Welcome to the Tafsir Tool!
This allows users to review and suggest improvements to the existing tafsirs.
If you'd like to contribute to improving this tafsir, simply click the Request Access button below to send a request to the admin. Once approved, you'll be able to start suggesting improvements to this tafsir.
﴿يَوْمَ تَبْيَضُّ وُجُوهٌ وتَسْوَدُّ وُجُوهٌ فَأمّا الَّذِينَ اسْوَدَّتْ وُجُوهُهم أكَفَرْتُمْ بَعْدَ إيمانِكم فَذُوقُوا العَذابَ بِما كُنْتُمْ تَكْفُرُونَ﴾ ﴿وأمّا الَّذِينَ ابْيَضَّتْ وُجُوهُهم فَفي رَحْمَةِ اللَّهِ هم فِيها خالِدُونَ﴾ .
صفحة ٤٤
يَجُوزُ أنْ يَكُونَ ﴿يَوْمَ تَبْيَضُّ وُجُوهٌ﴾ مَنصُوبًا عَلى الظَّرْفِ، مُتَعَلِّقًا بِما في قَوْلِهِ ﴿لَهم عَذابٌ﴾ [آل عمران: ١٠٥] مِن مَعْنى كائِنٍ أوْ مُسْتَقِرٍّ: أيْ يَكُونُ عَذابٌ لَهم يَوْمَ تَبْيَضُّ وُجُوهٌ وتَسْوَدُّ وُجُوهٌ، وهَذا هو الجارِي عَلى أكْثَرِ الِاسْتِعْمالِ في إضافَةِ أسْماءِ الزَّمانِ إلى الجُمَلِ. ويَجُوزُ أنْ يَكُونَ مَنصُوبًا عَلى المَفْعُولِ بِهِ لِفِعْلِ اذْكُرْ مَحْذُوفًا، وتَكُونُ جُمْلَةُ ﴿تَبْيَضُّ وُجُوهٌ﴾ صِفَةً لِيَوْمَ عَلى تَقْدِيرِ: تَبْيَضُّ فِيهِ وُجُوهٌ وتَسْوَدُّ فِيهِ وُجُوهٌ.وفِي تَعْرِيفِ هَذا اليَوْمِ بِحُصُولِ بَياضِ وُجُوهٍ وسَوادِ وُجُوهٍ فِيهِ، تَهْوِيلٌ لِأمْرِهِ، وتَشْوِيقٌ لِما يَرِدُ بَعْدَهُ مِن تَفْصِيلِ أصْحابِ الوُجُوهِ المُبْيَضَّةِ، والوُجُوهِ المُسْوَدَّةِ: تَرْهِيبًا لِفَرِيقٍ وتَرْغِيبًا لِفَرِيقٍ آخَرَ. والأظْهَرُ أنَّ عِلْمَ السّامِعِينَ بِوُقُوعِ تَبْيِيضِ وُجُوهٍ وتَسْوِيدِ وُجُوهٍ في ذَلِكَ اليَوْمِ حاصِلٌ مِن قَبْلُ: في الآياتِ النّازِلَةِ قَبْلَ هَذِهِ الآيَةِ، مِثْلَ قَوْلِهِ تَعالى ﴿ويَوْمَ القِيامَةِ تَرى الَّذِينَ كَذَبُوا عَلى اللَّهِ وُجُوهُهم مُسْوَدَّةٌ﴾ [الزمر: ٦٠] وقَوْلُهُ ﴿وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ مُسْفِرَةٌ﴾ [عبس: ٣٨] ﴿ضاحِكَةٌ مُسْتَبْشِرَةٌ﴾ [عبس: ٣٩] ﴿ووُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ عَلَيْها غَبَرَةٌ﴾ [عبس: ٤٠] ﴿تَرْهَقُها قَتَرَةٌ﴾ [عبس: ٤١] .
والبَياضُ والسَّوادُ بَياضٌ وسَوادٌ حَقِيقِيّانِ يُوسَمُ بِهِما المُؤْمِنُ والكافِرُ يَوْمَ القِيامَةِ، وهُما بَياضٌ وسَوادٌ خاصّانِ لِأنَّ هَذا مِن أحْوالِ الآخِرَةِ فَلا داعِيَ لِصَرْفِهِ عَنْ حَقِيقَتِهِ.
وقَوْلُهُ تَعالى ﴿فَأمّا الَّذِينَ اسْوَدَّتْ وُجُوهُهم أكَفَرْتُمْ بَعْدَ إيمانِكُمْ﴾ تَفْصِيلٌ لِلْإجْمالِ السّابِقِ، سُلِكَ فِيهِ طَرِيقُ النَّشْرِ المَعْكُوسِ، وفِيهِ إيجازٌ لِأنَّ أصْلَ الكَلامِ، فَأمّا الَّذِينَ اسْوَدَّتْ وُجُوهُهم فَهُمُ الكافِرُونَ يُقالُ لَهم أكَفَرْتُمْ إلى آخِرِهِ: وأمّا الَّذِينَ ابْيَضَّتْ وُجُوهُهم فَهُمُ المُؤْمِنُونَ وفي رَحْمَةِ اللَّهِ هم فِيها خالِدُونَ.
