﴿يا أيُّها الَّذِينَ آمَنُوا لا تَأْكُلُوا الرِّبا أضْعافًا مُضاعَفَةً واتَّقُوا اللَّهَ لَعَلَّكم تُفْلِحُونَ﴾ ﴿واتَّقُوا النّارَ الَّتِي أُعِدَّتْ لِلْكافِرِينَ﴾ ﴿وأطِيعُوا اللَّهَ والرَّسُولَ لَعَلَّكم تُرْحَمُونَ﴾ .

لَوْلا أنَّ الكَلامَ عَلى يَوْمِ أُحُدٍ لَمْ يَكْمُلْ، إذْ هو سَيُعادُ عِنْدَ قَوْلِهِ تَعالى ﴿قَدْ خَلَتْ مِن قَبْلِكم سُنَنٌ﴾ [آل عمران: ١٣٧] إلى قَوْلِهِ ﴿يَسْتَبْشِرُونَ بِنِعْمَةٍ مِنَ اللَّهِ﴾ [آل عمران: ١٧١] الآيَةَ لَقُلْنا إنَّ قَوْلَهُ ﴿يا أيُّها الَّذِينَ آمَنُوا لا تَأْكُلُوا الرِّبا﴾ اقْتِضابُ تَشْرِيعٍ، ولَكِنَّهُ مُتَعَيِّنٌ لِأنْ نَعْتَبِرَهُ اسْتِطْرادًا في خِلالِ الحَدِيثِ عَنْ يَوْمِ أُحُدٍ، ثُمَّ لَمْ يَظْهَرْ وجْهُ المُناسِبَةِ في وُقُوعِهِ في هَذا الأثْناءِ. قالَ ابْنُ عَطِيَّةَ: ولا أحْفَظُ سَبَبًا في ذَلِكَ مَرْوِيًّا. وقالَ الفَخْرُ: مِنَ النّاسِ مَن قالَ: لَمّا أرْشَدَ اللَّهُ المُؤْمِنِينَ إلى الأصْلَحِ لَهم في أمْرِ الدِّينِ والجِهادِ أتْبَعَ ذَلِكَ بِما يَدْخُلُ في الأمْرِ والنَّهْيِ فَقالَ ﴿يا أيُّها الَّذِينَ آمَنُوا لا تَأْكُلُوا الرِّبا﴾ فَلا تَعَلُّقَ لَها بِما قَبْلَها.

وقالَ القَفّالُ: لَمّا أنْفَقَ المُشْرِكُونَ عَلى جُيُوشِهِمْ أمْوالًا جَمَعُوها مِنَ الرِّبا، خِيفَ أنْ يَدْعُوَ ذَلِكَ المُسْلِمِينَ إلى الإقْدامِ عَلى الرِّبا. وهَذِهِ مُناسَبَةٌ مُسْتَبْعَدَةٌ. وقالَ ابْنُ عَرَفَةَ: لَمّا ذَكَرَ اللَّهُ وعِيدَ الكُفّارِ عَقَّبَهُ بِبَيانِ أنَّ الوَعِيدَ لا يَخُصُّهم بَلْ يَتَناوَلُ العُصاةَ، وذَكَرَ أحَدَ صُوَرِ العِصْيانِ وهي أكْلُ الرِّبا. وهو في ضَعْفِ ما قَبْلَهُ، وعِنْدِي بادِئَ ذِي بَدْءٍ أنْ لا حاجَةَ إلى اطِّرادِ المُناسَبَةِ، فَإنَّ مُدَّةَ نُزُولِ السُّورَةِ قابِلَةٌ لِأنْ تَحْدُثَ في خِلالِها حَوادِثُ يَنْزِلُ فِيها قُرْآنٌ فَيَكُونُ مِن جُمْلَةِ تِلْكَ

صفحة ٨٥

السُّورَةِ، كَما بَيَّنّاهُ في المُقَدِّمَةِ الثّامِنَةِ، فَتَكُونُ هاتِهِ الآيَةُ نَزَلَتْ عَقِبَ ما نَزَلَ قَبْلَها فَكُتِبَتْ هُنا ولا تَكُونُ بَيْنَهُما مُناسَبَةٌ إذْ هو مُلْحَقٌ إلْحاقًا بِالكَلامِ.

