Welcome to the Tafsir Tool!
This allows users to review and suggest improvements to the existing tafsirs.
If you'd like to contribute to improving this tafsir, simply click the Request Access button below to send a request to the admin. Once approved, you'll be able to start suggesting improvements to this tafsir.
﴿لَقَدْ مَنَّ اللَّهُ عَلى المُؤْمِنِينَ إذْ بَعَثَ فِيهِمْ رَسُولًا مِن أنْفُسِهِمْ يَتْلُو عَلَيْهِمْ آياتِهِ ويُزَكِّيهِمْ ويُعَلِّمُهُمُ الكِتابَ والحِكْمَةَ وإنْ كانُوا مِن قَبْلُ لَفي ضَلالٍ مُبِينٍ﴾ .
اسْتِئْنافٌ لِتَذْكِيرِ رِجالِ يَوْمِ أُحُدٍ وغَيْرِهِمْ مِنَ المُؤْمِنِينَ بِنِعْمَةِ اللَّهِ عَلَيْهِمْ. ومُناسَبَةِ ذِكْرِهِ هُنا أنَّ فِيهِ مِنَ التَّسْلِيَةِ عَلى مُصِيبَةِ الهَزِيمَةِ حَظًّا عَظِيمًا، إذْ قَدْ
صفحة ١٥٨
شاعَ تَصْبِيرُ المَحْزُونِ وتَعْزِيَتُهُ بِتَذْكِيرِهِ ما هو فِيهِ مِنَ النِّعَمِ، ولَهُ مَزِيدُ ارْتِباطٍ بِقَوْلِهِ فَبِما رَحْمَةٍ مِنَ اللَّهِ لِنْتَ لَهم، وكَذَلِكَ جاءَتْ آيُ هَذا الغَرَضِ في قِصَّةِ أُحُدٍ ناشِئًا بَعْضُها عَنْ بَعْضٍ، مُتَفَنِّنَةً في مَواقِعِها بِحَسَبِ ما سَمَحَتْ بِهِ فُرَصُ الفَراغِ مِن غَرَضٍ والشُّرُوعِ في غَيْرِهِ فَما تَجِدُ طَرّادَ الكَلامِ يَغْدُو طَلْقًا في حَلْبَةِ الِاسْتِطْرادِ إلّا وتَجِدُ لَهُ رَواحًا إلى مُنْبَعَثِهِ.والمَنُّ هُنا: إسْداءُ المِنَّةِ أيِ النِّعْمَةِ، ولَيْسَ هو تَعْدادُ النِّعْمَةِ، عَلى المُنْعَمِ عَلَيْهِ مِثْلُ الَّذِي في قَوْلِهِ لا تُبْطِلُوا صَدَقاتِكم بِالمَنِّ والأذى في سُورَةِ البَقَرَةِ، وإنْ كانَ ذِكْرُ هَذا المَنِّ مَنًّا بِالمَعْنى الآخَرِ، والكُلُّ مَحْمُودٌ مِنَ اللَّهِ تَعالى لِأنَّ المَنَّ إنَّما كانَ مَذْمُومًا لِما فِيهِ مِن إبْداءِ التَّطاوُلِ عَلى المُنْعَمِ عَلَيْهِ، وطَوْلُ اللَّهِ لَيْسَ بِمَجْحُودٍ.
والمُرادُ بِ (المُؤْمِنِينَ) هُنا المُؤْمِنُونَ يَوْمَئِذٍ وهُمُ الَّذِينَ كانُوا مَعَ النَّبِيءِ ﷺ بِقَرِينَةِ السِّياقِ وهو قَوْلُهُ ﴿إذْ بَعَثَ فِيهِمْ رَسُولًا مِن أنْفُسِهِمْ﴾ أيْ أُمَّتِهِمُ العَرَبِيَّةِ.
و(إذْ) ظَرْفٌ لِـ (مَنَّ) لِأنَّ الإنْعامَ بِهَذِهِ النِّعْمَةِ حَصَلَ أوْقاتَ البَعْثِ.
