Welcome to the Tafsir Tool!
This allows users to review and suggest improvements to the existing tafsirs.
If you'd like to contribute to improving this tafsir, simply click the Request Access button below to send a request to the admin. Once approved, you'll be able to start suggesting improvements to this tafsir.
صفحة ١٢١
﴿فَلْيُقاتِلْ في سَبِيلِ اللَّهِ الَّذِينَ يَشْرُونَ الحَياةَ الدُّنْيا بِالآخِرَةِ ومَن يُقاتِلْ في سَبِيلِ اللَّهِ فَيُقْتَلْ أوْ يَغْلِبْ فَسَوْفَ نُؤْتِيهِ أجْرًا عَظِيمًا﴾ ﴿وما لَكم لا تُقاتِلُونَ في سَبِيلِ اللَّهِ والمُسْتَضْعَفِينَ مِنَ الرِّجالِ والنِّساءِ والوِلْدانِ الَّذِينَ يَقُولُونَ رَبَّنا أخْرِجْنا مِن هَذِهِ القَرْيَةِ الظّالِمِ أهْلُها واجْعَلْ لَنا مِن لَدُنْكَ ولِيًّا واجْعَلْ لَنا مِن لَدُنْكَ نَصِيرًا﴾ ﴿الَّذِينَ آمَنُوا يُقاتِلُونَ في سَبِيلِ اللَّهِ والَّذِينَ كَفَرُوا يُقاتِلُونَ في سَبِيلِ الطّاغُوتِ فَقاتِلُوا أوْلِياءَ الشَّيْطانِ إنَّ كَيْدَ الشَّيْطانِ كانَ ضَعِيفًا﴾ .الفاءُ: إمّا لِلتَّفْرِيعِ، تَفْرِيعُ الأمْرِ عَلى الآخَرِ، أيْ فُرِّعَ فَلْيُقاتِلْ عَلى ﴿خُذُوا حِذْرَكم فانْفِرُوا﴾ [النساء: ٧١]، أوْ هي فاءٌ فَصِيحَةٌ، أفْصَحَتْ عَمّا دَلَّ عَلَيْهِ ما تَقَدَّمَ مِن قَوْلِهِ ﴿خُذُوا حِذْرَكُمْ﴾ [النساء: ٧١] وقَوْلِهِ ﴿وإنَّ مِنكم لَمَن لَيُبَطِّئَنَّ﴾ [النساء: ٧٢] لِأنَّ جَمِيعَ ذَلِكَ اقْتَضى الأمْرَ بِأخْذِ الحِذْرِ، وهو مُهَيِّئٌ لِطَلَبِ القِتالِ والأمْرِ بِالنَّفِيرِ والإعْلامِ بِمَن حالُهم حالُ المُتَرَدِّدِ المُتَقاعِسِ، أيْ فَإذا عَلِمْتُمْ جَمِيعَ ذَلِكَ، فالَّذِينَ يُقاتِلُونَ في سَبِيلِ اللَّهِ هُمُ ﴿الَّذِينَ يَشْرُونَ الحَياةَ الدُّنْيا بِالآخِرَةِ﴾ لا كُلُّ أحَدٍ.
و”يَشْرُونَ“ مَعْناهُ يَبِيعُونَ، لِأنَّ شَرى مُقابِلُ اشْتَرى، مِثْلَ باعَ وابْتاعَ وأكْرى واكْتَرى، وقَدْ تَقَدَّمَ تَفْصِيلُهُ عِنْدَ قَوْلِهِ تَعالى ﴿أُولَئِكَ الَّذِينَ اشْتَرَوُا الضَّلالَةَ بِالهُدى﴾ [البقرة: ١٦] في سُورَةِ البَقَرَةِ.
فالَّذِينَ يَشْرُونَ الحَياةَ الدُّنْيا هُمُ الَّذِينَ يَبْذُلُونَها ويَرْغَبُونَ في حَظِّ الآخِرَةِ، وإسْنادُ القِتالِ المَأْمُورِ بِهِ إلى أصْحابِ هَذِهِ الصِّلَةِ وهي: ﴿يَشْرُونَ الحَياةَ الدُّنْيا بِالآخِرَةِ﴾ لِلتَّنْوِيهِ بِفَضْلِ المُقاتِلِينَ في سَبِيلِ اللَّهِ، .
