Welcome to the Tafsir Tool!
This allows users to review and suggest improvements to the existing tafsirs.
If you'd like to contribute to improving this tafsir, simply click the Request Access button below to send a request to the admin. Once approved, you'll be able to start suggesting improvements to this tafsir.
صفحة ١٠٧
﴿فَكَيْفَ إذا أصابَتْهم مُصِيبَةٌ بِما قَدَّمَتْ أيْدِيهِمْ ثُمَّ جاءُوكَ يَحْلِفُونَ بِاللَّهِ إنْ أرَدْنا إلّا إحْسانًا وتَوْفِيقًا﴾ ﴿أُولَئِكَ الَّذِينَ يَعْلَمُ اللَّهُ ما في قُلُوبِهِمْ فَأعْرِضْ عَنْهم وعِظْهم وقُلْ لَهم في أنْفُسِهِمْ قَوْلًا بَلِيغًا﴾ .تَفْرِيعٌ عَلى قَوْلِهِ ﴿وإذا قِيلَ لَهم تَعالَوْا إلى ما أنْزَلَ اللَّهُ وإلى الرَّسُولِ﴾ [النساء: ٦١] الآيَةَ، لِأنَّ الصُّدُودَ عَنْ ذَلِكَ يُوجِبُ غَضَبَ اللَّهِ عَلَيْهِمْ، فَيُوشِكُ أنْ يُصِيبَهُمُ اللَّهُ بِمُصِيبَةٍ مِن غَيْرِ فِعْلِ أحَدٍ، مِثْلَ انْكِشافِ حالِهِمْ لِلْمُؤْمِنِينَ فَيُعْرَفُوا بِالكُفْرِ فَيُصْبِحُوا مُهَدَّدِينَ، أوْ مُصِيبَةٌ مِن أمْرِ اللَّهِ رَسُولَهُ والمُؤْمِنِينَ بِأنْ يُظْهِرُوا لَهُمُ العَداوَةَ وأنْ يَقْتُلُوهم لِنِفاقِهِمْ فَيَجِيئُوا يَعْتَذِرُونَ بِأنَّهم ما أرادُوا بِالتَّحاكُمِ إلى أهْلِ الطّاغُوتِ إلّا قَصْدَ الإحْسانِ إلَيْهِمْ وتَأْلِيفِهِمْ إلى الإيمانِ والتَّوْفِيقِ بَيْنَهم وبَيْنَ المُؤْمِنِينَ.
وهَذا وعِيدٌ لِأنَّ (إذا) لِلْمُسْتَقْبَلِ، فالفِعْلانِ بَعْدَها: وهُما (أصابَتْهم) و(جاءُوكَ) مُسْتَقْبَلانِ، وهو مِثْلُ قَوْلِهِ ﴿لَئِنْ لَمْ يَنْتَهِ المُنافِقُونَ والَّذِينَ في قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ والمُرْجِفُونَ في المَدِينَةِ لَنُغْرِيَنَّكَ بِهِمْ ثُمَّ لا يُجاوِرُونَكَ فِيها إلّا قَلِيلًا﴾ [الأحزاب: ٦٠] ﴿مَلْعُونِينَ أيْنَما ثُقِفُوا أُخِذُوا وقُتِّلُوا تَقْتِيلًا﴾ [الأحزاب: ٦١] .
و(كَيْفَ) خَبَرُ مُبْتَدَأٍ مَحْذُوفٍ مَعْلُومٍ مِن سِياقِ الكَلامِ: أيْ كَيْفَ حالُهم حِينَ تُصِيبُهم مُصِيبَةٌ بِسَبَبِ ما فَعَلُوا فَيَجِيئُونَكَ مُعْتَذِرِينَ.
والِاسْتِفْهامُ مُسْتَعْمَلٌ في التَّهْوِيلِ، كَما تَقَدَّمَ القَوْلُ فِيهِ في قَوْلِهِ تَعالى آنِفًا ﴿فَكَيْفَ إذا جِئْنا مِن كُلِّ أُمَّةٍ بِشَهِيدٍ﴾ [النساء: ٤١] .
وتَرْكِيبُ ”كَيْفَ بِكَ“ يُقالُ إذا أُرِيدَتْ بِشارَةٌ أوْ وعِيدٌ تَعْجِيبًا أوْ تَهْوِيلًا. فَمِنَ الأوَّلِ قَوْلُ النَّبِيءِ ﷺ لِسُراقَةَ بْنِ مالِكٍ: «كَيْفَ بِكَ إذا لَبِسْتَ سِوارَيْ كِسْرى، بِشارَةً بِأنَّ سِوارَيْ كِسْرى سَيَقَعانِ بِيَدِ جَيْشِ المُسْلِمِينَ، فَلَمّا أُتِيَ بِسِوارَيْ كِسْرى في غَنائِمِ فَتْحِ فارِسَ ألْبَسَها عُمَرُ بْنُ الخَطّابِ سُراقَةَ بْنَ مالِكٍ تَحْقِيقًا لِمُعْجِزَةِ النَّبِيءِ» ﷺ - .
صفحة ١٠٨
ومِنَ الثّانِي قَوْلُهُ تَعالى ﴿فَكَيْفَ إذا جَمَعْناهم لِيَوْمٍ لا رَيْبَ فِيهِ﴾ [آل عمران: ٢٥] وقَدْ جَمَعَ الأمْرَيْنِ قَوْلُهُ تَعالى ﴿فَكَيْفَ إذا جِئْنا مِن كُلِّ أُمَّةٍ بِشَهِيدٍ وجِئْنا بِكَ عَلى هَؤُلاءِ شَهِيدًا﴾ [النساء: ٤١] الآيَةَ.وقَوْلُهُ ﴿أُولَئِكَ الَّذِينَ يَعْلَمُ اللَّهُ ما في قُلُوبِهِمْ﴾ جاءَ بِاسْمِ الإشارَةِ لِتَمْيِيزِهِمْ لِلسّامِعِينَ أكْمَلَ تَمْيِيزٍ، لِأنَّهم قَدْ حَصَلَ مِن ذِكْرِ صِفاتِهِمْ ما جَعَلَهم كالمُشاهَدِينَ، وأرادَ بِما في قُلُوبِهِمُ الكُفْرَ الَّذِي أبْطَنُوهُ وأمَرَ رَسُولَهُ بِالإعْراضِ عَنْهم.
وحَقِيقَةُ الإعْراضِ عَدَمُ الِالتِفاتِ إلى الشَّيْءِ بِقَصْدِ التَّباعُدِ عَنْهُ، مُشْتَقٌّ مِنَ العُرْضِ بِضَمِّ العَيْنِ وهو الجانِبُ، فَلَعَلَّ أصْلَ الهَمْزَةِ في فِعْلِ أعْرَضَ لِلدُّخُولِ في الشَّيْءِ، أيْ دَخَلَ في عُرْضِ المَكانِ، أوِ الهَمْزَةُ لِلصَّيْرُورَةِ، أيْ صارَ ذا عُرْضٍ، أيْ جانِبٍ، أيْ أظْهَرَ جانِبَهُ لِغَيْرِهِ ولَمْ يُظْهِرْ لَهُ وجْهَهُ، ثُمَّ اسْتُعْمِلَ اسْتِعْمالًا شائِعًا في التَّرْكِ والإمْساكِ عَنِ المُخالَطَةِ والمُحادَثَةِ، لِأنَّهُ يَتَضَمَّنُ الإعْراضَ غالِبًا.
