Welcome to the Tafsir Tool!
This allows users to review and suggest improvements to the existing tafsirs.
If you'd like to contribute to improving this tafsir, simply click the Request Access button below to send a request to the admin. Once approved, you'll be able to start suggesting improvements to this tafsir.
﴿قالَ المَلَأُ الَّذِينَ اسْتَكْبَرُوا مِن قَوْمِهِ لِلَّذِينَ اسْتُضْعِفُوا لِمَن آمَنَ مِنهم أتَعْلَمُونَ أنَّ صالِحًا مُرْسَلٌ مِن رَبِّهِ قالُوا إنّا بِما أُرْسِلَ بِهِ مُؤْمِنُونَ﴾ ﴿قالَ الَّذِينَ اسْتَكْبَرُوا إنّا بِالَّذِي آمَنتُمْ بِهِ كافِرُونَ﴾
صفحة ٢٢٢
عَدَلَ المَلَأُ الَّذِينَ اسْتَكْبَرُوا عَنْ مُجادَلَةِ صالِحٍ - عَلَيْهِ السَّلامُ - إلى اخْتِبارِ تَصَلُّبِ الَّذِينَ آمَنُوا بِهِ في إيمانِهِمْ، ومُحاوَلَةِ إلْقاءِ الشَّكِّ في نُفُوسِهِمْ، ولَمّا كانَ خِطابُهم لِلْمُؤْمِنِينَ مَقْصُودًا بِهِ إفْسادُ دَعْوَةِ صالِحٍ - عَلَيْهِ السَّلامُ - كانَ خِطابُهم بِمَنزِلَةِ المُحاوَرَةِ مَعَ صالِحٍ - عَلَيْهِ السَّلامُ، فَلِذَلِكَ فُصِلَتْ جُمْلَةُ حِكايَةِ قَوْلِهِمْ عَلى طَرِيقَةِ فَصْلِ جُمَلِ حِكايَةِ المُحاوَراتِ، كَما قَدَّمْناهُ غَيْرَ مَرَّةٍ آنِفًا وفِيما مَضى.
وتَقَدَّمَ تَفْسِيرُ المَلَأِ قَرِيبًا.
ووَصْفُهم بِالَّذِينَ اسْتَكْبَرُوا هُنا لِتَفْظِيعِ كِبْرِهِمْ وتَعاظُمِهِمْ عَلى عامَّةِ قَوْمِهِمْ واسْتِذْلالِهِمْ إيّاهم. ولِلتَّنْبِيهِ عَلى أنَّ الَّذِينَ آمَنُوا بِما جاءَهم بِهِ صالِحٌ - عَلَيْهِ السَّلامُ - هم ضُعَفاءُ قَوْمِهِ.
واخْتِيارُ طَرِيقِ المَوْصُولِيَّةِ في وصْفِهِمْ ووَصْفِ الآخَرِينَ بِالَّذِينَ اسْتُضْعِفُوا لِما تُومِئُ إلَيْهِ الصِّلَةُ مِن وجْهِ صُدُورِ هَذا الكَلامِ مِنهم، أيْ أنَّ اسْتِكْبارَهم هو صارِفُهم عَنْ طاعَةِ نَبِيِّهِمْ، وأنَّ احْتِقارَهُمُ المُؤْمِنِينَ هو الَّذِي لَمْ يُسِغْ عِنْدَهم سَبْقَهم إيّاهم إلى الخَيْرِ والهُدى، كَما حَكى عَنْ قَوْمِ نُوحٍ قَوْلَهم: ﴿وما نَراكَ اتَّبَعَكَ إلّا الَّذِينَ هم أراذِلُنا بادِيَ الرَّأْيِ وما نَرى لَكم عَلَيْنا مِن فَضْلٍ﴾ [هود: ٢٧] وكَما حَكى عَنْ كُفّارِ قُرَيْشٍ بِقَوْلِهِ: ﴿وقالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لِلَّذِينَ آمَنُوا لَوْ كانَ خَيْرًا ما سَبَقُونا إلَيْهِ وإذْ لَمْ يَهْتَدُوا بِهِ فَسَيَقُولُونَ هَذا إفْكٌ قَدِيمٌ﴾ [الأحقاف: ١١]، ولِهَذا لَمْ يُوصَفُوا بِالكُفْرِ كَما وُصِفَ بِهِ قَوْمُ هُودٍ.
