Welcome to the Tafsir Tool!
This allows users to review and suggest improvements to the existing tafsirs.
If you'd like to contribute to improving this tafsir, simply click the Request Access button below to send a request to the admin. Once approved, you'll be able to start suggesting improvements to this tafsir.
﴿ولَمّا وقَعَ عَلَيْهِمُ الرِّجْزُ قالُوا يا مُوسى ادْعُ لَنا رَبَّكَ بِما عَهِدَ عِنْدَكَ لَئِنْ كَشَفْتَ عَنّا الرِّجْزَ لِنُؤْمِنَنَّ لَكَ ولَنُرْسِلَنَّ مَعَكَ بَنِي إسْرائِيلَ﴾ ﴿فَلَمّا كَشَفْنا عَنْهُمُ الرِّجْزَ إلى أجَلٍ هم بالِغُوهُ إذا هم يَنْكُثُونَ﴾
الرِّجْزُ العَذابُ فالتَّعْرِيفُ بِاللّامِ هُنا لِلْعَهْدِ أيِ العَذابُ المَذْكُورُ وهو ما في قَوْلِهِ - تَعالى - فَأرْسَلْنا عَلَيْهِمُ الطُّوفانَ إلى قَوْلِهِ آياتٍ مُفَصَّلاتٍ والرِّجْزُ مِن أسْماءِ الطّاعُونِ، وقَدْ تَقَدَّمَ عِنْدَ قَوْلِهِ - تَعالى - فَأنْزَلْنا عَلى الَّذِينَ ظَلَمُوا رِجْزًا مِنَ السَّماءِ في سُورَةِ البَقَرَةِ، فَيَجُوزُ أنْ يُرادَ بِالرِّجْزِ الطّاعُونُ أيْ أصابَهم طاعُونٌ ألْجَأهم إلى التَّضَرُّعِ بِمُوسى - عَلَيْهِ السَّلامُ -، فَطُوِيَ ذِكْرُهُ لِلْإيجازِ، فالتَّقْدِيرُ: وأرْسَلْنا عَلَيْهِمُ الرِّجْزَ ولَمّا وقَعَ عَلَيْهِمْ إلَخْ. . . وإنَّما يُذْكَرُ الرِّجْزُ في عِدادِ الآياتِ الَّتِي في قَوْلِهِ فَأرْسَلْنا عَلَيْهِمُ الطُّوفانَ الآيَةَ تَخْصِيصًا لَهُ بِالذِّكْرِ لِأنَّ لَهُ نَبَأً عَجِيبًا فَإنَّهُ كانَ مُلْجِئَهم إلى الِاعْتِرافِ بِآياتِ مُوسى ووُجُودِ رَبِّهِ - تَعالى - .
صفحة ٧٢
وهَذا الطّاعُونُ هو المُوتانُ الَّذِي حُكِيَ في الإصْحاحِ الحادِي عَشَرَ مِن سِفْرِ الخُرُوجِ ”هَكَذا يَقُولُ الرَّبُّ إنِّي أخْرُجُ نَحْوَ نِصْفِ اللَّيْلِ في وسَطِ مِصْرَ فَيَمُوتُ كُلُّ بِكْرٍ في أرْضِ مِصْرَ مِن بِكْرِ فِرْعَوْنَ الجالِسِ عَلى كُرْسِيِّهِ إلى بِكْرِ الجارِيَةِ الَّتِي خَلْفَ الرَّحى وكُلُّ بِكْرِ بَهِيمَةٍ - ثُمَّ قالَتْ في الإصْحاحِ الثّانِيَ عَشَرَ - فَحَدَثَ في نِصْفِ اللَّيْلِ أنَّ الرَّبَّ ضَرَبَ كُلَّ بِكْرٍ في أرْضَ مِصْرَ فَقامَ فِرْعَوْنُ لَيْلًا هو وعَبِيدُهُ وجَمِيعُ المِصْرِيِّينَ فَدَعا مُوسى وهارُونَ لَيْلًا وقالَ قُومُوا اخْرُجُوا أنْتُمْ وبَنُو إسْرائِيلَ جَمِيعًا واذْهَبُوا اعْبُدُوا رَبَّكم واذْهَبُوا وبارِكُونِي“ إلَخْ. . . قِيلَ ماتَ سَبْعُونَ ألْفَ رَجُلٍ في ذَلِكَ اليَوْمِ مِنَ القِبْطِ خاصَّةَ، ولَمْ يُصِبْ بَنِي إسْرائِيلَ مِنهُ شَيْءٌ.