وقوله - سبحانه - : ( وكذلك بَعَثْنَاهُمْ لِيَتَسَآءَلُوا بَيْنَهُمْ ) ، بيان للعلة التى من أجلها بعث أصحاب الكهف من نومهم الطويل .أى : وكما أنمناهم تلك المدة الطويلة ، بعثناهم من نومهم بعدها ، ليسأل بعضهم بعضا ، وكأنهم قد أحسوا بأن نومهم قد طال .والاقتصار على التساؤل الذى حصل الإِيقاظ من أجله ، لا ينفى أن يكون هناك أسباب أخرى غيره حصل من أجلها إيقاظهم ، وإنما أفرده - سبحانه - بالذكر لاستتباعه لسائر الآثار الأخرى .ثم حكى - سبحانه - بعض تساؤلهم فقال : ( قَالَ قَائِلٌ مِّنْهُمْ كَم لَبِثْتُمْ ) أى : كم مكثتم مستغرقين فى النوم فى هذا الكهف .فأجابه بعضهم بقوله : ( لبثنا يوماً ) لظنهم أن الشمس قد غربت ، فلما رأوها لم تغرب بعد قالوا : ( أَوْ بَعْضَ يَوْمٍ ) أى : مكثنا نائمين بعض ساعات اليوم .ويصح أن تكون أو للشك . أى قال بعضهم فى الرد على سؤال السائل كم لبثتم ، لبثنا فى النوم يوما أو بعض يوم ، لأننا لا ندرى على الحقيقة كم مكثنا نائمين .ثم حكى القرآن أن بعضهم رد عِلْمَ مقدار مدة نومهم على جهة اليقين إلى الله - تعالى - فقال : ( قَالُواْ رَبُّكُمْ أَعْلَمُ بِمَا لَبِثْتُمْ ) أى : ربكم وحده هو العليم بمقدار الزمن الذى قضيتموه نائمين فى هذا الكهف .قال الآلوسى : وهذا رد منهم على الأولين ، على أحسن ما يكون من مراعاة حسن الأدب ، وبه كما قيل يتحقق التحزب إلى الحزبين المعهودين فيما سبق فى قوله - تعالى - ( لِنَعْلَمَ أَيُّ الحِزْبَيْنِ ) وقال بعضهم : وقد استدل ابن عباس على أن عدد الفتية سبعة بهذه الآية ، لأنه قد قال فى الآية : قال قائل منهم ، وهذا واحد ، وقالوا فى جوابه : لبثنا يوما ، أو بعض يوم وهو جمع وأقله ثلاثة ، ثم قالوا : ربكم أعلم بما لبثتم ، وهذا قول جمع آخرين فصاروا سبعة .ثم بين - سبحانه - ما قالوه بعد أن تركوا الحديث فى مسألة الزمن الذى قضوه نائمين فى الكهف فقال - تعالى - : ( فابعثوا أَحَدَكُمْ بِوَرِقِكُمْ هذه إلى المدينة فَلْيَنْظُرْ أَيُّهَآ أزكى طَعَاماً فَلْيَأْتِكُمْ بِرِزْقٍ مِّنْهُ وَلْيَتَلَطَّفْ وَلاَ يُشْعِرَنَّ بِكُمْ أَحَداً ) .أى : كفوا عن الحديث فى مسألة المدة التى نمتموها ، فعلمها عند الله ، وابعثوا أحدكم ( بورقكم ) . أى : بدراهمكم المضروبة من الفضة ، ( إلى المدينة ) التى يوجد بها الطعام الذى نحن فى حاجة إليه ، والتى هى أقرب مكان إلى الكهف .قالوا : والمراد بها مدينتهم التى كانوا يسكنونها قبل أن يلجأوا إلى الكهف فراراً بدينهم .( فَلْيَنْظُرْ أَيُّهَآ أزكى طَعَاماً ) أى : ومتى وصل إلى المدينة ، فليتفقد أسواقها ، وليتخير أى أطعمتها أحل وأطهر وأجود وأكثر بركة .( فَلْيَأْتِكُمْ بِرِزْقٍ مِّنْهُ وَلْيَتَلَطَّفْ ) أى : فليأتكم بما يسد جوعكم من ذلك الأزكى طعاما ، فيكون الضمير فى " منه " للطعام الأزكى .