Welcome to the Tafsir Tool!
This allows users to review and suggest improvements to the existing tafsirs.
If you'd like to contribute to improving this tafsir, simply click the Request Access button below to send a request to the admin. Once approved, you'll be able to start suggesting improvements to this tafsir.
﴿وكَتَبْنا عَلَيْهِمْ فِيها أنَّ النَّفْسَ بِالنَّفْسِ والعَيْنَ بِالعَيْنِ والأنْفَ بِالأنْفِ والأُذْنَ بِالأُذْنِ والسِّنَّ بِالسِّنِّ والجُرُوحَ قِصاصٌ فَمَن تَصَدَّقَ بِهِ فَهْوَ كَفّارَةٌ لَهُ ومَن لَمْ يَحْكم بِما أنْزَلَ اللَّهُ فَأُولَئِكَ هُمُ الظّالِمُونَ﴾ .
عُطِفَتْ جُمْلَةُ ”كَتَبْنا“ عَلى جُمْلَةِ ”أنْزَلْنا التَّوْراةَ“ . ومُناسَبَةُ عَطْفِ هَذا الحُكْمِ عَلى ما تَقَدَّمَ أنَّهم غَيَّرُوا أحْكامَ القِصاصِ كَما غَيَّرُوا أحْكامَ حَدِّ الزِّنى، فَفاضَلُوا بَيْنَ القَتْلى والجَرْحى، كَما سَيَأْتِي، فَلِذَلِكَ ذَيَّلَهُ بِقَوْلِهِ: ﴿ومَن لَمْ يَحْكم بِما أنْزَلَ اللَّهُ فَأُولَئِكَ هُمُ الظّالِمُونَ﴾، كَما ذَيَّلَ الآيَةَ الدّالَّةَ عَلى تَغْيِيرِ حُكْمِ حَدِّ الزِّنى بِقَوْلِهِ: ﴿ومَن لَمْ يَحْكم بِما أنْزَلَ اللَّهُ فَأُولَئِكَ هُمُ الكافِرُونَ﴾ [المائدة: ٤٤] .
والكَتْبُ هُنا مَجازٌ في التَّشْرِيعِ والفَرْضِ بِقَرِينَةِ تَعْدِيَتِهِ بِحَرْفِ (عَلى) أيْ أوْجَبْنا عَلَيْهِمْ فِيها، أيْ في التَّوْراةِ مَضْمُونَ ﴿أنَّ النَّفْسَ بِالنَّفْسِ﴾، وهَذا الحُكْمُ مَسْطُورٌ في التَّوْراةِ أيْضًا، كَما اقْتَضَتْ تَعْدِيَةُ فِعْلِ (كَتَبْنا) بِحَرْفِ (في) فَهو مِنِ اسْتِعْمالِ اللَّفْظِ في حَقِيقَتِهِ ومَجازِهِ.
وفِي هَذا إشارَةٌ إلى أنَّ هَذا الحُكْمَ لا يُسْتَطاعُ جَحْدُهُ لِأنَّهُ مَكْتُوبٌ والكِتابَةُ تَزِيدُ الكَلامَ تَوَثُّقًا، كَما تَقَدَّمَ عِنْدَ قَوْلِهِ تَعالى ﴿يا أيُّها الَّذِينَ آمَنُوا إذا تَدايَنْتُمْ بِدَيْنٍ إلى أجَلٍ مُسَمًّى فاكْتُبُوهُ﴾ [البقرة: ٢٨٢] في سُورَةِ البَقَرَةِ، وقالَ الحارِثُ بْنُ حِلِّزَةَ:
وهَلْ يَنْقُضُ ما في المَهارِقِ الأهْواءُ
صفحة ٢١٥
والمَكْتُوبُ عَلَيْهِمْ هو المَصْدَرُ المُسْتَفادُ مِن (أنْ) . والمَصْدَرُ في مِثْلِ هَذا يُؤْخَذُ مِن مَعْنى حَرْفِ الباءِ الَّذِي هو التَّعْوِيضُ، أيْ كَتَبْنا تَعْوِيضَ النَّفْسِ بِالنَّفْسِ، أيِ النَّفْسُ المَقْتُولَةُ بِالنَّفْسِ القاتِلَةِ، أيْ كَتَبْنا عَلَيْهِمْ مُساواةَ القِصاصِ.وقَدِ اتَّفَقَ القُرّاءُ عَلى فَتْحِ هَمْزَةِ (أنَّ) هُنا، لِأنَّ المَفْرُوضَ في التَّوْراةِ لَيْسَ هو عَيْنَ هَذِهِ الجُمَلِ ولَكِنِ المَعْنى الحاصِلُ مِنها وهو العِوَضِيَّةُ والمُساواةُ فِيها.
