Welcome to the Tafsir Tool!
This allows users to review and suggest improvements to the existing tafsirs.
If you'd like to contribute to improving this tafsir, simply click the Request Access button below to send a request to the admin. Once approved, you'll be able to start suggesting improvements to this tafsir.
﴿ومِنَ الأنْعامِ حَمُولَةً وفَرْشًا كُلُوا مِمّا رَزَقَكُمُ اللَّهُ ولا تَتَّبِعُوا خُطْواتِ الشَّيْطانِ إنَّهُ لَكم عَدُوٌّ مُبِينٌ﴾
عُطِفَ حَمُولَةً عَلى: ﴿جَنّاتٍ مَعْرُوشاتٍ﴾ [الأنعام: ١٤١] أيْ: وأنْشَأ مِنَ الأنْعامِ حَمُولَةً وفَرْشًا، فَيَنْسَحِبُ عَلَيْهِ القَصْرُ الَّذِي في المَعْطُوفِ عَلَيْهِ؛ أيْ: هو الَّذِي أنْشَأ مِنَ الأنْعامِ حَمُولَةً وفَرْشًا لا آلِهَةَ المُشْرِكِينَ، فَكانَ المُشْرِكُونَ ظالِمِينَ في جَعْلِهِمْ لِلْأصْنامِ حَقًّا في الأنْعامِ.
و(مِن) في قَوْلِهِ: ﴿ومِنَ الأنْعامِ﴾ ابْتِدائِيَّةٌ لِأنَّ الِابْتِداءَ مَعْنًى يَصْلُحُ
صفحة ١٢٥
لِلْحَمُولَةِ ولِلْفَرْشِ؛ لِأنَّهُ أوْسَعُ مَعانِي (مِن) والمَجْرُورُ: إمّا مُتَعَلِّقٌ بِـ (أنْشَأ) وإمّا حالٌ مِن (حَمُولَةً) أصْلُها صِفَةٌ، فَلَمّا قُدِّمَتْ تَحَوَّلَتْ.وأيًّا ما كانَ فَتَقْدِيمُ المَجْرُورِ عَلى المَفْعُولِ الَّذِي هو أوْلى بِالتَّقْدِيمِ في تَرْتِيبِ المُتَعَلِّقاتِ، أوْ تَقْدِيمِ الصِّفَةِ عَلى المَوْصُوفِ، لِقَصْدِ الِاهْتِمامِ بِأمْرِ الأنْعامِ؛ لِأنَّها المَقْصُودُ الأصْلِيُّ مِن سِياقِ الكَلامِ، وهو إبْطالُ تَحْرِيمِ بَعْضِها، وإبْطالُ جَعْلِ نَصِيبٍ مِنها لِلْأصْنامِ، وأمّا الحَمْلُ والفَرْشُ فَذَلِكَ امْتِنانٌ أُدْمِجَ في المَقْصُودِ تَوْفِيرًا لِلْأغْراضِ؛ ولِأنَّ لِلِامْتِنانِ بِذَلِكَ أثَرًا واضِحًا في إبْطالِ تَحْرِيمِ بَعْضِها الَّذِي هو تَضْيِيقٌ في المِنَّةِ ونَبْذٌ لِلنِّعْمَةِ، ولِيَتِمَّ الإيجازُ إذْ يُغْنِي عَنْ أنْ يَقُولَ: وأنْشَأ لَكُمُ الأنْعامَ وأنْشَأ مِنها حَمُولَةً وفَرْشًا كَما سَيَأْتِي.
والأنْعامُ: الإبِلُ والبَقَرُ والشّاءُ والمَعْزُ، وقَدْ تَقَدَّمَ في صَدْرِ سُورَةِ العُقُودِ، والحَمُولَةُ - بِفَتْحِ الحاءِ - ما يُحْمَلُ عَلَيْهِ المَتاعُ أوِ النّاسُ يُقالُ: حَمَلَ المَتاعَ وحَمَلَ فُلانًا قالَ تَعالى: ﴿إذا ما أتَوْكَ لِتَحْمِلَهُمْ﴾ [التوبة: ٩٢] ويَلْزَمُها التَّأْنِيثُ والإفْرادُ مِثْلُ (صَرُورَةٍ) لِلَّذِي لَمْ يَحُجَّ يُقالُ: امْرَأةٌ صَرُورَةٌ ورَجُلٌ صَرُورَةٌ.