ومَعْنى مِن أنْفُسِهِمْ المُماثَلَةُ لَهم في الأشْياءِ الَّتِي تَكُونُ المُماثَلَةُ فِيها سَبَبًا لِقُوَّةِ التَّواصُلِ، وهي هُنا النَّسَبُ، واللُّغَةُ، والوَطَنُ. والعَرَبُ تَقُولُ: فُلانٌ مِن بَنِي فُلانٍ مِن أنْفُسِهِمْ، أيْ مِن صَمِيمِهِمْ لَيْسَ انْتِسابُهُ إلَيْهِمْ بِوَلاءٍ أوْ لَصْقٍ، وكَأنَّ هَذا وجْهُ إطْلاقِ النَّفْسِ عَلَيْهِ الَّتِي هي في مَعْنى المُماثَلَةِ، فَكَوْنُهُ مِن أهْلِ نَسَبِهِمْ أيْ كَوْنُهُ عَرَبِيًّا يُوجِبُ أُنْسَهم بِهِ والرُّكُونَ إلَيْهِ وعَدَمَ الِاسْتِيحاشِ مِنهُ، وكَوْنُهُ يَتَكَلَّمُ بِلِسانِهِمْ يَجْعَلُهم سَرِيعِينَ إلى فَهْمِ ما يَجِيءُ بِهِ، وكَوْنُهُ جارًا لَهم ورَبِيًّا فِيهِمْ يُعَجِّلُ لَهُمُ التَّصْدِيقَ بِرِسالَتِهِ، إذْ يَكُونُونَ قَدْ خَبَرُوا أمْرَهُ، وعَلِمُوا فَضْلَهُ، وشاهَدُوا اسْتِقامَتَهُ ومُعْجِزاتِهِ. وعَنِ النِّقاشِ: قِيلَ لَيْسَ في العَرَبِ قَبِيلَةٌ إلّا ولَها وِلادَةٌ لِرَسُولِ اللَّهِ ﷺ إلّا تَغْلِبَ، وبِذَلِكَ فُسِّرَ قُلْ لا أسْألُكم عَلَيْهِ أجْرًا إلّا المَوَدَّةَ في القُرْبى.
صفحة ١٥٩
وهَذِهِ المِنَّةُ خاصَّةٌ بِالعَرَبِ ومَزِيَّةٌ لَهم، زِيادَةً عَلى المِنَّةِ بِبَعْثَةِ مُحَمَّدٍ عَلى جَمِيعِ البَشَرِ، فالعَرَبُ وهُمُ الَّذِينَ تَلَقَّوُا الدَّعْوَةَ قَبْلَ النّاسِ كُلِّهِمْ، لِأنَّ اللَّهَ أرادَ ظُهُورَ الدِّينِ بَيْنَهم لِيَتَلَقَّوْهُ التَّلَقِّيَ الكامِلَ المُناسِبَ لِصَفاءِ أذْهانِهِمْ وسُرْعَةِ فَهْمِهِمْ لِدَقائِقِ اللُّغَةِ، ثُمَّ يَكُونُوا هم حَمَلَتَهُ إلى البَشَرِ، فَيَكُونُوا أعْوانًا عَلى عُمُومِ الدَّعْوَةِ، ولِمَن تَخَلَّقَ بِأخْلاقِ العَرَبِ وأتْقَنَ لِسانَهم والتَبَسَ بِعَوائِدِهِمْ وأذْواقِهِمُ اقْتِرابٌ مِن هَذِهِ المَزِيَّةِ وهو مُعْظَمُها، إذْ لَمْ يَفُتْهُ مِنها إلّا النَّسَبُ والمَوْطِنُ وما هُما إلّا مُكَمِّلانِ لِحُسْنِ التَّلَقِّي، ولِذَلِكَ كانَ المُؤْمِنُونَ مُدَّةَ حَياةِ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ مِنَ العَرَبِ خاصَّةً بِحَيْثُ إنَّ تَلَقِّيَهُمُ الدَّعْوَةَ كانَ عَلى سَواءٍ في الفَهْمِ حَتّى اسْتَقَرَّ الدِّينُ. وقَدْ رُوِيَ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ أنَّهُ قالَ «مَن دَخَلَ في الإسْلامِ فَهو مِنَ العَرَبِ» .وقَوْلُهُ يَتْلُو عَلَيْهِمْ آياتِهِ أيْ يَقْرَأُ عَلَيْهِمُ القُرْآنَ، وسُمِّيَتْ جُمَلُ القُرْآنِ آياتٌ لِأنَّ كُلَّ واحِدَةٍ مِنها دَلِيلٌ عَلى صِدْقِ الرَّسُولِ مِن حَيْثُ بَلاغَةِ اللَّفْظِ وكَمالِ المَعْنى، كَما تَقَدَّمَ في المُقَدِّمَةِ الثّامِنَةِ مِن مُقَدِّماتِ هَذا التَّفْسِيرِ، فَكانُوا صالِحِينَ لِفَهْمِ ما يُتْلى عَلَيْهِمْ مِن غَيْرِ حاجَةٍ لِتُرْجُمانٍ.
والتَّزْكِيَةُ: التَّطْهِيرُ، أيْ يُطَهِّرُ النُّفُوسَ بِهَدْيِ الإسْلامِ.
وتَعْلِيمُ الكِتابِ هو تَبْيِينُ مَقاصِدِ القُرْآنِ وأمَرَهم بِحِفْظِ ألْفاظِهِ، لِتَكُونَ مَعانِيهِ حاضِرَةً عِنْدَهم.