لِأنَّ في الصِّلَةِ إيماءٌ إلى عِلَّةِ الخَبَرِ، أيْ يَبْعَثُهم عَلى القِتالِ في سَبِيلِ اللَّهِ بَذْلُهم حَياتَهُمُ الدُّنْيا لِطَلَبِ الحَياةِ الأبَدِيَّةِ، وفَضِيحَةِ أمْرِ المُبَطِّئِينَ حَتّى يَرْتَدِعُوا عَنِ التَّخَلُّفِ، وحَتّى يَكْشِفَ المُنافِقُونَ عَنْ دَخِيلَتِهِمْ، فَكانَ
صفحة ١٢٢
مَعْنى الكَلامِ: فَلْيُقاتِلْ في سَبِيلِ اللَّهِ المُؤْمِنُونَ حَقًّا فَإنَّهم يَشْرُونَ الحَياةَ الدُّنْيا بِالآخِرَةِ، .ولا يَفْهَمُ أحَدٌ مِن قَوْلِهِ ﴿فَلْيُقاتِلْ في سَبِيلِ اللَّهِ الَّذِينَ يَشْرُونَ﴾ أنَّ الأمْرَ بِالقِتالِ مُخْتَصٌّ بِفَرِيقٍ دُونَ آخَرَ. لِأنَّ بَذْلَ الحَياةِ في الحُصُولِ عَلى ثَوابِ الآخِرَةِ شَيْءٌ غَيْرُ ظاهِرٍ حَتّى يُعَلَّقَ التَّكْلِيفُ بِهِ، وإنَّما هو ضَمائِرُ بَيْنَ العِبادِ ورَبِّهِمْ، فَتَعَيَّنَ أنَّ إسْنادَ الأمْرِ إلى أصْحابِ هَذِهِ الصِّلَةِ مَقْصُودٌ مِنهُ الثَّناءُ عَلى المُجاهِدِينَ، وتَحْقِيرُ المُبَطِّئِينَ، كَما يَقُولُ القائِلُ: ”لَيْسَ بِعُشِّكِ فادْرُجِي“ . فَهَذا تَفْسِيرُ الآيَةِ بِوَجْهٍ لا يَعْتَرِيهِ إشْكالٌ.
ودَخَلَ في قَوْلِهِ ﴿أوْ يَغْلِبْ﴾ أصْنافُ الغَلَبَةِ عَلى العَدُوِّ بِقَتْلِهِمْ أوْ أسْرِهِمْ أوْ غُنْمِ أمْوالِهِمْ.
وإنَّما اقْتَصَرَ عَلى القَتْلِ والغَلَبَةِ في قَوْلِهِ ﴿فَيُقْتَلْ أوْ يَغْلِبْ﴾ ولَمْ يَزِدْ أوْ يُؤْسَرْ إبايَةً مِن أنْ يَذْكُرَ لَهم حالَةً ذَمِيمَةً لا يَرْضاها اللَّهُ لِلْمُؤْمِنِينَ، وهي حالَةُ الأسْرِ؛ فَسَكَتَ عَنْها لِئَلّا يَذْكُرَها في مَعْرِضِ التَّرْغِيبِ وإنْ كانَ لِلْمُسْلِمِ عَلَيْها أجْرٌ عَظِيمٌ أيْضًا إذا بَذَلَ جُهْدَهُ في الحَرْبِ فَغُلِبَ إذِ الحَرْبُ لا تَخْلُو مِن ذَلِكَ، ولَيْسَ بِمَأْمُورٍ أنْ يُلْقِيَ بِيَدِهِ إلى التَّهْلُكَةِ إذا عَلِمَ أنَّهُ لا يُجْدِي عَنْهُ الِاسْتِبْسالُ، فَإنَّ مِن مَنافِعِ الإسْلامِ اسْتِبْقاءَ رِجالِهِ لِدِفاعِ العَدُوِّ.
والخِطابُ في قَوْلِهِ ﴿وما لَكم لا تُقاتِلُونَ﴾ التِفاتٌ مِن طَرِيقِ الغَيْبَةِ، وهو طَرِيقُ المَوْصُولِ في قَوْلِهِ ﴿الَّذِينَ يَشْرُونَ الحَياةَ الدُّنْيا بِالآخِرَةِ﴾ إلى طَرِيقِ المُخاطَبَةِ.
