Welcome to the Tafsir Tool!
This allows users to review and suggest improvements to the existing tafsirs.
If you'd like to contribute to improving this tafsir, simply click the Request Access button below to send a request to the admin. Once approved, you'll be able to start suggesting improvements to this tafsir.
﴿أُحِلَّ لَكم صَيْدُ البَحْرِ وطَعامُهُ مَتاعًا لَكم ولِلسَّيّارَةِ وحُرِّمَ عَلَيْكم صَيْدُ البَرِّ ما دُمْتُمْ حُرُمًا واتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي إلَيْهِ تُحْشَرُونَ﴾ .
اسْتِئْنافٌ بَيانِيٌّ نَشَأ عَنْ قَوْلِهِ ﴿يا أيُّها الَّذِينَ آمَنُوا لا تَقْتُلُوا الصَّيْدَ وأنْتُمْ حُرُمٌ﴾ [المائدة: ٩٥] فَإنَّهُ اقْتَضى تَحْرِيمَ قَتْلِ الصَّيْدِ عَلى المُحْرِمِ وجَعْلَ جَزاءِ فِعْلِهِ هَدْيَ مِثْلِ ما قَتَلَ مِنَ النَّعَمِ، فَكانَ السّامِعُ بِحَيْثُ يَسْألُ عَنْ صَيْدِ البَحْرِ لِأنَّ أخْذَهُ لا يُسَمّى في العُرْفِ قَتْلًا، ولَيْسَ لِما يُصادُ مِنهُ مِثْلٌ مِنَ النَّعَمِ ولَكِنَّهُ قَدْ يُشَكُّ لَعَلَّ اللَّهَ أرادَ القَتْلَ بِمَعْنى التَّسَبُّبِ في المَوْتِ، وأرادَ بِالمِثْلِ مِنَ النَّعَمِ المُقارِبَ في الحَجْمِ والمِقْدارِ؛ فَبَيَّنَ اللَّهُ لِلنّاسِ حُكْمَ صَيْدِ البَحْرِ وأبْقاهُ عَلى الإباحَةِ، لِأنَّ صَيْدَ البَحْرِ لَيْسَ مِن حَيَوانِ الحَرَمِ، إذْ لَيْسَ في شَيْءٍ مِن أرْضِ الحَرَمِ بَحْرٌ. وقَدْ بَيَّنّا عِنْدَ قَوْلِهِ تَعالى ﴿يا أيُّها الَّذِينَ آمَنُوا لا تَقْتُلُوا الصَّيْدَ وأنْتُمْ حُرُمٌ﴾ [المائدة: ٩٥] أنَّ أصْلَ الحِكْمَةِ في حُرْمَةِ الصَّيْدِ عَلى المُحْرِمِ هي حِفْظُ حُرْمَةِ الكَعْبَةِ وحَرَمِها.
