﴿قُلْ إنَّ صَلاتِي ونُسُكِي ومَحْيايْ ومَماتِيَ لِلَّهِ رَبِّ العالَمِينَ﴾ ﴿لا شَرِيكَ لَهُ وبِذَلِكَ أُمِرْتُ وأنا أوَّلُ المُسْلِمِينَ﴾

اسْتِئْنافٌ، أيْضًا، يَتَنَزَّلُ مَنزِلَةَ التَّفْرِيعِ عَنِ الأوَّلِ، إلّا أنَّهُ اسْتُؤْنِفَ لِلْإشارَةِ إلى أنَّهُ غَرَضٌ مُسْتَقِلٌّ مُهِمٌّ في ذاتِهِ، وإنْ كانَ مُتَفَرِّعًا عَنْ غَيْرِهِ، وحاصِلُ ما تَضَمَّنَهُ هو الإخْلاصُ لِلَّهِ في العِبادَةِ، وهو مُتَفَرِّعٌ عَنِ التَّوْحِيدِ،

صفحة ٢٠١

ولِذَلِكَ قِيلَ: الرِّياءُ الشِّرْكُ الأصْغَرُ. عُلِّمَ الرَّسُولُ ﷺ أنْ يَقُولَهُ عَقِبَ ما عُلِّمَهُ بِما ذُكِرَ قَبْلَهُ لِأنَّ المَذْكُورَ هُنا يَتَضَمَّنُ مَعْنى الشُّكْرِ لِلَّهِ عَلى نِعْمَةِ الهِدايَةِ إلى الصِّراطِ المُسْتَقِيمِ، فَإنَّهُ هَداهُ ثُمَّ ألْهَمَهُ الشُّكْرَ عَلى الهِدايَةِ بِأنْ يَجْعَلَ جَمِيعَ طاعَتِهِ وعِبادَتِهِ لِلَّهِ تَعالى. وأُعِيدَ الأمْرُ بِالقَوْلِ لِما عَلِمْتَ آنِفًا.

وافْتُتِحَتْ جُمْلَةُ المَقُولِ بِحَرْفِ التَّوْكِيدِ لِلِاهْتِمامِ بِالخَبَرِ ولِتَحْقِيقِهِ، أوْ لِأنَّ المُشْرِكِينَ كانُوا يَزْعُمُونَ أنَّ الرَّسُولَ - عَلَيْهِ الصَّلاةُ والسَّلامُ - كانَ يُرائِي بِصَلاتِهِ، فَقَدْ «قالَ بَعْضُ المُشْرِكِينَ لَمّا رَأى رَسُولَ اللَّهِ ﷺ يُصَلِّي عِنْدَ الكَعْبَةِ: ألا تَنْظُرُونَ إلى هَذا المُرائِي أيُّكم يَقُومُ إلى جَزُورِ بَنِي فُلانٍ فَيَعْمِدُ إلى فَرْثِها وسَلاها فَإذا سَجَدَ وضَعَهُ بَيْنَ كَتِفَيْهِ» . فَتَكُونُ إنَّ عَلى هَذا لِرَدِّ الشَّكِّ.

واللّامُ في لِلَّهِ يَجُوزُ أنْ تَكُونَ لِلْمِلْكِ، أيْ هي بِتَيْسِيرِ اللَّهِ فَيَكُونُ بَيانًا لِقَوْلِهِ ﴿إنَّنِي هَدانِي رَبِّيَ إلى صِراطٍ مُسْتَقِيمٍ﴾ [الأنعام: ١٦١] . ويَجُوزُ أنْ تَكُونَ اللّامُ لِلتَّعْلِيلِ أيْ لِأجْلِ اللَّهِ جَعَلَ صَلاتَهُ لِلَّهِ دُونَ غَيْرِهِ تَعْرِيضًا بِالمُشْرِكِينَ إذْ كانُوا يَسْجُدُونَ لِلْأصْنامِ. ولِذَلِكَ أرْدَفَ بِجُمْلَةِ لا شَرِيكَ لَهُ.

والنُّسُكُ حَقِيقَتُهُ العِبادَةُ ومِنهُ يُسَمّى العابِدُ النّاسِكُ.