ويَتَّجِهُ أنْ يَسْألَ سائِلٌ عَنْ وجْهِ إعادَةِ النَّهْيِ عَنِ الرِّبا في هَذِهِ السُّورَةِ بَعْدَ ما سَبَقَ مِن آياتِ سُورَةِ البَقَرَةِ - بِما هو أوْفى مِمّا في هَذِهِ السُّورَةِ، فالجَوابُ: أنَّ الظّاهِرَ أنَّ هَذِهِ الآيَةَ نَزَلَتْ قَبْلَ نُزُولِ آيَةِ - سُورَةِ البَقَرَةِ - فَكانَتْ هَذِهِ تَمْهِيدًا لِتِلْكَ، ولَمْ يَكُنِ النَّهْيُ فِيها بالِغًا ما في - سُورَةِ البَقَرَةِ - وقَدْ رُوِيَ أنَّ آيَةَ البَقَرَةِ نَزَلَتْ بَعْدَ أنْ حَرَّمَ اللَّهُ الرِّبا وأنَّ ثَقِيفًا قالُوا: كَيْفَ نُنْهى عَنِ الرِّبا، وهو مِثْلُ البَيْعِ، ويَكُونُ وصْفُ الرِّبا بِ ﴿أضْعافًا مُضاعَفَةً﴾ نَهْيًا عَنِ الرِّبا الفاحِشِ وسَكَتَ عَمّا دُونَ ذَلِكَ مِمّا لا يَبْلُغُ مَبْلَغَ الأضْعافِ، ثُمَّ نَزَلَتِ الآيَةُ الَّتِي في - سُورَةِ البَقَرَةِ - ويُحْتَمَلُ أنْ يَكُونَ بَعْضُ المُسْلِمِينَ دايَنَ بَعْضًا بِالمُراباةِ عَقِبَ غَزْوَةِ أُحُدٍ فَنَزَلَ تَحْرِيمُ الرِّبا في مُدَّةِ نُزُولِ قِصَّةِ تِلْكَ الغَزْوَةِ. وتَقَدَّمَ الكَلامُ عَلى مَعْنى أكْلِ الرِّبا، وعَلى مَعْنى الرِّبا، ووَجْهُ تَحْرِيمِهِ في - سُورَةِ البَقَرَةِ - . وقَوْلُهُ: ﴿أضْعافًا مُضاعَفَةً﴾ حالٌ مِنَ الرِّبا والأضْعافُ جَمْعُ ضِعْفٍ - بِكَسْرِ الضّادِ - وهو مُعادِلٌ في المِقْدارِ إذا كانَ الشَّيْءُ ومُماثِلُهُ مُتَلازِمَيْنِ، لا تَقُولُ: عِنْدِي ضِعْفُ دِرْهَمِكَ، إذْ لَيْسَ الأصْلُ عِنْدَكَ، بَلْ يَحْسُنُ أنْ تَقُولَ: عِنْدِي دِرْهَمانِ، وإنَّما تَقُولُ: عِنْدِي دِرْهَمٌ وضِعْفُهُ، إذا كانَ أصْلُ الدِّرْهَمِ عِنْدَكَ، وتَقُولُ: لَكَ دِرْهَمٌ وضِعْفُهُ إذا فَعَلْتَ كَذا.

والضِّعْفُ يُطْلَقُ عَلى الواحِدِ إذا كانَ غَيْرَ مُعَرَّفٍ بِألْ نَحْوَ ضِعْفِهِ، فَإذا أُرِيدَ الجَمْعُ جِيءَ بِهِ بِصِيغَةِ الجَمْعِ كَما هُنا، وإذا عُرِّفَ الضِّعْفُ بِألْ صَحَّ اعْتِبارُ العَهْدِ واعْتِبارُ الجِنْسِ، كَقَوْلِهِ تَعالى ﴿فَأُولَئِكَ لَهم جَزاءُ الضِّعْفِ بِما عَمِلُوا﴾ [سبإ: ٣٧] فَإنَّ الجَزاءَ أضْعافٌ، كَما جاءَ في الحَدِيثِ إلى سَبْعِمِائَةِ ضِعْفٍ.

