Welcome to the Tafsir Tool!
This allows users to review and suggest improvements to the existing tafsirs.
If you'd like to contribute to improving this tafsir, simply click the Request Access button below to send a request to the admin. Once approved, you'll be able to start suggesting improvements to this tafsir.
﴿يا أيُّها الَّذِينَ آمَنُوا إنْ تُطِيعُوا فَرِيقًا مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الكِتابَ يَرُدُّوكم بَعْدَ إيمانِكم كافِرِينَ﴾ ﴿وكَيْفَ تَكْفُرُونَ وأنْتُمْ تُتْلى عَلَيْكم آياتُ اللَّهِ وفِيكم رَسُولُهُ ومَن يَعْتَصِمْ بِاللَّهِ فَقَدْ هُدِيَ إلى صِراطٍ مُسْتَقِيمٍ﴾ .
إقْبالٌ عَلى خِطابِ المُؤْمِنِينَ لِتَحْذِيرِهِمْ مِن كَيْدِ أهْلِ الكِتابِ وسُوءِ دُعائِهِمُ المُؤْمِنِينَ، وقَدْ تَفَضَّلَ اللَّهُ عَلى المُؤْمِنِينَ بِأنْ خاطَبَهم بِغَيْرِ واسِطَةٍ خِلافَ خِطابِهِ أهْلَ الكِتابِ إذْ قالَ ﴿قُلْ يا أهْلَ الكِتابِ﴾ [آل عمران: ٩٩] ولَمْ يَقُلْ: قُلْ يا أيُّها الَّذِينَ آمَنُوا.
والفَرِيقُ: الجَماعَةُ مِنَ النّاسِ، وأشارَ بِهِ هُنا إلى فَرِيقٍ مِنَ اليَهُودِ وهم شاسُ بْنُ قَيْسٍ وأصْحابُهُ، أوْ أرادَ شاسًا وحْدَهُ، وجَعَلَهُ فَرِيقًا كَما جَعَلَ أبا سُفْيانَ ناسًا في قَوْلِهِ ﴿إنَّ النّاسَ قَدْ جَمَعُوا لَكُمْ﴾ [آل عمران: ١٧٣] وسِياقُ الآيَةِ مُؤْذِنٌ بِأنَّها جَرَتْ
صفحة ٢٨
عَلى حادِثَةٍ حَدَثَتْ وأنَّ لِنُزُولِها سَبَبًا. وسَبَبُ نُزُولِ هَذِهِ الآيَةِ: أنَّ الأوْسَ والخَزْرَجَ كانُوا في الجاهِلِيَّةِ قَدْ تَخاذَلُوا وتَحارَبُوا حَتّى تَفانَوْا، وكانَتْ بَيْنَهم حُرُوبٌ وآخِرُها يَوْمُ بُعاثٍ الَّتِي انْتَهَتْ قَبْلَ الهِجْرَةِ بِثَلاثِ سِنِينَ، فَلَمّا اجْتَمَعُوا عَلى الإسْلامِ زالَتْ تِلْكَ الأحْقادُ مِن بَيْنِهِمْ وأصْبَحُوا عُدَّةً لِلْإسْلامِ، فَساءَ ذَلِكَ يَهُودَ يَثْرِبَ فَقامَ شاسُ بْنُ قَيْسٍ اليَهُودِيُّ، وهو شَيْخٌ قَدِيمٌ مِنهم، فَجَلَسَ إلى الأوْسِ والخَزْرَجِ، أوْ أرْسَلَ إلَيْهِمْ مَن جَلَسَ إلَيْهِمْ يُذَكِّرُهم حُرُوبَ بُعاثٍ، فَكادُوا أنْ يَقْتَتِلُوا، ونادى كُلُّ فَرِيقٍ: يا لَلْأوْسِ ! ويا لَلْخَزْرَجِ ! وأخَذُوا السِّلاحَ، فَجاءَ النَّبِيءُ ﷺ فَدَخَلَ بَيْنَهم وقالَ: «أتَدْعُونَ الجاهِلِيَّةَ وأنا بَيْنَ أظْهُرِكم ؟ وفي رِوايَةٍ: أبِدَعْوى الجاهِلِيَّةِ» ؟ أيْ أتَدْعُونَ بِدَعْوى الجاهِلِيَّةِ وقَرَأ هَذِهِ الآيَةَ، فَما فَرَغَ مِنها حَتّى ألْقَوُا السِّلاحَ، وعانَقَ بَعْضُهم بَعْضًا، قالَ جابِرُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ: ما كانَ طالِعٌ أكْرَهَ إلَيْنا مِن طُلُوعِ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ، فَلَمّا أصْلَحَ اللَّهُ بَيْنَنا ما كانَ شَخْصٌ أحَبَّ إلَيْنا مِن رَسُولِ اللَّهِ ﷺ، فَما رَأيْتُ يَوْمًا أقْبَحَ ولا أوْحَشَ أوَّلًا وأحْسَنَ آخِرًا مِن ذَلِكَ اليَوْمِ.