Welcome to the Tafsir Tool!
This allows users to review and suggest improvements to the existing tafsirs.
If you'd like to contribute to improving this tafsir, simply click the Request Access button below to send a request to the admin. Once approved, you'll be able to start suggesting improvements to this tafsir.
﴿واذْكُرْ رَبَّكَ إذا نَسِيتَ﴾
عَطْفٌ عَلى النَّهْيِ، أيْ لا تَعِدْ بِوَعْدٍ فَإنْ نَسِيتَ فَقُلْتَ: إنِّي فاعِلٌ، فاذْكُرْ رَبَّكَ، أيِ اذْكُرْ ما نَهاكَ عَنْهُ، والمُرادُ بِالتَّذْكِيرِ التَّدارُكُ، وهو هُنا مُشْتَقٌّ مِنَ (الذُّكْرِ) بِضَمِّ الذّالِ، وهو كِنايَةٌ عَنْ لازِمِ التَّذَكُّرِ، وهو الِامْتِثالُ، كَما قالَ عُمَرُ بْنُ الخَطّابِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ: أفْضَلُ مِن ذِكْرِ اللَّهِ بِاللِّسانِ ذِكْرُ اللَّهِ عِنْدَ أمْرِهِ ونَهْيِهِ، وفي تَعْرِيفِ الجَلالَةِ بِلَفْظِ الرَّبِّ مُضافًا إلى ضَمِيرِ المُخاطَبِ دُونَ اسْمِ الجَلالَةِ العَلَمِ، مِن كَمالِ المُلاطَفَةِ - ما لا يَخْفى.
وحَذْفُ مَفْعُولِ ”نَسِيتَ“؛ لِظُهُورِهِ مِنَ المَقامِ، أيْ إذا نَسِيتَ النَّهْيَ فَقُلْتَ: إنِّي فاعِلٌ، وبَعْضُ الَّذِينَ أعْمَلُوا بِهِ آيَةَ ﴿إلّا أنْ يَشاءَ اللَّهُ﴾ في حَلِّ الأيْمانِ بِذِكْرِ الِاسْتِثْناءِ بِمَشِيئَةِ اللَّهِ جَعَلُوا قَوْلَهُ ﴿واذْكُرْ رَبَّكَ إذا نَسِيتَ﴾ تَرْخِيصًا في تَدارُكِ الثُّنْيا عِنْدَ تَذَكُّرِ ذَلِكَ، فَمِنهم مَن لَمْ يَحِدَّ ذَلِكَ بِمُدَّةٍ، وعَنِ ابْنِ عَبّاسٍ: لا تَحْدِيدَ بِمُدَّةٍ بَلْ ولَوْ طالَ ما بَيْنَ اليَمِينِ والثُّنْيا، والجُمْهُورُ عَلى أنَّ قَوْلَهُ ﴿واذْكُرْ رَبَّكَ إذا نَسِيتَ﴾ لا دَلالَةَ فِيهِ عَلى جَوازِ تَأْخِيرِ الثُّنْيا، واسْتَدَلُّوا بِأنَّ السُّنَّةَ ورَدَتْ بِخِلافِهِ.
