الثَقِيلَةِ، والتَقْدِيرُ أنَّهُ يَكُونُ، فَجاءَتِ (p-٤٤٨)السِينُ عِوَضًا مِنَ المَحْذُوفِ، وكَذَلِكَ جاءَتْ لا في قَوْلِ أبِي مِحْجَنٍ:

؎ ولا تَدْفِنُنِّي بِالفَلاةِ فَإنَّنِي ∗∗∗ أخافُ إذا ما مُتُّ أنْ لا أذُوقَها

و"الضَرْبُ في الأرْضِ" هو السَفَرُ لِلتِّجارَةِ، وضَرْبُ الأرْضِ هو المَشْيُ لِلتَّبَرُّزِ والغائِطِ، فَذَكَرَ اللهُ تَعالى أعْذارَ بَنِي آدَمَ الَّتِي هي حائِلَةٌ بَيْنَهم وبَيْنَ قِيامِ اللَيْلِ، وهي المَرَضُ والسَفَرُ في تِجارَةٍ أو غَزْوٍ، فَخَفَّفَ عنهُمُ القِيامَ لِهَذا، وفي هَذِهِ الآيَةِ فَضِيلَةُ الضَرْبِ في الأرْضِ لِلتِّجارَةِ وسُوقِ لَها مَعَ سَفَرِ الجِهادِ، وقالَ عَبْدُ اللهِ بْنُ عُمَرَ رَضِيَ اللهُ عنهُما: أحَبُّ المَوْتِ إلَيَّ بَعْدَ القَتْلِ في سَبِيلِ اللهِ أنْ أمُوتَ بَيْنَ شُعْبَتَيْ رَحْلِي أضْرِبُ في الأرْضِ أبْتَغِي مِن فَضْلِ اللهِ.

ثُمَّ كَرَّرَ اللهُ تَعالى الأمْرَ بِقِراءَةِ ما تَيَسَّرَ مِنهُ تَأْكِيدًا، والصَلاةُ والزَكاة هُنا المَفْرُوضَتانِ، فَمَن قالَ إنَّ القِيامَ بِاللَيْلِ غَيْرُ واجِبٍ قالَ: مَعْنى الآيَةِ: خُذُوا مِن هَذا النَفْلِ بِما تَيَسَّرَ وحافِظُوا عَلى فَرائِضِكُمْ، ومَن قالَ إنَّ شَيْئًا مِنَ القِيامِ واجِبٌ قالَ: قَرَنَهُ اللهُ بِالفَرائِضِ لِأنَّهُ فَرْضٌ.

وإقْراضُ اللهِ تَعالى هو اسْتِلافُ العَمَلِ الصالِحِ عِنْدَهُ، وقَرَأ جُمْهُورُ الناسِ "هُوَ (p-٤٤٩)خَيْرًا" عَلى أنْ يَكُونَ "هُوَ" فَصْلًا، وقَرَأ مُحَمَّدُ بْنُ السَمَيْفَعِ، وأبُو السَمالِ: "هُوَ خَيْرٌ" عَلى أنْ يَكُونَ "هُوَ" ابْتِداءٌ، و"خَيْرٌ" خَبَرُهُ والجُمْلَةُ تَسُدُّ مَسَدَّ المَفْعُولِ الثانِي لـ "تَجِدُوهُ".

ثُمَّ أمَرَ اللهُ تَعالى بِالِاسْتِغْفارِ، وأوجَبَ لِنَفْسِهِ صِفَةَ الغُفْرانِ، لا إلَهَ غَيْرُهُ، قالَ بَعْضُ العُلَماءِ: فالِاسْتِغْفارُ بَعْدَ الصَلاةِ مُسْتَنْبَطٌ مِن هَذِهِ الآيَةِ ومِن قَوْلِهِ تَعالى: ﴿كانُوا قَلِيلا مِنَ اللَيْلِ ما يَهْجَعُونَ﴾ [الذاريات: ١٧] ﴿وَبِالأسْحارِ هم يَسْتَغْفِرُونَ﴾ [الذاريات: ١٨].

قالَ القاضِي أبُو مُحَمَّدٍ رَحِمَهُ اللهُ:

وعَهِدْتُ أبِي رَحِمَهُ اللهُ يَسْتَغْفِرُ إثْرَ كُلِّ مَكْتُوبَةٍ ثَلاثًا بِعَقِبِ السَلامِ ويَأْثِرُ في ذَلِكَ حَدِيثًا، فَكَأنَّ هَذا الِاسْتِغْفارَ مِنَ النَقْصِ وتَقَلُّبِ الفِكْرِ أثْناءَ الصَلاةِ، وكانَ السَلَفُ الصالِحُ يُصَلُّونَ إلى طُلُوعِ الفَجْرِ ثُمَّ يَجْلِسُونَ لِلِاسْتِغْفارِ إلى صَلاةِ الصُبْحِ.

كَمُلَ تَفْسِيرُ سُورَةِ [المُزَّمِّلِ] والحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ العالَمِينَ

Tafsir Resource

QUL supports exporting tafsir content in both JSON and SQLite formats. Tafsir text may include <html> tags for formatting such as <b>, <i>, etc.

Example JSON Format:

{
  "2:3": {
    "text": "tafisr text.",
    "ayah_keys": ["2:3", "2:4"]
  },
  "2:4": "2:3"
}
  • Keys in the JSON are "ayah_key" in "surah:ayah", e.g. "2:3" means 3rd ayah of Surah Al-Baqarah.
  • The value of ayah key can either be:
    • an object — this is the main tafsir group. It includes:
      • text: the tafsir content (can include HTML)
      • ayah_keys: an array of ayah keys this tafsir applies to
    • a string — this indicates the tafsir is part of a group. The string points to the ayah_key where the tafsir text can be found.

SQLite exports includes the following columns

  • ayah_key: the ayah for which this record applies.
  • group_ayah_key: the ayah key that contains the main tafsir text (used for shared tafsir).
  • from_ayah / to_ayah: start and end ayah keys for convenience (optional).
  • ayah_keys: comma-separated list of all ayah keys that this tafsir covers.
  • text: tafsir text. If blank, use the text from the group_ayah_key.