﴿أُولَئِكَ الَّذِينَ كَفَرُوا بِآياتِ رَبِّهِمْ ولِقائِهِ فَحَبِطَتْ أعْمالُهم فَلا نُقِيمُ لَهم يَوْمَ القِيمَةِ وزْنًا﴾

جُمْلَةٌ هي اسْتِئْنافٌ بَيانِيٌّ بَعْدَ قَوْلِهِ ﴿هَلْ نُنَبِّئُكُمْ﴾ [الكهف: ١٠٣] . وجِيءَ بِاسْمِ الإشارَةِ لِتَمْيِيزِهِمْ أكْمَلَ تَمْيِيزٍ لِئَلّا يَلْتَبِسُوا بِغَيْرِهِمْ عَلى نَحْوِ قَوْلِهِ تَعالى وأُولَئِكَ هُمُ المُفْلِحُونَ. ولِلتَّنْبِيهِ عَلى أنَّ المُشارَ إلَيْهِمْ أحْرِياءُ بِما بَعْدِ اسْمِ الإشارَةِ مِن حُكْمٍ بِسَبَبِ ما أُجْرِيَ عَلَيْهِمْ مِنَ الأوْصافِ.

والآياتُ: القُرْآنُ والمُعْجِزاتُ.

والحَبْطُ: البُطْلانُ والدَّحْضُ.

وقَوْلُهُ رَبِّهِمْ يَجْرِي عَلى الوَجْهِ الأوَّلِ في نُونِ ﴿هَلْ نُنَبِّئُكُمْ﴾ [الكهف: ١٠٣] أنَّهُ إظْهارٌ في مَقامِ الإضْمارِ. ومُقْتَضى الظّاهِرِ أنْ يُقالَ: أُولَئِكَ الَّذِينَ كَفَرُوا بِآياتِنا. ويَجْرِي عَلى الوَجْهَيْنِ الثّانِي والثّالِثِ أنَّهُ عَلى مُقْتَضى الظّاهِرِ.

صفحة ٤٨

ونُونُ ﴿فَلا نُقِيمُ لَهم يَوْمَ القِيامَةِ وزْنًا﴾ عَلى الوَجْهِ الأوَّلِ في نُونِ ﴿قُلْ هَلْ نُنَبِّئُكُمْ﴾ [الكهف: ١٠٣] جارِيَةً عَلى مُقْتَضى الظّاهِرِ.

وأمّا عَلى الوَجْهَيْنِ الثّالِثِ والرّابِعِ فَإنَّها التِفاتٌ عَنْ قَوْلِهِ بِآياتِ رَبِّهِمْ، ومُقْتَضى الظّاهِرِ أنْ يُقالَ: فَلا يُقِيمُ لَهم.

ونَفْيُ إقامَةِ الوَزْنِ مُسْتَعْمَلٌ في عَدَمِ الِاعْتِدادِ بِالشَّيْءِ. وفي حَقارَتِهِ لِأنَّ النّاسَ يَزِنُونَ الأشْياءَ المُتَنافَسَ في مَقادِيرِها والشَّيْءُ التّافِهُ لا يُوزَنُ، فَشُبِّهُوا بِالمُحَقَّراتِ عَلى طَرِيقَةِ المَكْنِيَّةِ وأثْبَتَ لَهم عَدَمَ الوَزْنِ تَخْيِيلًا.

وجُعِلَ عَدَمُ إقامَةِ الوَزْنِ مُفَرَّعًا عَلى حَبْطِ أعْمالِهِمْ لِأنَّهم بِحَبْطِ أعْمالِهِمْ صارُوا مُحَقَّرِينَ لا شَيْءَ لَهم مِنَ الصّالِحاتِ.