Welcome to the Tafsir Tool!
This allows users to review and suggest improvements to the existing tafsirs.
If you'd like to contribute to improving this tafsir, simply click the Request Access button below to send a request to the admin. Once approved, you'll be able to start suggesting improvements to this tafsir.
﴿رَبَّنا لا تُزِغْ قُلُوبَنا بَعْدَ إذْ هَدَيْتَنا وهَبْ لَنا مِن لَدُنْكَ رَحْمَةً إنَّكَ أنْتَ الوَهّابُ﴾ ﴿رَبَّنا إنَّكَ جامِعُ النّاسِ لِيَوْمٍ لا رَيْبَ فِيهِ إنَّ اللَّهَ لا يُخْلِفُ المِيعادَ﴾ .
دُعاءٌ عُلِّمَهُ النَّبِيءُ ﷺ تَعْلِيمًا لِلْأُمَّةِ: لِأنَّ المَوْقِعَ المَحْكِيَّ مَوْقِعُ عِبْرَةٍ ومَثارٍ لِهَواجِسِ الخَوْفِ مِن سُوءِ المَصِيرِ إلى حالِ ﴿الَّذِينَ في قُلُوبِهِمْ زَيْغٌ﴾ [آل عمران: ٧] فَما هم إلّا مِن عُقَلاءِ البَشَرِ، لا تَفاوُتَ بَيْنَهم وبَيْنَ الرّاسِخِينَ، في الإنْسانِيَّةِ، ولا في سَلامَةِ العُقُولِ والمَشاعِرِ، فَما كانَ ضَلالُهم إلّا مِن حِرْمانِهِمُ التَّوْفِيقَ، واللُّطْفَ، ووَسائِلَ الِاهْتِداءِ.
وقَدْ عُلِمَ مِن تَعْقِيبِ قَوْلِهِ: ﴿هُوَ الَّذِي أنْزَلَ عَلَيْكَ الكِتابَ﴾ [آل عمران: ٧] الآياتِ، بِقَوْلِهِ: ﴿رَبَّنا لا تُزِغْ قُلُوبَنا﴾ أنَّ مِن جُمْلَةِ ما قُصِدَ بِوَصْفِ الكِتابِ بِأنَّ مِنهُ مُحْكَمًا ومِنهُ مُتَشابِهًا - إيقاظَ الأُمَّةِ إلى ذَلِكَ لِتَكُونَ عَلى بَصِيرَةٍ في تَدَبُّرِ كِتابِها: تَحْذِيرًا لَها مِنَ الوُقُوعِ في الضَّلالِ، الَّذِي أوْقَعَ الأُمَمَ في كَثِيرٍ مِنهُ وُجُودُ المُتَشابِهاتِ في كُتُبِها، وتَحْذِيرًا لِلْمُسْلِمِينَ مِنِ اتِّباعِ البَوارِقِ الباطِلَةِ مِثْلَ ما وقَعَ فِيهِ بَعْضُ العَرَبِ مِنَ الرِّدَّةِ والعِصْيانِ بَعْدَ وفاةِ الرَّسُولِ ﷺ لِتَوَهُّمِ أنَّ التَّدَيُّنَ بِالدِّينِ إنَّما كانَ لِأجْلِ وُجُودِ الرَّسُولِ بَيْنَهم، ولِذَلِكَ كانَ أبُو بَكْرٍ يَدْعُو بِهَذِهِ الآيَةِ في صَلاتِهِ مُدَّةَ ارْتِدادِ مَنِ ارْتَدَّ مِنَ العَرَبِ، فَفي المُوَطَّأِ، عَنِ الصُّنابِحِيِّ: أنَّهُ قالَ: قَدِمْتُ المَدِينَةَ في خِلافَةِ أبِي بَكْرٍ الصِّدِّيقِ فَصَلَّيْتُ
صفحة ١٧٠
وراءَهُ المَغْرِبَ فَقامَ في الثّالِثَةِ فَدَنَوْتُ مِنهُ حَتّى إنَّ ثِيابِي لَتَكادُ تَمَسُّ ثِيابَهُ فَسَمِعْتُهُ يَقْرَأُ بِأُمِّ القُرْآنِ وهَذِهِ الآيَةِ ﴿رَبَّنا لا تُزِغْ قُلُوبَنا﴾ الآيَةَ.