﴿إنَّ اللَّهَ لا يَغْفِرُ أنْ يُشْرَكَ بِهِ ويَغْفِرُ ما دُونَ ذَلِكَ لِمَن يَشاءُ ومَن يُشْرِكْ بِاللَّهِ فَقَدْ ضَلَّ ضَلالًا بَعِيدًا﴾ .

اسْتِئْنافٌ ابْتِدائِيٌّ، جُعِلَ تَمْهِيدًا لِما بَعْدَهُ مِن وصْفِ أحْوالِ شِرْكِهِمْ. وتَعْقِيبُ الآيَةِ السّابِقَةِ بِهَذِهِ مُشِيرٌ إلى أنَّ المُرادَ بِاتِّباعِ غَيْرِ سَبِيلِ المُؤْمِنِينَ اتِّباعُ سَبِيلِ الكُفْرِ مِن شِرْكٍ وغَيْرِهِ، فَعَقَّبَهُ بِالتَّحْذِيرِ مِنَ الشِّرْكِ، وأكَّدَهُ بِأنَّ لِلدَّلالَةِ عَلى رَفْعِ احْتِمالِ المُبالَغَةِ أوِ المَجازِ.

وتَقَدَّمَ القَوْلُ في مِثْلِ هَذِهِ الآيَةِ قَرِيبًا، غَيْرَ أنَّ الآيَةَ السّابِقَةَ قالَ فِيها ﴿ومَن يُشْرِكْ بِاللَّهِ فَقَدِ افْتَرى إثْمًا عَظِيمًا﴾ [النساء: ٤٨] وقالَ في هَذِهِ ﴿فَقَدْ ضَلَّ ضَلالًا بَعِيدًا﴾ . وإنَّما قالَ في السّابِقَةِ ﴿فَقَدِ افْتَرى إثْمًا عَظِيمًا﴾ [النساء: ٤٨] لِأنَّ المُخاطَبَ فِيها أهْلُ الكِتابِ بِقَوْلِهِ ﴿يا أيُّها الَّذِينَ أُوتُوا الكِتابَ آمِنُوا بِما نَزَّلْنا مُصَدِّقًا لِما مَعَكُمْ﴾ [النساء: ٤٧] فَنُبِّهُوا عَلى أنَّ الشِّرْكَ مِن قَبِيلِ الِافْتِراءِ تَحْذِيرًا لَهم مِنَ الِافْتِراءِ وتَفْظِيعًا لِجِنْسِهِ.

وأمّا في هَذِهِ الآيَةِ فالكَلامُ مُوَجَّهٌ إلى المُسْلِمِينَ فَنُبِّهُوا عَلى أنَّ الشِّرْكَ مِنَ الضَّلالِ تَحْذِيرًا لَهم مِن مُشاقَّةِ الرَّسُولِ وأحْوالِ المُنافِقِينَ، فَإنَّها مِن جِنْسِ الضَّلالِ. وأُكِّدَ الخَبَرُ هُنا بِحَرْفِ ”قَدْ“ اهْتِمامًا بِهِ لِأنَّ المُواجَهَ بِالكَلامِ هُنا المُؤْمِنُونَ، وهم لا يَشُكُّونَ في تَحَقُّقِ ذَلِكَ.

والبَعِيدُ أُرِيدَ بِهِ القَوِيُّ في نَوْعِهِ الَّذِي لا يُرْجى لِصاحِبِهِ اهْتِداءٌ، فاسْتُعِيرَ لَهُ البَعِيدُ لِأنَّ البَعِيدَ يُقْصِي الكائِنَ فِيهِ عَنِ الرُّجُوعِ إلى حَيْثُ صَدَرَ.