والَّذِينَ اسْتُضْعِفُوا هم عامَّةُ النّاسِ الَّذِينَ أذَلَّهم عُظَماؤُهم واسْتَعْبَدُوهم لِأنَّ زَعامَةَ الَّذِينَ اسْتَكْبَرُوا كانَتْ قائِمَةً عَلى السِّيادَةِ الدُّنْيَوِيَّةِ الخَلِيَّةِ عَنْ
صفحة ٢٢٣
خِلالِ الفَضِيلَةِ، مِنَ العَدْلِ والرَّأْفَةِ وحُبِّ الإصْلاحِ، فَلِذَلِكَ وُصِفَ المَلَأُ بِالَّذِينَ اسْتَكْبَرُوا، وأُطْلِقَ عَلى العامَّةِ وصْفُ الَّذِينَ اسْتُضْعِفُوا.واللّامُ في قَوْلِهِ: (﴿لِلَّذِينَ اسْتُضْعِفُوا﴾) لِتَعْدِيَةِ فِعْلِ القَوْلِ.
وقَوْلُهُ: (﴿لِمَن آمَنَ مِنهُمْ﴾) بَدَلٌ مِن (﴿لِلَّذِينَ اسْتُضْعِفُوا﴾) بِإعادَةِ حَرْفِ الجَرِّ الَّذِي جُرَّ بِمِثْلِهِ المُبَدَلُ مِنهُ.
والِاسْتِفْهامُ في (أتَعْلَمُونَ) لِلتَّشْكِيكِ والإنْكارِ، أيْ: ما نَظُنُّكم آمَنتُمْ بِصالِحٍ - عَلَيْهِ السَّلامُ - عَنْ عِلْمٍ بِصِدْقِهِ، ولَكِنَّكُمُ اتَّبَعْتُمُوهُ عَنْ عَمًى وضَلالٍ غَيْرَ مُوقِنِينَ، كَما قالَ قَوْمُ نُوحٍ - عَلَيْهِ السَّلامُ: ﴿وما نَراكَ اتَّبَعَكَ إلّا الَّذِينَ هم أراذِلُنا بادِيَ الرَّأْيِ﴾ [هود: ٢٧] وفي ذَلِكَ شَوْبٌ مِنَ الِاسْتِهْزاءِ.
وقَدْ جِيءَ في جَوابِ الَّذِينَ اسْتُضْعِفُوا بِالجُمْلَةِ الِاسْمِيَّةِ لِلدَّلالَةِ عَلى أنَّ الإيمانَ مُتَمَكِّنٌ مِنهم بِمَزِيدِ الثَّباتِ، فَلَمْ يَتْرُكُوا لِلَّذِينَ اسْتَكْبَرُوا مَطْمَعًا في تَشْكِيكِهِمْ، بَلْهَ صَرْفَهم عَنِ الإيمانِ بِرَسُولِهِمْ.
وأكَّدَ الخَبَرُ بِحَرْفِ إنَّ لِإزالَةِ ما تَوَهَّمُوهُ مِن شَكِّ الَّذِينَ اسْتَكْبَرُوا في صِحَّةِ إيمانِهِمْ، والعُدُولُ في حِكايَةِ جَوابِ الَّذِينَ اسْتُضْعِفُوا عَنْ أنْ يَكُونَ بِنَعَمْ إلى أنْ يَكُونَ بِالمَوْصُولِ صِلَتُهُ لِأنَّ الصِّلَةَ تَتَضَمَّنُ إدْماجًا بِتَصْدِيقِهِمْ بِما جاءَ بِهِ صالِحٌ مِن نَحْوِ التَّوْحِيدِ وإثْباتِ البَعْثِ والدَّلالَةِ عَلى تَمَكُّنِهِمْ مِنَ الإيمانِ بِذَلِكَ كُلِّهِ بِما تُفِيدُهُ الجُمْلَةُ الِاسْمِيَّةُ مِنَ الثَّباتِ والدَّوامِ وهَذا مِن بَلِيغِ الإيجازِ المُناسِبِ لِكَوْنِ نَسْجِ هَذِهِ الجُمْلَةِ مِن حِكايَةِ القُرْآنِ لا مِنَ المَحْكِيِّ مِن كَلامِهِمْ إذْ لا يُظَنُّ أنَّ كَلامَهم بَلَغَ مِنَ البَلاغَةِ هَذا المَبْلَغَ، ولَيْسَ هو مِنَ الأُسْلُوبِ الحَكِيمِ كَما فَهِمَهُ بَعْضُ المُتَأخِّرِينَ.
ومُراجَعَةُ الَّذِينَ اسْتَكْبَرُوا بِقَوْلِهِمْ: (﴿إنّا بِالَّذِي آمَنتُمْ بِهِ كافِرُونَ﴾) تَدُلُّ عَلى تَصَلُّبِهِمْ في كُفْرِهِمْ وثَباتِهِمْ فِيهِ، إذْ صِيغَ كَلامُهم بِالجُمْلَةِ الِاسْمِيَّةِ المُؤَكَّدَةِ.
والمَوْصُولُ في قَوْلِهِمْ: (﴿بِالَّذِي آمَنتُمْ بِهِ﴾) هو ما أُرْسِلَ بِهِ صالِحٌ - عَلَيْهِ السَّلامُ - . وهَذا كَلامٌ جامِعٌ لِرَدِّ ما جَمَعَهُ كَلامُ المُسْتَضْعَفِينَ حِينَ
صفحة ٢٢٤
قالُوا ﴿إنّا بِما أُرْسِلَ بِهِ مُؤْمِنُونَ﴾ فَهو مِن بَلاغَةِ القُرْآنِ في حِكايَةِ كَلامِهِمْ ولَيْسَ مِن بَلاغَةِ كَلامِهِمْ.ثُمَّ إنَّ تَقْدِيمَ المَجْرُورَيْنِ في قَوْلِهِ: (﴿بِما أُرْسِلَ بِهِ﴾)، (وبِالَّذِي آمَنتُمْ بِهِ) عَلى عامِلَيْهِما يَجُوزُ أنْ يَكُونَ مِن نَظْمِ حِكايَةِ كَلامِهِمْ ولَيْسَ لَهُ مُعادِلٌ في كَلامِهِمُ المَحْكِيِّ، وإنَّما هو لِتَتَقَوَّمَ الفاصِلَتانِ، ويَجُوزُ أنْ يَكُونَ مِنَ المَحْكِيِّ: بِأنْ يَكُونَ في كَلامِهِمْ ما دَلَّ عَلى الِاهْتِمامِ بِمَدْلُولِ المَوْصُولَيْنِ، فَجاءَ في نَظْمِ الآيَةِ مَدْلُولًا عَلَيْهِ بِتَقْدِيمِ المَعْمُولَيْنِ.
وقَرَأ الجُمْهُورُ: قالَ المَلَأُ بِدُونِ عَطْفٍ جَرْيًا عَلى طَرِيقَةِ أمْثالِهِ في حِكايَةِ المُحاوَراتِ. وقَرَأهُ ابْنُ عامِرٍ: وقالَ بِحَرْفِ العَطْفِ وثَبَتَتِ الواوُ في المُصْحَفِ المَبْعُوثِ إلى الشّامِ خِلافًا لِطَرِيقَةِ نَظائِرِها، وهو عَطْفٌ عَلى كَلامٍ مُقَدَّرٍ دَلَّ عَلَيْهِ قَوْلُهُ: قالُوا ﴿إنّا بِما أُرْسِلَ بِهِ مُؤْمِنُونَ﴾ والتَّقْدِيرُ: فَآمَنَ بِهِ بَعْضُ قَوْمِهِ، (﴿وقالَ المَلَأُ مِن قَوْمِهِ﴾ [المؤمنون: ٣٣]) إلَخْ، أوْ هو عَطْفٌ عَلى: قالَ يا قَوْمِ اعْبُدُوا اللَّهَ الآيَةَ، ومُخالَفَةُ نَظائِرِهِ تَفَنُّنٌ.