Welcome to the Tafsir Tool!
This allows users to review and suggest improvements to the existing tafsirs.
If you'd like to contribute to improving this tafsir, simply click the Request Access button below to send a request to the admin. Once approved, you'll be able to start suggesting improvements to this tafsir.
﴿ويَوْمَ نُسَيِّرُ الجِبالَ وتَرى الأرْضَ بارِزَةً وحَشَرْناهم فَلَمْ نُغادِرْ مِنهم أحَدًا﴾ ﴿وعُرِضُوا عَلى رَبِّكَ صَفًّا لَقَدْ جِئْتُمُونا كَما خَلَقْناكم أوَّلَ مَرَّةٍ بَلْ زَعَمْتُمْ ألَّنْ نَجْعَلَ لَكم مَوْعِدًا﴾ عَطْفٌ عَلى جُمْلَةِ ﴿واضْرِبْ لَهم مَثَلَ الحَياةِ الدُّنْيا﴾ [الكهف: ٤٥] فَلَفْظُ (يَوْمَ) مَنصُوبٌ بِفِعْلٍ مُضْمَرٍ، تَقْدِيرُهُ: اذْكُرْ، كَما هو مُتَعارَفٌ في أمْثالِهِ، فَبَعْدَ أنْ بَيَّنَ لَهم تَعَرُّضَ ما هم فِيهِ مِن نَعِيمٍ إلى الزَّوالِ عَلى وجْهِ المَوْعِظَةِ، أعْقَبَهُ بِالتَّذْكِيرِ بِما بَعْدَ ذَلِكَ الزَّوالِ بِتَصْوِيرِ حالِ البَعْثِ، وما يَتَرَقَّبُهم فِيهِ مِنَ العِقابِ عَلى كُفْرِهِمْ بِهِ، وذَلِكَ مُقابَلَةٌ لِضِدِّهِ المَذْكُورِ في قَوْلِهِ ﴿والباقِياتُ الصّالِحاتُ خَيْرٌ﴾ [الكهف: ٤٦] .
ويَجُوزُ أنْ يَكُونَ الظَّرْفُ مُتَعَلِّقًا بِمَحْذُوفٍ غَيْرِ فِعْلِ (اذْكُرْ) يَدُلُّ عَلَيْهِ مَقامُ الوَعِيدِ، مِثْلَ: يَرَوْنَ أمْرًا مُفْظِعًا أوْ عَظِيمًا، أوْ نَحْوَ ذَلِكَ مِمّا تَذْهَبُ إلى تَقْدِيرِهِ نَفْسُ السّامِعِ، ويُقَدَّرُ المَحْذُوفُ مُتَأخِّرًا عَنِ الظَّرْفِ، وما اتَّصَلَ بِهِ؛ لِقَصْدِ تَهْوِيلِ اليَوْمِ وما فِيهِ.
ولا يَجُوزُ أنْ يَكُونَ الظَّرْفُ مُتَعَلِّقًا بِفِعْلِ القَوْلِ المُقَدَّرِ عِنْدَ قَوْلِهِ ﴿لَقَدْ جِئْتُمُونا﴾ إذْ لا يُناسِبُ مَوْقِعَ عَطْفِ هَذِهِ الجُمْلَةِ عَلى الَّتِي قَبْلَها، ولا وجْهَ مَعَهُ لِتَقْدِيمِ الظَّرْفِ عَلى عامِلِهِ.
صفحة ٣٣٥
وتَسْيِيرُ الجِبالِ: نَقْلُها مِن مَواضِعِها بِزَلْزالٍ أرْضِيٍّ عَظِيمٍ، وهو مِثْلُ قَوْلِهِ تَعالى ﴿وإذا الجِبالُ سُيِّرَتْ﴾ [التكوير: ٣] وقَوْلِهِ تَعالى ﴿وتَرى الجِبالَ تَحْسَبُها جامِدَةً وهي تَمُرُّ مَرَّ السَّحابِ﴾ [النمل: ٨٨]، وقِيلَ: أُطْلِقَ التَّسْيِيرُ عَلى تَناثُرِ أجْزائِها، فالمُرادُ: ويَوْمَ نُسَيِّرُ كُلَّ جَبَلٍ مِنَ الجِبالِ، فَيَكُونُ كَقَوْلِهِ ﴿وتَكُونُ الجِبالُ كالعِهْنِ المَنفُوشِ﴾ [القارعة: ٥] وقَوْلِهِ ﴿وبُسَّتِ الجِبالُ بَسًّا فَكانَتْ هَباءً مُنْبَثًّا﴾ [الواقعة: ٥] وقَوْلِهِ ﴿وسُيِّرَتِ الجِبالُ فَكانَتْ سَرابًا﴾ [النبإ: ٢٠]، والسَّبَبُ واحِدٌ، والكَيْفِيَّتانِ مُتَلازِمَتانِ، وهو مِن أحْوالِ انْقِراضِ نِظامِ هَذا العالَمِ، وإقْبالِ عالَمِ الحَياةِ الخالِدَةِ والبَعْثِ.وقَرَأ الجُمْهُورُ نُسَيِّرُ بِنُونِ العَظَمَةِ، وقَرَأ ابْنُ كَثِيرٍ وابْنُ عامِرٍ، وأبُو عَمْرٍو (ويَوْمَ تُسَيَّرُ الجِبالُ) بِمُثَنّاةٍ فَوْقِيَّةٍ بِبِناءِ الفِعْلِ إلى المَجْهُولِ ورَفْعِ (الجِبالِ) .