فَزَيْغُ القَلْبِ يَتَسَبَّبُ عَنْ عَوارِضَ تَعْرِضُ لِلْعَقْلِ مِن خَلَلٍ في ذاتِهِ، أوْ دَواعٍ مِنَ الخُلْطَةِ أوِ الشَّهْوَةِ، أوْ ضَعْفِ الإرادَةِ، تَحَوَّلُ بِالنَّفْسِ عَنِ الفَضائِلِ المُتَحَلِّيَةِ بِها إلى رَذائِلَ كانَتْ تَهْجِسُ بِالنَّفْسِ فَتَذُودُها النَّفْسُ عَنْها بِما اسْتَقَرَّ في النَّفْسِ مِن تَعالِيمِ الخَيْرِ المُسَمّاةِ بِالهُدى، ولا يَدْرِي المُؤْمِنُ، ولا العاقِلُ، ولا الحَكِيمُ، ولا المُهَذَّبُ: أيَّةَ ساعَةٍ تَحُلُّ فِيها بِهِ أسْبابُ الشَّقاءِ، وكَذَلِكَ لا يَدْرِي الشَّقِيُّ، ولا المُنْهَمِكُ، الأفِنُ: أيَّةَ ساعَةٍ تَحُفُّ فِيها بِهِ أسْبابُ الإقْلاعِ عَمّا هو مُتَلَبِّسٌ بِهِ مِن تَغَيُّرِ خَلْقٍ، أوْ خُلُقٍ، أوْ تَبَدُّلِ خَلِيطٍ، قالَ تَعالى: ﴿ونُقَلِّبُ أفْئِدَتَهم وأبْصارَهُمْ﴾ [الأنعام: ١١٠] ولِذا كانَ دَأْبُ القُرْآنِ قَرْنَ الثَّناءِ بِالتَّحْذِيرِ، والبِشارَةِ بِالإنْذارِ.
وقَوْلُهُ: ﴿بَعْدَ إذْ هَدَيْتَنا﴾ تَحْقِيقٌ لِلدَّعْوَةِ عَلى سَبِيلِ التَّلَطُّفِ؛ إذْ أسْنَدُوا الهُدى إلى اللَّهِ تَعالى، فَكانَ ذَلِكَ كَرَمًا مِنهُ، ولا يَرْجِعُ الكَرِيمُ في عَطِيَّتِهِ، وقَدِ اسْتَعاذَ النَّبِيءُ ﷺ مِنَ السَّلْبِ بَعْدَ العَطاءِ.
و ”إذْ“: اسْمٌ لِلزَّمَنِ الماضِي مُتَصَرِّفٌ، وهي هُنا مُتَصَرِّفَةٌ تَصَرُّفًا قَلِيلًا؛ لِأنَّها لَمّا أُضِيفَ إلَيْها الظَّرْفُ كانَتْ في مَعْنى الظَّرْفِ، ولَمّا كانَتْ غَيْرَ مَنصُوبَةٍ كانَتْ فِيها شائِبَةُ تَصَرُّفٍ، كَما هي في يَوْمَئِذٍ وحِينَئِذٍ، أيْ بَعْدَ زَمَنِ هِدايَتِكَ إيّانا.
وقَوْلُهُ: ﴿وهَبْ لَنا مِن لَدُنْكَ رَحْمَةً﴾ طَلَبُوا أثَرَ الدَّوامِ عَلى الهُدى وهو الرَّحْمَةُ في الدُّنْيا والآخِرَةِ، ومَنعَ دَواعِي الزَّيْغِ والشَّرِّ. وجُعِلَتِ الرَّحْمَةُ مِن عِنْدِ اللَّهِ؛ لِأنَّ تَيْسِيرَ أسْبابِها وتَكْوِينَ مُهَيِّئاتِها بِتَقْدِيرِ اللَّهِ؛ إذْ لَوْ شاءَ اللَّهُ لَكانَ الإنْسانُ مُعَرَّضًا لِنُزُولِ المَصائِبِ والشُّرُورِ في كُلِّ لَمْحَةٍ؛ فَإنَّهُ مَحْفُوفٌ بِمَوْجُوداتٍ كَثِيرَةٍ، حَيَّةٍ وغَيْرِ حَيَّةٍ، هو تِلْقاءَها في غايَةِ الضَّعْفِ، لَوْلا لُطْفُ اللَّهِ بِهِ بِإيقاظِ عَقْلِهِ لِاتِّقاءِ الحَوادِثِ، وبِإرْشادِهِ لِاجْتِنابِ أفْعالِ الشُّرُورِ المُهْلِكَةِ، وبِإلْهامِهِ إلى ما فِيهِ نَفْعُهُ، وبِجَعْلِ تِلْكَ القُوى الغالِبَةِ لَهُ قُوى عَمْياءَ لا تَهْتَدِي سَبِيلًا إلى قَصْدِهِ، ولا تُصادِفُهُ إلّا عَلى سَبِيلِ النُّدُورِ ولِهَذا قالَ تَعالى: ﴿اللَّهُ لَطِيفٌ بِعِبادِهِ﴾ [الشورى: ١٩] ومِن أجْلى مَظاهِرِ اللُّطْفِ أحْوالُ الِاضْطِرارِ والِالتِجاءِ وقَدْ كُنْتُ قُلْتُ كَلِمَةَ ”اللُّطْفُ عِنْدَ الِاضْطِرارِ“ .
