Welcome to the Tafsir Tool!
This allows users to review and suggest improvements to the existing tafsirs.
If you'd like to contribute to improving this tafsir, simply click the Request Access button below to send a request to the admin. Once approved, you'll be able to start suggesting improvements to this tafsir.
﴿وتَرى الشَّمْسَ إذا طَلَعَتْ تَزّاوَرُ عَنْ كَهْفِهِمْ ذاتَ اليَمِينِ وإذا غَرَبَتْ تَقْرِضُهم ذاتَ الشِّمالِ وهم في فَجْوَةٍ مِنهُ﴾ عَطَفَ بَعْضَ أحْوالِهِمْ عَلى بَعْضٍ، انْتَقَلَ إلى ذِكْرِهِ بِمُناسَبَةِ الإشارَةِ إلى تَحْقِيقِ رَجائِهِمْ في رَبِّهِمْ حِينَ قالَ بَعْضُهم لِبَعْضٍ ﴿يَنْشُرْ لَكم رَبُّكم مِن رَحْمَتِهِ ويُهَيِّئْ لَكم مِن أمْرِكم مِرفَقًا﴾ [الكهف: ١٦] .
صفحة ٢٧٨
وهَذا حالٌ عَظِيمٌ، وهو ما هَيَّأ اللَّهُ لَهم في أمْرِهِمْ مِن مَرْفِقٍ، وأنَّ ذَلِكَ جَزاؤُهم عَلى اهْتِدائِهِمْ، وهو مِن لُطْفِ اللَّهِ بِهِمْ.والخِطابُ لِغَيْرِ مُعَيَّنٍ، والمَعْنى: يَرى مَن تُمْكِنُهُ الرُّؤْيَةُ، وهَذا كَثِيرٌ في الِاسْتِعْمالِ، ومِنهُ قَوْلُ النّابِغَةِ:
تَرى عافِياتِ الطَّيْرِ قَدْ وثِقَتْ لَها بِشَبَعٍ مِنَ السَّخْلِ العِتاقِ الأكِايِلِ
وقَدْ أوْجَزَ مِنَ الخَبَرِ أنَّهم لَمّا قالَ بَعْضُهم لِبَعْضٍ ﴿فَأْوُوا إلى الكَهْفِ﴾ [الكهف: ١٦] أنَّهم أوَوْا إلَيْهِ، والتَّقْدِيرُ: فَأخَذُوا بِنَصِيحَتِهِ؛ فَأوَوْا إلى الكَهْفِ، ودَلَّ عَلَيْهِ قَوْلُهُ في صَدْرِ القِصَّةِ ﴿إذْ أوى الفِتْيَةُ إلى الكَهْفِ﴾ [الكهف: ١٠] فَرَدَّ عَجُزَ الكَلامِ عَلى صَدْرِهِ.و”تَزّاوَرُ“ مُضارِعٌ مُشْتَقٌّ مِنَ الزَّوْرِ بِفَتْحِ الزّايِ، وهو المَيْلُ، وقَرَأهُ نافِعٌ وابْنُ كَثِيرٍ وأبُو عَمْرٍو وأبُو جَعْفَرٍ بِفَتْحِ التّاءِ وتَشْدِيدِ الزّايِ بَعْدَها ألِفٌ وفَتْحِ الواوِ، وأصْلُهُ: تَتَزاوَرُ بِتاءَيْنِ أُدْغِمَتْ تاءُ التَّفاعُلِ في الزّايِ تَخْفِيفًا.
وقَرَأهُ عاصِمٌ وحَمْزَةُ والكِسائِيُّ وخَلَفٌ بِتَخْفِيفِ الزّايِ عَلى حَذْفِ إحْدى التّاءَيْنِ وهي تاءُ المُضارَعَةِ لِلتَّخْفِيفِ اجْتِزاءً بِرَفْعِ الفِعْلِ الدّالِّ عَلى المُضارَعَةِ، وقَرَأهُ ابْنُ عامِرٍ ويَعْقُوبُ (تَزْوَرُّ) بِفَتْحِ التّاءِ بَعْدَها زايٌ ساكِنَةٌ، وبِفَتْحِ الواوِ، وتَشْدِيدِ الرّاءِ بِوَزْنِ ”تَحْمَرُّ“، وكُلُّها أبْنِيَةٌ مُشْتَقَّةٌ مِنَ الزَّوَرِ بِالتَّحْرِيكِ، وهو المَيْلُ عَنِ المَكانِ، قالَ عَنْتَرَةُ:
فازْوَرَّ مِن وقْعِ القَنا بِلَبانِهِ
أيْ مالَ بَعْضُ بَدَنِهِ إلى بَعْضٍ وانْقَبَضَ.والإتْيانُ بِفِعْلِ المُضارَعَةِ لِلدَّلالَةِ عَلى تَكَرُّرِ ذَلِكَ كُلَّ يَوْمٍ و”تَقْرِضُهم“ أيْ تَنْصَرِفُ عَنْهم، وأصْلُ القَرْضِ القَطْعُ، أيْ أنَّها لا تَطَّلِعُ في كَهْفِهِمْ.
