﴿قالَ اخْرُجْ مِنها مَذْءُومًا مَدْحُورًا لَمَن تَبِعَكَ مِنهم لَأمْلَأنَّ جَهَنَّمَ مِنكم أجْمَعِينَ﴾

أعادَ اللَّهُ أمْرَهُ بِالخُرُوجِ مِنَ السَّماءِ تَأْكِيدًا لِلْأمْرَيْنِ الأوَّلِ والثّانِي: قالَ: ”﴿اهْبِطْ مِنها﴾ [الأعراف: ١٣]“ إلى قَوْلِهِ فاخْرُجْ.

ومَذْءُومٌ اسْمُ مَفْعُولٍ مِن ذَأمَهُ مَهْمُوزًا إذا عابَهُ وذَمَّهُ ذَأْمًا وقَدْ تُسَهَّلُ هَمْزَةُ ذَأمَ فَتَصِيرُ ألِفًا فَيُقالُ ذامَ ولا تُسَهَّلُ في بَقِيَّةِ تَصارِيفِهِ.

مَدْحُورٌ مَفْعُولٌ مِن دَحَرَهُ إذا أبْعَدَهُ وأقْصاهُ، أيِ: اخْرُجْ خُرُوجَ مَذْمُومٍ مَطْرُودٍ، فالذَّمُّ لِما اتَّصَفَ بِهِ مِنَ الرَّذائِلِ، والطَّرْدُ لِتَنْزِيهِ عالَمِ القُدُسِ عَنْ مُخالَطَتِهِ.

واللّامُ في ﴿لَمَن تَبِعَكَ﴾ مُوَطِّئَةٌ لِلْقَسَمِ.

ومَن شَرْطِيَّةٌ، واللّامُ في لَأمْلَأنَّ لامُ جَوابِ القَسَمِ، والجَوابُ سَدَّ مَسَدَّ جَوابِ الشَّرْطِ، والتَّقْدِيرُ: أُقْسِمُ مَن تَبِعَكَ مِنهم لَأمْلَأنَّ جَهَنَّمَ مِنهم ومِنكَ، وغُلِّبَ في الضَّمِيرِ حالُ الخِطابِ لِأنَّ الفَرْدَ المَوْجُودَ مِن هَذا العُمُومِ هو المُخاطَبُ، وهو إبْلِيسُ، ولِأنَّهُ المَقْصُودُ ابْتِداءً مِن هَذا الوَعِيدِ لِأنَّهُ وعِيدٌ عَلى فِعْلِهِ، وأمّا وعِيدُ اتِّباعِهِ فَبِالتَّبَعِ لَهُ، بِخِلافِ الضَّمِيرِ في آيَةِ الحِجْرِ وهو قَوْلُهُ: ﴿وإنَّ جَهَنَّمَ لَمَوْعِدُهم أجْمَعِينَ﴾ [الحجر: ٤٣] لِأنَّهُ جاءَ بَعْدَ الإعْراضِ عَنْ وعِيدٍ بِفِعْلِهِ والِاهْتِمامِ بِبَيانِ مَرْتَبَةِ عِبادِ اللَّهِ المُخْلَصِينَ الَّذِينَ لَيْسَ لِإبْلِيسَ عَلَيْهِمْ سُلْطانٌ ثُمَّ الِاهْتِمامُ بِوَعِيدِ الغاوِينَ.

وهَذا كَقَوْلِهِ تَعالى في سُورَةِ الحِجْرِ:

صفحة ٥٢

﴿قالَ هَذا صِراطٌ عَلَيَّ مُسْتَقِيمٌ﴾ [الحجر: ٤١] ﴿إنَّ عِبادِي لَيْسَ لَكَ عَلَيْهِمْ سُلْطانٌ إلّا مَنِ اتَّبَعَكَ مِنَ الغاوِينَ﴾ [الحجر: ٤٢] ﴿وإنَّ جَهَنَّمَ لَمَوْعِدُهم أجْمَعِينَ﴾ [الحجر: ٤٣] .

والتَّأْكِيدُ بِـ ”أجْمَعِينَ“ لِلتَّنْصِيصِ عَلى العُمُومِ لِئَلّا يُحْمَلَ عَلى التَّغْلِيبِ، وذَلِكَ أنَّ الكَلامَ جَرى عَلى أُمَّةٍ بِعُنْوانِ كَوْنِهِمْ أتْباعًا لِواحِدٍ، والعَرَبُ قَدْ تُجْرِي العُمُومَ في مِثْلِ هَذا عَلى المَجْمُوعِ دُونَ الجَمِيعِ، كَما يَقُولُونَ: قَتَلَتْ تَمِيمٌ فُلانًا، وإنَّما قَتَلَهُ بَعْضُهم، قالَ النّابِغَةُ في شَأْنِ بَنِي حُنٍّ بِحاءٍ مُهْمَلَةٍ مَضْمُومَةٍ

وهم قَتَلُوا الطّائِيَّ بِالجَوِّ عَنْوَةً