Welcome to the Tafsir Tool!
This allows users to review and suggest improvements to the existing tafsirs.
If you'd like to contribute to improving this tafsir, simply click the Request Access button below to send a request to the admin. Once approved, you'll be able to start suggesting improvements to this tafsir.
﴿يا أيُّها الَّذِينَ آمَنُوا إنْ تُطِيعُوا الَّذِينَ كَفَرُوا يَرُدُّوكم عَلى أعْقابِكم فَتَنْقَلِبُوا خاسِرِينَ﴾ ﴿بَلِ اللَّهُ مَوْلاكم وهْوَ خَيْرُ النّاصِرِينَ﴾ .
اسْتِئْنافٌ ابْتِدائِيٌّ لِلِانْتِقالِ مِنَ التَّوْبِيخِ واللَّوْمِ والعِتابِ إلى التَّحْذِيرِ، لِيَتَوَسَّلَ مِنهُ إلى مُعاوَدَةِ التَّسْلِيَةِ، عَلى ما حَصَلَ مِنَ الهَزِيمَةِ، وفي ضِمْنِ ذَلِكَ كُلِّهِ، مِنَ الحَقائِقِ الحُكْمِيَّةِ والمَواعِظِ الأخْلاقِيَّةِ والعِبَرِ التّارِيخِيَّةِ، ما لا يُحْصِيهِ مُرِيدُ إحْصائِهِ.
والطّاعَةُ تُطْلَقُ عَلى امْتِثالِ أمْرِ الآمِرِ وهو مَعْرُوفٌ، وعَلى الدُّخُولِ تَحْتَ حُكْمِ الغالِبِ، فَيُقالُ طاعَتْ قَبِيلَةُ كَذا وطَوَّعَ الجَيْشُ بِلادَ كَذا.
(والَّذِينَ كَفَرُوا) شائِعٌ في اصْطِلاحِ القُرْآنِ أنْ يُرادَ بِهِ المُشْرِكُونَ، واللَّفْظُ صالِحٌ بِالوَضْعِ لِكُلِّ كافِرٍ مِن مُشْرِكٍ وكِتابِيٍّ، مُظْهِرٌ أوْ مُنافِقٌ.
والرَّدُّ عَلى الأعْقابِ: الِارْتِدادُ، والِانْقِلابُ: الرُّجُوعُ، وقَدْ تَقَدَّمَ القَوْلُ فِيهِما عِنْدَ قَوْلِهِ ﴿أفَإينْ ماتَ أوْ قُتِلَ انْقَلَبْتُمْ عَلى أعْقابِكُمْ﴾ [آل عمران: ١٤٤] فالظّاهِرُ أنَّهُ
صفحة ١٢٢
أرادَ مِن هَذا الكَلامِ تَحْذِيرَ المُؤْمِنِينَ مِن أنْ يُخامِرَهم خاطِرُ الدُّخُولِ في صُلْحِ المُشْرِكِينَ وأمانِهِمْ، لِأنَّ في ذَلِكَ إظْهارَ الضَّعْفِ أمامَهم، والحاجَةَ إلَيْهِمْ، فَإذا مالُوا إلَيْهِمُ اسْتَدْرَجُوهم رُوَيْدًا رُوَيْدًا، بِإظْهارِ عَدَمِ كَراهِيَةِ دِينِهِمُ المُخالِفِ لَهم، حَتّى يَرُدُّوهم عَنْ دِينِهِمْ لِأنَّهم لَنْ يَرْضَوْا عَنْهم حَتّى يَرْجِعُوا إلى مِلَّتِهِمْ، فالرَّدُّ عَلى الأعْقابِ عَلى هَذا يَحْصُلُ بِالإخارَةِ والمَآلِ، وقَدْ وقَعَتْ هَذِهِ العِبْرَةُ في طاعَةِ مُسْلِمِي الأنْدَلُسِ لِطاغِيَةِ الجَلالِقَةِ. وعَلى هَذا الوَجْهِ تَكُونُ الآيَةُ مُشِيرَةً إلى تَسْفِيهِ رَأْيِ مَن قالَ لَوْ كَلَّمْنا عَبْدَ اللَّهِ بْنَ أُبَيٍّ يَأْخُذُ لَنا أمانًا مِن أبِي سُفْيانَ كَما يَدُلُّ عَلَيْهِ قَوْلُهُ ﴿بَلِ اللَّهُ مَوْلاكُمْ﴾ .ويُحْتَمَلُ أنْ يُرادَ مِنَ الطّاعَةِ طاعَةُ القَوْلِ والإشارَةِ، أيِ الِامْتِثالُ، وذَلِكَ قَوْلُ المُنافِقِينَ لَهم: لَوْ كانَ مُحَمَّدٌ نَبِيئًا ما قُتِلَ فارْجِعُوا إلى إخْوانِكم ومِلَّتِكم. ومَعْنى الرَّدِّ عَلى الأعْقابِ في هَذا الوَجْهِ أنَّهُ يَحْصُلُ مُباشَرَةً في حالِ طاعَتِهِمْ إيّاهم.