وقَرَأ الجُمْهُورُ ﴿والعَيْنَ بِالعَيْنِ﴾ وما عُطِفَ عَلَيْها بِالنَّصْبِ عَطْفًا عَلى اسْمِ (أنَّ) . وقَرَأهُ الكِسائِيُّ بِالرَّفْعِ. وذَلِكَ جائِزٌ إذا اسْتَكْمَلَتْ (أنَّ) خَبَرَها فَيُعْتَبَرُ العَطْفُ عَلى مَجْمُوعِ الجُمْلَةِ.
والنَّفْسُ: الذّاتُ، وقَدْ تَقَدَّمَ في قَوْلِهِ تَعالى ﴿وتَنْسَوْنَ أنْفُسَكُمْ﴾ [البقرة: ٤٤] في سُورَةِ البَقَرَةِ. و”الأُذُنُ“ بِضَمِّ الهَمْزَةِ وسُكُونِ الذّالِ، وبِضَمِّ الذّالِ أيْضًا. والمُرادُ بِالنَّفْسِ الأُولى نَفْسُ المُعْتَدى عَلَيْهِ، وكَذَلِكَ في ”والعَيْنَ“ إلَخْ.
والباءُ في قَوْلِهِ: ”بِالنَّفْسِ“ ونَظائِرِهِ الأرْبَعَةِ باءُ العِوَضِ، ومَدْخُولاتُ الباءِ كُلُّها أخْبارُ (أنَّ) ومُتَعَلِّقُ الجارِّ والمَجْرُورِ في كُلٍّ مِنها مَحْذُوفٌ، هو كَوْنٌ خاصٌّ يَدُلُّ عَلَيْهِ سِياقُ الكَلامِ؛ فَيُقَدَّرُ: أنَّ النَّفْسَ المَقْتُولَةَ تُعَوَّضُ بِنَفْسِ القاتِلِ والعَيْنَ المُتْلَفَةَ تُعَوَّضُ بِعَيْنِ المُتْلِفِ، أيْ بِإتْلافِها وهَكَذا النَّفْسُ مُتْلَفَةٌ بِالنَّفْسِ؛ والعَيْنُ مَفْقُوءَةٌ بِالعَيْنِ؛ والأنْفُ مَجْدُوعٌ بِالأنْفِ؛ والأُذُنُ مَصْلُومَةٌ بِالأُذُنِ.
ولامُ التَّعْرِيفِ في المَواضِعِ الخَمْسَةِ داخِلَةٌ عَلى عُضْوِ المَجْنِيِّ عَلَيْهِ، ومَجْرُوراتُ الباءِ الخَمْسَةُ عَلى أعْضاءِ الجانِي.