ومَعْنى ﴿وما لَكم لا تُقاتِلُونَ﴾ ما يَمْنَعُكم مِنَ القِتالِ، وأصْلُ التَّرْكِيبِ: أيُّ شَيْءٍ حَقٌّ لَكم في حالِ كَوْنِكم لا تُقاتِلُونَ، فَجُمْلَةُ ﴿لا تُقاتِلُونَ﴾ حالٌ مِنَ الضَّمِيرِ المَجْرُورِ لِلدَّلالَةِ عَلى ما مِنهُ الِاسْتِفْهامُ.
والِاسْتِفْهامُ إنْكارِيٌّ، أيْ لا شَيْءَ لَكم في حالِ لا تُقاتِلُونَ، والمُرادُ أنَّ الَّذِي هو لَكم هو أنْ تُقاتِلُوا، فَهو بِمَنزِلَةِ أمْرٍ، أيْ قاتِلُوا في سَبِيلِ اللَّهِ لا يَصُدُّكم شَيْءٌ عَنِ القِتالِ، وقَدْ تَقَدَّمَ قَرِيبٌ مِنهُ عِنْدَ قَوْلِهِ تَعالى ﴿وما لَنا ألّا نُقاتِلَ في سَبِيلِ اللَّهِ﴾ [البقرة: ٢٤٦] في سُورَةِ البَقَرَةِ.
ومَعْنى ﴿فِي سَبِيلِ اللَّهِ﴾ لِأجْلِ دِينِهِ ولِمَرْضاتِهِ، فَحَرْفُ (في) لِلتَّعْلِيلِ، ولِأجْلِ المُسْتَضْعَفِينَ، أيْ لِنَفْعِهِمْ ودَفْعِ المُشْرِكِينَ عَنْهم.
والمُسْتَضْعَفُونَ الَّذِينَ يَعُدُّهُمُ النّاسُ ضُعَفاءَ فالسِّينُ والتّاءُ لِلْحُسْبانِ، وأرادَ بِهِمْ مَن بَقِيَ مِنَ المُؤْمِنِينَ بِمَكَّةَ مِنَ الرِّجالِ الَّذِينَ مَنَعَهُمُ المُشْرِكُونَ مِنَ الهِجْرَةِ بِمُقْتَضى الصُّلْحِ الَّذِي
صفحة ١٢٣
انْعَقَدَ بَيْنَ الرَّسُولِ ﷺ وبَيْنَ سَفِيرِ قُرَيْشٍ سُهَيْلِ بْنِ عَمْرٍو؛ إذْ كانَ مِنَ الشُّرُوطِ الَّتِي انْعَقَدَ عَلَيْها الصُّلْحُ: أنَّ مَن جاءَ إلى مَكَّةَ مِنَ المُسْلِمِينَ مُرْتَدًّا عَنِ الإسْلامِ لا يُرَدُّ إلى المُسْلِمِينَ، ومَن جاءَ إلى المَدِينَةِ فارًّا مِن مَكَّةَ مُؤْمِنًا يُرَدُّ إلى مَكَّةَ.ومِنَ المُسْتَضْعَفِينَ الوَلِيدُ بْنُ الوَلِيدِ، وسَلَمَةُ بْنُ هِشامٍ، وعَيّاشُ بْنُ أبِي رَبِيعَةَ. وأمّا النِّساءُ فَهُنَّ ذَواتُ الأزْواجِ أوْ ولايى الأوْلِياءِ المُشْرِكِينَ اللّائِي يَمْنَعُهُنَّ أزْواجُهُنَّ وأوْلِياؤُهُنَّ مِنَ الهِجْرَةِ: مِثْلَ أُمِّ كُلْثُومٍ بِنْتِ عُقْبَةَ بْنِ أبِي مُعَيْطٍ، وأُمِّ الفَضْلِ لُبابَةَ بِنْتِ الحارِثِ زَوْجِ العَبّاسِ، فَقَدْ كُنَّ يُؤْذَيْنَ ويُحَقَّرْنَ.
وأمّا الوِلْدانُ فَهُمُ الصِّغارُ مِن أوْلادِ المُؤْمِنِينَ والمُؤْمِناتِ، فَإنَّهم كانُوا يَأْلَمُونَ مِن مُشاهَدَةِ تَعْذِيبِ آبائِهِمْ وذَوِيهِمْ وإيذاءِ أُمَّهاتِهِمْ وحاضِناتِهِمْ. وعَنِ ابْنِ عَبّاسٍ أنَّهُ قالَ: كُنْتُ أنا وأُمِّي مِنَ المُسْتَضْعَفِينَ.