* * *
﴿وقُلْ عَسى أنْ يَهْدِيَنِي رَبِّي لِأقْرَبَ مِن هَذا رَشَدًا﴾لَمّا أبَرَّ اللَّهُ وعْدَ نَبِيِّهِ ﷺ الَّذِي وعَدَهُ المُشْرِكِينَ أنْ يُبَيِّنَ لَهم أمْرَ أهْلِ الكَهْفِ فَأوْحاهُ إلَيْهِ، وأوْقَفَهم عَلَيْهِ، أعْقَبَ ذَلِكَ بِعِتابِهِ عَلى
صفحة ٢٩٩
التَّصَدِّي لِمُجاراتِهِمْ في السُّؤالِ عَمّا هو خارِجٌ عَنْ غَرَضِ الرِّسالَةِ دُونَ إذْنٍ مِنَ اللَّهِ، وأمَرَهُ أنْ يَذْكُرَ نَهْيَ رَبِّهِ، ويَعْزِمَ عَلى تَدْرِيبِ نَفْسِهِ عَلى إمْساكِ الوَعْدِ بِبَيانِ ما يُسْألُ مِنهُ بَيانُهُ دُونَ أنْ يَأْذَنَهُ اللَّهُ بِهِ، أمَرَهُ هُنا أنْ يُخْبِرَ سائِلِيهِ بِأنَّهُ ما بُعِثَ لِلِاشْتِغالِ بِمِثْلِ ذَلِكَ، وأنَّهُ يَرْجُو أنَّ اللَّهَ يَهْدِيهِ إلى ما هو أقْرَبُ إلى الرُّشْدِ مِن بَيانِ أمْثالِ هَذِهِ القِصَّةِ، وإنْ كانَتْ هَذِهِ القِصَّةُ تَشْتَمِلُ عَلى مَوْعِظَةٍ وهُدًى، ولَكِنَّ الهُدى الَّذِي في بَيانُ الشَّرِيعَةِ أعْظَمُ وأهَمُّ، والمَعْنى: وقُلْ لَهم عَسى أنْ يَهْدِيَنِي رَبِّي لِأقْرَبَ مِن هَذا رَشَدًا.وجُمْلَةُ ﴿وقُلْ عَسى أنْ يَهْدِيَنِي﴾ إلَخْ مَعْطُوفَةٌ عَلى جُمْلَةِ ﴿فَلا تُمارِ فِيهِمْ﴾ [الكهف: ٢٢]، ويَجُوزُ أنْ تَكُونَ جُمْلَةُ ﴿وقُلْ عَسى أنْ يَهْدِيَنِي رَبِّي﴾ عَطْفًا عَلى جُمْلَةِ ﴿واذْكُرْ رَبَّكَ إذا نَسِيتَ﴾، أيِ اذْكُرْ أمْرَهُ ونَهْيَهُ وقُلْ في نَفْسِكَ: عَسى أنْ يَهْدِيَنِي رَبِّي لِأقْرَبَ مِن هَذا رَشَدًا، أيِ ادْعُ اللَّهَ بِهَذا.
وانْتَصَبَ ”رَشَدًا“ عَلى تَمْيِيزِ نِسْبَةِ التَّفْضِيلِ مِن قَوْلِهِ ﴿لِأقْرَبَ مِن هَذا﴾ ويَجُوزُ أنْ يَكُونَ مَنصُوبًا عَلى أنَّهُ مَفْعُولٌ مُطْلَقٌ مُبَيِّنٌ لِنَوْعِ فِعْلِ ”أنْ يَهْدِيَنِي“؛ لِأنَّ الرُّشْدَ نَوْعٌ مِنَ الهِدايَةِ.
فَـ ”عَسى“ مُسْتَعْمَلَةٌ في الرَّجاءِ تَأدُّبًا، واسْمُ الإشارَةِ عائِدٌ إلى المَذْكُورِ مِن قِصَّةِ أهْلِ الكَهْفِ بِقَرِينَةِ وُقُوعِ هَذا الكَلامِ مُعْتَرِضًا في أثْنائِها.
ويَجُوزُ أنْ يَكُونَ المَعْنى: وارْجُ مِنَ اللَّهِ أنْ يَهْدِيَكَ فَيُذَكِّرَكَ أنْ لا تَعِدَ وعْدًا بِبَيانِ شَيْءٍ دُونَ إذْنِ اللَّهِ.
والرَّشَدُ بِفَتْحَتَيْنِ: الهُدى والخَيْرُ، وقَدْ تَقَدَّمَ القَوْلُ فِيهِ عِنْدَ قَوْلِهِ تَعالى في هَذِهِ السُّورَةِ ﴿وهَيِّئْ لَنا مِن أمْرِنا رَشَدًا﴾ [الكهف: ١٠] .