وقَوْلُهُ ﴿بَلِ اللَّهُ مَوْلاكُمْ﴾ إضْرابٌ لِإبْطالِ ما تَضَمَّنَهُ ما قَبْلَهُ، فَعَلى الوَجْهِ الأوَّلِ تَظْهَرُ المُناسَبَةُ غايَةَ الظُّهُورِ، لِأنَّ الطّاعَةَ عَلى ذَلِكَ الوَجْهِ هي مِن قَبِيلِ المُوالاةِ والحَلِفِ فَناسَبَ إبْطالَها بِالتَّذْكِيرِ بِأنَّ مَوْلى المُؤْمِنِينَ هو اللَّهُ تَعالى، ولِهَذا التَّذْكِيرِ مَوْقِعٌ عَظِيمٌ: وهو أنَّ نَقْضَ الوَلاءِ والحِلْفِ أمْرٌ عَظِيمٌ عِنْدَ العَرَبِ، فَإنَّ لِلْوَلاءِ عِنْدَهم شَأْنًا كَشَأْنِ النَّسَبِ، وهَذا مَعْنًى قَرَّرَهُ الإسْلامُ في خُطْبَةِ حَجَّةِ الوَداعِ أوْ فَتْحِ مَكَّةَ مَنِ انْتَسَبَ إلى غَيْرِ أبِيهِ أوِ انْتَمى إلى غَيْرِ مَوالِيهِ فَعَلَيْهِ لَعْنَةُ اللَّهِ والمَلائِكَةِ والنّاسِ أجْمَعِينَ فَكَيْفَ إذا كانَ الوَلاءُ ولاءَ سَيِّدِ المُوالِي كُلِّهِمْ.
وعَلى الوَجْهِ الثّانِي في مَعْنى ﴿إنْ تُطِيعُوا الَّذِينَ كَفَرُوا﴾ تَكُونُ المُناسَبَةُ بِاعْتِبارِ ما في طاعَةِ المُنافِقِينَ مِن مُوالاتِهِمْ وتَرْكِ ولاءِ اللَّهِ تَعالى.
وقَوْلُهُ ﴿وهُوَ خَيْرُ النّاصِرِينَ﴾ يُقَوِّي مُناسِبَةَ الوَجْهِ الأوَّلِ ويَزِيدُ إرادَتَهُ ظُهُورًا. و﴿خَيْرُ النّاصِرِينَ﴾ هو أفْضَلُ المَوْصُوفِينَ بِالوَصْفِ، فِيما يُرادُ مِنهُ، وفي مَوْقِعِهِ، وفائِدَتِهِ، فالنَّصْرُ يُقْصَدُ مِنهُ دَفْعُ الغَلَبِ عَنِ المَغْلُوبِ، فَمَتى كانَ الدَّفْعُ أقْطَعَ لِلْغالِبِ كانَ النَّصْرُ أفْضَلَ، ويُقْصَدُ مِنهُ دَفْعُ الظُّلْمِ فَمَتى كانَ النَّصْرُ
صفحة ١٢٣
قاطِعًا لِظُلْمِ الظّالِمِ كانَ مَوْقِعُهُ أفْضَلَ، وفائِدَتُهُ أكْمَلَ، فالنَّصْرُ لا يَخْلُو مِن مِدْحَةٍ لِأنَّ فِيهِ ظُهُورَ الشُّجاعَةِ وإباءَ الضَّيْمِ والنَّجْدَةِ. قالَ ودّاكُ بْنُ ثُمَيْلٍ المازِنِيُّ:إذا اسْتَنْجَدُوا لَمْ يَسْألُوا مَن دَعاهُمُ لِأيَّةِ حَرْبٍ أمْ بِأيِّ مَكانِ
ولَكِنَّهُ إذا كانَ تَأْيِيدًا لِظالِمٍ أوْ قاطِعِ طَرِيقٍ، كانَ فِيهِ دَخَلٌ ومَذَمَّةٌ، فَإذا كانَ إظْهارًا لِحَقِّ المُحِقِّ وإبْطالِ الباطِلِ، اسْتَكْمَلَ المَحْمَدَةَ، ولِذَلِكَ فَسَّرَ النَّبِيءُ ﷺ نَصْرَ الظّالِمِ بِما يُناسِبُ خُلُقَ الإسْلامِ لَمّا قالَ «انْصُرْ أخاكَ ظالِمًا أوْ مَظْلُومًا فَقالَ بَعْضُ القَوْمِ: هَذا أنْصُرُهُ إذا كانَ مَظْلُومًا فَكَيْفَ أنْصُرُهُ إذا كانَ ظالِمًا ؟ فَقالَ أنْ تَنْصُرَهُ عَلى نَفْسِهِ فَتَكُفُّهُ عَنْ ظُلْمِهِ» .