وأصْلُ الرَّدِّ الصَّرْفُ والإرْجاعُ قالَ تَعالى: ﴿ومِنكم مَن يُرَدُّ إلى أرْذَلِ العُمُرِ﴾ [النحل: ٧٠] وهو هُنا مُسْتَعارٌ لِتَغَيُّرِ الحالِ بَعْدَ المُخالَطَةِ فَيُفِيدُ مَعْنى التَّصْيِيرِ كَقَوْلِ الشّاعِرِ فِيما أنْشَدَهُ أهْلُ اللُّغَةِ:
فَرَدَّ شُعُورَهُنَّ السُّودَ بِيضًا ورَدَّ وُجُوهَهُنَّ البِيضَ سُودًا
وكافِرِينَ مَفْعُولُهُ الثّانِي، وقَوْلُهُ ﴿بَعْدَ إيمانِكُمْ﴾ تَأْكِيدٌ لِما أفادَهُ قَوْلُهُ ﴿يَرُدُّوكُمْ﴾ والقَصْدُ مِنَ التَّصْرِيحِ تَوْضِيحُ فَواتِ نِعْمَةٍ عَظِيمَةٍ كانُوا فِيها لَوْ يَكْفُرُونَ.وقَوْلُهُ وكَيْفَ تَكْفُرُونَ اسْتِفْهامٌ مُسْتَعْمَلٌ في الِاسْتِبْعادِ اسْتِبْعادًا لِكُفْرِهِمْ ونَفْيٌ لَهُ، كَقَوْلِ جَرِيرٍ:
كَيْفَ الهِجاءُ وما تَنْفَكُّ صالِحَةٌ ∗∗∗ مِن آلِ لَأْمٍ بِظَهْرِ الغَيْبِ تَأْتِينِي
صفحة ٣٩
وجُمْلَةُ ﴿وأنْتُمْ تُتْلى عَلَيْكم آياتُ اللَّهِ﴾ حالِيَّةٌ، وهي مَحَطُّ الِاسْتِبْعادِ والنَّفْيِ لِأنَّ كُلًّا مِن تِلاوَةِ آياتِ اللَّهِ وإقامَةِ الرَّسُولِ عَلَيْهِ الصَّلاةُ والسَّلامُ فِيهِمْ وازِعٌ لَهم عَنِ الكُفْرِ، وأيُّ وازِعٍ، فالآياتُ هُنا هي القُرْآنُ ومَواعِظُهُ.والظَّرْفِيَّةُ في قَوْلِهِ ﴿وفِيكم رَسُولُهُ﴾ حَقِيقِيَّةٌ ومُؤْذِنَةٌ بِمَنقَبَةٍ عَظِيمَةٍ، ومِنَّةٍ جَلِيلَةٍ، وهي وُجُودُ هَذا الرَّسُولِ العَظِيمِ بَيْنَهم، تِلْكَ المَزِيَّةُ الَّتِي فازَ بِها أصْحابُهُ المُخاطَبُونَ، وبِها يَظْهَرُ مَعْنى قَوْلِهِ ﷺ فِيما رَواهُ التِّرْمِذِيُّ عَنْ أبِي سَعِيدٍ الخُدْرِيِّ «لا تَسُبُّوا أصْحابِي فَوالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ لَوْ أنَّ أحَدَكم أنْفَقَ مِثْلَ أُحُدٍ ذَهَبًا ما بَلَغَ مُدَّ أحَدِهِمْ ولا نَصِيفَهُ» النَّصِيفُ نِصْفُ مُدٍّ.
وفِي الآيَةِ دَلالَةٌ عَلى عِظَمِ قَدْرِ الصَّحابَةِ وأنَّ لَهم وازِعَيْنِ عَنْ مُواقَعَةِ الضَّلالِ: سَماعُ القُرْآنِ، ومُشاهَدَةُ أنْوارِ الرَّسُولِ - عَلَيْهِ السَّلامُ -، فَإنَّ وُجُودَهُ عِصْمَةٌ مِن ضَلالِهِمْ. قالَ قَتادَةُ: أمّا الرَّسُولُ فَقَدْ مَضى إلى رَحْمَةِ اللَّهِ، وأمّا الكِتابُ فَباقٍ عَلى وجْهِ الدَّهْرِ.
وقَوْلُهُ ﴿ومَن يَعْتَصِمْ بِاللَّهِ فَقَدْ هُدِيَ إلى صِراطٍ مُسْتَقِيمٍ﴾ أيْ مَن يَتَمَسَّكُ بِالدِّينِ فَلا يُخْشى عَلَيْهِ الضَّلالُ. فالِاعْتِصامُ هُنا اسْتِعارَةٌ لِلتَّمَسُّكِ.
وفِي هَذا إشارَةٌ إلى التَّمَسُّكِ بِكِتابِ اللَّهِ ودِينِهِ لِسائِرِ المُسْلِمِينَ الَّذِينَ لَمْ يَشْهَدُوا حَياةَ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ .