Welcome to the Tafsir Tool!
This allows users to review and suggest improvements to the existing tafsirs.
If you'd like to contribute to improving this tafsir, simply click the Request Access button below to send a request to the admin. Once approved, you'll be able to start suggesting improvements to this tafsir.
صفحة ٣٣
﴿ولِكُلٍّ جَعَلْنا مَوالِيَ مِمّا تَرَكَ الوالِدانِ والأقْرَبُونَ والَّذِينَ عاقَدَتْ أيْمانُكم فَآتُوهم نَصِيبَهم إنَّ اللَّهَ كانَ عَلى كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدًا﴾ .الجُمْلَةُ مَعْطُوفَةٌ عَلى جُمْلَةِ ﴿ولا تَتَمَنَّوْا ما فَضَّلَ اللَّهُ بِهِ بَعْضَكم عَلى بَعْضٍ﴾ [النساء: ٣٢] بِاعْتِبارِ كَوْنِهِ جامِعًا لِمَعْنى النَّهْيِ عَنِ الطَّمَعِ في مالِ صاحِبِ المالِ، قُصِدَ مِنها اسْتِكْمالُ تَبْيِينِ مَن لَهم حَقٌّ في المالِ.
وشَأْنُ (كُلٍّ) إذا حُذِفَ ما تُضافُ إلَيْهِ أنْ يُعَوِّضَ التَّنْوِينُ عَنِ المَحْذُوفِ، فَإنْ جَرى في الكَلامِ ما يَدُلُّ عَلى المُضافِ إلَيْهِ المَحْذُوفِ قُدِّرَ المَحْذُوفُ مِن لَفْظِهِ أوْ مَعْناهُ، كَما تَقَدَّمَ في قَوْلِهِ تَعالى: ﴿ولِكُلٍّ وِجْهَةٌ﴾ [البقرة: ١٤٨] في سُورَةِ البَقَرَةِ، وكَذَلِكَ هُنا فَيَجُوزُ أنْ يَكُونَ المَحْذُوفُ مِمّا دَلَّ عَلَيْهِ قَوْلُهُ قَبْلَهُ (﴿لِلرِّجالِ نَصِيبٌ﴾ [النساء: ٣٢]) (﴿ولِلنِّساءِ نَصِيبٌ﴾ [النساء: ٣٢]) فَيُقَدَّرُ: ولِكُلِّ الرِّجالِ والنِّساءِ جَعَلْنا مَوالِيَ، أوْ لِكُلِّ تارِكٍ جَعَلْنا مَوالِيَ.
ويَجُوزُ أنْ يُقَدَّرَ: ولِكُلِّ أحَدٍ أوْ شَيْءٍ جَعَلْنا مَوالِيَ.
والجَعْلُ مِن قَوْلِهِ (جَعَلْنا) هو الجَعْلُ التَّشْرِيعِيُّ أيْ شَرَعْنا لِكُلِّ مَوالِي لَهم حَقٌّ في مالِهِ كَما في قَوْلِهِ تَعالى: فَقَدْ جَعَلْنا لِوَلِيِّهِ سُلْطانًا.
والمَوالِي جَمْعُ مَوْلًى وهو مَحَلُّ الوَلْيِ، أيِ القُرْبُ، وهو مَحَلٌّ مَجازِيٌّ وقُرْبٌ مَجازِيٌّ، والوَلاءُ اسْمُ المَصْدَرِ لِلْوَلْيِ المَجازِيِّ.