والفَرْشُ: اخْتُلِفَ في تَفْسِيرِهِ في هَذِهِ الآيَةِ، فَقِيلَ: الفَرْشُ ما لا يُطِيقُ الحَمْلَ مِنَ الإبِلِ؛ أيْ: فَهو يُرْكَبُ كَما يُفْرَشُ الفَرْشُ، وهَذا قَوْلُ الرّاغِبِ، وقِيلَ: الفَرْشُ الصِّغارُ مِنَ الإبِلِ أوْ مِنَ الأنْعامِ كُلِّها؛ لِأنَّها قَرِيبَةٌ مِنَ الأرْضِ فَهي كالفَرْشِ، وقِيلَ: الفَرْشُ ما يُذْبَحُ؛ لِأنَّهُ يُفْرَشُ عَلى الأرْضِ حِينَ الذَّبْحِ أوْ بَعْدِهِ؛ أيْ: فَهو الضَّأْنُ والمَعْزُ والبَقَرُ؛ لِأنَّها تُذْبَحُ، وفي اللِّسانِ عَنْ أبِي إسْحاقَ: أجْمَعَ أهْلُ اللُّغَةِ عَلى أنَّ الفَرْشَ هو صِغارُ الإبِلِ.
زادَ في الكَشّافِ: أوِ الفَرْشُ: ما يُنْسَجُ مِن وبَرِهِ وصُوفِهِ وشَعْرِهِ الفَرْشَ يُرِيدُ أنَّهُ كَما قالَ تَعالى: ﴿ومِن أصْوافِها وأوْبارِها وأشْعارِها أثاثًا ومَتاعًا إلى حِينٍ﴾ [النحل: ٨٠]،
صفحة ١٢٦
وقالَ: ﴿والأنْعامَ خَلَقَها لَكم فِيها دِفْءٌ ومَنافِعُ ومِنها تَأْكُلُونَ﴾ [النحل: ٥] ﴿ولَكم فِيها جَمالٌ حِينَ تُرِيحُونَ وحِينَ تَسْرَحُونَ﴾ [النحل: ٦] ﴿وتَحْمِلُ أثْقالَكُمْ﴾ [النحل: ٧] الآيَةَ، ولِأنَّهم كانُوا يَفْتَرِشُونَ جُلُودَ الغَنَمِ والمَعْزِ لِلْجُلُوسِ عَلَيْها.ولَفْظُ (فَرْشًا) صالِحٌ لِهَذِهِ المَعانِي كُلِّها، ومَحامِلُهُ كُلُّها مُناسِبَةٌ لِلْمَقامِ، فَيَنْبَغِي أنْ تَكُونَ مَقْصُودَةً مِنَ الآيَةِ، وكَأنَّ لَفْظَ الفَرْشِ لا يُوازِنُهُ غَيْرُهُ في جَمْعِ هَذِهِ المَعانِي، وهَذا مِن إعْجازِ القُرْآنِ مِن جانِبِ فَصاحَتِهِ، فالحَمُولَةُ الإبِلُ خاصَّةً، والفَرْشُ يَكُونُ مِنَ الإبِلِ والبَقَرِ والغَنَمِ عَلى اخْتِلافِ مَعانِي اسْمِ الفَرْشِ الصّالِحَةِ لِكُلِّ نَوْعٍ مَعَ ضَمِيمَتِهِ إلى كَلِمَةِ مِنَ الصّالِحَةِ لِلِابْتِداءِ.
فالمَعْنى: وأنْشَأ مِنَ الأنْعامِ ما تَحْمِلُونَ عَلَيْهِ وتَرْكَبُونَهُ، وهو الإبِلُ الكَبِيرَةُ والإبِلُ الصَّغِيرَةُ، وما تَأْكُلُونَهُ وهو البَقَرُ والغَنَمُ، وما هو فَرْشٌ لَكم وهو ما يُجَزُّ مِنها، وجُلُودُها، وقَدْ عَلِمَ السّامِعُ أنَّ اللَّهَ لَمّا أنْشَأ حَمُولَةً وفَرْشًا مِنَ الأنْعامِ أنْ يَتَذَكَّرُوا أنَّهم يَأْكُلُونَ مِنها، فَحَصَلَ إيجازٌ في الكَلامِ ولِذَلِكَ عَقَّبَ بِقَوْلِهِ: ﴿كُلُوا مِمّا رَزَقَكُمُ اللَّهُ﴾ .
