صفحة ٦٠

﴿إنَّ الَّذِينَ كَفَّرُوا لَنْ تُغْنِيَ عَنْهم أمْوالُهم ولا أوْلادُهم مِنَ اللَّهِ شَيْئًا وأُولَئِكَ أصْحابُ النّارِ هم فِيها خالِدُونَ﴾ .

اسْتِئْنافٌ ابْتِدائِيٌّ لِلِانْتِقالِ إلى ذِكْرِ وعِيدِ المُشْرِكِينَ بِمُناسَبَةِ ذِكْرِ وعْدِ الَّذِينَ آمَنُوا مِن أهْلِ الكِتابِ.

وإنَّما عَطْفُ الأوْلادِ هُنا لِأنَّ الغَناءَ في مُتَعارَفِ النّاسِ يَكُونُ بِالمالِ والوَلَدِ، فالمالُ يَدْفَعُ بِهِ المَرْءُ عَنْ نَفْسِهِ في فِداءٍ أوْ نَحْوِهِ، والوَلَدُ يُدافِعُونَ عَنْ أبِيهِمْ بِالنَّصْرِ، وقَدْ تَقَدَّمَ القَوْلُ في مِثْلِهِ في طالِعَةِ هَذِهِ السُّورَةِ.

وكَرَّرَ حَرْفَ النَّفْيِ مَعَ المَعْطُوفِ في قَوْلِهِ ﴿ولا أوْلادُهُمْ﴾ لِتَأْكِيدِ عَدَمِ غَناءِ أوْلادِهِمْ عَنْهم لِدَفْعِ تَوَهُّمِ ما هو مُتَعارَفٌ مِن أنَّ الأوْلادَ لا يَقْعُدُونَ عَنِ الذَّبِّ عَنْ آبائِهِمْ.

ويَتَعَلَّقُ مِنَ اللَّهِ بِفِعْلِ لَنْ تُغْنِيَ عَلى مَعْنى مِنَ الِابْتِدائِيَّةِ أيْ غَناءٍ يَصْدُرُ مِن جانِبِ اللَّهِ بِالعَفْوِ عَنْ كُفْرِهِمْ.

وانْتَصَبَ شَيْئًا عَلى المَفْعُولِ المُطْلَقِ لِفِعْلِ لَنْ تُغْنِيَ أيْ شَيْئًا مِن غَناءٍ. وتَنْكِيرُ شَيْئًا لِلتَّقْلِيلِ.

وجُمْلَةُ ﴿وأُولَئِكَ أصْحابُ النّارِ﴾ عَطْفٌ عَلى جُمْلَةِ ﴿لَنْ تُغْنِيَ عَنْهم أمْوالُهم ولا أوْلادُهُمْ﴾ . وجِيءَ بِالجُمْلَةِ مَعْطُوفَةً، عَلى خِلافِ الغالِبِ في أمْثالِها أنْ يَكُونَ بِدُونِ عَطْفٍ، لِقَصْدِ أنْ تَكُونَ الجُمْلَةُ مُنْصَبًّا عَلَيْها التَّأْكِيدُ بِحَرْفِ إنْ فَيَكْمُلُ لَها مِن أدِلَّةِ تَحْقِيقِ مَضْمُونِها خَمْسَةُ أدِلَّةٍ هي: التَّأْكِيدُ بِأنَّ، ومَوْقِعُ اسْمِ الإشارَةِ، والإخْبارُ عَنْهم بِأنَّهم أصْحابُ النّارِ، وضَمِيرُ الفَصْلِ، ووَصْفُ خالِدُونَ.