Welcome to the Tafsir Tool!
This allows users to review and suggest improvements to the existing tafsirs.
If you'd like to contribute to improving this tafsir, simply click the Request Access button below to send a request to the admin. Once approved, you'll be able to start suggesting improvements to this tafsir.
﴿يا أيُّها الَّذِينَ آمَنُوا إذا ضَرَبْتُمْ في سَبِيلِ اللَّهِ فَتَبَيَّنُوا ولا تَقُولُوا لِمَن ألْقى إلَيْكُمُ السَّلَمَ لَسْتَ مُؤْمِنًا تَبْتَغُونَ عَرَضَ الحَياةِ الدُّنْيا فَعِنْدَ اللَّهِ مَغانِمُ كَثِيرَةٌ كَذَلِكَ كُنْتُمْ مِن قَبْلُ فَمَنَّ اللَّهُ عَلَيْكم فَتَبَيَّنُوا إنَّ اللَّهَ كانَ بِما تَعْمَلُونَ خَبِيرًا﴾ .
اسْتِئْنافٌ ابْتِدائِيٌّ خُوطِبَ بِهِ المُؤْمِنُونَ، اسْتِقْصاءً لِلتَّحْذِيرِ مِن قَتْلِ المُؤْمِنِ بِذِكْرِ أحْوالٍ قَدْ يُتَساهَلُ فِيها وتَعْرِضُ فِيها شُبَهٌ.
والمُناسَبَةُ ما رَواهُ البُخارِيُّ، عَنِ ابْنِ عَبّاسٍ، قالَ: كانَ رَجُلٌ في غُنَيْمَةٍ لَهُ فَلَحِقَهُ المُسْلِمُونَ، فَقالَ: السَّلامُ عَلَيْكم، فَقَتَلُوهُ وأخَذُوا غُنَيْمَتَهُ، فَأنْزَلَ اللَّهُ في ذَلِكَ هَذِهِ الآيَةَ. وفي رِوايَةٍ وقالَ: لا إلَهَ إلّا اللَّهُ مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللَّهِ. وفي رِوايَةٍ «أنَّ النَّبِيءَ ﷺ حَمَلَ دِيَتَهُ إلى أهْلِهِ ورَدَّ غُنَيْمَتَهُ» .
صفحة ١٦٧
واخْتُلِفَ في اسْمِ القاتِلِ والمَقْتُولِ، بَعْدَ الِاتِّفاقِ عَلى أنَّ ذَلِكَ كانَ في سَرِيَّةٍ، فَرَوى ابْنُ القاسِمِ، عَنْ مالِكٍ: أنَّ القاتِلَ أُسامَةُ بْنُ زَيْدٍ، والمَقْتُولَ مِرْداسُ بْنُ نَهِيكٍ الفَزارِيُّ مِن أهْلِ فَدَكَ، وفي سِيرَةِ ابْنِ إسْحاقَ أنَّ القاتِلَ مُحَلَّمٌ مِن جَثّامَةَ، والمَقْتُولَ عامِرُ بْنُ الأضْبَطِ. وقِيلَ: القاتِلُ أبُو قَتادَةَ، وقِيلَ أبُو الدَّرْداءِ، وأنَّ النَّبِيءَ ﷺ وبَّخَ القاتِلَ، وقالَ لَهُ: " «فَهَلّا شَقَقْتَ عَنْ بَطْنِهِ فَعَلِمْتَ ما في قَلْبِهِ» . ومُخاطَبَتُهم بِـ يا أيُّها الَّذِينَ آمَنُوا تُلَوِّحُ إلى أنَّ الباعِثَ عَلى قَتْلِ مَن أظْهَرَ الإسْلامَ مَنهِيٌّ عَنْهُ.ولَوْ كانَ قَصْدُ القاتِلِ الحِرْصَ عَلى تَحَقُّقِ أنَّ وصْفَ الإيمانِ ثابِتٌ لِلْمَقْتُولِ، فَإنَّ هَذا التَّحَقُّقَ غَيْرُ مُرادٍ لِلشَّرِيعَةِ، وقَدْ ناطَتْ صِفَةُ الإسْلامِ بِقَوْلِ لا إلَهَ إلّا اللَّهُ مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللَّهِ أوْ بِتَحِيَّةِ الإسْلامِ وهي السَّلامُ عَلَيْكم.
والضَّرْبُ: السَّيْرُ، وتَقَدَّمَ عِنْدَ قَوْلِهِ تَعالى ﴿وقالُوا لِإخْوانِهِمْ إذا ضَرَبُوا في الأرْضِ﴾ [آل عمران: ١٥٦] في سُورَةِ آلِ عِمْرانَ. وقَوْلُهُ في سَبِيلِ اللَّهِ ظَرْفٌ مُسْتَقِرٌّ هو حالٌ مِن ضَمِيرِ ضَرَبْتُمْ ولَيْسَ مُتَعَلِّقًا بِـ ضَرَبْتُمْ لِأنَّ الضَّرْبَ أيِ السَّيْرَ لا يَكُونُ عَلى سَبِيلِ اللَّهِ إذْ سَبِيلُ اللَّهِ لَقَبٌ لِلْغَزْوِ، ألا تَرى قَوْلَهُ تَعالى ﴿وقالُوا لِإخْوانِهِمْ إذا ضَرَبُوا في الأرْضِ أوْ كانُوا غُزًّى﴾ [آل عمران: ١٥٦] الآيَةَ.