والقِتالُ في سَبِيلِ هَؤُلاءِ ظاهِرٌ، لِإنْقاذِهِمْ مِن فِتْنَةِ المُشْرِكِينَ، وإنْقاذِ الوِلْدانِ مِن أنْ يَشِبُّوا عَلى أحْوالِ الكُفْرِ أوْ جَهْلِ الإيمانِ.
و”القَرْيَةِ“ هي مَكَّةُ. وسَألُوا الخُرُوجَ مِنها لِما كَدَّرَ قُدْسَها مِن ظُلْمِ أهْلِها، أيْ ظُلْمِ الشِّرْكِ وظُلْمِ المُؤْمِنِينَ، فَكَراهِيَةُ المُقامِ بِها مِن جِهَةِ أنَّها صارَتْ يَوْمَئِذٍ دارَ شِرْكٍ ومُناواةٍ لِدِينِ الإسْلامِ وأهْلِهِ، ومِن أجْلِ ذَلِكَ أحَلَّها اللَّهُ لِرَسُولِهِ أنْ يُقاتِلَ أهْلَها، وقَدْ قالَ عَبّاسُ بْنُ مِرْداسٍ يَفْتَخِرُ بِاقْتِحامِ خَيْلِ قَوْمِهِ في زُمْرَةِ المُسْلِمِينَ يَوْمَ فَتْحِ مَكَّةَ:
شَهِدْنَ مَعَ النَّبِيءِ مُسَوَّماتٍ حُنَيْنًا وهي دامِيَةُ الحَوامِي
ووَقْعَةَ خالِدٍ شَهِدَتْ وحَكَّتْ ∗∗∗ سَنابِكَها عَلى البَلَدِ الحَرامِ
وقَدْ سَألُوا مِنَ اللَّهِ ولِيًّا ونَصِيرًا، إذْ لَمْ يَكُنْ لَهم يَوْمَئِذٍ ولِيٌّ ولا نَصِيرٌ فَنَصَرَهُمُ اللَّهُ بِنَبِيئِهِ والمُؤْمِنِينَ يَوْمَ الفَتْحِ.وأشارَتِ الآيَةُ إلى أنَّ اللَّهَ اسْتَجابَ دَعْوَتَهم وهَيَّأ لَهُمُ النَّصْرَ بِيَدِ المُؤْمِنِينَ فَقالَ ﴿الَّذِينَ آمَنُوا يُقاتِلُونَ في سَبِيلِ اللَّهِ والَّذِينَ كَفَرُوا يُقاتِلُونَ في سَبِيلِ الطّاغُوتِ﴾، أيْ فَجَنَّدَ اللَّهُ لَهم عاقِبَةَ النَّصْرِ، ولِذَلِكَ فَرَّعَ عَلَيْهِ الأمْرَ بِقَوْلِهِ ﴿فَقاتِلُوا أوْلِياءَ الشَّيْطانِ إنَّ كَيْدَ الشَّيْطانِ كانَ ضَعِيفًا﴾ .
صفحة ١٢٤
والطّاغُوتُ: الأصْنامُ، وتَقَدَّمَ تَفْسِيرُهُ في قَوْلِهِ تَعالى ﴿ألَمْ تَرَ إلى الَّذِينَ أُوتُوا نَصِيبًا مِنَ الكِتابِ يُؤْمِنُونَ بِالجِبْتِ والطّاغُوتِ﴾ [النساء: ٥١] في هَذِهِ السُّورَةِ، وقَوْلِهِ ﴿يُرِيدُونَ أنْ يَتَحاكَمُوا إلى الطّاغُوتِ﴾ [النساء: ٦٠] .والمُرادُ بِكَيْدِ الشَّيْطانِ تَدْبِيرُهُ، وهو ما يَظْهَرُ عَلى أنْصارِهِ مِنَ الكَيْدِ لِلْمُسْلِمِينَ والتَّدْبِيرِ لِتَأْلِيبِ النّاسِ عَلَيْهِمْ. وأكَّدَ الجُمْلَةَ بِمُؤَكِّدَيْنِ ”إنَّ“ و”كانَ“ الزّائِدَةِ الدّالَّةِ عَلى تَقَرُّرِ وصْفِ الضَّعْفِ لِكَيْدِ الشَّيْطانِ.