يُقالُ: أعْرَضَ عَنْهُ كَما يُقالُ: صَدَّ عَنْهُ، كَقَوْلِهِ تَعالى ﴿وإذا رَأيْتَ الَّذِينَ يَخُوضُونَ في آياتِنا فَأعْرِضْ عَنْهم حَتّى يَخُوضُوا في حَدِيثٍ غَيْرِهِ﴾ [الأنعام: ٦٨] ولِذَلِكَ كَثُرَ هَذا اللَّفْظُ في أشْعارِ المُتَيَّمِينَ رَدِيفًا لِلصُّدُودِ، وهَذا أقْرَبُ المَعانِي إلى المَعْنى الحَقِيقِيِّ، فَهو مَجازٌ مُرْسَلٌ بِعَلاقَةِ اللُّزُومِ، وقَدْ شاعَ ذَلِكَ في الكَلامِ ثُمَّ أُطْلِقَ عَلى العَفْوِ وعَدَمِ المُؤاخَذَةِ بِتَشْبِيهِ حالَةِ مَن يَعْفُو بِحالَةِ مَن لا يَلْتَفِتُ إلى الشَّيْءِ فَيُوَلِّيهِ عُرْضَ وجْهِهِ.
كَما اسْتُعْمِلَ صَفَحَ في هَذا المَعْنى مُشْتَقًّا مِن صَفْحَةِ الوَجْهِ، أيْ جانِبِهِ، وهو أبْعَدُ عَنِ المَعْنى الحَقِيقِيِّ مِنَ الأوَّلِ لِأنَّهُ مَبْنِيٌّ عَلى التَّشْبِيهِ.
والوَعْظُ: الأمْرُ بِفِعْلِ الخَيْرِ وتَرْكِ الشَّرِّ بِطَرِيقَةٍ فِيها تَخْوِيفٌ وتَرْقِيقٌ يَحْمِلانِ عَلى الِامْتِثالِ، والِاسْمُ مِنهُ المَوْعِظَةُ، وتَقَدَّمَ آنِفًا عِنْدَ قَوْلِهِ تَعالى ﴿إنَّ اللَّهَ نِعِمّا يَعِظُكم بِهِ﴾ [النساء: ٥٨] .
فَهَذا الإعْراضُ إعْراضُ صَفْحٍ أوْ إعْراضُ عَدَمِ الحُزْنِ مِن صُدُودِهِمْ عَنْكَ، أيْ لا تَهْتَمَّ بِصُدُودِهِمْ، فَإنَّ اللَّهَ مُجازِيهِمْ، بِدَلِيلِ قَوْلِهِ ﴿وعِظْهم وقُلْ لَهم في أنْفُسِهِمْ قَوْلًا بَلِيغًا﴾، وذَلِكَ إبْلاغٌ لَهم في المَعْذِرَةِ، ورَجاءٌ لِصَلاحِ حالِهِمْ، شَأْنَ النّاصِحِ السّاعِي بِكُلِّ وسِيلَةٍ إلى الإرْشادِ والهُدى.
والبَلِيغُ فَعِيلٌ بِمَعْنى بالِغٌ بُلُوغًا شَدِيدًا بِقُوَّةٍ، أيْ: بالِغًا إلى نُفُوسِهِمْ مُتَغَلْغِلًا فِيها. وقَوْلُهُ في أنْفُسِهِمْ يَجُوزُ أنْ يَتَعَلَّقَ بِقَوْلِهِ بَلِيغًا، وإنَّما قُدِّمَ المَجْرُورُ لِلِاهْتِمامِ بِإصْلاحِ أنْفُسِهِمْ مَعَ الرِّعايَةِ عَلى الفاصِلَةِ، ويَجُوزُ أنْ يَتَعَلَّقَ بِفِعْلِ قُلْ لَهم، أيْ قُلْ لَهم قَوْلًا في شَأْنِ أنْفُسِهِمْ، فَظَرْفِيَّةُ (في) ظَرْفِيَّةٌ مَجازِيَّةٌ، شُبِّهَتْ أنْفُسُهم بِظَرْفٍ لِلْقَوْلِ.