والمَحْيا والمَماتُ يُسْتَعْمَلانِ مَصْدَرَيْنِ مِيمِيَّيْنِ، ويُسْتَعْمَلانِ اسْمَيْ زَمانٍ، مِن حَيِيَ وماتَ، والمَعْنَيانِ مُحْتَمَلانِ فَإذا كانَ المُرادُ مِنَ المَحْيا والمَماتِ المَعْنى المَصْدَرِيَّ، كانَ المَعْنى عَلى حَذْفِ مُضافٍ تَقْدِيرُهُ: أعْمالُ المَحْيا وأعْمالُ المَماتِ، أيِ الأعْمالُ الَّتِي مِن شَأْنِها أنْ يَتَلَبَّسَ بِها المَرْءُ مَعَ حَياتِهِ، ومَعَ وقْتِ مَماتِهِ. وإذْ كانَ المُرادُ مِنهُما المَعْنى الزَّمَنِيَّ كانَ المَعْنى ما يَعْتَرِيهِ في الحَياةِ وبَعْدَ المَماتِ.

صفحة ٢٠٢

ثُمَّ إنَّ أعْمالَ الحَياةِ كَثِيرَةٌ وفِيرَةٌ، وأمّا الأعْمالُ عِنْدَ المَوْتِ فَهي ما كانَ عَلَيْهِ في مُدَّةِ الحَياةِ وثَباتِهِ عَلَيْهِ، لِأنَّ حالَةَ المَوْتِ أوْ مَدَّتَهُ هي الحالَةُ أوِ المَدَّةُ الَّتِي يَنْقَلِبُ فِيها أحْوالُ الجِسْمِ إلى صِفَةٍ تُؤْذِنُ بِقُرْبِ انْتِهاءِ مُدَّةِ الحَياةِ وتِلْكَ حالَةُ الِاحْتِضارِ، وتِلْكَ الحالَةُ قَدْ تُؤَثِّرُ انْقِلابًا في الفِكْرِ أوِ اسْتِعْجالًا بِما لَمْ يَكُنْ يُسْتَعْجَلُ بِهِ الحَيُّ، فَرُبَّما صَدَرَتْ عَنْ صاحِبِها أعْمالٌ لَمْ يَكُنْ يُصْدِرُها في مُدَّةِ الصِّحَّةِ، اتِّقاءً أوْ حَياءً أوْ جَلْبًا لِنَفْعٍ، فَيُرى أنَّهُ قَدْ يَئِسَ مِمّا كانَ يُراعِيهِ، فَيَفْعَلُ ما لَمْ يَكُنْ يَفْعَلُ، وأيْضًا لِتِلْكَ الحالَةِ شُئُونٌ خاصَّةٌ تَقَعُ عِنْدَها في العادَةِ مِثْلَ الوَصِيَّةِ، وهَذِهِ كُلُّها مِن أحْوالِ آخِرِ الحَياةِ. ولَكِنَّها تُضافُ إلى المَوْتِ لِوُقُوعِها بِقُرْبِهِ، وبِهَذا يَكُونُ ذِكْرُ المَماتِ مَقْصُودًا مِنهُ اسْتِيعابُ جَمِيعِ مُدَّةِ الحَياةِ حَتّى زَمَنِ الإشْرافِ عَلى المَوْتِ.

ويَجُوزُ أنْ يَكُونَ المُرادُ مِنَ المَماتِ ما يَحْصُلُ لِلرَّسُولِ - عَلَيْهِ الصَّلاةُ والسَّلامُ - بَعْدَ وفاتِهِ مِن تَوَجُّهاتِهِ الرُّوحِيَّةِ نَحْوَ أُمَّتِهِ بِالدُّعاءِ لَهم والتَّسْلِيمِ عَلى مَن سَلَّمَ عَلَيْهِ مِنهم والظُّهُورِ لِخاصَّةِ أُمَّتِهِ في المَنامِ، فَإنَّ لِلرَّسُولِ بَعْدَ مَماتِهِ أحْكامَ الحَياةِ الرُّوحِيَّةِ الكامِلَةِ كَما ورَدَ في الحَدِيثِ: «إذا سَلَّمَ عَلَيَّ أحَدٌ مِن أُمَّتِي رَدَّ اللَّهُ عَلَيَّ رُوحِي فَرَدَدْتُ عَلَيْهِ السَّلامَ» وكَذَلِكَ أعْمالُهُ في الحَشْرِ مِنَ الشَّفاعَةِ العامَّةِ والسُّجُودِ لِلَّهِ في عَرَصاتِ القِيامَةِ فَتِلْكَ أعْمالٌ خاصَّةٌ بِهِ ﷺ وهي كُلُّها لِلَّهِ تَعالى لِأنَّها لِنَفْعِ عَبِيدِهِ أوْ لِنَفْعِ أتْباعِ دِينِهِ الَّذِي ارْتَضاهُ لَهم، فَيَكُونُ قَوْلُهُ: ومَماتِي هُنا ناظِرًا إلى قَوْلِهِ في الحَدِيثِ: «حَياتِي خَيْرٌ لَكم ومَماتِي خَيْرٌ لَكم» .