وقَوْلُهُ مُضاعَفَةً صِفَةٌ لِلْأضْعافِ أيْ هي أضْعافٌ يَدْخُلُها التَّضْعِيفُ، وذَلِكَ أنَّهم كانُوا إذا دايَنُوا أحَدًا إلى أجَلٍ دايَنُوهُ بِزِيادَةٍ، ومَتى أعْسَرَ عِنْدَ الأجَلِ أوْ رامَ التَّأْخِيرَ زادَ مِثْلَ تِلْكَ الزِّيادَةِ، فَيَصِيرُ الضِّعْفُ ضِعْفًا، ويَزِيدُ، وهَكَذا، فَيَصْدُقُ

صفحة ٨٦

بِصُورَةِ أنْ يَجْمَعُوا الدَّيْنَ مُضاعَفًا بِمِثْلِهِ إلى الأجَلِ، وإذا ازْدادَ أجَلًا ثانِيًا زادَ مِثْلَ جَمِيعِ ذَلِكَ، فالأضْعافُ مِن أوَّلِ التَّدايُنِ لِلْأجَلِ الأوَّلِ، ومُضاعَفَتُها في الآجالِ المُوالِيَةِ، ويَصْدُقُ بِأنْ يُدايِنُوا بِمُراباةٍ دُونَ مِقْدارِ الدَّيْنِ ثُمَّ تَزِيدُ بِزِيادَةِ الآجالِ، - حَتّى يَصِيرَ الدَّيْنُ أضْعافًا، وتَصِيرَ الأضْعافُ أضْعافًا، فَإنْ كانَ الأوَّلُ فالحالُ وارِدَةٌ لِحِكايَةِ الواقِعِ فَلا تُفِيدُ مَفْهُومًا: لِأنَّ شَرْطَ اسْتِفادَةِ المَفْهُومِ مِنَ القُيُودِ أنْ لا يَكُونَ القَيْدُ المَلْفُوظُ بِهِ جَرى لِحِكايَةِ الواقِعِ، وإنْ كانَ الثّانِي فالحالُ وارِدَةٌ لِقَصْدِ التَّشْنِيعِ وإرادَةِ هَذِهِ العاقِبَةِ الفاسِدَةِ. وإذْ قَدْ كانَ غالِبُ المَدِينِينَ تَسْتَمِرُّ حاجَتُهم آجالًا طَوِيلَةً، كانَ الوُقُوعُ في هَذِهِ العاقِبَةِ مُطَّرِدًا، وحِينَئِذٍ فالحالُ لا تُفِيدُ مَفْهُومًا كَذَلِكَ إذْ لَيْسَ القَصْدُ مِنها التَّقْيِيدُ بَلِ التَّشْنِيعُ، فَلا يَقْتَصِرُ التَّحْرِيمُ بِهَذِهِ الآيَةِ عَلى الرِّبا البالِغِ أضْعافًا كَثِيرَةً، حَتّى يَقُولَ قائِلٌ: إذا كانَ الرِّبا أقَلَّ مِن ضِعْفِ رَأْسِ المالِ فَلَيْسَ بِمُحَرَّمٍ. فَلَيْسَ هَذا الحالُ هو مَصَبَّ النَّهْيِ عَنْ أكْلِ الرِّبا حَتّى يَتَوَهَّمَ مُتَوَهِّمٌ أنَّهُ إنْ كانَ دُونَ الضَّعْفِ لَمْ يَكُنْ حَرامًا. ويَظْهَرُ أنَّها أوَّلُ آيَةٍ نَزَلَتْ في تَحْرِيمِ الرِّبا، وجاءَتْ بَعْدَها آيَةُ البَقَرَةِ، لِأنَّ صِيغَةَ هَذِهِ الآيَةِ تُناسِبُ ابْتِداءَ التَّشْرِيعِ، وصِيغَةُ آيَةِ البَقَرَةِ تَدُلُّ عَلى أنَّ الحُكْمَ قَدْ تَقَرَّرَ، ولِذَلِكَ ذَكَرَ في تِلْكَ الآيَةِ عَذابَ المُسْتَمِرِّ عَلى أكْلِ الرِّبا. وذَكَرَ غُرُورَ مَن ظَنَّ الرِّبا مِثْلَ البَيْعِ، وقِيلَ فِيها ﴿فَمَن جاءَهُ مَوْعِظَةٌ مِن رَبِّهِ فانْتَهى فَلَهُ ما سَلَفَ﴾ [البقرة: ٢٧٥] الآيَةَ، كَما ذَكَرْناهُ آنِفًا، فَمَفْهُومُ القَيْدِ مُعَطَّلٌ عَلى كُلِّ حالٍ.