صفحة ٥٢
ومَعْنى ﴿أُحِلَّ لَكم صَيْدُ البَحْرِ﴾ إبْقاءُ حِلِّيَّتِهِ لِأنَّهُ حَلالٌ مِن قَبْلِ الإحْرامِ. والخِطابُ في لَكم لِلَّذِينَ آمَنُوا. والصَّيْدُ هُنا بِمَعْنى المَصِيدِ لِيَجْرِيَ اللَّفْظُ عَلى سَنَنٍ واحِدٍ في مَواقِعِهِ في هَذِهِ الآياتِ، أيْ أُحِلَّ لَكم قَتْلُهُ، أيْ إمْساكُهُ مِنَ البَحْرِ.والبَحْرُ يَشْمَلُ الأنْهارَ والأوْدِيَةَ لِأنَّ جَمِيعَها يُسَمّى بَحْرًا في لِسانِ العَرَبِ. وقَدْ قالَ اللَّهُ تَعالى: ﴿وما يَسْتَوِي البَحْرانِ هَذا عَذْبٌ فُراتٌ﴾ [فاطر: ١٢] الآيَةَ. ولَيْسَ العَذْبُ إلّا الأنْهارَ كَدِجْلَةَ والفُراتِ. وصَيْدُ البَحْرِ: كُلُّ دَوابِّ الماءِ الَّتِي تُصادُ فِيهِنَّ فَيَكُونُ إخْراجُها مِنهُ سَبَبَ مَوْتِها قَرِيبًا أوْ بَعِيدًا. فَأمّا ما يَعِيشُ في البَرِّ وفي الماءِ فَلَيْسَ مِن صَيْدِ البَحْرِ كالضُّفْدَعِ والسُّلَحْفاةِ، ولا خِلافَ في هَذا. أمّا الخِلافُ فِيما يُؤْكَلُ مِن صَيْدِ البَحْرِ وما لا يُؤْكَلُ مِنهُ، عِنْدَ مَن يَرى أنَّ مِنهُ ما لا يُؤْكَلُ، فَلَيْسَ هَذا مَوْضِعُ ذِكْرِهِ، لِأنَّ الآتِيَةَ لَيْسَتْ بِمُثْبِتَةٍ لِتَحْلِيلِ أكْلِ صَيْدِ البَحْرِ ولَكِنَّها مُنَبِّهَةً عَلى عَدَمِ تَحْرِيمِهِ في حالِ الإحْرامِ.
وقَوْلُهُ وطَعامُهُ عُطِفَ عَلى صَيْدِ البَحْرِ. والضَّمِيرُ عائِدٌ إلى البَحْرِ، أيْ وطَعامُ البَحْرِ، وعَطْفُهُ اقْتَضى مُغايَرَتَهُ لِلصَّيْدِ. والمَعْنى: والتِقاطُ طَعامِهِ أوْ وإمْساكُ طَعامِهِ. وقَدِ اخْتُلِفَ في المُرادِ مِن طَعامِهِ. والَّذِي رُوِيَ عَنْ جُلَّةِ الصَّحابَةِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهم: أنَّ طَعامَ البَحْرِ هو ما طَفا عَلَيْهِ مِن مَيْتَةٍ إذا لَمْ يَكُنْ سَبَبُ مَوْتِهِ إمْساكَ الصّائِدِ لَهُ. ومِنَ العُلَماءِ مَن نُقِلَ عَنْهُ في تَفْسِيرِ طَعامِ البَحْرِ غَيْرُ هَذا مِمّا لا يُلائِمُ سِياقَ الآيَةِ. وهَؤُلاءِ هُمُ الَّذِينَ حَرَّمُوا أكْلَ ما يُخْرِجُهُ البَحْرُ مَيِّتًا، ويَرُدُّ قَوْلَهم ما ثَبَتَ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ أنَّهُ قالَ في البَحْرِ «هُوَ الطَّهُورُ ماؤُهُ الحِلُّ مَيْتَتُهُ» . وحَدِيثُ جابِرٍ في الحُوتِ المُسَمّى العَنْبَرَ، حِينَ وجَدُوهُ مَيِّتًا، وهم في غَزْوَةٍ، وأكَلُوا مِنهُ، وأخْبَرُوا رَسُولَ اللَّهِ، وأكَلَ مِنهُ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ .
وانْتَصَبَ مَتاعًا عَلى الحالِ. والمَتاعُ: ما يُتَمَتَّعُ بِهِ والتَّمَتُّعُ: انْتِفاعٌ بِما يَلَذُّ ويَسُرُّ. والخِطابُ في قَوْلِهِ ﴿مَتاعًا لَكُمْ﴾ لِلْمُخاطَبِينَ بِقَوْلِهِ ﴿أُحِلَّ لَكم صَيْدُ البَحْرِ﴾ بِاعْتِبارِ كَوْنِهِمْ مُتَناوِلِينَ الصَّيْدَ، أيْ مَتاعًا لِلصّائِدِينَ ولِلسَّيّارَةِ.