وفِي نَظْمِ الآيَةِ تَقادِيرُ جَدِيرَةٌ بِالِاعْتِبارِ، وجامِعَةٌ لِمَعانٍ مِنَ التَّشْرِيعِ:
الأوَّلُ: ولِكُلِّ تارِكٍ، أيْ تارِكٍ مالًا جَعَلْنا مَوالِيَ، أيْ أهْلَ ولاءٍ لَهُ، أيْ قُرْبٍ، أيْ ورَثَةٍ. ويَتَعَلَّقُ (مِمّا تَرَكَ) بِما في (مَوالِيَ) مِن مَعْنى يَلُونَهُ، أيْ يَرِثُونَهُ، و(مِن) لِلتَّبْعِيضِ، أيْ يَرِثُونَ مِمّا تَرَكَ، وماصْدَقُ (ما) المَوْصُولَةِ هو المالُ، والصِّلَةُ قَرِينَةٌ عَلى كَوْنِ المُرادِ بِالمَوالِي المِيراثَ، وكَوْنِ المُضافِ إلَيْهِ ”كُلٍّ“ هو الهالِكُ أوِ التّارِكُ، ”ولِكُلٍّ“ مُتَعَلِّقٌ بِـ (جَعَلْنا)، قُدِّمَ عَلى مُتَعَلَّقِهِ لِلِاهْتِمامِ.
صفحة ٣٤
وقَوْلُهُ ”الوالِدانِ“ اسْتِئْنافٌ بَيانِيٌّ بَيَّنَ بِهِ المُرادَ مِن ”مَوالِيَ“، ويَصْلُحُ أنْ يُبَيِّنَ بِهِ كُلَّ المُقَدَّرَ لَهُ مُضافٌ. تَقْدِيرُهُ: لِكُلِّ تارِكٍ. وتُبَيِّنَ كِلا اللَّفْظَيْنِ سَواءٌ في المَعْنى، لِأنَّ التّارِكَ: والِدٌ أوْ قَرِيبٌ، والمَوالِيَ: والِدُونَ أوْ قَرابَةٌ. وفي ذِكْرِ ”الوالِدانِ“ غُنْيَةٌ عَنْ ذِكْرِ الأبْناءِ لِتَلازُمِهِما، فَإنْ كانَ الوالِدانِ مِنَ الوَرَثَةِ فالهالِكُ ولَدٌ وإلّا فالهالِكُ والِدٌ. والتَّعْرِيفُ في (﴿الوالِدانِ والأقْرَبُونَ﴾) عِوَضٌ عَنْ مُضافٍ إلَيْهِ أيْ: والِداهُمُ وأقْرَبُوهم، والمُضافُ إلَيْهِ المَحْذُوفُ يَدُلُّ عَلَيْهِ المَوالِي، وهَذا التَّقْدِيرُ يُناسِبُ أنْ يَكُونَ ناشِئًا عَنْ قَوْلِهِ: ﴿لِلرِّجالِ نَصِيبٌ مِمّا اكْتَسَبُوا﴾ [النساء: ٣٢]، أيْ ولِكُلٍّ مِنَ الصِّنْفَيْنِ جَعَلْنا مَوالِيَ يَرِثُونَهُ، وهو الجَعْلُ الَّذِي في آياتِ المَوارِيثِ.والتَّقْدِيرُ الثّانِي: ولِكُلِّ شَيْءٍ مِمّا تَرَكَهُ الوالِدانِ والأقْرَبُونَ جَعَلْنا مَوالِيَ، أيْ قَوْمًا يَلُونَهُ بِالإرْثِ، أيْ يَرِثُونَهُ، أيْ يَكُونُ تُراثًا لَهم، فَيَكُونُ المُضافُ إلَيْهِ المَحْذُوفُ اسْمًا نَكِرَةً عامًّا يُبَيِّنُ نَوْعَهُ المَقامُ، ويَكُونُ (مِمّا تَرَكَ) بَيانًا لِما في تَنْوِينِ (كُلٍّ) مِنَ الإيهامِ، ويَكُونُ (﴿الوالِدانِ والأقْرَبُونَ﴾) فاعِلًا لِـ (تَرَكَ) .
وهَذا التَّقْدِيرُ يُناسِبُ أنْ يَكُونَ ناشِئًا عَنْ قَوْلِهِ: ﴿ما فَضَّلَ اللَّهُ بِهِ بَعْضَكم عَلى بَعْضٍ﴾ [النساء: ٣٢] أيْ في الأمْوالِ، أيْ ولِكُلٍّ مِنَ الَّذِينَ فَضَّلْنا بَعْضَهم عَلى بَعْضٍ جَعَلْنا مَوالِيَ يَؤُولُ إلَيْهِمُ المالُ، فَلا تَتَمَنَّوْا ما لَيْسَ لَكم فِيهِ حَقٌّ في حَياةِ أصْحابِهِ، ولا ما جَعَلْناهُ لِلْمَوالِي بَعْدَ مَوْتِ أصْحابِهِ.
