﴿ذَلِكَ مَثَلُ القَوْمِ الَّذِينَ كَذَّبُوا بِآياتِنا فاقْصُصِ القَصَصَ لَعَلَّهم يَتَفَكَّرُونَ﴾

جُمْلَةٌ مُبَيِّنَةٌ لِجُمْلَةِ ﴿واتْلُ عَلَيْهِمْ نَبَأ الَّذِي آتَيْناهُ آياتِنا﴾ [الأعراف: ١٧٥] الآيَتَيْنِ، والمِثالُ الحالُ أيْ ذَلِكَ التَّمْثِيلُ مَثَلٌ لِلْمُشْرِكِينَ المُكَذِّبِينَ بِالقُرْآنِ، تَشْبِيهٌ بَلِيغٌ. لِأنَّ حالَةَ الكَلْبِ المُشْتَبَهِ شَبِيهَةٌ بِحالِ المُكَذِّبِينَ ولَيْسَتْ عَيْنَها.

والإشارَةُ بِذَلِكَ إلى ﴿الَّذِي آتَيْناهُ آياتِنا﴾ [الأعراف: ١٧٥] وهو صاحِبُ القِصَّةِ، هو مَثَلُ المُشْرِكِينَ لِأنَّهم شابَهُوهُ في أنَّهم أُوتُوا القُرْآنَ فَكَذَّبُوا بِهِ، فَكانَتْ حالُهم كَحالِ ذَلِكَ المُكَذِّبِ، والأظْهَرُ أنْ تَكُونَ الإشارَةُ إلى المَثَلِ في قَوْلِهِ ﴿كَمَثَلِ الكَلْبِ﴾ أيْ حالُ الكَلْبِ المَذْكُورَةِ كَحالِ المُشْرِكِينَ المُكَذِّبِينَ في أنَّهم كانُوا يَوَدُّونَ مَعْرِفَةَ دِينِ إبْراهِيمَ، ويَتَمَنَّوْنَ مُساواةَ أهْلِ الكِتابِ في العِلْمِ والفَضْلِ، فَكانُوا بِذَلِكَ في عَناءٍ وحَيْرَةٍ في الجاهِلِيَّةِ فَلَمّا جاءَهم رَسُولٌ مِنهم بِكِتابٍ مُبِينٍ انْتَقَلُوا إلى عَناءِ مُعانَدَتِهِ كَقَوْلِهِ - تَعالى - ﴿أوْ تَقُولُوا لَوْ أنّا أُنْزِلَ عَلَيْنا الكِتابُ لَكُنّا أهْدى مِنهُمْ﴾ [الأنعام: ١٥٧] وهَذا تَأْوِيلُ ما رُوِيَ عَنْ عُبادَةَ بْنِ الصّامِتِ أنَّ آيَةَ ﴿واتْلُ عَلَيْهِمْ نَبَأ الَّذِي آتَيْناهُ آياتِنا﴾ [الأعراف: ١٧٥] إلى آخِرِها نَزَلَتْ في قُرَيْشٍ.

وفَرَّعَ عَلى ذَلِكَ الأمْرَ بِقَوْلِهِ ﴿فاقْصُصِ القَصَصَ لَعَلَّهم يَتَفَكَّرُونَ﴾ أيِ اقْصُصْ هَذِهِ القِصَّةَ وغَيْرَها، وهَذا تَذْيِيلٌ لِلْقِصَّةِ المُمَثَّلِ بِها يَشْمَلُها وغَيْرَها مِنَ القَصَصِ الَّتِي في القُرْآنِ، فَإنَّ في القَصَصِ تَفَكُّرًا ومَوْعِظَةً فَيُرْجى مِنهُ تَفَكُّرُهم ومَوْعِظَتُهم، لِأنَّ لِلْأمْثالَ واسْتِحْضارِ النَّظائِرِ شَأْنًا عَظِيمًا في اهْتِداءِ النُّفُوسِ بِها وتَقْرِيبِ الأحْوالِ الخَفِيَّةِ إلى النُّفُوسِ الذّاهِلَةِ أوِ المُتَغافِلَةِ، لِما في التَّنْظِيرِ بِالقِصَّةِ المَخْصُوصَةِ مِن تَذَكُّرِ مُشاهَدَةِ الحالَةِ بِالحَواسِّ، بِخِلافِ التَّذْكِيرِ المُجَرَّدِ عَنِ التَّنْظِيرِ بِالشَّيْءِ المَحْسُوسِ.