Welcome to the Tafsir Tool!
This allows users to review and suggest improvements to the existing tafsirs.
If you'd like to contribute to improving this tafsir, simply click the Request Access button below to send a request to the admin. Once approved, you'll be able to start suggesting improvements to this tafsir.
صفحة ٢٥٢
﴿كَبُرَتْ كَلِمَةً تَخْرُجُ مِن أفْواهِهِمْ إنْ يَقُولُونَ إلّا كَذِبًا﴾اسْتِئْنافٌ بِالتَّشاؤُمِ بِذَلِكَ القَوْلِ الشَّنِيعِ.
ووَجْهُ فَصْلِ الجُمْلَةِ أنَّها مُخالِفَةٌ لِلَّتِي قَبْلَها بِالإنْشائِيَّةِ المُخالَفَةِ لِلْخَبَرِيَّةِ.
وفِعْلُ كَبُرَتْ بِضَمِّ الباءِ، أصْلُهُ: الإخْبارُ عَنِ الشَّيْءِ بِضَخامَةِ جِسْمِهِ، ويُسْتَعْمَلُ مَجازًا في الشِّدَّةِ والقُوَّةِ في وصْفٍ مِنَ الصِّفاتِ المَحْمُودَةِ والمَذْمُومَةِ عَلى وجْهِ الِاسْتِعارَةِ، وهو هُنا مُسْتَعْمَلٌ في التَّعَجُّبِ مِن كِبَرِ هَذِهِ الكَلِمَةِ في الشَّناعَةِ بِقَرِينَةِ المَقامِ، ودَلَّ عَلى قَصْدِ التَّعَجُّبِ مِنها انْتِصابُ ”كَلِمَةً“ عَلى التَّمْيِيزِ، إذْ لا يَحْتَمِلُ التَّمْيِيزُ هُنا مَعْنًى غَيْرَ أنَّهُ تَمْيِيزُ نِسْبَةِ التَّعَجُّبِ، ومِن أجْلِ هَذا مَثَّلُوا بِهَذِهِ الآيَةِ لِوُرُودِ (فَعُلَ) الأصْلِيِّ والمُحَوَّلِ لِمَعْنى المَدْحِ والذَّمِّ في مَعْنى نِعْمَ وبِئْسَ، بِحَسَبِ المَقامِ.
والضَّمِيرُ في قَوْلِهِ ”كَبُرَتْ“ يَرْجِعُ إلى الكَلِمَةِ الَّتِي دَلَّ عَلَيْها التَّمْيِيزُ.
وأُطْلِقَتِ الكَلِمَةُ عَلى الكَلامِ، وهو إطْلاقٌ شائِعٌ، ومِنهُ قَوْلُهُ تَعالى ﴿إنَّها كَلِمَةٌ هو قائِلُها﴾ [المؤمنون: ١٠٠] وقَوْلُ النَّبِيءِ ﷺ: أصْدَقُ كَلِمَةٍ قالَها شاعِرٌ كَلِمَةُ لَبِيَدٍ:
ألا كُلُّ شَيْءٍ ما خَلا اللَّهَ باطِلُ
وجُمْلَةُ ﴿تَخْرُجُ مِن أفْواهِهِمْ﴾ صِفَةٌ لِـ ”كَلِمَةً“ مَقْصُودٌ بِها مِن جَرْأتِهِمْ عَلى النُّطْقِ بِها، ووَقاحَتِهِمْ في قَوْلِها.والتَّعْبِيرُ بِالفِعْلِ المُضارِعِ لِاسْتِحْضارِ صُورَةِ خُرُوجِها مِن أفْواهِهِمْ تَخَيُّلًا لِفَظاعَتِها، وفِيهِ إيماءٌ إلى أنَّ مِثْلَ ذَلِكَ الكَلامِ لَيْسَ لَهُ مَصْدَرٌ غَيْرُ الأفْواهِ،؛ لِأنَّهُ لِاسْتِحالَتِهِ تَتَلَقّاهُ وتَنْطِقُ بِهِ أفْواهُهم وتَسْمَعُهُ أسْماعُهم، ولا تَعْقِلُهُ عُقُولُهم؛ لِأنَّ المُحالَ لا يَعْتَقِدُهُ العَقْلُ، ولَكِنَّهُ يَتَلَقّاهُ المُقَلِّدُ دُونَ تَأمُّلٍ.