والخِطابُ في قَوْلِهِ ﴿وتَرى الأرْضَ بارِزَةً﴾ لِغَيْرِ مُعَيَّنٍ، والمَعْنى: ويَرى الرّائِي، كَقَوْلِ طَرَفَةَ:
تَرى جُثْوَتَيْنِ مِن تُرابٍ عَلَيْهِما صَفائِحُ صُمٌّ مِن صَفِيحٍ مُنَضَّدٍ وهو نَظِيرُ قَوْلِهِ ﴿فَتَرى المُجْرِمِينَ مُشْفِقِينَ مِمّا فِيهِ﴾ [الكهف: ٤٩] .
والبارِزَةُ: الظّاهِرَةُ، أيِ الظّاهِرُ سَطْحُها، إذْ لَيْسَ عَلَيْها شَيْءٌ يَسْتُرُ وجْهَها مِن شَجَرٍ ونَباتٍ أوْ حَيَوانٍ، كَقَوْلِهِ تَعالى ﴿فَإذا هم بِالسّاهِرَةِ﴾ [النازعات: ١٤] .
وجُمْلَةُ ﴿وحَشَرْناهُمْ﴾ في مَوْضِعِ الحالِ مِن ضَمِيرِ ”نُسَيِّرُ“ عَلى قِراءَةِ مَن قَرَأ بِنُونِ العَظْمَةِ، أوْ مِنَ الفاعِلِ المَنوِيِّ الَّذِي يَقْتَضِيهِ بِناءُ الفِعْلِ لِلنّائِبِ عَلى قِراءَةِ مَن قَرَأ (تُسَيَّرُ الجِبالُ) بِالبِناءِ لِلنّائِبِ.
ويَجُوزُ أنْ نَجْعَلَ جُمْلَةَ ”وحَشَرْناهم“ مَعْطُوفَةً عَلى جُمْلَةِ ”نُسَيِّرُ الجِبالَ“ عَلى تَأْوِيلِهِ بِـ ”نَحْشُرُهم“ بِأنْ أطْلَقَ الفِعْلَ الماضِي عَلى المُسْتَقْبَلِ؛ تَنْبِيهًا عَلى تَحْقِيقِ وُقُوعِهِ.
والمُغادَرَةُ: إبْقاءُ شَيْءٍ وتَرْكُهُ مِن تَعَلُّقِ فِعْلٍ بِهِ، وضَمائِرُ الغَيْبَةِ في (حَشَرْناهم - ومِنهم - وعُرِضُوا) عائِدَةٌ إلى ما عادَ إلَيْهِ ضَمِيرُ الغَيْبَةِ في قَوْلِهِ ﴿واضْرِبْ لَهم مَثَلَ الحَياةِ الدُّنْيا﴾ [الكهف: ٤٥] .
صفحة ٣٣٦
وعَرْضُ الشَّيْءِ: إحْضارُهُ لِيُرى حالُهُ وما يَحْتاجُهُ، ومِنهُ عَرْضُ الجَيْشِ عَلى الأمِيرِ؛ لِيَرى حالَهم وعِدَّتَهم ”، وفي الحَدِيثِ“ عُرِضَتْ عَلَيَّ الأُمَمُ، وهو هُنا مُسْتَعارٌ لِإحْضارِهِمْ حَيْثُ يَعْلَمُونَ أنَّهم سَيَتَلَقَّوْنَ ما يَأْمُرُ اللَّهُ بِهِ في شَأْنِهِمْ.والصَّفُّ: جَماعَةٌ يَقِفُونَ واحِدًا حَذْوَ واحِدٍ، بِحَيْثُ يَبْدُو جَمِيعُهم لا يَحْجُبُ أحَدٌ مِنهم أحَدًا، وأصْلُهُ مَصْدَرُ (صَفَّهم) إذا أوْقَفَهم، أُطْلِقَ عَلى المَصْفُوفِ، وانْتُصِبَ ”صَفًّا“ عَلى الحالِ مِن واوِ ”عُرِضُوا“، وتِلْكَ الحالَةُ إيذانٌ بِأنَّهم أُحْضِرُوا بِحالَةِ الجُناةِ الَّذِينَ لا يَخْفى مِنهم أحَدٌ؛ إيقاعًا لِلرُّعْبِ في قُلُوبِهِمْ.