والِاقْتِصارُ عَلى ذِكْرِ هَذِهِ الأعْضاءِ دُونَ غَيْرِها مِن أعْضاءِ الجَسَدِ كاليَدِ والرِّجْلِ والإصْبَعِ لِأنَّ القَطْعَ يَكُونُ غالِبًا عِنْدَ المُضارَبَةِ بِقَصْدِ قَطْعِ الرَّقَبَةِ، فَقَدْ يَنْبُو السَّيْفُ عَنْ قَطْعِ الرَّأْسِ فَيُصِيبُ بَعْضَ الأعْضاءِ المُتَّصِلَةِ بِهِ مِن عَيْنٍ أوْ أنْفٍ أوْ أُذُنٍ أوْ سِنٍّ. وكَذَلِكَ عِنْدَ المُصاوَلَةِ لِأنَّ الوَجْهَ يُقابِلُ الصّائِلَ، قالَ الحُرَيْشُ بْنُ هِلالٍ:
نُعَرِّضُ لِلسُّيُوفِ إذا التَقَيْنا ∗∗∗ وُجُوهًا لا تُعَرَّضُ لِلِّطامِ
صفحة ٢١٥
وقَوْلُهُ: ﴿والجُرُوحَ قِصاصٌ﴾ أخْبَرَ بِالقِصاصِ عَنِ الجُرُوحِ عَلى حَذْفٍ مُضافٍ، أيْ ذاتُ قِصاصٍ.و”قِصاصٌ“ مَصْدَرُ قاصَّهُ الدّالُّ عَلى المُفاعَلَةِ، لِأنَّ المَجْنِيَّ عَلَيْهِ يُقاصُّ الجانِيَ، والجانِيَ يُقاصُّ المَجْنِيَّ عَلَيْهِ، أيْ يَقْطَعُ كُلٌّ مِنهُما التَّبِعَةَ عَنِ الآخَرِ بِذَلِكَ. ويَجُوزُ أنْ يَكُونَ ”قِصاصٌ“ مَصْدَرًا بِمَعْنى المَفْعُولِ، كالخَلْقِ بِمَعْنى المَخْلُوقِ، والنَّصْبُ بِمَعْنى المَنصُوبِ، أيْ مَقْصُوصٌ بَعْضُها بِبَعْضٍ. والقِصاصُ: المُماثَلَةُ، أيْ عُقُوبَةُ الجانِي بِجِراحٍ أنْ يُجْرَحَ مِثْلَ الجُرْحِ الَّذِي جَنى بِهِ عَمْدًا. والمَعْنى إذا أمْكَنَ ذَلِكَ، أيْ أُمِنَ مِنَ الزِّيادَةِ عَلى المُماثَلَةِ في العُقُوبَةِ، كَما إذا جَرَحَهُ مَأْمُومَةً عَلى رَأْسِهِ فَإنَّهُ لا يَدْرِي حِينَ يَضْرِبُ رَأْسَ الجانِي ماذا يَكُونُ مَدى الضَّرْبَةِ فَلَعَلَّها تَقْضِي بِمَوْتِهِ؛ فَيَنْتَقِلُ إلى الدِّيَةِ كُلِّها أوْ بَعْضِها.
وهَذا كُلُّهُ في جِناياتِ العَمْدِ، فَأمّا الخَطَأُ فَلَمْ تَتَعَرَّضْ لَهُ الآيَةُ لِأنَّ المَقْصُودَ أنَّهم لَمْ يُقِيمُوا حُكْمَ التَّوْراةِ في الجِنايَةِ.
وقَرَأ نافِعٌ، وحَمْزَةُ، وعاصِمٌ، وأبُو جَعْفَرٍ، وخَلَفٌ ”والجُرُوحَ“ بِالنَّصْبِ عَطْفًا عَلى اسْمِ (أنَّ) . وقَرَأهُ ابْنُ كَثِيرٍ، وابْنُ عامِرٍ، وأبُو عَمْرٍو، والكِسائِيُّ، ويَعْقُوبُ بِالرَّفْعِ عَلى الِاسْتِئْنافِ، لِأنَّهُ إجْمالٌ لِحُكْمِ الجِراحِ بَعْدَما فَصَّلَ حُكْمَ قَطْعِ الأعْضاءِ.
وفائِدَةُ الإعْلامِ بِما شَرَعَ اللَّهُ لِبَنِي إسْرائِيلَ في القِصاصِ هُنا زِيادَةُ تَسْجِيلِ مُخالَفَتِهِمْ لِأحْكامِ كِتابِهِمْ، وذَلِكَ أنَّ اليَهُودَ في المَدِينَةِ كانُوا قَدْ دَخَلُوا في حُرُوبِ بُعاثٍ فَكانَتْ قُرَيْظَةُ والنَّضِيرُ حَرْبًا، ثُمَّ تَحاجَزُوا وانْهَزَمَتْ قُرَيْظَةُ، فَشَرَطَتِ النَّضِيرُ عَلى قُرَيْظَةَ أنَّ دِيَةَ النَّضِيرِيِّ عَلى الضِّعْفِ مِن دِيَةِ القُرَظِيِّ وعَلى أنَّ القُرَظِيَّ يُقْتَلُ بِالنَّضِيرِيِّ ولا يُقْتَلُ النَّضِيرِيُّ بِالقُرَظِيِّ، فَأظْهَرَ اللَّهُ تَحْرِيفَهم لِكِتابِهِمْ. وهَذا كَقَوْلِهِ تَعالى ﴿وإذْ أخَذْنا مِيثاقَكم لا تَسْفِكُونَ دِماءَكُمْ﴾ [البقرة: ٨٤] إلى قَوْلِهِ: ﴿أفَتُؤْمِنُونَ بِبَعْضِ الكِتابِ وتَكْفُرُونَ بِبَعْضٍ﴾ [البقرة: ٨٥] . ويَجُوزُ أنْ يُقْصَدَ مِن ذَلِكَ أيْضًا تَأْيِيدُ شَرِيعَةِ الإسْلامِ إذْ جاءَتْ بِمُساواةِ القِصاصِ وأبْطَلَتِ التَّكايُلَ في الدِّماءِ
صفحة ٢١٦
الَّذِي كانَ في الجاهِلِيَّةِ وعِنْدَ اليَهُودِ. ولا شَكَّ أنَّ تَأْيِيدَ الشَّرِيعَةِ بِشَرِيعَةٍ أُخْرى يَزِيدُها قَبُولًا في النُّفُوسِ. ويَدُلُّ عَلى أنَّ ذَلِكَ الحُكْمَ مُرادٌ قَدِيمٌ لِلَّهِ تَعالى. وأنَّ المَصْلَحَةَ مُلازِمَةٌ لَهُ ولا تَخْتَلِفُ بِاخْتِلافِ الأقْوامِ والأزْمانِ، لِأنَّ العَرَبَ لَمْ يَزَلْ في نُفُوسِهِمْ حَرَجٌ مِن مُساواةِ الشَّرِيفِ الضَّعِيفَ في القِصاصِ، كَما قالَتْ كَبْشَةُ أُخْتُ عَمْرِو بْنِ مَعْدِي كَرِبَ تَثْأرُ بِأخِيها عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَعْدِي كَرِبَ:فَيَقْتُلَ جَبْرًا بِامْرِئٍ لَمْ يَكُنْ لَهُ ∗∗∗ بَواءً ولَكِنْ لا تَكايُلَ بِالـدَّمِ
تُرِيدُ: رَضِينا بِأنْ يُقْتَلَ الرَّجُلُ الَّذِي اسْمُهُ جَبْرٌ بِالمَرْءِ العَظِيمِ الَّذِي لَيْسَ كُفُؤًا لَهُ، ولَكِنَّ الإسْلامَ أبْطَلَ تَكايُلَ الدِّماءِ. والتَّكايُلُ عِنْدَهم عِبارَةٌ عَنْ تَقْدِيرِ النَّفْسِ بِعِدَّةِ أنْفُسٍ، وقَدْ قَدَّرَ شُيُوخُ بَنِي أسَدٍ دَمَ حُجْرٍ والِدِ امْرِئِ القَيْسِ بِدِياتِ عَشَرَةٍ مِن سادَةِ بَنِي أسَدٍ فَأبى امْرُؤُ القَيْسِ قَبُولَ هَذا التَّقْدِيرِ وقالَ لَهم قَدْ عَلِمْتُمْ أنَّ حُجْرًا لَمْ يَكُنْ لِيَبُوءَ بِهِ شَيْءٌ، وقالَ مُهَلْهَلٌ حِينَ قَتَلَ بُجَيْرًا: ”بُؤْ بِشِسْعِ نَعْلِ كُلَيْبٍ“، والبَواءُ: الكِفاءُ. وقَدْ عَدَّتِ الآيَةُ في القِصاصِ أشْياءَ تَكْثُرُ إصابَتُها في الخُصُوماتِ لِأنَّ الرَّأْسَ قَدْ حَواها وإنَّما يَقْصِدُ القاتِلُ الرَّأْسَ ابْتِداءً.وقَوْلُهُ: ﴿فَمَن تَصَدَّقَ بِهِ فَهو كَفّارَةٌ لَهُ﴾ هو مِن بَقِيَّةِ ما أخْبَرَ بِهِ عَنْ بَنِي إسْرائِيلَ، فالمُرادُ بِـ ”مَن تَصَدَّقَ“ مَن تَصَدَّقَ مِنهم، وضَمِيرُ ”بِهِ“ عائِدٌ إلى ما دَلَّتْ عَلَيْهِ باءُ العِوَضِ في قَوْلِهِ: بِالنَّفْسِ إلَخْ، أيْ مَن تَصَدَّقَ بِالحَقِّ الَّذِي لَهُ، أيْ تَنازَلَ عَنِ العِوَضِ.