ويَجُوزُ أنْ يَكُونَ مَعْنى مَماتِهِ لِلَّهِ الشَّهادَةَ في سَبِيلِ اللَّهِ، فَإنَّ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ سَمَّتْهُ اليَهُودِيَّةُ بِخَيْبَرَ في لَحْمِ شاةٍ أطْعَمُوهُ إيّاهُ حَصَلَ بَعْضٌ مِنهُ في أمْعاءِهِ. فَفي الحَدِيثِ

صفحة ٢٠٣

ما زالَتْ أُكْلَةُ خَيْبَرَ تَعْتادُنِي كُلَّ عامٍ حَتّى كانَ هَذا أوانَ قَطْعِ أبْهَرِي.

وبِقَوْلِهِ: ومَحْيايَ ومَماتِي لِلَّهِ رَبِّ العالَمِينَ تَحَقَّقَ مَعْنى الإسْلامِ الَّذِي أصْلُهُ الإلْقاءُ بِالنَّفْسِ إلى المُسْلَمِ لَهُ، وهو المَعْنى الَّذِي اقْتَضاهُ قَوْلُهُ: ﴿فَقُلْ أسْلَمْتُ وجْهِيَ لِلَّهِ ومَنِ اتَّبَعَنِ﴾ [آل عمران: ٢٠] كَما تَقَدَّمَ في سُورَةِ آلِ عِمْرانَ، وهو مَعْنى الحَنِيفِيَّةِ الَّذِي حَكاهُ اللَّهُ تَعالى عَنْ إبْراهِيمَ عَلَيْهِ السَّلامُ في قَوْلِهِ: ﴿إذْ قالَ لَهُ رَبُّهُ أسْلِمْ قالَ أسْلَمْتُ لِرَبِّ العالَمِينَ﴾ [البقرة: ١٣١] كَما في سُورَةِ البَقَرَةِ: وقَوْلُهُ: ﴿رَبِّ العالَمِينَ﴾ صِفَةٌ تُشِيرُ إلى سَبَبِ اسْتِحْقاقِهِ أنْ يَكُونَ عَمَلُ مَخْلُوقاتِهِ لَهُ لا لِغَيْرِهِ، لِأنَّ لَيْسَ لَهُ عَلَيْهِمْ نِعْمَةُ الإيجادِ، كَما أشارَ إلَيْهِ قَوْلُهُ في أوَّلِ السُّورَةِ: ﴿الحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي خَلَقَ السَّماواتِ والأرْضَ وجَعَلَ الظُّلُماتِ والنُّورَ ثُمَّ الَّذِينَ كَفَرُوا بِرَبِّهِمْ يَعْدِلُونَ﴾ [الأنعام: ١] .

وجُمْلَةُ: ”﴿لا شَرِيكَ لَهُ﴾“ حالٌ مِنِ اسْمِ الجَلالَةِ مُصَرِّحَةٌ بِما أفادَ جَمْعُ التَّوْكِيدِ مَعَ لامِ المِلْكِ مِن إفادَةِ القَصْرِ. والمَقْصُودُ مِنَ الصِّفَةِ والحالِ الرَّدُّ عَلى المُشْرِكِينَ بِأنَّهم ما أخْلَصُوا عَمَلَهم لِلَّذِي خَلَقَهم. وبِأنَّهم أشْرَكُوا مَعَهُ غَيْرَهُ في الإلَهِيَّةِ.

