قرأ جمهور القراء ( أَوَلَمْ يَرَوْاْ . . ) وقرأ حمزة والكسائى : ( أو لم تروا ) بالتاء ، على الخطاب ، على طريقة الالتفات .وقوله ( من شئ ) بيان للإِبهام الذى فى " ما " الموصولة فى قوله ( إلى مَا خَلَقَ الله ) .وقوله ( يتفيؤ ) من التفيؤ ، بمعنى الرجوع . يقال : فاء فلان يفئ إذا رجع وفاء الظل فيئا ، إذا عاد بعد إزالة ضوء الشمس له . وتفيؤ الظلال : تنقلها من جهة إلى أخرى بعد شروق الشمس ، وبعد زوالها .والظلال : جمع ظل ، وهو صورة الجسم المنعكس إليه نور .و ( داخرون ) من الدخور بمعنى الانقياد والخضوع ، يقال : دخر فلان يدخر دخورا ، ودخر - بزنة فرح - يدخر دخرا ، إذا انقاد لغيره وذل له .والمعنى : أعمى هؤلاء المشركون الذين مكروا السيئات ، ولم يروا ما خلق الله - تعالى - من الأشياء ذوات الظلال - كالجبال والأشجار وغيرها - وهى تتنقل ظلالها . من جانب إلى جانب ، ومن جهة إلى جهة ، باختلاف الأوقات وهى فى كل الأحوال والأوقات منقادة لأمر الله - تعالى - جارية على ما أراده لها من امتداد وتقلص وغير ذلك ، خاضعة كل الخضوع لما سخرت له .قال ابن كثير - رحمه الله - : يخبر - تعالى - عن عظمته وجلاله ، الذى خضع له كل شئ ودانت له الأشياء والمخلوقات بأسرها ، جمادها وحيواناتها ومكلفوها من الإِنس والجن والملائكة ، فأخبر أن كل ماله ظل يتفيأ ذات اليمين وذات الشمال - أى بكرة وعشيا - ، فإنه ساجد بظله لله - تعالى - .والاستفهام فى قوله - تعالى - ( أَوَلَمْ يَرَوْاْ . . ) للإنكار والتوبيخ ، والرؤية بصرية .أى : قد رأوا كل ذلك ، ولكنهم لم ينتفعوا بما رأوا ، ولم يتعظوا بما شاهدوا .والمراد بقوله : ( عَنِ اليمين والشمآئل ) جهتهما ، وليس المراد التقييد بذلك ، إذ أن الظل أحيانا يكون أمام الإِنسان وأحيانا يكون خلفه . وإنما ذكر اليمين والشمائل اختصارا للكلام .وأفرد اليمين ، لأن المراد به جنس الجهة ، كما يقال : المشرق ، أى جهة المشرق ، وجمع ( الشمائل ) - مفرده شمال - ، لأن المقصود تعدد هذه الجهة باعتبار تعدد أصحابها .قال الشوكانى : قال الفراء : وحد اليمين ، لأنه أراد واحدا من ذوات الأظلال ، وجمع الشمائل ، لأنه أراد كلها .وقال الواحدى : وحد اليمين والمراد به الجميع إيجازا فى اللفظ ، كقوله ( ويولون الدبر ) ودلت الشمائل على أن المراد به الجمع . وقيل : إن العرب إذا ذكرت صيغتى جمع عبرت عن إحداهما بلفظ الواحد ، كما فى قوله - تعالى - ( وَجَعَلَ الظلمات والنور . . . ) وقوله - سبحانه - : ( سُجَّداً لِلَّهِ وَهُمْ دَاخِرُونَ ) . حال من ( ظلاله ) أى : حال كون هذه الأشياء وظلالها سجدا لله - تعالى - ، وحال كون الجميع لا يمتنع عن أمر الله - تعالى - ، بل الكل خاضع له - سبحانه - كل الخضوع .