﴿وإذْ أنْجَيْناكم مِن آلِ فِرْعَوْنَ يَسُومُونَكم سُوءَ العَذابِ يَقْتُلُونَ أبْناءَكم ويَسْتَحْيُونَ نِساءَكم وفي ذَلِكم بَلاءٌ مِن رَبِّكم عَظِيمٌ﴾

مِن تَتِمَّةِ كَلامِ مُوسى - عَلَيْهِ السَّلامُ - كَما يَقْتَضِيهِ السِّياقُ، ويُعَضِّدُهُ قِراءَةُ ابْنِ عامِرٍ ”وإذْ أنْجاكم“ والمَعْنى: أأبْتَغِي لَكم إلَهًا غَيْرَ اللَّهِ في حالِ أنَّهُ فَضَّلَكم عَلى العالَمِينَ،

صفحة ٨٥

وفِي زَمانٍ أنْجاكم فِيهِ مِن آلِ فِرْعَوْنَ بِواسِطَتِي فابْتِغاءُ إلَهٍ غَيْرِهِ كُفْرانٌ لِنِعْمَتِهِ. فَضَمِيرُ المُتَكَلِّمِ المُشارِكِ يَعُودُ إلى اللَّهِ ومُوسى ومَعادُهُ يَدُلُّ عَلَيْهِ قَوْلُهُ أغَيْرَ اللَّهِ أبْغِيكم إلَهًا.

ويَجُوزُ أنْ يَكُونَ هَذا امْتِنانًا مِنَ اللَّهِ اعْتَرَضَهُ بَيْنَ القِصَّةِ وعِدَةِ مُوسى - عَلَيْهِ السَّلامُ - انْتِقالًا مِنَ الخَبَرِ والعِبْرَةِ إلى النِّعْمَةِ والمِنَّةِ، فَيَكُونُ الضَّمِيرُ ضَمِيرَ تَعْظِيمٍ، وقَرَأ الجُمْهُورُ أنْجَيْناكم بِنُونِ المُتَكَلِّمِ المُشارِكِ. وقَرَأهُ ابْنُ عامِرٍ: ”وإذْ أنْجاكم“ عَلى إعادَةِ الضَّمِيرِ إلى اللَّهِ في قَوْلِهِ أغَيْرَ اللَّهِ أبْغِيكم إلَهًا، وكَذَلِكَ هو مَرْسُومٌ في مُصْحَفِ الشّامِ فَيَكُونُ مِن كَلامِ مُوسى وبِمَجْمُوعِ القِراءَتَيْنِ يَحْصُلُ المَعْنَيانِ.

و(إذْ) اسْمُ زَمانٍ، وهو مَفْعُولٌ بِهِ لِفِعْلٍ مَحْذُوفٍ تَقْدِيرُهُ: واذْكُرُوا.

واخْتارَ الطَّبَرِيُّ وجَماعَةٌ أنْ يَكُونَ قَوْلُهُ وإذْ أنْجَيْناكم خِطابًا لِلْيَهُودِ المَوْجُودِينَ في زَمَنِ مُحَمَّدٍ ﷺ، فَيَكُونُ ابْتِداءَ خِطابٍ افْتُتِحَ بِكَلِمَةِ (إذْ)، والتَّعْرِيضُ بِتَذْكِيرِ المُشْرِكِينَ مِنَ العَرَبِ قَدِ انْتَهى عِنْدَ قَوْلِهِ وهو فَضَّلَكم عَلى العالَمِينَ وسُورَةُ الأعْرافِ مَكِّيَّةٌ ولَمْ يَكُنْ في المَكِّيِّ مِنَ القُرْآنِ ما هو مُجادَلَةٌ مَعَ اليَهُودِ.

وقَوْلُهُ يَسُومُونَكم سُوءَ العَذابِ إلى آخِرِ الآيَةِ تَقَدَّمَ تَفْسِيرُ مُشابِهَتِها في سُورَةِ البَقَرَةِ.