التَّقْدِيرُ الثّالِثُ: ولِكُلٍّ مِنكم جَعَلْنا مَوالِيَ، أيْ عاصِبِينَ مِنَ الَّذِينَ تَرَكَهُمُ الوالِدانِ، مِثْلَ الأعْمامِ والأجْدادِ والأخْوالِ، فَإنَّهم قُرَباءُ الأبَوَيْنِ، ومِمّا تَرَكَهُمُ الأقْرَبُونَ مِثْلُ أبْناءِ الأعْمامِ وأبْنائِهِمْ وإنْ تَعَدَّدُوا، وأبْناءُ الأخَواتِ كَذَلِكَ، فَإنَّهم قُرَباءُ الأقْرَبِينَ، فَتَكُونُ الآيَةُ مُشِيرَةً إلى إرْجاعِ الأمْوالِ إلى العَصَبَةِ عِنْدَ الجُمْهُورِ، وإلى ذَوِيِ الأرْحامِ عِنْدَ بَعْضِ الفُقَهاءِ، وذَلِكَ إذا انْعَدَمَ الوَرَثَةُ الَّذِينَ في آيَةِ المَوارِيثِ السّابِقَةِ، وهو حُكْمٌ مُجْمَلٌ بَيَّنَهُ قَوْلُ النَّبِيءِ ﷺ «ألْحِقُوا الفَرائِضَ بِأهْلِها فَما بَقِيَ فَلِأوْلى رَجُلٍ ذَكَرٍ»، وقَوْلُهُ «ابْنُ أُخْتِ القَوْمِ مِنهم أوْ مِن أنْفُسِهِمْ» رَواهُ أبُو داوُدَ والنَّسائِيُّ، وقَوْلُهُ الخالُ وارْثُ مَن لا وارِثَ لَهُ " أخْرَجَهُ أبُو داوُدَ والتِّرْمِذِيُّ، وقَوْلُهُ تَعالى: ﴿وأُولُو الأرْحامِ بَعْضُهم أوْلى بِبَعْضٍ في كِتابِ اللَّهِ﴾ [الأنفال: ٧٥]، وبِذَلِكَ أخَذَ أبُو حَنِيفَةَ، وأحْمَدُ، وعَلَيْهِ فَـ (ما) المَوْصُولَةُ في قَوْلِهِ (مِمّا تَرَكَ) بِمَعْنى (مَن) المَوْصُولَةِ، ولا بِدْعَ في ذَلِكَ. وهَذا
صفحة ٣٥
التَّقْدِيرُ يُناسِبُ أنْ يَكُونَ ناشِئًا عَنْ قَوْلِهِ تَعالى بَعْدَ آيَةِ المَوارِيثِ ﴿تِلْكَ حُدُودُ اللَّهِ﴾ [النساء: ١٣] فَتَكُونَ تَكْمِلَةً لِآيَةِ المَوارِيثِ.التَّقْدِيرُ الرّابِعُ: ولِكُلٍّ مِنكم أيُّها المُخاطَبُونَ بِقَوْلِنا ﴿ولا تَتَمَنَّوْا ما فَضَّلَ اللَّهُ بِهِ بَعْضَكم عَلى بَعْضٍ﴾ [النساء: ٣٢] جَعَلْنا مَوالِيَ، أيْ شَرَعْنا أحْكامَ الوَلاءِ لِمَن هم مُوالٍ لَكم، فَحُكْمُ الوَلاءِ الَّذِي تَرَكَهُ لَكم أهالِيكم: الوالِدانِ والأقْرَبُونَ، أيْ أهْلُ الوَلاءِ القَدِيمِ في القَبِيلَةِ المُنْجَرِّ مِن حِلْفٍ قَدِيمٍ، أوْ بِحُكْمِ الوَلاءِ الَّذِي عاقَدَتْهُ الأيْمانُ، أيِ الأحْلافُ بَيْنَكم وبَيْنَهم أيُّها المُخاطَبُونَ، وهو الوَلاءُ الجَدِيدُ الشّامِلُ لِلتَّبَنِّي المُحْدَثِ، ولِلْحِلْفِ المُحْدَثِ، مِثْلَ المُؤاخاةِ الَّتِي فَرَضَها النَّبِيءُ ﷺ بَيْنَ المُهاجِرِينَ والأنْصارِ، فَإنَّ الوَلاءَ مِنهُ ولاءٌ قَدِيمٌ في القَبائِلِ، ومِنهُ ما يَتَعاقَدُ عَلَيْهِ الحاضِرُونَ، كَما أشارَ إلَيْهِ أبُو تَمّامٍ.