ولَيْسَ قَوْلُهم ادْعُ لَنا رَبَّكَ بِإيمانٍ بِاللَّهِ ورِسالَةِ مُوسى، ولَكِنَّهم كانُوا مُشْرِكِينَ وكانُوا يُجَوِّزُونَ تَعَدُّدَ الآلِهَةِ واخْتِصاصَ بَعْضِ الأُمَمِ وبَعْضِ الأقْطارِ بِآلِهَةٍ لَهم، فَهم قَدْ خامَرَهم مِن كَثْرَةِ ما رَأوْا مِن آياتِ مُوسى أنْ يَكُونَ لِمُوسى رَبٌّ لَهُ تَصَرُّفٌ وقُدْرَةٌ، وأنَّهُ أصابَهم بِالمَصائِبِ لِأنَّهم أضَرُّوا عَبِيدَهُ، فَسَألُوا مُوسى أنْ يُكِفَّ عَنْهم رَبَّهُ ويَكُونَ جَزاؤُهُ الإذْنَ لِبَنِي إسْرائِيلَ بِالخُرُوجِ مِن مِصْرَ لِيَعْبُدُوا رَبَّهم، كَما حَكَتِ التَّوْراةُ في الإصْحاحِ الثّانِيَ عَشَرَ مِن فِرْعَوْنَ ”فَقالَ قُومُوا اخْرُجُوا أنْتُمْ وبَنُو إسْرائِيلَ جَمِيعًا واذْهَبُوا اعْبُدُوا رَبَّكم“ وقَدْ كانَ عَبْدَةُ الأرْبابِ الكَثِيرِينَ يُجَوِّزُ أنْ تَغْلِبَ بَعْضُ الأرْبابِ عَلى بَعْضٍ مِثْلَ ما يَحْدُثُ بَيْنَ المُلُوكِ كَما تَدُلُّ عَلَيْهِ أساطِيرُ (المِيثُولُوجْيا) اليُونانِيَّةُ، وقِصَّةُ إلْياذَةِ ”هُومِيرُوسَ“ . فَبَدا لِفِرْعَوْنَ أنَّ وجْهَ الفَصْلِ مَعَ بَنِي إسْرائِيلَ أنْ يَعْبُدُوا رَبَّهم في أرْضٍ غَيْرِ أرْضِ مِصْرَ الَّتِي لَها أرْبابٌ أُخَرُ ولِذَلِكَ قالَ رَبُّكُ ولَمْ يَقِلْ رَبُّنا.
وحُذِفَ مُتَعَلِّقُ فِعْلِ الدُّعاءِ لِظُهُورِ المُرادِ، أيِ ادْعُ لَنا رَبَّكَ بِأنْ يَكُفَّ عَنّا. كَما دَلَّ عَلَيْهِ قَوْلُهُ بَعْدُ لَئِنْ كَشَفْتَ عَنّا الرِّجْزَ ووَقَعَ في التَّوْراةِ في الإصْحاحِ الثّانِيَ عَشَرَ قَوْلُ فِرْعَوْنَ لِمُوسى وهارُونَ ”واذْهَبُوا وبارِكُونِي“ أيْضًا.
وقَدْ أنْبَهم حالُ مُوسى عَلى فِرْعَوْنَ فَلَمْ يَدْرِ أهْوَ رَسُولٌ مِن إلَهٍ غَيْرِ آلِهَةِ القِبْطِ؛ فَلِذَلِكَ قالَ لَهُ بِما عَهِدَ عِنْدَكَ، أيْ: بِما عَرَّفَكَ وأوْدَعَ عِنْدَكَ مِنَ الأسْرارِ، وهَذِهِ عِبارَةُ مُتَحَيِّرٍ في الأمْرِ مُلْتَبِسَةٍ عَلَيْهِ الأدِلَّةُ.
والباءُ في بِما عَهِدَ عِنْدَكَ لِتَعْدِيَةِ فِعْلِ الدُّعاءِ. و(ما) مَوْصُولَةٌ مُبْهَمَةٌ، أيِ ادْعُهُ بِما
صفحة ٧٣
عَلَّمَكَ رَبُّكَ مِن وسائِلِ إجابَةِ دُعائِكَ عِنْدَ رَبِّكَ، وهَذا يَقْتَضِي أنَّهم جَوَّزُوا أنْ يَكُونَ مُوسى مَبْعُوثًا مِن رَبٍّ لَهُ بِناءً عَلى تَجْوِيزِهِمْ تَعَدُّدَ الآلِهَةِ.وجُمْلَةُ لَئِنْ كَشَفْتَ عَنّا الرِّجْزَ مُسْتَأْنَفَةٌ اسْتِئْنافًا بَيانِيًّا؛ لِأنَّ طَلَبَهم مِن مُوسى الدُّعاءَ بِكَشْفِ الرِّجْزِ عَنْهم مَعَ سابِقِيَّةِ كُفْرِهِمْ بِهِ يُثِيرُ سُؤالَ مُوسى أنْ يَقُولَ: فَما الجَزاءُ عَلى ذَلِكَ.
واللّامُ مُوَطِّئَةٌ لِلْقَسَمِ. وجُمْلَةُ (لَنُؤْمِنَنَّ) جَوابُ القَسَمِ.