والسَّيّارَةُ: الجَماعَةُ السّائِرَةُ في الأرْضِ لِلسَّفَرِ والتِّجارَةِ، مُؤَنَّثُ سَيّارٍ، والتَّأْنِيثُ
صفحة ٥٣
بِاعْتِبارِ الجَماعَةِ. قالَ تَعالى: ﴿وجاءَتْ سَيّارَةٌ﴾ [يوسف: ١٩] . والمَعْنى أُحِلَّ لَكم صَيْدُ البَحْرِ تَتَمَتَّعُونَ بِأكْلِهِ ويَتَمَتَّعُ بِهِ المُسافِرُونَ، أيْ تَبِيعُونَهُ لِمَن يَتَّجِرُونَ ويَجْلِبُونَهُ إلى الأمْصارِ.وقَوْلُهُ ﴿وحُرِّمَ عَلَيْكم صَيْدُ البَرِّ ما دُمْتُمْ حُرُمًا﴾ زِيادَةُ تَأْكِيدٍ لِتَحْرِيمِ الصَّيْدِ، تَصْرِيحًا بِمَفْهُومِ قَوْلِهِ ﴿لا تَقْتُلُوا الصَّيْدَ وأنْتُمْ حُرُمٌ﴾ [المائدة: ٩٥]، ولِبَيانِ أنَّ مُدَّةَ التَّحْرِيمِ مُدَّةُ كَوْنِهِمْ حُرُمًا، أيْ مُحْرِمِينَ أوْ مارِّينَ بِحَرَمِ مَكَّةَ. وهَذا إيماءٌ لِتَقْلِيلِ مُدَّةِ التَّحْرِيمِ اسْتِئْناسًا لِلْمُكَلَّفِينَ بِتَخْفِيفٍ، وإيماءٌ إلى نِعْمَةِ اقْتِصارِ تَحْرِيمِهِ عَلى تِلْكَ المُدَّةِ، ولَوْ شاءَ اللَّهُ لَحَرَّمَهُ أبَدًا. وفي المُوَطَّأِ: أنَّ عائِشَةَ قالَتْ لِعُرْوَةَ بْنِ الزُّبَيْرِ: يا ابْنَ أُخْتِي إنَّما هي عَشْرُ لَيالٍ أيْ مُدَّةُ الإحْرامِ فَإنْ تَخَلَّجَ في نَفْسِكَ شَيْءٌ فَدَعْهُ. تَعْنِي أكْلَ لَحْمِ الصَّيْدِ. وذَيَّلَ ذَلِكَ بِقَوْلِهِ ﴿واتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي إلَيْهِ تُحْشَرُونَ﴾ . وفي إجْراءِ الوَصْفِ بِالمَوْصُولِ وتِلْكَ الصِّلَةُ تَذْكِيرٌ بِأنَّ المَرْجِعَ إلى اللَّهِ لِيَعُدَّ النّاسُ ما اسْتَطاعُوا مِنَ الطّاعَةِ لِذَلِكَ اللِّقاءِ.
والحَشْرُ: جَمْعُ النّاسِ في مَكانٍ.
والصَّيْدُ مُرادٌ بِهِ المَصِيدُ، كَما تَقَدَّمَ.