والتَّبَيُّنُ: شِدَّةُ طَلَبِ البَيانِ، أيِ التَّأمُّلُ القَوِيُّ، حَسْبَما تَقْتَضِيهِ صِيغَةُ التَّفَعُّلِ. ودُخُولُ الفاءِ عَلى فِعْلِ تَبَيَّنُوا لِما في إذا مِن تَضَمُّنِ مَعْنى الِاشْتِراطِ غالِبًا. وقَرَأ الجُمْهُورُ: فَتَبَيَّنُوا بِفَوْقِيَّةٍ ثُمَّ مُوَحَّدَةٍ ثُمَّ تَحْتِيَّةٍ ثُمَّ نُونٍ مِنَ التَّبَيُّنِ وهو تَفَعُّلٌ، أيْ تَثَبَّتُوا واطْلُبُوا بَيانَ الأُمُورِ فَلا تَعْجَلُوا فَتَتَّبِعُوا الخَواطِرَ الخاطِفَةَ الخاطِئَةَ. وقَرَأهُ حَمْزَةُ، والكِسائِيُّ، وخَلَفٌ: (فَتَثَبَّتُوا) - بِفاءٍ فَوْقِيَّةٍ فَمُثَلَّثَةٍ فَمُوَحَّدَةٍ فَفَوْقِيَّةٍ - بِمَعْنى اطْلُبُوا الثّابِتَ، أيِ الَّذِي لا يَتَبَدَّلُ ولا يَحْتَمِلُ نَقِيضَ ما بَدا لَكم.
وقَوْلُهُ ﴿ولا تَقُولُوا لِمَن ألْقى إلَيْكُمُ السَّلَمَ لَسْتَ مُؤْمِنًا﴾ قَرَأ نافِعٌ، وابْنُ عامِرٍ، وحَمْزَةُ، وخَلَفٌ (السَّلَمَ) بِدُونِ ألِفٍ بَعْدِ اللّامِ وهو ضِدُّ الحَرْبِ، ومَعْنى ألْقى السَّلَمَ أظْهَرَهُ بَيْنَكم كَأنَّهُ رَماهُ بَيْنَهم. وقَرَأ البَقِيَّةُ السَّلامَ بِالألِفِ وهو مُشْتَرِكٌ بَيْنَ مَعْنى السَّلَمِ ضِدَّ الحَرْبِ، ومَعْنى تَحِيَّةِ الإسْلامِ، فَهي قَوْلُ: السَّلامُ عَلَيْكم، أيْ مَن خاطَبَكم بِتَحِيَّةِ الإسْلامِ عَلامَةً عَلى أنَّهُ مُسْلِمٌ.
صفحة ١٦٨
وجُمْلَةُ ﴿لَسْتَ مُؤْمِنًا﴾ مَقُولُ لا تَقُولُوا. وقَرَأهُ الجُمْهُورُ: مُؤْمِنًا بِكَسْرِ المِيمِ الثّانِيَةِ بِصِيغَةِ اسْمِ الفاعِلِ، أيْ لا تَنْفُوا عَنْهُ الإيمانَ وهو يُظْهِرُهُ لَكم، وقَرَأهُ ابْنُ ورْدانَ عَنْ أبِي جَعْفَرٍ بِفَتْحِ المِيمِ الثّانِيَةِ بِصِيغَةِ اسْمِ المَفْعُولِ، أيْ لا تَقُولُوا لَهُ لَسْتَ مُحَصِّلًا تَأْمِينَنا إيّاكَ، أيْ إنَّكَ مَقْتُولٌ أوْ مَأْسُورٌ.وعَرَضَ الحَياةِ: مَتاعُ الحَياةِ، والمُرادُ بِهِ الغَنِيمَةُ فَعَبَّرَ عَنْها بِـ عَرَضَ الحَياةِ تَحْقِيرًا لَها بِأنَّها نَفْعٌ عارِضٌ زائِلٌ.
وجُمْلَةُ تَبْتَغُونَ حالِيَّةٌ، أيْ ناقَشْتُمُوهُ في إيمانِهِ خَشْيَةَ أنْ يَكُونَ قَصَدَ إحْرازَ مالِهِ، فَكانَ عَدَمُ تَصْدِيقِهِ آئِلًا إلى ابْتِغاءِ غَنِيمَةِ مالِهِ، فَأُوخِذُوا بِالمَآلِ. فالمَقْصُودُ مِن هَذا القَيْدِ زِيادَةُ التَّوْبِيخِ، مَعَ العِلْمِ بِأنَّهُ لَوْ قالَ لِمَن أظْهَرَ الإسْلامَ: لَسْتَ مُؤْمِنًا، وقَتْلَهُ غَيْرَ آخِذٍ مِنهُ مالًا لَكانَ حُكْمُهُ أوْلى مِمَّنْ قَصَدَ أخْذَ الغَنِيمَةِ، والقَيْدُ يَنْظُرُ إلى سَبَبِ النُّزُولِ، والحُكْمُ أعَمُّ مِن ذَلِكَ.