وضَمِيرُ ”لَهُ“ عائِدٌ إلى مَن تَصَدَّقَ. والمُرادُ مِنَ التَّصَدُّقِ العَفْوُ، لِأنَّ العَفْوَ لَمّا كانَ عَنْ حَقٍّ ثابِتٍ بِيَدِ مُسْتَحِقِّ الأخْذِ بِالقِصاصِ جُعِلَ إسْقاطُهُ
صفحة ٢١٧
كالعَطِيَّةِ لِيُشِيرَ إلى فَرْطِ ثَوابِهِ، وبِذَلِكَ يَتَبَيَّنُ أنَّ مَعْنى: (﴿كَفّارَةٌ لَهُ﴾) أنَّهُ يُكَفِّرُ عَنْهُ ذُنُوبًا عَظِيمَةً، لِأجْلِ ما في هَذا العَفْوِ مِن جَلْبِ القُلُوبِ وإزالَةِ الإحَنِ واسْتِبْقاءِ نُفُوسِ وأعْضاءِ الأُمَّةِ.وعادَ فَحَذَّرَ مِن مُخالَفَةِ حُكْمِ اللَّهِ فَقالَ ﴿ومَن لَمْ يَحْكم بِما أنْزَلَ اللَّهُ فَأُولَئِكَ هُمُ الظّالِمُونَ﴾ لِيُنَبِّهَ عَلى أنَّ التَّرْغِيبَ في العَفْوِ لا يَقْتَضِي الِاسْتِخْفافَ بِالحُكْمِ وإبْطالَ العَمَلِ بِهِ لِأنَّ حُكْمَ القِصاصِ شُرِعَ لِحَكَمٍ عَظِيمَةٍ: مِنها الزَّجْرُ، ومِنها جَبْرُ خاطِرِ المُعْتَدى عَلَيْهِ، ومِنها التَّفادِي مِن تَرَصُّدِ المُعْتَدى عَلَيْهِمْ لِلِانْتِقامِ مِنَ المُعْتَدِينَ أوْ مِن أقْوامِهِمْ. فَإبْطالُ الحُكْمِ بِالقِصاصِ يُعَطِّلُ هَذِهِ المَصالِحَ، وهو ظُلْمٌ، لِأنَّهُ غَمْصٌ لِحَقِّ المُعْتَدى عَلَيْهِ أوْ ولَيِّهِ. وأمّا العَفْوُ عَنِ الجانِي فَيُحَقِّقُ جَمِيعَ المَصالِحِ ويَزِيدُ مَصْلَحَةَ التَّحابُبِ لِأنَّهُ عَنْ طِيبِ نَفْسٍ، وقَدْ تَغْشى غَباوَةُ حُكّامِ بَنِي إسْرائِيلَ عَلى أفْهامِهِمْ فَيَجْعَلُوا إبْطالَ الحُكْمِ بِمَنزِلَةِ العَفْوِ، فَهَذا وجْهُ إعادَةِ التَّحْذِيرِ عَقِبَ اسْتِحْبابِ العَفْوِ. ولَمْ يُنَبِّهْ عَلَيْهِ المُفَسِّرُونَ. وبِهِ يَتَعَيَّنُ رُجُوعُ هَذا التَّحْذِيرِ إلى بَنِي إسْرائِيلَ مِثْلَ سابِقِهِ.
وقَوْلُهُ: ﴿ومَن لَمْ يَحْكم بِما أنْزَلَ اللَّهُ فَأُولَئِكَ هُمُ الظّالِمُونَ﴾ القَوْلُ فِيهِ كالقَوْلِ في نَظِيرِهِ المُتَقَدِّمِ. والمُرادُ بِالظّالِمِينَ الكافِرُونَ لِأنَّ الظُّلْمَ يُطْلَقُ عَلى الكُفْرِ فَيَكُونُ هَذا مُؤَكِّدًا لِلَّذِي في الآيَةِ السّابِقَةِ. ويُحْتَمَلُ أنَّ المُرادَ بِهِ الجَوْرُ فَيَكُونُ إثْباتُ وصْفِ الظُّلْمِ لِزِيادَةِ التَّشْنِيعِ عَلَيْهِمْ في كُفْرِهِمْ لِأنَّهم كافِرُونَ ظالِمُونَ.