﴿ويَوْمَ يَقُولُ نادُوا شُرَكائِيَ الَّذِينَ زَعَمْتُمْ فَدَعَوْهم فَلَمْ يَسْتَجِيبُوا لَهم وجَعَلْنا بَيْنَهم مَوْبِقًا﴾ عُطْفٌ عَلى جُمْلَةِ ﴿وإذْ قُلْنا لِلْمَلائِكَةِ اسْجُدُوا لِآدَمَ﴾ [الكهف: ٥٠] فَيُقَدَّرُ: واذْكُرْ يَوْمَ يَقُولُ نادُوا شُرَكائِيَ، أوْ عَلى جُمْلَةِ ﴿ما أشْهَدْتُهم خَلْقَ السَّماواتِ والأرْضِ﴾ [الكهف: ٥١]، فالتَّقْدِيرُ: ولا أشْهَدْتُ شُرَكاءَهم جَمِيعًا ولا تَنْفَعُهم شُرَكاؤُهم يَوْمَ الحَشْرِ، فَهو انْتِقالٌ مِن إبْطالِ مَعْبُودِيَّةِ الشَّيْطانِ والجِنِّ إلى إبْطالِ إلَهِيَّةِ جَمِيعِ الآلِهَةِ الَّتِي عَبَدَها دَهْماءُ المُشْرِكِينَ مَعَ بَيانِ ما يَعْتَرِيهِمْ مِنَ الخَيْبَةِ واليَأْسِ يَوْمَئِذٍ، وقَدْ سَلَكَ في إبْطالِ إلَهِيَّتِها طَرِيقَ المَذْهَبِ الكَلامِيِّ، وهو الِاسْتِدْلالُ عَلى انْتِفاءِ الماهِيَّةِ بِانْتِفاءِ لَوازِمِها، فَإنَّهُ إذا انْتَفى نَفْعُها لِلَّذِينَ يَعْبُدُونَها اسْتَلْزَمَ ذَلِكَ انْتِفاءَ إلَهِيَّتِها، وحَصَلَ بِذَلِكَ تَشْخِيصُ خَيْبَتِهِمْ ويَأْسِهِمْ مِنَ النَّجاةِ.

صفحة ٣٤٥

وقَرَأهُ الجُمْهُورُ ”يَقُولُ“ بِياءِ الغَيْبَةِ، وضَمِيرُ الغائِبِ عائِدٌ إلى اللَّهِ تَعالى لِدَلالَةِ المَقامِ عَلَيْهِ، وقَرَأ حَمْزَةُ (نَقُولُ) بِنُونِ العَظَمَةِ.

واليَوْمُ الَّذِي يَقَعُ فِيهِ يَوْمُ الحَشْرِ، والمَعْنى: يَقُولُ لِلْمُشْرِكِينَ، كَما دَلَّ عَلَيْهِ قَوْلُهُ ﴿الَّذِينَ زَعَمْتُمْ﴾، أيْ: زَعَمْتُمُوهم شُرَكائِي، وقَدَّمَ وصْفَهم بِوَصْفِ الشُّرَكاءِ قَبْلَ فِعْلِ الزَّعْمِ؛ تَهَكُّمًا بِالمُخاطَبِينَ، وتَوْبِيخًا لَهم، ثُمَّ أرْدَفَ بِما يَدُلُّ عَلى كَذِبِهِمْ فِيما ادَّعَوْا بِفِعْلِ الزَّعْمِ الدّالِّ عَلى اعْتِقادٍ باطِلٍ.

والنِّداءُ: طَلَبُ الإقْبالِ لِلنُّصْرَةِ والشَّفاعَةِ.

والِاسْتِجابَةُ: الكَلامُ الدّالُّ عَلى سَماعِ النِّداءِ، والأخْذِ في الإقْبالِ عَلى المُنادِي بِنَحْوِ قَوْلِ: لَبَّيْكم.

وأمْرُهُ إيّاهم بِمُناداةِ شُرَكائِهِمْ مُسْتَعْمَلٌ في مَعْناهُ مَعَ إرادَةٍ لازِمِهِ وهو إظْهارُ باطِلِهِمْ بِقَرِينَةِ الزَّعْمِ، ولِذَلِكَ لَمْ يَسَعْهم إلّا أنْ يُنادُوهم حَيْثُ قالَ فَدَعَوْهم لِطَمَعِهِمْ، فَإذا نادَوْهم تَبَيَّنَ لَهم خَيْبَةُ طَمَعِهِمْ، ولِذَلِكَ عَطَفَ فِعْلَ الدُّعاءِ بِالفاءِ الدّالَّةِ عَلى التَّعْقِيبِ، وأتى بِهِ في صِيغَةِ المُضِيِّ؛ لِلدَّلالَةِ عَلى تَعْجِيلِ وُقُوعِهِ حِينَئِذٍ حَتّى كَأنَّهُ قَدِ انْقَضى.

والمَوْبِقُ: مَكانُ الوُبُوقِ، أيِ الهَلاكِ، يُقالُ: وبَقَ، مِثْلُ وعَدَ ووَجِلَ ووَرِثَ، والمَوْبِقُ هُنا أُرِيدَ بِهِ جَهَنَّمُ، أيْ حِينَ دَعَوْا أصْنامَهم بِأسْمائِهِمْ كَوَّنَ اللَّهُ فِيما بَيْنَ مَكانِهِمْ ومَكانِ أصْنامِهِمْ فُوَّهاتِ جَهَنَّمَ، ويَجُوزُ أنْ تَكُونَ جُمْلَةُ﴿وجَعَلْنا بَيْنَهم مَوْبِقًا﴾ جُمْلَةَ حالٍ، أيْ وقَدْ جَعَلْنا بَيْنَهم مَوْبِقًا تَمْهِيدًا لِما بَعْدَهُ مِن قَوْلِهِ ﴿ورَأى المُجْرِمُونَ النّارَ﴾ [الكهف: ٥٣] .