وحِكْمَةُ تَحْرِيمِ الرِّبا هي قَصْدُ الشَّرِيعَةِ حَمْلَ الأُمَّةِ عَلى مُواساةِ غَنِيِّها مُحْتاجِها احْتِياجًا عارِضًا مُوَقَّتًا بِالقَرْضِ، فَهو مَرْتَبَةٌ دُونَ الصَّدَقَةِ، وهو ضَرْبٌ مِنَ المُواساةِ إلّا أنَّ المُواساةَ مِنها فَرْضٌ كالزَّكاةِ، ومِنها نَدْبٌ كالصَّدَقَةِ والسَّلَفِ، فَإنِ انْتَدَبَ لَها المُكَلَّفُ حَرُمَ عَلَيْهِ طَلَبُ عِوَضٍ عَنْها، وكَذَلِكَ المَعْرُوفُ كُلُّهُ، وذَلِكَ أنَّ العِبادَةَ الماضِيَةَ في الأُمَمِ، وخاصَّةً العَرَبَ، أنَّ المَرْءَ لا يَتَدايَنُ إلّا لِضَرُورَةِ حَياتِهِ، فَلِذَلِكَ كانَ حَقُّ الأُمَّةِ مُواساتَهُ. والمُواساةُ يَظْهَرُ أنَّها فَرْضُ كِفايَةٍ عَلى القادِرِينَ عَلَيْها، فَهو غَيْرُ الَّذِي جاءَ يُرِيدُ المُعامَلَةَ لِلرِّبْحِ كالمُتَبايِعِينَ

صفحة ٨٧

والمُتَقارِضَيْنِ: لِلْفَرْقِ الواضِحِ في العُرْفِ بَيْنَ التَّعامُلِ وبَيْنَ التَّدايُنِ، إلّا أنَّ الشَّرْعَ مَيَّزَ هاتِهِ المَواهِي بَعْضَها عَنْ بَعْضٍ بِحَقائِقِها الذّاتِيَّةِ، لا بِاخْتِلافِ أحْوالِ المُتَعاقِدِينَ. فَلِذَلِكَ لَمْ يَسْمَحْ لِصاحِبِ المالِ في اسْتِثْمارِهِ بِطَرِيقَةِ الرِّبا في السَّلَفِ، ولَوْ كانَ المُسْتَلِفُ غَيْرَ مُحْتاجٍ، بَلْ كانَ طالِبَ سَعَةٍ وإثْراءٍ بِتَحْرِيكِ المالِ الَّذِي اسْتَلَفَهُ في وُجُوهِ الرِّبْحِ والتِّجارَةِ ونَحْوِ ذَلِكَ، وسُمِحَ لِصاحِبِ المالِ في اسْتِثْمارِهِ بِطَرِيقَةِ الشَّرِكَةِ والتِّجارَةِ ودَيْنِ السَّلَمِ، ولَوْ كانَ الرِّبْحُ في ذَلِكَ أكْثَرَ مِن مِقْدارِ الرِّبا، تَفْرِقَةً بَيْنَ المَواهِي الشَّرْعِيَّةِ.

ويُمْكِنُ أنْ يَكُونَ مَقْصِدُ الشَّرِيعَةِ مِن تَحْرِيمِ الرِّبا البُعْدَ بِالمُسْلِمِينَ عَنِ الكَسَلِ في اسْتِثْمارِ المالِ، وإلْجاءَهم إلى التَّشارُكِ والتَّعاوُنِ في شُئُونِ الدُّنْيا، فَيَكُونُ تَحْرِيمُ الرِّبا، ولَوْ كانَ قَلِيلًا، مَعَ تَجْوِيزِ الرِّبْحِ مِنَ التِّجارَةِ والشَّرِكاتِ، ولَوْ كانَ كَثِيرًا، تَحْقِيقًا لِهَذا المَقْصِدِ.