صفحة ٢٥٣
والأفْواهُ: جَمْعُ (فَمٍ) بِوَزْنِ أفْعالٍ؛ لِأنَّ أصْلَ فَمٍ (فَوَهٌ) بِفَتْحَتَيْنِ بِوَزْنِ جَمَلٍ، أوْ فِيهٍ بِوَزْنِ رِيحٍ، فَحُذِفَتِ الهاءُ مِن آخِرِهِ لِثِقَلِها مَعَ قِلَّةِ الكَلِمَةِ بِحَيْثُ لا يَجِدُ النّاطِقُ حَرْفًا يَعْتَمِدُ عَلَيْهِ لِسانُهُ، ولِأنَّ ما قَبْلَها حَرْفٌ ثَقِيلٌ وهو الواوُ المُتَحَرِّكَةُ فَلَمّا بَقِيَتِ الكَلِمَةُ مَخْتُومَةً بِواوٍ مُتَحَرِّكَةٍ أُبْدِلَتْ ألْفًا؛ لِتَحَرُّكِها وانْفِتاحِ ما قَبْلَها فَصارَ (فًا) ولا يَكُونُ اسْمٌ عَلى حَرْفَيْنِ أحَدُهُما تَنْوِينٌ، فَأُبْدِلَتِ الألِفُ المُنَوَّنَةُ بِحَرْفٍ صَحِيحٍ، وهو المِيمُ؛ لِأنَّها تُشابِهُ الواوَ الَّتِي هي الأصْلُ في الكَلِمَةِ؛ لِأنَّهُما شَفَهِيَّتانِ فَصارَ ”فَمٌ“، ولَمّا جَمَعُوهُ رَدُّوهُ إلى أصْلِهِ.وجُمْلَةُ ﴿إنْ يَقُولُونَ إلّا كَذِبًا﴾ مُؤَكِّدَةٌ لِمَضْمُونِ جُمْلَةِ ﴿تَخْرُجُ مِن أفْواهِهِمْ﴾؛ لِأنَّ الشَّيْءَ الَّذِي تَنْطِقُ بِهِ الألْسُنُ ولا تَحَقُّقَ لَهُ في الخارِجِ ونَفْسِ الأمْرِ هو الكَذِبُ، أيْ تَخْرُجُ مِن أفْواهِهِمْ خُرُوجَ الكَذِبِ، فَما قَوْلُهم ذَلِكَ إلّا كَذِبٌ، أيْ لَيْسَتْ لَهُ صِفَةٌ إلّا صِفَةُ الكَذِبِ.
هَذا إذا جُعِلَ القَوْلُ المَأْخُوذُ مِن ”يَقُولُونَ“ خُصُوصَ قَوْلِهِمُ ﴿اتَّخَذَ اللَّهُ ولَدًا﴾ [الكهف: ٤]، ولَكَ أنْ تَحْمِلَ ”يَقُولُونَ“ عَلى العُمُومِ في سِياقِ النَّفْيِ، أيْ لا يَصْدُرُ مِنهم قَوْلٌ إلّا الكَذِبُ، فَيَكُونُ قَصْرًا إضافِيًّا، أيْ ما يَقُولُونَهُ في القُرْآنِ والإسْلامِ، أوْ ما يَقُولُونَهُ مِن مُعْتَقَداتِهِمُ المُخالِفِ لِما جاءَ بِهِ الإسْلامُ، فَتَكُونُ جُمْلَةُ ”إنْ يَقُولُونَ“ تَذْيِيلًا.