﴿فانْطَلَقا حَتّى إذا لَقِيا غُلامًا فَقَتَلَهُ قالَ أقَتَلْتَ نَفْسًا زاكِيَةً بِغَيْرِ نَفْسٍ لَقَدْ جِئْتَ شَيْئًا نُكُرًا﴾ يَدُلُّ تَفْرِيعُ قَوْلِهِ ﴿فانْطَلَقا حَتّى إذا لَقِيا غُلامًا﴾ عَنِ اعْتِذارِ مُوسى، عَلى أنَّ الخَضِرَ قَبِلَ عُذْرَهُ، وانْطَلَقا مُصْطَحِبَيْنِ.

والقَوْلُ في نَظْمِ قَوْلِهِ ﴿حَتّى إذا لَقِيا غُلامًا﴾ كالقَوْلِ في قَوْلِهِ ﴿حَتّى إذا رَكِبا في السَّفِينَةِ﴾ [الكهف: ٧١] .

وقَوْلُهُ ”فَقَتَلَهُ“ تَعْقِيبٌ لِفِعْلِ ”لَقِيا“ تَأْكِيدًا لِلْمُبادَرَةِ المَفْهُومَةِ مِن تَقْدِيمِ الظَّرْفِ، فَكانَتِ المُبادَرَةُ بِقَتْلِ الغُلامِ عِنْدَ لِقائِهِ أسْرَعَ مِنَ المُبادَرَةِ بِخَرْقِ السَّفِينَةِ حِينَ رُكُوبِها.

وكَلامُ مُوسى في إنْكارِ ذَلِكَ جَرى عَلى نَسَقِ كَلامِهِ في إنْكارِ خَرْقِ السَّفِينَةِ

صفحة ٣٧٨

سِوى أنَّهُ وصَفَ هَذا الفِعْلَ بِأنَّهُ نُكُرٌ، وهو بِضَمَّتَيْنِ: الَّذِي تُنْكِرُهُ العُقُولُ وتَسْتَقْبِحُهُ، فَهو أشَدُّ مِنَ الشَّيْءِ الإمْرِ؛ لِأنَّ هَذا فَسادٌ حاصِلٌ، والآخَرُ ذَرِيعَةُ فَسادٍ كَما تَقَدَّمَ، ووَصَفَ النَّفْسَ بِالزّاكِيَةِ؛ لِأنَّها نَفْسُ غُلامٍ لَمْ يَبْلُغِ الحُلُمَ؛ فَلَمْ يَقْتَرِفْ ذَنْبًا؛ فَكانَ زَكِيًّا طاهِرًا، والزَّكاءُ: الزِّيادَةُ في الخَيْرِ.

وقَرَأ نافِعٌ، وابْنُ كَثِيرٍ، وأبُو عَمْرٍو، وأبُو جَعْفَرٍ، ورُوَيْسٌ عَنْ يَعْقُوبَ (زاكِيَةً) بِألْفٍ بَعْدِ الزّايِ اسْمَ فاعِلٍ مِن زَكا، وقَرَأ الباقُونَ ”زَكِيَّةً“، وهُما بِمَعْنًى واحِدٍ.

قالَ ابْنُ عَطِيَّةَ: النُّونُ مِن قَوْلِهِ نُكْرًا هي نِصْفُ القُرْآنِ، أيْ نِصْفُ حُرُوفِهِ، وقَدْ تَقَدَّمَ أنَّ ذَلِكَ مُخالِفٌ لِقَوْلِ الجُمْهُورِ: إنَّ نِصْفَ القُرْآنِ هو حَرْفُ التّاءِ مِن قَوْلِهِ تَعالى ﴿ولْيَتَلَطَّفْ﴾ [الكهف: ١٩] في هَذِهِ السُّورَةِ.