﴿كهيعص﴾

حُرُوفُ هِجاءٍ مَرْسُومَةٌ بِمُسَمَّياتِها ومَقْرُوءَةٌ بِأسْمائِها فَكَأنَّها كُتِبَتْ لِمَن يَتَهَجّاها. وقَدْ تَقَدَّمَ القَوْلُ في مَجْمُوعِ نَظائِرِها. وفي المُخْتارِ مِنَ الأقْوالِ مِنها في سُورَةِ البَقَرَةِ وكَذَلِكَ مَوْقِعُها مِنَ الكَلامِ.

والأصْلُ في النُّطْقِ بِهَذِهِ الحُرُوفِ أنْ يَكُونَ كُلُّ حَرْفٍ مِنها مَوْقُوفًا عَلَيْهِ، لِأنَّ الأصْلَ فِيها أنَّها تِعْدادُ حُرُوفٍ مُسْتَقِلَّةٍ أوْ مُخْتَزَلَةٍ مِن كَلِماتٍ.

وقَرَأ الجُمْهُورُ جَمِيعَ أسْماءِ هَذِهِ الحُرُوفِ الخَمْسَةِ بِإخْلاصِ الحَرَكاتِ والسُّكُونِ بِإسْكانِ أواخِرِ أسْمائِها.

وقَرَأ أبُو عَمْرٍو، والكِسائِيُّ، وأبُو بَكْرٍ عَنْ عاصِمٍ، ويَعْقُوبُ اسْمَ الحَرْفِ الثّانِي وهو (ها) بِالإمالَةِ. وفي رِوايَةٍ عَنْ نافِعٍ وابْنِ كَثِيرٍ قَرَأ (ها) بِحَرَكَةٍ بَيْنَ الكَسْرِ والفَتْحِ.

وقَرَأ ابْنُ عامِرٍ، وحَمْزَةُ، والكِسائِيُّ (يا) بِالإمالَةِ.

وقَرَأ نافِعٌ، وابْنُ كَثِيرٍ، وعاصِمٌ، وأبُو جَعْفَرٍ بِإظْهارِ دالِ (صادْ) . وقَرَأ الباقُونَ بِإدْغامِهِ في ذالِ ﴿ذِكْرُ رَحْمَةِ رَبِّكَ﴾ [مريم: ٢] . وإنَّما لَمْ يُمَدْ (ها) و(يا) مَعَ أنَّ القارِئَ إنَّما يَنْطِقُ بِأسْماءِ هَذِهِ الحُرُوفِ

صفحة ٦١

الَّتِي في أوائِلِ السُّورِ لا بِمُسَمَّياتِها المَكْتُوبَةِ أشْكالُها، واسْما هَذَيْنِ الحَرْفَيْنِ مَخْتُومانِ بِهَمْزَةٍ مُخَفَّفَةٍ لِلْوَجْهِ الَّذِي ذَكَرْناهُ في طالِعِ سُورَةِ يُونُسَ وهو التَّخْفِيفُ بِإزالَةٍ لِأجْلِ السَّكْتِ.

واعْلَمْ أنَّكَ إنْ جَرَيْتَ عَلى غَيْرِ المُخْتارِ في مَعانِي فَواتِحِ السُّوَرِ، فَأمّا الأقْوالُ الَّتِي جَعَلَتِ الفَواتِحَ كُلَّها مُتَّحِدَةً في المُرادِ فالأمْرُ ظاهِرٌ، وأمّا الأقْوالُ الَّتِي خَصَّتْ بَعْضَها بِمَعانٍ، فَقِيلَ في مَعْنى ﴿كهيعص﴾ إنَّ حُرُوفَها مُقْتَضَبَةٌ مِن أسْمائِهِ تَعالى: الكافِي أوِ الكَرِيمِ أوَ الكَبِيرِ، والهاءُ مِن هادِي، والياءُ مِن حَكِيمٍ أوْ رَحِيمٍ، والعَيْنُ مِنَ العَلِيمِ أوَ العَظِيمِ، والصّادُ مِنَ الصّادِقِ، وقِيلَ مَجْمُوعُها اسْمٌ مِن أسْمائِهِ تَعالى، حَتّى قِيلَ هو الِاسْمُ الأعْظَمُ الَّذِي إذا دُعِيَ بِهِ أجابَ، وقِيلَ اسْمٌ مِن أسْماءِ القُرْآنِ، أيْ بِتَسْمِيَةٍ جَدِيدَةٍ، ولَيْسَ في ذَلِكَ حَدِيثٌ يُعْتَمَدُ.