وجُمْلَةُ ﴿كُلُوا مِمّا رَزَقَكُمُ اللَّهُ﴾ مُعْتَرِضَةٌ مِثْلُ آيَةِ ﴿كُلُوا مِن ثَمَرِهِ إذا أثْمَرَ﴾ [الأنعام: ١٤١] ومُناسَبَةُ الأمْرِ بِالأكْلِ بَعْدَ ذِكْرِ الأنْعامِ أنَّهُ لَمّا كانَ قَوْلُهُ: (وفَرْشًا) شَيْئًا مُلائِمًا لِلذَّبْحِ كَما تَقَدَّمَ، عَقَّبَ بِالإذْنِ بِأكْلِ ما يَصْلُحُ لِلْأكْلِ مِنها، واقْتَصَرَ عَلى الأمْرِ بِالأكْلِ؛ لِأنَّهُ المَقْصُودُ مِنَ السِّياقِ إبْطالًا لِتَحْرِيمِ ما حَرَّمُوهُ عَلى أنْفُسِهِمْ، وتَمْهِيدًا لِقَوْلِهِ: ﴿ولا تَتَّبِعُوا خُطْواتِ الشَّيْطانِ﴾ فالأمْرُ بِالأكْلِ هُنا مُسْتَعْمَلٌ في النَّهْيِ عَنْ ضِدِّهِ وهو عَدَمُ الأكْلِ مِن بَعْضِها؛ أيْ: لا تُحَرِّمُوا ما أُحِلَّ لَكم مِنها اتِّباعًا لِتَغْرِيرِ الشَّيْطانِ بِالوَسْوَسَةِ لِزُعَماءِ المُشْرِكِينَ الَّذِينَ سَنُّوا لَهم تِلْكَ السُّنَنِ الباطِلَةِ، ولَيْسَ المُرادُ بِالأمْرِ الإباحَةَ فَقَطْ.
وعَدَلَ عَنِ الضَّمِيرِ بِأنْ يُقالَ: كُلُوا مِنها إلى الإتْيانِ بِالمَوْصُولِ
صفحة ١٢٧
﴿مِمّا رَزَقَكُمُ اللَّهُ﴾ لِما في صِلَةِ المَوْصُولِ مِنَ الإيماءِ إلى تَضْلِيلِ الَّذِينَ حَرَّمُوا عَلى أنْفُسِهِمْ أوْ عَلى بَعْضِهِمُ الأكْلَ مِن بَعْضِها، فَعَطَّلُوا عَلى أنْفُسِهِمْ بَعْضًا مِمّا رَزَقَهُمُ اللَّهُ.ومَعْنى: ﴿ولا تَتَّبِعُوا خُطْواتِ الشَّيْطانِ﴾ النَّهْيُ عَنْ شُئُونِ الشِّرْكِ فَإنَّ أوَّلَ خُطُواتِ الشَّيْطانِ في هَذا الغَرَضِ هي تَسْوِيلُهُ لَهم تَحْرِيمَ بَعْضِ ما رَزَقَهُمُ اللَّهُ عَلى أنْفُسِهِمْ.
وخُطُواتُ الشَّيْطانِ تَمْثِيلٌ، وقَدْ تَقَدَّمَ عِنْدَ قَوْلِهِ تَعالى: ﴿يا أيُّها النّاسُ كُلُوا مِمّا في الأرْضِ حَلالًا طَيِّبًا ولا تَتَّبِعُوا خُطْواتِ الشَّيْطانِ﴾ [البقرة: ١٦٨] في سُورَةِ البَقَرَةِ.
وجُمْلَةُ ﴿إنَّهُ لَكم عَدُوٌّ مُبِينٌ﴾ تَعْلِيلٌ لِلنَّهْيِ، ومَوْقِعُ (إنَّ) فِيهِ يُغْنِي عَنْ فاءِ التَّفْرِيعِ كَما تَقَدَّمَ غَيْرَ مَرَّةٍ، وقَدْ تَقَدَّمَ بَيانُهُ في آيَةِ البَقَرَةِ.