صفحة ٣٥٨

﴿وتِلْكَ القُرى أهْلَكْناهم لَمّا ظَلَمُوا وجَعَلْنا لِمُهْلَكِهِمْ مَوْعِدًا﴾

بَعْدَ أنْ أُزِيلَ غُرُورُهم بِتَأخُّرِ العَذابِ، وأُبْطِلَ الإفْلاتُ مِنهُ بِبَيانِ أنَّ ذَلِكَ إمْهالٌ مِن أثَرِ رَحْمَةِ اللَّهِ بِخَلْقِهِ، ضَرَبَ لَهُمُ المَثَلَ في ذَلِكَ بِحالِ أهْلِ القُرى السّالِفِينَ الَّذِينَ أخَّرَ عَنْهُمُ العَذابَ مُدَّةً، ثُمَّ لَمْ يَنْجُوا مِنهُ بِأخَرَةٍ، فالجُمْلَةُ مَعْطُوفَةٌ عَلى جُمْلَةِ ”بَلْ لَهم مَوْعِدٌ“ .

والإشارَةُ بِـ ”تِلْكَ“ إلى مُقَدَّرٌ في الذِّهْنِ، وكافُ الخِطابِ المُتَّصِلَةُ بِاسْمِ الإشارَةِ لا يُرادُ بِها مُخاطَبٌ، ولَكِنَّها مِن تَمامِ اسْمِ الإشارَةِ، وتَجْرِي عَلى ما يُناسِبُ حالَ المُخاطَبِ بِالإشارَةِ مِن واحِدٍ أوْ أكْثَرَ، والعَرَبُ يَعْرِفُونَ دِيارَ عادٍ وثَمُودَ ومَدْيَنَ ويَسْمَعُونَ بِقَوْمِ لُوطٍ، وقَوْمِ فِرْعَوْنَ، فَكانَتْ كالحاضِرَةِ حِينَ الإشارَةِ.

والظُّلْمُ: الشِّرْكُ وتَكْذِيبُ الرُّسُلِ، والمُهْلَكُ بِضَمِّ المِيمِ وفَتْحِ اللّامِ مَصْدَرٌ مِيمِيٌّ مِن (أهْلَكَ)، أيْ جَعَلْنا لِإهْلاكِنا إيّاهم وقْتًا مُعَيَّنًا في عِلْمِنا إذا جاءَ حَلَّ بِهِمُ الهَلاكُ، وهَذِهِ قِراءَةُ الجُمْهُورِ، وقَرَأهُ حَفْصٌ عَنْ عاصِمٍ بِفَتْحِ المِيمِ وكَسْرِ اللّامِ عَلى أنَّهُ اسْمُ زَمانٍ عَلى وزْنِ مَفْعِلٍ، وقَرَأهُ أبُو بَكْرٍ عَنْ عاصِمٍ بِفَتْحِ المِيمِ وفَتْحِ اللّامِ عَلى أنَّهُ مَصْدَرٌ مِيمِيٌّ لِهَلَكَ.