وقَرَأ نافِعٌ: ”ومَحْيايْ“ بِسُكُونِ الياءِ الثّانِيَةِ إجْراءً لِلْوُصُولِ مَجْرى الوَقْفِ وهو نادِرٌ في النَّثْرِ، والرِّوايَةُ عَنْ نافِعٍ أثْبَتَتْهُ في هَذِهِ الآيَةِ، ومَعْلُومٌ أنَّ النُّدْرَةَ لا تُناكِدُ الفَصاحَةِ ولا يَرِيبُكَ ما ذَكَرَهُ ابْنُ عَطِيَّةَ عَنْ أبِي عَلِيٍّ الفارِسِيِّ: أنَّها شاذَّةٌ عَنِ القِياسِ لِأنَّها جَمَعَتْ بَيْنَ ساكِنَيْنِ؛ لِأنَّ سُكُونَ الألِفِ قَبْلَ حَرْفٍ ساكِنٍ لَيْسَ مِمّا يَثْقُلُ في النُّطْقِ نَحْوَ عَصايْ ورُؤْيايْ. ووَجْهُ إجْراءِ الوَصْلِ مَجْرى الوَقْفِ هُنا إرادَةُ التَّخْفِيفِ لِأنَّ تَوالِيَ يائَيْنِ مَفْتُوحَتَيْنِ

صفحة ٢٠٤

فِيهِ ثِقَلٌ، والألِفُ النّاشِئَةُ عَنِ الفَتْحَةِ الأُولى لا تُعَدُّ حاجِزًا فَعَدَلَ عَنْ فَتْحِ الياءِ الثّانِيَةِ إلى إسْكانِها. وقَرَأهُ البَقِيَّةُ بِفَتْحِ الياءِ ورُوِيَ ذَلِكَ عَنْ ورْشٍ، وقالَ بَعْضُ أهْلِ القِراءَةِ أنَّ نافِعًا رَجَعَ عَنِ الإسْكانِ إلى الفَتْحِ.

وجُمْلَةُ ”﴿وبِذَلِكَ أُمِرْتُ﴾“ عَطْفٌ عَلى جُمْلَةِ إنَّ صَلاتِي. . . إلَخْ. فَهَذا مِمّا أُمِرَ بِأنْ يَقُولَهُ، وحَرْفُ العَطْفِ لَيْسَ مِنَ المَقُولِ.

والإشارَةُ في قَوْلِهِ: ”وبِذَلِكَ“ إلى المَذْكُورِ مِن قَوْلِهِ: ”﴿إنَّ صَلاتِي ونُسُكِي﴾“ . . . إلَخْ، أيْ أنَّ ذَلِكَ كانَ لِلَّهِ بِهَدْيٍ مِنَ اللَّهِ وأمْرٍ مِنهُ، فَرَجَعَ إلى قَوْلِهِ: ”﴿إنَّنِي هَدانِي رَبِّيَ إلى صِراطٍ مُسْتَقِيمٍ﴾ [الأنعام: ١٦١]“ يَعْنِي أنَّهُ كَما هَداهُ أمَرَهُ بِما هو شُكْرٌ عَلى تِلْكَ الهِدايَةِ، وإنَّما أُعِيدَ هُنا لِأنَّهُ لَمّا أضافَ الصَّلاةَ وما عَطَفَ عَلَيْها لِنَفْسِهِ وجَعَلَها لِلَّهِ تَعالى أعْقَبَها بِأنَّهُ هُدًى مِنَ اللَّهِ تَعالى، وهَذا كَقَوْلِهِ تَعالى: ﴿قُلْ إنِّيَ أُمِرْتُ أنْ أعْبُدَ اللَّهَ مُخْلِصًا لَهُ الدِّينَ﴾ [الزمر: ١١] ﴿وأُمِرْتُ لِأنْ أكُونَ أوَّلَ المُسْلِمِينَ﴾ [الزمر: ١٢] .

وتَقْدِيمُ الجارِّ والمَجْرُورِ لِلِاهْتِمامِ بِالمُشارِ إلَيْهِ.