صفحة ١٧١
والقَصْرُ في قَوْلِهِ إنَّكَ أنْتَ الوَهّابُ لِلْمُبالَغَةِ، لِأجْلِ كَمالِ الصِّفَةِ فِيهِ تَعالى؛ لِأنَّ هِباتِ النّاسِ بِالنِّسْبَةِ لِما أفاضَ اللَّهُ مِنَ الخَيْراتِ شَيْءٌ لا يُعْبَأُ بِهِ. وفي هَذِهِ الجُمْلَةِ تَأْكِيدٌ بِـ ”إنَّ“ وبِالجُمْلَةِ الِاسْمِيَّةِ، وبِطَرِيقِ القَصْرِ.وقَوْلُهُ: ﴿رَبَّنا إنَّكَ جامِعُ النّاسِ لِيَوْمٍ لا رَيْبَ فِيهِ﴾ اسْتَحْضَرُوا عِنْدَ طَلَبِ الرَّحْمَةِ أحْوَجَ ما يَكُونُونَ إلَيْها، وهو يَوْمُ تَكُونُ الرَّحْمَةُ سَبَبًا لِلْفَوْزِ الأبَدِيِّ، فَأعْقَبُوا بِذِكْرِ هَذا اليَوْمِ دُعاءَهم عَلى سَبِيلِ الإيجازِ، كَأنَّهم قالُوا: ﴿وهَبْ لَنا مِن لَدُنْكَ رَحْمَةً﴾، وخاصَّةً يَوْمَ تَجَمُّعِ النّاسِ كَقَوْلِ إبْراهِيمَ: ﴿رَبَّنا اغْفِرْ لِي ولِوالِدَيَّ ولِلْمُؤْمِنِينَ يَوْمَ يَقُومُ الحِسابُ﴾ [إبراهيم: ٤١] . عَلى ما في تَذَكُّرِ يَوْمِ الجَمْعِ مِنَ المُناسَبَةِ بَعْدَ ذِكْرِ أحْوالِ الغُواةِ والمُهْتَدِينَ، والعُلَماءِ الرّاسِخِينَ.
ومَعْنى لا رَيْبَ فِيهِ لا رَيْبَ فِيهِ جَدِيرًا بِالوُقُوعِ، فالمُرادُ نَفْيُ الرَّيْبِ في وُقُوعِهِ. ونَفَوْهُ عَلى طَرِيقَةِ نَفْيِ الجِنْسِ لِعَدَمِ الِاعْتِدادِ بِارْتِيابِ المُرْتابِينَ، هَذا إذا جَعَلْتَ ”فِيهِ“ خَبَرًا، ولَكَ أنْ تَجْعَلَهُ صِفَةً لِرَيْبٍ وتَجْعَلَ الخَبَرَ مَحْذُوفًا عَلى طَرِيقَةِ ”لا“ النّافِيَةِ لِلْجِنْسِ، فَيَكُونَ التَّقْدِيرُ: عِنْدَنا، أوْ لَنا.
وجُمْلَةُ ﴿إنَّ اللَّهَ لا يُخْلِفُ المِيعادَ﴾ تَعْلِيلٌ لِنَفْيِ الرَّيْبِ أيْ لِأنَّ اللَّهَ وعَدَ بِجَمْعِ النّاسِ لَهُ، فَلا يُخْلِفُ ذَلِكَ، والمَعْنى: إنَّ اللَّهَ لا يُخْلِفُ خَبَرَهُ، والمِيعادُ هُنا اسْمُ مَكانٍ.