أعْطَيْتَ لِي دِيَةَ القَتِيلِ ولَيْسَ لِي عَقْلٌ ولا حِلْفٌ هُناكَ قَـدِيمُ
وعَلى هَذا التَّقْدِيرِ يَكُونُ (﴿والَّذِينَ عاقَدَتْ أيْمانُكُمْ﴾) مَعْطُوفًا عَلى (﴿الوالِدانِ والأقْرَبُونَ﴾) . وهَذا التَّقْدِيرُ يُناسِبُ أنْ يَكُونَ ناشِئًا عَنْ قَوْلِهِ تَعالى: ﴿تِلْكَ حُدُودُ اللَّهِ﴾ [النساء: ١٣] فَتَكُونُ هَذِهِ الآيَةُ تَكْمِلَةً لِآياتِ المَوارِيثِ.ولِلْمُفَسِّرِينَ تَقادِيرُ أُخْرى لا تُلائِمُ بَعْضَ أجْزاءِ النَّظْمِ إلّا بِتَعَسُّفٍ فَلا يَنْبَغِي التَّعْرِيجُ عَلَيْها.
وقَوْلُهُ: والَّذِينَ عاقَدَتْ أيْمانُكم قِيلَ مَعْطُوفٌ عَلى قَوْلِهِ: ﴿الوالِدانِ والأقْرَبُونَ﴾، وقِيلَ هو جُمْلَةٌ مُسْتَأْنَفَةٌ اسْتِئْنافًا بَيانِيًّا، كَأنَّهُ قِيلَ: مَن هُمُ المَوالِي ؟ فَقِيلَ: الوالِدانِ والأقْرَبُونَ إلَخْ، عَلى أنَّ قَوْلَهُ ﴿فَآتُوهم نَصِيبَهُمْ﴾ خَبَرٌ عَنْ قَوْلِهِ (﴿والَّذِينَ عاقَدَتْ﴾) . وأُدْخِلَتِ الفاءُ في الخَبَرِ لِتَضَمُّنِ المَوْصُولِ مَعْنى الشَّرْطِ، ورُجِّحَ هَذا بِأنَّ المَشْهُورَ أنَّ الوَقْفَ عَلى قَوْلِهِ (والأقْرَبُونَ) ولَيْسَ عَلى قَوْلِهِ (أيْمانُكم) . والمُعاقَدَةُ: حُصُولُ العَقْدِ مِنَ الجانِبَيْنِ، أيِ الَّذِينَ تَعاقَدْتُمْ مَعَهم عَلى أنْ يَكُونُوا بِمَنزِلَةِ الأبْناءِ أوْ بِمَنزِلَةِ الإخْوَةِ أوْ بِمَنزِلَةِ أبْناءِ العَمِّ. والأيْمانُ جَمْعُ يَمِينٍ: إمّا بِمَعْنى اليَدِ، أُسْنِدَ العَقْدُ إلى الأيْدِي مَجازًا لِأنَّها تُقارِنُ المُتَعاقِدِينَ لِأنَّهم يَضَعُونَ أيْدِيَ بَعْضِهِمْ في أيْدِي الآخَرِينَ، عَلامَةً عَلى انْبِرامِ العَقْدِ، ومِن أجْلِ ذَلِكَ سُمِّيَ العَقْدُ صَفْقَةً أيْضًا، لِأنَّهُ يُصَفَّقُ فِيهِ اليَدُ عَلى اليَدِ، فَيَكُونُ مِن بابِ أوْ ما مَلَكَتْ إيمانُكم؛ وإمّا بِمَعْنى القَسَمِ لِأنَّ ذَلِكَ كانَ يَصْحَبُهُ قَسَمٌ،
صفحة ٣٦