والمُرادُ بِالحِكْمَةِ ما اشْتَمَلَتْ عَلَيْهِ الشَّرِيعَةُ مِن تَهْذِيبِ الأخْلاقِ وتَقْنِينِ الأحْكامِ لِأنَّ ذَلِكَ كُلَّهُ مانِعُ الأنْفُسِ مِن سُوءِ الحالِ واخْتِلالِ النِّظامِ، وذَلِكَ مِن مَعْنى الحِكْمَةِ، وتَقَدَّمَ القَوْلُ في ذَلِكَ عِنْدَ قَوْلِهِ تَعالى يُؤْتِي الحِكْمَةَ مَن يَشاءُ.
وعَطْفُ الحِكْمَةِ عَلى الكِتابِ عَطْفُ الأخَصِّ مِن وجْهٍ عَلى الأعَمِّ مِن وجْهٍ، فَمِنَ الحِكْمَةِ ما هو في الكِتابِ نَحْوُ ﴿ومَن يُوقَ شُحَّ نَفْسِهِ فَأُولَئِكَ هُمُ المُفْلِحُونَ﴾ [الحشر: ٩] ومِنها ما لَيْسَ في الكِتابِ مِثْلُ قَوْلِهِ - عَلَيْهِ السَّلامُ - «لا يُلْدَغُ المُؤْمِنُ مِن جُحْرٍ مَرَّتَيْنِ» وفي الكِتابِ ما هو عِلْمٌ ولَيْسَ حِكْمَةً مِثْلُ فَرْضِ الصَّلاةِ والحَجِّ.
صفحة ١٦٠
وجُمْلَةُ وإنْ كانُوا مِن قَبْلُ لَفي ضَلالٍ مُبِينٍ حالٌ، و(إنْ) مُخَفَّفَةٌ مُهْمَلَةٌ، والجُمْلَةُ بَعْدَها خَبَرٌ عَنْ ضَمِيرِ الشَّأْنِ مَحْذُوفٌ، والجُمْلَةُ خَبَرُهُ عَلى رَأْيِ صاحِبِ الكَشّافِ، وهو التَّحْقِيقُ إذْ لا وجْهَ لِزَوالِ عَمَلِها مَعَ بَقاءِ مَعْناها، ولا وجْهَ لِلتَّفْرِقَةِ بَيْنَها وبَيْنَ المَفْتُوحَةِ إذا خُفِّفَتْ فَقَدْ قَدَّرُوا لَها اسْمًا هو ضَمِيرُ الشَّأْنِ، بَلْ نَجِدُ المَكْسُورَةَ أوْلى بِبَقاءِ العَمَلِ عِنْدَ التَّخْفِيفِ لِأنَّها أُمُّ البابِ فَلا يَزُولُ عَمَلُها بِسُهُولَةٍ، وقالَ جُمْهُورُ النُّحاةِ: يَبْطُلُ عَمَلُها وتَكُونُ بَعْدَها جُمْلَةً، وعَلى هَذا فالمُرادُ بِإهْمالِها أنَّها لا تَنْصِبُ مُفْرَدَيْنِ بَلْ تَعْمَلُ في ضَمِيرِ شَأْنٍ وجُمْلَةٍ إمّا اسْمِيَّةٍ، أوْ فِعْلِيَّةٍ فِعْلُها مِنَ النَّواسِخِ غالِبًا.ووُصِفَ الضَّلالُ بِالمُبِينِ لِأنَّهُ لِشِدَّتِهِ لا يَلْتَبِسُ عَلى أحَدٍ بِشائِبَةِ هُدًى، أوْ شُبْهَةٍ، فَكانَ حالُهُ مُبَيِّنًا كَوْنَهُ ضَلالًا كَقَوْلِهِ وقالُوا هَذا سِحْرٌ مُبِينٌ.
والمُرادُ بِهِ ضَلالُ الشِّرْكِ والجَهالَةِ والتَّقاتُلِ وأحْكامِ الجاهِلِيَّةِ.
ويَجُوزُ أنْ يَشْمَلَ قَوْلُهُ عَلى المُؤْمِنِينَ المُؤْمِنِينَ في كُلِّ العُصُورِ ويُرادُ بِكَوْنِهِ مِن أنْفُسِهِمْ أنَّهُ مِن نَوْعِ البَشَرِ. ويُرادُ بِإسْنادِ تَعْلِيمِ الكِتابِ والحِكْمَةِ إلَيْهِ ما يَجْمَعُ بَيْنَ الإسْنادِ الحَقِيقِيِّ والمَجازِيِّ، لِأنَّ تَعْلِيمَ ذَلِكَ مُتَلَقًّى مِنهُ مُباشَرَةً أوْ بِالواسِطَةِ.