وقُدِّمَ عِنْدَ وصْفِ اليَوْمِ ذِكْرُ البَياضِ، الَّذِي هو شِعارُ أهْلِ النَّعِيمِ، تَشْرِيفًا لِذَلِكَ اليَوْمِ بِأنَّهُ يَوْمُ ظُهُورِ رَحْمَةِ اللَّهِ ونِعْمَتِهِ، ولِأنَّ رَحْمَةَ اللَّهِ سَبَقَتْ غَضَبَهُ، ولِأنَّ في ذِكْرِ سِمَةِ أهْلِ النَّعِيمِ، عَقِبَ وعِيدِ غَيْرِهِمْ بِالعَذابِ، حَسْرَةً عَلَيْهِمْ، إذْ
صفحة ٤٥
يَعْلَمُ السّامِعُ أنَّ لَهم عَذابًا عَظِيمًا في يَوْمٍ فِيهِ نُعَيْمٌ عَظِيمٌ. ثُمَّ قَدَّمَ في التَّفْصِيلِ ذِكْرَ سِمَةِ أهْلِ العَذابِ تَعْجِيلًا بِمُساءَتِهِمْ.وقَوْلُهُ أكَفَرْتُمْ مَقُولُ قَوْلٍ مَحْذُوفٍ يُحْذَفُ مِثْلُهُ في الكَلامِ لِظُهُورِهِ: لِأنَّ الِاسْتِفْهامَ لا يَصْدُرُ إلّا مِن مُسْتَفْهِمٍ، وذَلِكَ القَوْلُ هو جَوابُ أمّا، ولِذَلِكَ لَمْ تَدْخُلِ الفاءُ عَلى أكَفَرْتُمْ لِيَظْهَرَ أنْ لَيْسَ هو الجَوابُ وأنَّ الجَوابَ حُذِفَ بِرُمَّتِهِ.
وقائِلُ هَذا القَوْلِ مَجْهُولٌ، إذْ لَمْ يَتَقَدَّمْ ما يَدُلُّ عَلَيْهِ، فَيُحْتَمَلُ أنَّ ذَلِكَ يَقُولُهُ أهْلُ المَحْشَرِ لَهم وهُمُ الَّذِينَ عَرَفُوهم في الدُّنْيا مُؤْمِنِينَ، ثُمَّ رَأوْهم وعَلَيْهِمْ سِمَةُ الكُفْرِ، كَما ورَدَ في حَدِيثِ الحَوْضِ «فَلَيَرِدَنَّ عَلَيَّ أقْوامٌ أعْرِفُهم ثُمَّ يُخْتَلَجُونَ دُونِي، فَأقُولُ: أصْحابِي، فَيُقالُ إنَّكَ لا تَدْرِي ما أحْدَثُوا بَعْدَكَ» والمُسْتَفْهِمُ سَلَفُهم مِن قَوْمِهِمْ أوْ رَسُولِهِمْ، فالِاسْتِفْهامُ عَلى حَقِيقَتِهِ مَعَ كِنايَتِهِ عَنْ مَعْنى التَّعَجُّبِ.
ويُحْتَمَلُ أنَّهُ بِقَوْلِهِ تَعالى لَهم، فالِاسْتِفْهامُ مَجازٌ عَنِ الإنْكارِ والتَّغْلِيطِ، ثُمَّ إنْ كانَ المُرادُ بِالَّذِينَ اسْوَدَّتْ وُجُوهُهم أهْلُ الكِتابِ فَمَعْنى كُفْرِهِمْ بَعْدَ إيمانِهِمْ تَغْيِيرُهم شَرِيعَةَ أنْبِيائِهِمْ وكِتْمانُهم ما كَتَمُوهُ فِيها، أوْ كُفْرُهم بِمُحَمَّدٍ ﷺ بَعْدَ إيمانِهِمْ بِمُوسى وعِيسى، كَما تَقَدَّمَ في قَوْلِهِ ﴿إنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا بَعْدَ إيمانِهِمْ﴾ [آل عمران: ٩٠] وهَذا هو المَحْمَلُ البَيِّنُ، وسِياقُ الكَلامِ ولَفْظُهُ يَقْتَضِيهِ، فَإنَّهُ مَسُوقٌ لِوَعِيدِ أُولَئِكَ. ووَقَعَتْ تَأْوِيلاتٌ مِنَ المُسْلِمِينَ وقَعُوا بِها فِيما حَذَّرَهم مِنهُ القُرْآنُ، فَتَفَرَّقُوا واخْتَلَفُوا مِن بَعْدِ ما جاءَهُمُ البَيِّناتُ: الَّذِينَ قالَ فِيهِمْ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ «فَلا تَرْجِعُوا بَعْدِي كُفّارًا يَضْرِبُ بَعْضُكم رِقابَ بَعْضٍ» مِثْلَ أهْلِ الرِّدَّةِ الَّذِينَ ماتُوا عَلى ذَلِكَ، فَمَعْنى الكُفْرِ بَعْدَ الإيمانِ حِينَئِذٍ ظاهِرٌ، وعَلى هَذا المَعْنى تَأوَّلَ الآيَةَمالِكُ بْنُ أنَسٍ فِيما رَوى عَنْهُ ابْنُ القاسِمِ وهو في ثالِثَةِ المَسائِلِ مِن سَماعِهِ مِن كِتابِ المُرْتَدِّينَ والمُحارِبِينَ مِنَ العُتْبِيَّةِ قالَ ما آيَةٌ في كِتابِ اللَّهِ أشَدُّ عَلى أهْلِ الِاخْتِلافِ مِن أهْلِ الأهْواءِ مِن هَذِهِ الآيَةِ ﴿يَوْمَ صفحة ٤٦
وذَوْقُ العَذابِ مَجازٌ لِلْإحْساسِ وهو مَجازٌ مَشْهُورٌ عِلاقَتُهُ التَّقْيِيدُ.