ووَعْدُهم بِالإيمانِ لِمُوسى وعْدٌ بِالإيمانِ بِأنَّهُ صادِقٌ في أنَّهُ مُرْسَلٌ مِن رَبِّ بَنِي إسْرائِيلَ لِيُخْرِجَهم مِن أرْضِ مِصْرَ، ولَيْسَ وعْدًا بِاتِّباعِ الدِّينِ الَّذِي جاءَ بِهِ مُوسى - عَلَيْهِ السَّلامُ -، لِأنَّهم مُكَذِّبُونَ بِهِ في ذَلِكَ وزاعِمُونَ أنَّهُ ساحِرٌ يُرِيدُ إخْراجَ النّاسِ مِن أرْضِهِمْ ولِذَلِكَ جاءَ فِعْلُ الإيمانِ مُتَعَلِّقًا بِمُوسى لا باسِمِ اللَّهِ، وقَدْ جاءَ هَذا الوَعْدُ عَلى حَسَبِ ظَنِّهِمْ أنَّ الرَّبَّ الَّذِي يَدْعُو إلَيْهِ مُوسى هو رَبٌّ خاصٌّ بِهِ وبِقَوْمِهِ، كَما دَلَّ عَلَيْهِ قَوْلُهُ ادْعُ لَنا رَبَّكَ بِما عَهِدَ عِنْدَكَ وقَدْ وضَّحُوا مُرادَهم بِقَوْلِهِمْ ولَنُرْسِلَنَّ مَعَكَ بَنِي إسْرائِيلَ.
وجُمْلَةُ فَلَمّا كَشَفْنا عَنْهُمُ الرِّجْزَ دالَّةٌ عَلى أنَّ مُوسى دَعا اللَّهَ بِرَفْعِ الطّاعُونِ فارْتَفَعَ وقَدْ جاءَ ذَلِكَ صَرِيحًا في التَّوْراةِ، وحُذِفَ هُنا لِلْإيجازِ.
وقَوْلُهُ ”إلى أجَلٍ هم بالِغُوهُ“ مُتَعَلِّقٌ بِـ (كَشَفْنا) بِاعْتِبارِ كَوْنِ كَشْفِ الرِّجْزِ إزالَةً لَلْمُوتانِ الَّذِي سَبَّبَهُ الطّاعُونُ، فَإزالَةٌ المُوتانِ مُغَيّاةٌ إلى أجَلٍ هم بالِغُونَ إلَيْهِ وهو الأجَلُ الَّذِي قَدَّرَهُ اللَّهُ لِهَلاكِهِمْ فالغايَةُ مَنظُورٌ فِيها إلى فِعْلِ الكَشْفِ لا إلى مَفْعُولِهِ، وهو الرِّجْزُ.
وجُمْلَةُ ”إذا هم يَنْكُثُونَ“ جَوابُ (لَمّا) و(إذا) رابِطَةٌ لِلْجَوابِ لِوُقُوعِ جَوابِ الشَّرْطِ جُمْلَةً اسْمِيَّةً، فَلَمّا كانَ (إذا) حَرْفًا يَدُلُّ عَلى مَعْنى المُفاجَأةِ كانَ فِيهِ مَعْنى الفِعْلِ كَأنَّهُ قِيلَ فاجَئُوا بِالنَّكْثِ، أيْ: بادَرُوا بِهِ ولَمْ يُؤَخِّرُوهُ. وهَذا وصْفٌ لَهم بِإضْمارِ الكُفْرِ بِمُوسى وإضْمارِ النَّكْثِ لِلْيَمِينِ.
والنَّكْثُ حَقِيقَتُهُ نَقْضُ المَفْتُولِ مِن حَبْلٍ أوْ غَزْلٍ، قالَ - تَعالى - ولا تَكُونُوا كالَّتِي نَقَضَتْ غَزْلَها مِن بَعْدِ قُوَّةٍ أنْكاثًا واسْتُعِيرَ النَّكْثُ لِعَدَمِ الوَفاءِ بِالعَهْدِ، كَما اسْتُعِيرَ الحَبْلُ لِلْعَهْدِ في قَوْلِهِ - تَعالى - إلّا بِحَبْلٍ مِنَ اللَّهِ وحَبْلٍ مِنَ النّاسِ فَفي قَوْلِهِ يَنْكُثُونَ اسْتِعارَةٌ تَبَعِيَّةٌ.
صفحة ٧٤
وهَذا النَّكْثُ هو أنَّ فِرْعَوْنَ بَعْدَ أنْ أذِنَ لِبَنِي إسْرائِيلَ بِالخُرُوجِ وخَرَجُوا مِن أرْضِ (جاسانَ) لَيْلًا قالَ لِفِرْعَوْنَ بَعْضُ خاصَّتِهِ: ماذا فَعَلْنا حَتّى أطْلَقْنا إسْرائِيلَ مِن خِدْمَتِنا فَنَدِمَ فِرْعَوْنُ وجَهَّزَ جَيْشًا لِلِالتِحاقِ بِبَنِي إسْرائِيلَ لِيَرُدُّوهم إلى مَنازِلِهِمْ كَما هو في الإصْحاحِ الرّابِعَ عَشَرَ مِن سِفْرِ الخُرُوجِ.