وقَوْلُهُ: ﴿وأنا أوَّلُ المُسْلِمِينَ﴾ مِثْلُ قَوْلِهِ ﴿وبِذَلِكَ أُمِرْتُ﴾ خَبَرٌ مُسْتَعْمَلٌ في مَعْناهُ الكِنائِيِّ، وهو لازِمُ مَعْناهُ، يَعْنِي قَبُولَ الإسْلامِ والثَّباتَ عَلَيْهِ والِاغْتِباطَ بِهِ، لِأنَّ مَن أحَبَّ شَيْئًا أسْرَعَ إلَيْهِ فَجاءَهُ أوَّلُ النّاسِ، وهَذا بِمَنزِلَةِ فِعْلِ السَّبْقِ إذْ يُطْلَقُ في كَلامِهِمْ عَلى التَّمَكُّنِ والتَّرَجُّحِ، كَما قالَ النّابِغَةُ:

سَبَقْتَ الرِّجالَ الباهِشِينَ إلى العُلا كَسَبْقِ الجَوادِ اصْطادَ قَبْلَ الطَّوارِدِ

لا يُرِيدُ أنَّهُ كانَ في المَعالِي أقْدَمَ مَن غَيْرِهِ لِأنَّ في أهْلِ المَعالِي مَن هو أكْبَرُ مِنهُ سِنًّا، ومَن نالَ العُلا قَبْلَ أنْ يُولَدَ المَمْدُوحُ، ولَكِنَّهُ أرادَ أنَّهُ تَمَكَّنَ مِن نَوالِ العُلا وأصْبَحَ الحائِزَ لَهُ والثّابِتَ عَلَيْهِ.

وفِي الحَدِيثِ: «نَحْنُ الآخِرُونَ السّابِقُونَ يَوْمَ القِيامَةِ» . وهَذا المَعْنى تَأْيِيسٌ لِلْمُشْرِكِينَ مِنَ الطَّمَعِ في التَّنازُلِ لَهم في دِينِهِمْ ولَوْ أقَلَّ تَنازُلٍ. ومِنِ اسْتِعْمالِ ”أوَّلُ“

صفحة ٢٠٥

فِي مِثْلِ هَذا قَوْلُهُ تَعالى: ﴿ولا تَكُونُوا أوَّلَ كافِرٍ بِهِ﴾ [البقرة: ٤١]، كَما تَقَدَّمَ في سُورَةِ البَقَرَةِ. ولَيْسَ المُرادُ مَعْناهُ الصَّرِيحَ لِقِلَّةِ جَدْوى الخَبَرِ بِذَلِكَ، لِأنَّ كُلَّ داعٍ إلى شَيْءٍ فَهو أوَّلُ أصْحابِهِ لا مَحالَةَ، فَماذا يُفِيدُ ذَلِكَ الأعْداءَ والأتْباعَ، فَإنْ أُرِيدَ بِالمُسْلِمِينَ الَّذِينَ اتَّبَعُوا حَقِيقَةَ الإسْلامِ بِمَعْنى إسْلامِ الوَجْهِ إلى اللَّهِ تَعالى لَمْ يَسْتَقِمْ، لِأنَّ إبْراهِيمَ عَلَيْهِ السَّلامُ كانَ مُسْلِمًا وكانَ بَنُوهُ مُسْلِمِينَ، كَما حَكى اللَّهُ عَنْهم إذْ قالَ إبْراهِيمُ عَلَيْهِ السَّلامُ: ﴿فَلا تَمُوتُنَّ إلّا وأنْتُمْ مُسْلِمُونَ﴾ [البقرة: ١٣٢] .

وقَرَأ نافِعٌ وأبُو جَعْفَرٍ بِإثْباتِ ألِفِ أنا إذا وقَعَتْ بَعْدَها هَمْزَةٌ ويَجْرِي مَدُّها عَلى قاعِدَةِ المَدِّ، وحَذْفُها تَخْفِيفًا جَرى عَلَيْهِ العَرَبُ في الفَصِيحِ مِن كَلامِهِمْ نَحْوَ: ﴿أنا يُوسُفُ﴾ [يوسف: ٩٠] واخْتَلَفُوا فِيهِ قَبْلَ الهَمْزَةِ نَحْوَ أنا أفْعَلُ، وأحْسَبُ أنَّ الأفْصَحَ إثْباتُها مَعَ الهَمْزِ لِلتَّمَكُّنِ مِنَ المَدِّ.