ومِن أجْلِ ذَلِكَ سُمِّي حِلْفًا، وصاحِبُهُ حَلِيفًا. وإسْنادُ العَقْدِ إلى الأيْمانِ بِهَذا المَعْنى مَجازٌ أيْضًا، لِأنَّ القَسَمَ هو سَبَبُ انْعِقادِ الحِلْفِ.والمُرادُ بِـ (﴿الَّذِينَ عاقَدَتْ أيْمانُكُمْ﴾): قِيلَ مَوالِي الحِلْفِ الَّذِي كانَ العَرَبُ يَفْعَلُونَهُ في الجاهِلِيَّةِ، وهو أنْ يُحالِفَ الرَّجُلُ الآخَرَ فَيَقُولُ لَهُ دَمِي دَمُكَ وهَدْمِي هَدْمُكَ أيْ إسْقاطُ أحَدِهِما لِلدَّمِ الَّذِي يَسْتَحِقُّهُ يَمْضِي عَلى الآخَرِ وثَأْرِي ثَأْرُكَ وحَرْبِي حَرْبُكَ وسِلْمِي سِلْمُكَ وتَرِثُنِي وأرِثُكَ وتَطْلُبُ بِي وأطْلُبُ بِكَ وتَعْقِلُ عَنِّي وأعْقِلُ عَنْكَ. وقَدْ جَمَعَ هَذَيْنِ الصِّنْفَيْنِ مِنَ المَوالِي الحُصَيْنُ بْنُ الحُمامِ مِن شُعَراءِ الحَماسَةِ في قَوْلِهِ:
مَوالِيكم مَوْلى الوِلادَةِ مِنـكُـمُ ∗∗∗ ومَوْلى اليَمِينِ حابِسٌ قَدْ تُقُسِّما
قِيلَ: كانُوا جَعَلُوا لِلْمَوْلى السُّدُسَ في تَرِكَةِ المَيِّتِ، فَأقَرَّتْهُ هَذِهِ الآيَةُ، ثُمَّ نَسَخَتْها آيَةُ الأنْفالِ: ﴿وأُولُو الأرْحامِ بَعْضُهم أوْلى بِبَعْضٍ في كِتابِ اللَّهِ﴾ [الأنفال: ٧٥] قالَهُ ابْنُ عَبّاسٍ، والحَسَنُ، وقَتادَةُ، وابْنُ جُبَيْرٍ، ولَعَلَّ مُرادَهم أنَّ المُسْلِمِينَ جَعَلُوا لِلْمَوْلى السُّدُسَ وصِيَّةً لِأنَّ أهْلَ الجاهِلِيَّةِ لَمْ تَكُنْ عِنْدَهم مَوارِيثُ مُعَيَّنَةٌ. وقِيلَ: نَزَلَتْ هَذِهِ الآيَةُ في مِيراثِ الإخْوَةِ الَّذِينَ آخى النَّبِيءُ ﷺ بَيْنَهم مِنَ المُهاجِرِينَ والأنْصارِ في أوَّلِ الهِجْرَةِ، فَكانُوا يَتَوارَثُونَ بِذَلِكَ دُونَ ذَوِي الأرْحامِ، ثُمَّ نَسَخَ اللَّهُ ذَلِكَ بِآيَةِ الأنْفالِ، فَتَكُونُ هَذِهِ الآيَةُ مَنسُوخَةً. وفي أسْبابِ النُّزُولِ لِلْواحِدِيِّ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ المُسَيِّبِ، أنَّها نَزَلَتْ في التَّبَنِّي الَّذِي كانَ في الجاهِلِيَّةِ، فَكانَ المُتَبَنّى يَرِثُ المُتَبَنِّي