﴿وإنَّ مِن أهْلِ الكِتابِ لَمَن يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وما أُنْزِلَ إلَيْكم وما أُنْزِلَ إلَيْهِمْ خاشِعِينَ لِلَّهِ لا يَشْتَرُونَ بِآياتِ اللَّهِ ثَمَنًا قَلِيلًا أُولَئِكَ لَهم أجْرُهم عِنْدَ رَبِّهِمْ إنَّ اللَّهَ سَرِيعُ الحِسابِ﴾ .

عُطِفَ عَلى جُمْلَةِ ﴿لَكِنِ الَّذِينَ اتَّقَوْا رَبَّهُمْ﴾ [آل عمران: ١٩٨] اسْتِكْمالًا لِذِكْرِ الفَرْقِ في تَلَقِّي الإسْلامِ: فَهَؤُلاءِ فَرِيقُ الَّذِينَ آمَنُوا مِن أهْلِ الكِتابِ ولَمْ يُظْهِرُوا إيمانَهم لِخَوْفِ قَوْمِهِمْ مِثْلِ النَّجاشِيِّ أصْحَمَةَ، وأثْنى اللَّهُ عَلَيْهِمْ بِأنَّهم لا يُحَرِّفُونَ الدِّينَ، والآيَةُ مُؤْذِنَةٌ بِأنَّهم لَمْ يَكُونُوا مَعْرُوفِينَ بِذَلِكَ لِأنَّهم لَوْ عُرِفُوا بِالإيمانِ لَما كانَ مِن فائِدَةٍ في وصْفِهِمْ بِأنَّهم مِن أهْلِ الكِتابِ، وهَذا الصِّنْفُ بِعَكْسِ حالِ المُنافِقِينَ. وأكَّدَ الخَبَرَ بِ إنَّ وبِلامِ الِابْتِداءِ لِلرَّدِّ عَلى المُنافِقِينَ الَّذِينَ قالُوا لِرَسُولِ اللَّهِ لَمّا صَلّى عَلى النَّجاشِيِّ: انْظُرُوا إلَيْهِ يُصَلِّي عَلى نَصْرانِيٍّ لَيْسَ عَلى دِينِهِ ولَمْ يَرَهُ قَطُّ. عَلى ما رُوِيَ عَنِ ابْنِ عَبّاسٍ وبَعْضِ أصْحابِهِ أنَّ ذَلِكَ سَبَبُ نُزُولِ هَذِهِ الآيَةِ. ولَعَلَّ وفاةَ النَّجاشِيِّ حَصَلَتْ قَبْلَ غَزْوَةِ أُحُدٍ.

وقِيلَ: أُرِيدَ بِهِمْ هُنا مَن أظْهَرَ إيمانَهُ وتَصْدِيقَهُ مِنَ اليَهُودِ مِثْلِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ سَلامٍ ومُخَيْرِيقٍ، وكَذا مَن آمَنَ مِن نَصارى نَجْرانَ أيِ الَّذِينَ أسْلَمُوا ورَسُولُ اللَّهِ بِمَكَّةَ إنْ صَحَّ خَبَرُ إسْلامِهِمْ.

وجِيءَ بِاسْمِ الإشارَةِ في قَوْلِهِ ﴿أُولَئِكَ لَهم أجْرُهم عِنْدَ رَبِّهِمْ﴾ لِلتَّنْبِيهِ عَلى أنَّ المُشارَ إلَيْهِمْ بِهِ أحْرِياءٌ بِما سَيَرِدُ مِنَ الإخْبارِ عَنْهم لِأجْلِ ما تَقَدَّمَ اسْمَ الإشارَةِ.

وأشارَ بِقَوْلِهِ ﴿إنَّ اللَّهَ سَرِيعُ الحِسابِ﴾ إلى أنَّهُ يُبادِرُ لَهم بِأجْرِهِمْ في الدُّنْيا ويَجْعَلُهُ لَهم يَوْمَ القِيامَةِ.