وكَذَلِكَ قَوْلُهُ ﴿فَعِنْدَ اللَّهِ مَغانِمُ كَثِيرَةٌ﴾ أيْ لَمْ يَحْصُرِ اللَّهُ مَغانِمَكم في هَذِهِ الغَنِيمَةِ.
وزادَ في التَّوْبِيخِ قَوْلُهُ ﴿كَذَلِكَ كُنْتُمْ مِن قَبْلُ﴾ أيْ كُنْتُمْ كُفّارًا فَدَخَلْتُمُ الإسْلامَ بِكَلِمَةِ الإسْلامِ، فَلَوْ أنَّ أحَدًا أبى أنْ يُصَدِّقَكم في إسْلامِكم أكانَ يُرْضِيكم ذَلِكَ. وهَذِهِ تَرْبِيَةٌ عَظِيمَةٌ، وهي أنْ يَسْتَشْعِرَ الإنْسانُ عِنْدَ مُؤاخَذَتِهِ غَيْرَهُ أحْوالًا كانَ هو عَلَيْها تُساوِي أحْوالَ مَن يُؤاخِذُهُ، كَمُؤاخَذَةِ المُعَلِّمِ التِّلْمِيذَ بِسُوءٍ إذا لَمْ يُقَصِّرْ في إعْمالِ جُهْدِهِ.
وكَذَلِكَ هي عِظَةٌ لِمَن يَمْتَحِنُونَ طَلَبَةَ العِلْمِ فَيَعْتادُونَ التَّشْدِيدَ عَلَيْهِمْ وتَطَلُّبَ عَثَراتِهِمْ، وكَذَلِكَ وُلاةُ الأُمُورِ وكِبارُ المُوَظَّفِينَ في مُعامَلَةِ مَن لِنَظَرِهِمْ مِن صِغارِ المُوَظَّفِينَ، وكَذَلِكَ الآباءُ مَعَ أبْنائِهِمْ إذا بَلَغَتْ بِهِمُ الحَماقَةُ أنْ يَنْتَهِرُوهم عَلى اللَّعِبِ المُعْتادِ أوْ عَلى الضَّجَرِ مِنَ الآلامِ.
وقَدْ دَلَّتِ الآيَةُ عَلى حِكْمَةٍ عَظِيمَةٍ في حِفْظِ الجامِعَةِ الدِّينِيَّةِ، وهي بَثُّ الثِّقَةِ والأمانِ بَيْنَ أفْرادِ الأُمَّةِ، وطَرْحُ ما مِن شَأْنِهِ إدْخالُ الشَّكِّ لِأنَّهُ إذا فُتِحَ هَذا البابُ عَسُرَ سَدُّهُ، وكَما يَتَّهِمُ المُتَّهَمُ غَيْرَهُ فَلِلْغَيْرِ أنْ يَتَّهِمَ مَنِ اتَّهَمَهُ، وبِذَلِكَ تَرْتَفِعُ الثِّقَةُ، ويَسْهُلُ عَلى ضُعَفاءِ الإيمانِ المُرُوقُ، إذْ قَدْ أصْبَحَتِ التُّهْمَةُ تُظِلُّ الصّادِقَ والمُنافِقَ، وانْظُرْ مُعامَلَةَ النَّبِيءِ ﷺ المُنافِقِينَ مُعامَلَةَ المُسْلِمِينَ.
عَلى أنَّ هَذا الدِّينَ سَرِيعُ السَّرَيانِ في القُلُوبِ فَيَكْتَفِي أهْلُهُ بِدُخُولِ الدّاخِلِينَ فِيهِ مِن غَيْرِ مُناقَشَةٍ، إذْ لا يَلْبَثُونَ أنْ يَأْلَفُوهُ،
صفحة ١٦٩
وتُخالِطَ بِشاشَتُهُ قُلُوبَهم، فَهم يَقْتَحِمُونَهُ عَلى شَكٍّ وتَرَدُّدٍ فَيَصِيرُ إيمانًا راسِخًا، ومِمّا يُعِينُ عَلى ذَلِكَ ثِقَةُ السّابِقِينَ فِيهِ بِاللّاحِقِينَ بِهِمْ.ومِن أجْلِ ذَلِكَ أعادَ اللَّهُ الأمْرَ فَقالَ فَتَبَيَّنُوا تَأْكِيدًا لِـ تَبَيَّنُوا المَذْكُورِ قَبْلَهُ، وذَيَّلَهُ بِقَوْلِهِ ﴿إنَّ اللَّهَ كانَ بِما تَعْمَلُونَ خَبِيرًا﴾ وهو يَجْمَعُ وعِيدًا ووَعْدًا.