والتَّحْرِيمُ مُتَعَلِّقٌ بِقَتْلِهِ لِقَوْلِهِ قَبْلَهُ ﴿لا تَقْتُلُوا الصَّيْدَ وأنْتُمْ حُرُمٌ﴾ [المائدة: ٩٥] فَلا يَقْتَضِي قَوْلُهُ ﴿وحُرِّمَ عَلَيْكم صَيْدُ البَرِّ ما دُمْتُمْ حُرُمًا﴾ تَحْرِيمَ أكْلِ صَيْدِ البَرِّ عَلى المُحْرِمِ إذا اشْتَراهُ مِن بائِعٍ أوْ ناوَلَهُ رَجُلٌ حَلالٌ إيّاهُ، لِأنَّهُ قَدْ عَلِمَ أنَّ التَّحْرِيمَ مُتَعَلِّقٌ بِمُباشَرَةِ المُحْرِمِ قَتَلَهُ في حالِ الإصابَةِ. «وقَدْ أكَلَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ مِنَ الحِمارِ الَّذِي صادَهُ أبُو قَتادَةَ»، كَما في حَدِيثِ المُوَطَّأِ عَنْ زَيْدِ بْنِ أسْلَمَ. «وأمَرَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ بِقِسْمَةِ الحِمارِ الَّذِي صادَهُ زَيْدٌ البُهْزِيُّ بَيْنَ الرِّفاقِ وهم مُحْرِمُونَ» . وعَلى ذَلِكَ مَضى عَمَلُ الصَّحابَةِ، وهو قَوْلُ. وأمّا ما صِيدَ لِأجْلِ المُحْرِمِ فَقَدْ ثَبَتَ «أنَّ النَّبِيءَ ﷺ رَدَّ عَلى الصَّعْبِ بْنِ جَثّامَةَ حِمارًا وحْشِيًّا أهْداهُ إلَيْهِ وقالَ لَهُ: إنّا لَمْ نَرُدَّهُ عَلَيْكَ إلّا أنّا حُرُمٌ» . وقَدِ اخْتَلَفَ الفُقَهاءُ في مَحْمَلِ هَذا الِامْتِناعِ. فَقِيلَ: يَحْرُمُ أنْ يَأْكُلَهُ مَن صِيدَ لِأجْلِهِ لا غَيْرَ. وهَذا قَوْلُ عُثْمانَ بْنِ عَفّانَ، وجَماعَةٍ مِن فُقَهاءِ المَدِينَةِ، ورِوايَةٌ عَنْ مالِكٍ، وهو الأظْهَرُ، لِأنَّ الظّاهِرَ أنَّ الضَّمِيرَ في قَوْلِ النَّبِيءِ ﷺ: «إنَّما لَمْ نَرُدَّهُ عَلَيْكَ إلّا أنّا حُرُمٌ» أنَّهُ عائِدٌ
صفحة ٥٤
إلى النَّبِيءِ ﷺ وحْدَهُ، لِقَوْلِهِ لَمْ نَرُدَّهُ، وإنَّما رَدَّهُ هو وحْدَهُ. وقِيلَ: يَحْرُمُ عَلى المُحْرِمِ أكْلُ ما صِيدَ لِمُحْرِمٍ غَيْرِهِ، وهو قَوْلُ بَعْضِ أهْلِ المَدِينَةِ، وهو المَشْهُورُ عَنْ مالِكٍ. وكَأنَّ مُسْتَنَدَهم في ذَلِكَ أنَّهُ الِاحْتِياطُ وقِيلَ: لا يَأْكُلُ المُحْرِمُ صَيْدًا صِيدَ في مُدَّةِ إحْرامِهِ ويَأْكُلُ ما صِيدَ قَبْلَ ذَلِكَ، ونُسِبَ إلى عَلِيِّ بْنِ أبِي طالِبٍ وابْنِ عَبّاسٍ، وقِيلَ: يَجُوزُ لِلْمُحْرِمِ أكْلُ الصَّيْدِ مُطْلَقًا، وإنَّما حَرَّمَ اللَّهُ قَتْلَ الصَّيْدِ، وهو قَوْلُ أبِي حَنِيفَةَ. والحاصِلُ أنَّ التَّنَزُّهَ عَنْ أكْلِ الصَّيْدِ الَّذِي صِيدَ لِأجْلِ المُحْرِمِ ثابِتٌ في السُّنَّةِ بِحَدِيثِ الصَّعْبِ بْنِ جَثّامَةَ، وهو مُحْتَمَلٌ كَما عَلِمْتَ. والأصْلُ في الِامْتِناعِ الحُرْمَةُ لِأنَّهُ، لَوْ أرادَ التَّنَزُّهَ لَقالَ: أمّا أنا فَلا آكُلُهُ، كَما قالَ في حَدِيثِ خالِدِ بْنِ الوَلِيدِ في الضَّبِّ.