وجُمْلَةُ ﴿وعُرِضُوا عَلى رَبِّكَ﴾ مَعْطُوفَةٌ عَلى جُمْلَةِ ﴿وحَشَرْناهُمْ﴾، فَهي في مَوْضِعِ الحالِ مِنَ الضَّمِيرِ المَنصُوبِ في حَشَرْناهم، أيْ: حَشَرْناهم وقَدْ عُرِضُوا؛ تَنْبِيهًا عَلى سُرْعَةِ عَرْضِهِمْ في حِينِ حَشْرِهِمْ.
وعَدَلَ عَنِ الإضْمارِ إلى التَّعْرِيفِ بِالإضافَةِ في قَوْلِهِ عَلى رَبِّكَ دُونَ أنْ يُقالَ (عَلَيْنا) لِتَضَمُّنِ الإضافَةِ تَنْوِيهًا بِشَأْنِ المُضافِ إلَيْهِ بِأنَّ في هَذا العَرْضِ وما فِيهِ مِنَ التَّهْدِيدِ نَصِيبًا مِنَ الِانْتِصارِ لِلْمُخاطَبِ إذْ كَذَّبُوهُ حِينَ أخْبَرَهم وأنْذَرَهم بِالبَعْثِ.
وجُمْلَةُ ﴿لَقَدْ جِئْتُمُونا﴾ مَقُولٌ لِقَوْلٍ مَحْذُوفٍ دَلَّ عَلَيْهِ أنَّ الجُمْلَةَ خِطابٌ لِلْمَعْرُوضِينَ فَتَعَيَّنَ تَقْدِيرُ القَوْلِ، وهَذِهِ الجُمْلَةُ في مَحَلِّ الحالِ، والتَّقْدِيرُ: قائِلِينَ لَهم لَقَدْ جِئْتُمُونا، وذَلِكَ بِإسْماعِهِمْ هَذا الكَلامَ مِن جانِبِ اللَّهِ تَعالى، وهم يَعْلَمُونَ أنَّهُ مِن جانِبِ اللَّهِ تَعالى، والخِطابُ في قَوْلِهِ ﴿لَقَدْ جِئْتُمُونا﴾ مُوَجَّهٌ إلى مُعادِ ضَمِيرِ ”عُرِضُوا“ .
والخَبَرُ في قَوْلِهِ ﴿لَقَدْ جِئْتُمُونا﴾ مُسْتَعْمَلٌ في التَّهْدِيدِ والتَّغْلِيظِ والتَّنْدِيمِ عَلى إنْكارِهِمُ البَعْثَ، والمَجِيءُ: مَجازٌ في الحُضُورِ، شُبِّهُوا حِينَ مَوْتِهِمْ بِالغائِبِينَ، وشُبِّهَتْ حَياتُهم بَعْدَ المَوْتِ بِمَجِيءِ الغائِبِ.
وقَوْلُهُ ﴿كَما خَلَقْناكم أوَّلَ مَرَّةٍ﴾ واقِعٌ مَوْقِعَ المَفْعُولِ المُطْلَقِ المُفِيدِ لِلْمُشابَهَةِ، أيْ: جِئْتُمُونا مَجِيئًا كَخَلْقِكم أوَّلَ مَرَّةٍ، فالخَلْقُ الثّانِي أشْبَهَ الخَلْقَ الأوَّلَ، أيْ فَهَذا
صفحة ٣٣٧
خَلْقٌ ثانٍ، و(ما) مَصْدَرِيَّةٌ، أيْ كَخَلْقِنا إيّاكُمُ المَرَّةَ الأُولى، قالَ تَعالى ﴿أفَعَيِينا بِالخَلْقِ الأوَّلِ بَلْ هم في لَبْسٍ مِن خَلْقٍ جَدِيدٍ﴾ [ق: ١٥]، والمَقْصُودُ التَّعْرِيضُ بِخَطَئِهِمْ في إنْكارِهِمُ البَعْثَ.والإضْرابُ في قَوْلِهِ ﴿بَلْ زَعَمْتُمْ ألَّنْ نَجْعَلَ لَكم مَوْعِدًا﴾ انْتِقالٌ مِنَ التَّهْدِيدِ وما مَعَهُ مِنَ التَّعْرِيضِ بِالتَّغْلِيطِ إلى التَّصْرِيحِ بِالتَّغْلِيطِ في قالَبِ الإنْكارِ، فالخَبَرُ مُسْتَعْمَلٌ في التَّغْلِيطِ مَجازًا، ولَيْسَ مُسْتَعْمَلًا في إفادَةِ مَدْلُولِهِ الأصْلِيِّ.
والزَّعْمُ: الِاعْتِقادُ المُخْطِئُ، أوِ الخَبَرُ المُعَرَّضُ لِلْكَذِبِ، والمَوْعِدُ أصْلُهُ: وقْتُ الوَعْدِ بِشَيْءٍ، أوْ مَكانُ الوَعْدِ، وهو هُنا الزَّمَنُ المَوْعُودُ بِهِ الحَياةُ بَعْدَ المَوْتِ.
والمَعْنى: أنَّكُمُ اعْتَقَدْتُمْ باطِلًا أنْ لا يَكُونَ لَكم مَوْعِدٌ لِلْبَعْثِ بَعْدَ المَوْتِ أبَدًا.