صفحة ٢٧٩
و﴿ذاتَ اليَمِينِ وذاتَ الشِّمالِ﴾ [الكهف: ١٨] بِمَعْنى صاحِبَةٍ، وهي صِفَةٌ لِمَحْذُوفٍ يَدُلُّ عَلَيْهِ الكَلامُ، أيِ الجِهَةَ صاحِبَةَ اليَمِينِ، وتَقَدَّمَ الكَلامُ عَلى ”ذاتِ“ عِنْدِ قَوْلِهِ تَعالى ﴿وأصْلِحُوا ذاتَ بَيْنِكُمْ﴾ [الأنفال: ١] في سُورَةِ الأنْفالِ.والتَّعْرِيفُ في (اليَمِينِ، والشِّمالِ) عِوَضٌ عَنِ المُضافِ إلَيْهِ، أيْ: يَمِينِ الكَهْفِ وشِمالِهِ، فَيَدُلُّ عَلى أنَّ فَمَ الكَهْفِ كانَ مَفْتُوحًا إلى الشِّمالِ الشَّرْقِيِّ، فالشَّمْسُ إذا طَلَعَتْ تَطْلُعُ عَلى جانِبِ الكَهْفِ ولا تَخْتَرِقُهُ أشِعَّتُها، وإذا غَرَبَتْ كانَتْ أشِعَّتُها أبْعَدَ عَنْ فَمِ الكَهْفِ مِنها حِينَ طُلُوعِها.
وهَذا وضْعٌ عَجِيبٌ يَسَّرَهُ اللَّهُ لَهم بِحِكْمَتِهِ؛ لِيَكُونَ داخِلَ الكَهْفِ بِحالَةِ اعْتِدالٍ، فَلا يَنْتابُ البِلى أجْسادَهم، وذَلِكَ مِن آياتِ قُدْرَةِ اللَّهِ.
والفَجْوَةُ: المُتَّسَعُ مِن داخِلِ الكَهْفِ، بِحَيْثُ لَمْ يَكُونُوا قَرِيبِينَ مِن فَمِ الكَهْفِ، وفي تِلْكَ الفَجْوَةِ عَوْنٌ عَلى حِفْظِ هَذا الكَهْفِ كَما هو.
* * *
﴿ذَلِكَ مِن آياتِ اللَّهِ﴾الإشارَةُ بِقَوْلِهِ ذَلِكَ إلى المَذْكُورِ مِن قَوْلِهِ ﴿وتَرى الشَّمْسَ﴾ .
وآياتُ اللَّهِ: دَلائِلُ قُدْرَتِهِ وعِنايَتِهِ بِأوْلِيائِهِ ومُؤَيِّدِي دِينِ الحَقِّ.
والجُمْلَةُ مُعْتَرِضَةٌ في خِلالِ القِصَّةِ لِلتَّنْوِيهِ بِأصْحابِها، والإشارَةُ لِلتَّعْظِيمِ.
* * *
﴿مَن يَهْدِ اللَّهُ فَهْوَ المُهْتَدِي ومَن يُضْلِلْ فَلَنْ تَجِدَ لَهُ ولِيًّا﴾مُرْشِدًا اسْتِئْنافٌ بَيانِيٌّ لِما اقْتَضاهُ اسْمُ الإشارَةِ مِن تَعْظِيمِ أمْرِ الآيَةِ، وأصْحابِها.
صفحة ٢٨٠
وعُمُومُ (مَنِ) الشَّرْطِيَّةِ يَشْمَلُ المُتَحَدَّثَ عَنْهم بِقَرِينَةِ المَقامِ، والمَعْنى: أنَّهم كانُوا مُهْتَدِينَ؛ لِأنَّ اللَّهَ هَداهم فِيمَن هَدى، تَنْبِيهًا عَلى أنَّ تَيْسِيرَ ذَلِكَ لَهم مِنَ اللَّهِ هو أثَرُ تَيْسِيرِهِمْ لِلْيُسْرى والهُدى، فَأبْلَغَهُمُ الحَقَّ عَلى لِسانِ رَسُولِهِمْ، ورَزَقَهم أفْهامًا تُؤْمِنُ بِالحَقِّ، وقَدْ تَقَدَّمَ الكَلامُ عَلى نَظِيرِ ﴿مَن يَهْدِ اللَّهُ فَهو المُهْتَدِي﴾، وعَلى كِتابَةِ ”المُهْتَدِ“ بِدُونِ ياءٍ في سُورَةِ الإسْراءِ.والمُرْشِدُ: الَّذِي يُبَيِّنُ لِلْحَيْرانِ وجْهَ الرُّشْدِ، وهو إصابَةُ المَطْلُوبِ مِنَ الخَيْرِ.