ولَقَدْ قَضى المُسْلِمُونَ قُرُونًا طَوِيلَةً لَمْ يَرَوْا أنْفُسَهم فِيها مُحْتاجِينَ إلى التَّعامُلِ بِالرِّبا، ولَمْ تَكُنْ ثَرْوَتُهم أيّامَئِذٍ قاصِرَةً عَنْ ثَرْوَةِ بَقِيَّةِ الأُمَمِ في العالَمِ، أزْمانَ كانَتْ سِيادَةُ العالَمِ بِيَدِهِ، أوْ أزْمانَ كانُوا مُسْتَقِلِّينَ بِإدارَةِ شُئُونِهِمْ، فَلَمّا صارَتْ سِيادَةُ العالَمِ بِيَدِ أُمَمٍ غَيْرِ إسْلامِيَّةٍ، وارْتَبَطَ المُسْلِمُونَ بِغَيْرِهِمْ في التِّجارَةِ والمُعامَلَةِ، وانْتَظَمَتْ سُوقُ الثَّرْوَةِ العالَمِيَّةِ عَلى قَواعِدِ القَوانِينِ الَّتِي لا تَتَحاشى المُراباةَ في المُعامَلاتِ، ولا تَعْرِفُ أسالِيبَ مُواساةِ المُسْلِمِينَ، دُهِشَ المُسْلِمُونَ، وهُمُ اليَوْمَ يَتَساءَلُونَ، وتَحْرِيمُ الرِّبا في الآيَةِ صَرِيحٌ، ولَيْسَ لِما حَرَّمَهُ اللَّهُ مُبِيحٌ. ولا مُخَلِّصَ مِن هَذا إلّا أنْ تَجْعَلَ الدُّوَلُ الإسْلامِيَّةُ قَوانِينَ مالِيَّةً تُبْنى عَلى أُصُولِ الشَّرِيعَةِ في المَصارِفِ، والبُيُوعِ، وعُقُودِ المُعامَلاتِ المُرَكَّبَةِ مِن رُءُوسِ الأمْوالِ وعَمَلِ العُمّالِ. وحَوالاتِ الدُّيُونِ ومُقاصَّتِها وبَيْعِها. وهَذا يَقْضِي بِإعْمالِ أنْظارِ عُلَماءِ الشَّرِيعَةِ والتَّدارُسِ بَيْنَهم في مَجْمَعٍ يَحْوِي طائِفَةً مِن كُلِّ فُرْقَةٍ كَما أمَرَ اللَّهُ تَعالى.

وقَدْ تَقَدَّمَ ذِكْرُ الرِّبا والبُيُوعِ الرِّبَوِيَّةِ عِنْدَ تَفْسِيرِ قَوْلِهِ تَعالى ﴿الَّذِينَ يَأْكُلُونَ الرِّبا لا يَقُومُونَ إلّا كَما يَقُومُ الَّذِي يَتَخَبَّطُهُ الشَّيْطانُ مِنَ المَسِّ﴾ [البقرة: ٢٧٥] الآياتِ الخَمْسَ مِن سُورَةِ البَقَرَةِ.

صفحة ٨٨

وقَوْلُهُ ﴿واتَّقُوا النّارَ الَّتِي أُعِدَّتْ لِلْكافِرِينَ﴾ تَحْذِيرٌ وتَنْفِيرٌ مِنَ النّارِ وما يُوقِعُ فِيها، بِأنَّها مَعْدُودَةٌ لِلْكافِرِينَ. وإعْدادُها لِلْكافِرِينَ عَدْلٌ مِنَ اللَّهِ تَعالى وحِكْمَتُهُ لِأنَّ تَرْتِيبَ الأشْياءِ عَلى أمْثالِها مِن أكْبَرِ مَظاهِرِ الحِكْمَةِ، ومَن أشْرَكُوا بِاللَّهِ مَخْلُوقاتِهِ، فَقَدِ اسْتَحَقُّوا الحِرْمانَ مِن رَحَماتِهِ، والمُسْلِمُونَ لا يَرْضَوْنَ بِمُشارَكَةِ الكافِرِينَ لِأنَّ الإسْلامَ الحَقَّ يُوجِبُ كَراهِيَةَ ما يَنْشَأُ عَنِ الكُفْرِ. وذاكَ تَعْرِيضٌ واضِحٌ في الوَعِيدِ عَلى أخْذِ الرِّبا.

ومُقابِلُ هَذا التَّنْفِيرِ التَّرْغِيبُ الآتِي في قَوْلِهِ ﴿وجَنَّةٍ عَرْضُها السَّماواتُ والأرْضُ أُعِدَّتْ لِلْمُتَّقِينَ﴾ [آل عمران: ١٣٣] والتَّقْوى أعْلى دَرَجاتِ الإيمانِ.

وتَعْرِيفُ النّارِ بِهَذِهِ الصِّلَةِ يُشْعِرُ بِأنَّهُ قَدْ شاعَ بَيْنَ المُسْلِمِينَ هَذا الوَصْفُ لِلنّارِ بِما في القُرْآنِ مِن نَحْوِ قَوْلِهِ تَعالى ﴿يا أيُّها الَّذِينَ آمَنُوا قُوا أنْفُسَكم وأهْلِيكم نارًا وقُودُها النّاسُ والحِجارَةُ﴾ [التحريم: ٦] وقَوْلِهِ ﴿وبُرِّزَتِ الجَحِيمُ لِلْغاوِينَ﴾ [الشعراء: ٩١] الآيَةَ.