بِالكَسْرِ مِثْلُ تَبَنِّي النَّبِيءِ ﷺ زَيْدَ بْنَ حارِثَةَ الكَلْبِيَّ، وتَبَنِّي الأسْوَدِ بْنِ عَبْدِ يَغُوثَ المِقْدادَ الكِنْدِيَّ، المَشْهُورَ بِالمِقْدادِ بْنِ الأسْوَدِ، وتَبَنِّي الخَطّابِ بْنِ نُفَيْلٍ عامِرَ بْنَ رَبِيعَةَ وتَبَنِّي أبِي حُذَيْفَةَ بْنِ عُتْبَةَ بْنِ رَبِيعَةَ سالِمَ بْنَ مَعْقِلٍ الإصْطَخْرِيَّ، المَشْهُورَ بِسالِمٍ مَوْلى أبِي حُذَيْفَةَ، ثُمَّ نُسِخَ بِالمَوارِيثِ. وعَلى القَوْلِ بِأنَّ ﴿والَّذِينَ عاقَدَتْ أيْمانُكُمْ﴾ جُمْلَةٌ مُسْتَأْنَفَةٌ فالآيَةُ غَيْرُ مَنسُوخَةٍ، فَقالَ ابْنُ عَبّاسٍ في رِوايَةِ ابْنِ جُبَيْرٍ عَنْهُ في البُخارِيِّ هي ناسِخَةٌ لِتَوْرِيثِ المُتَآخِينَ مِنَ المُهاجِرِينَ والأنْصارِ، لِأنَّ قَوْلَهُ ﴿مِمّا تَرَكَ الوالِدانِ والأقْرَبُونَ﴾ حَصَرَ المِيراثَ في القَرابَةِ، فَتَعَيَّنَ عَلى هَذا أنَّ قَوْلَهُ ﴿فَآتُوهم نَصِيبَهُمْ﴾ أيْ نَصِيبَ الَّذِينَ عاقَدَتْ أيْمانُكم مِنَ النَّصْرِ والمَعُونَةِ، أوْ فَآتُوهم نَصِيبَهم بِالوَصِيَّةِ، وقَدْ ذَهَبَ المِيراثُ.صفحة ٣٧
وقالَ سَعِيدُ بْنُ المُسَيِّبِ: نَزَلَتْ في التَّبَنِّي أمْرًا بِالوَصِيَّةِ لِلْمُتَبَنّى. وعَنِ الحَسَنِ أنَّها في شَأْنِ المُوصى لَهُ إذا ماتَ قَبْلَ مَوْتِ المُوصِي أنْ تُجْعَلَ الوَصِيَّةُ لِأقارِبِهِ لُزُومًا.وقَرَأ الجُمْهُورُ: (عاقَدَتْ) بِألِفٍ بَعْدَ العَيْنِ وقَرَأهُ حَمْزَةُ، وعاصِمٌ، والكِسائِيُّ، وخَلَفٌ: (عَقَدَتْ) بِدُونِ ألِفٍ ومَعَ تَخْفِيفِ القافِ.
والفاءُ في قَوْلِهِ: ﴿فَآتُوهم نَصِيبَهُمْ﴾ فاءُ الفَصِيحَةِ عَلى جَعْلِ قَوْلِهِ: ﴿والَّذِينَ عاقَدَتْ أيْمانُكُمْ﴾ مَعْطُوفًا عَلى ﴿الوالِدانِ والأقْرَبُونَ﴾، أوْ هي زائِدَةٌ في الخَبَرِ إنْ جُعِلَ (﴿والَّذِينَ عاقَدَتْ﴾) مُبْتَدَأً عَلى تَضْمِينِ المَوْصُولِ مَعْنى الشَّرْطِيَّةِ. والأمْرُ في الضَّمِيرِ المَجْرُورِ عَلى الوَجْهَيْنِ ظاهِرٌ.